التخطي إلى المحتوى الرئيسي

فما هو اللاعنف؟ وما هي أنواعه؟ وكيف يمكننا من أن نصل إليه؟


فما هو اللاعنف؟ وما هي أنواعه؟ وكيف يمكننا من أن نصل إليه؟

عُرف اللاعنف بتعريفات عدة سواءً أكانت في علم السياسة أم في علم الاجتماع،  وكل فريق فسره حسب نظرته إلى المصطلح من وجهة نظره هو، فعلماء السياسة تناولوه من جانب سياسي والاجتماع عرفوه من جانب اجتماعي ونادراً ما نجد تعريفاً شاملاً أحاط بالموضوع من بعديه الاجتماعي والسياسي نأخذ مثلاً تعريف اللاعنف الذي جاء في الموسوعة السياسية لمبدأ اللاعنف حيث عُرف على أنه:- (سلوك سياسي لا يمكن فصله عن القدرة الداخلية والروحية على التحكم بالذات وعن المعرفة الصارمة والعميقة للنفس).(2)

    إن هذا الحصر لمبدأ اللاعنف في النطاق السياسي لا يمكن قبوله بأي حال من الأحوال، وذلك أن الإنسان الذي كرم بالعقل، والذي تميز به عن غيره من المخلوقات لزم من تكريمه هذا من قبل خالقه أن يكون العقل للاستعمال في كافة المجالات، والعلاقات التي يقيمها هذا الإنسان مع غيره.

   ويستخدم البروفيسور جين شارب، وهو باحث كبير بشأن المقاومة اللاعنيفة، التعريف التالي: (إن العمل اللاعنيف هو أسلوب يستطيع به الناس الذين يرفضون السلبية والخضوع، والذين يرون أن الكفاح ضروري أن يخوضوا صراعهم بدون عنف،  وهو ليس محاولة لتجنب أو تجاهل الصراع، بل هو استجابة لمشكلة كيفية العمل بفعالية في مجال السياسة، لاسيما كيفية استخدام القدرات بفعالية.(3)

    وبالرغم من أن البروفيسور في تعريفه هذا أقترب من مفهوم اللاعنف إلا أنه فصل في مسالة العنف في كونه سياسياً مرة واجتماعيا تارة أخرى مع تأكيده على أمر مهم وهو أن اللاعنف هو (ليس محاولة لتجنب الصراع) وهذه المسألة في حدّ ذاتها هي محاولة عنفية لان اللاعنف في أساسه هو مرادف لكلمة السلام فإذا ما طبق اللاعنف أصبح أساساً لتجنب الصراع، بينما نجد الإمام الراحل في تعريفه للاعنف المطلق على أنه سلوك يرفض استخدام العنف الجسدي لتحقيق تغيير اجتماعي أو سياسي أو أي مجال آخر من مجالات الحياة، فالمفهوم عند الإمام الراحل شأنه شأن اغلب المصلحين-كغاندي على سبيل المثال لا الحصر- ينطلق من كونه منطلقاً فلسفياً شاملاً لا يحده علم من العلوم أو فكرة معينه يتداخل- دون تمييز- مع جوانب الحياة كافة.(4)

الوسائل اللاعنفية:

(إن اللاعنف يحتاج إلى نفس قوية جداً تتلقى الصدمة بكل رحابة ولا تردها حتى لو سنحت الفرصة) هذا ما أكد عليه الإمام الشيرازي في محاضراته وكتبه في حديثه عن اللاعنف، فهو بحاجة إلى (نفس طويل) كما يعبرون لانه في الأساس لا يتكون إلا في التدرج فمصداق اللاعنف عنده يتجلى في ثلاثة مواضع إذ يتجلى في اللسان واليد والقلب وسنقف عند كل منها قليلا:

1- اللاعنف في اليد: وهو أن لا يمد الإنسان يده نحو الإيذاء ولو بالنسبة إلى الأقوى من خصومه حتى لو كان المد لرد الاعتداء((وأن تعفو أقرب للتقوى)) وهذا لا يعني أن لا يقي الإنسان جسمه من الصدمة الموجهة إليه وإنما يقيها من العنف، فالعنف اليدوي ضرورة محتمة بالنسبة إلى من لا قوة له وهو موجود في المسيحية كما في الإسلام؛ ففي تعاليم السيد المسيح عليه وعلى نبينا السلام – كما في الأحاديث المروية عن الأئمة عليهم السلام يقول (ع): (لقد قيل لكم من قبل أن السنّ بالسنّ والأنف بالأنف، وأنا أقول لكم: لا تقاوموا الشرّ بالشرّ بل من ضرب خدّك الأيمن فحوّل إليه الخد الأيسر ومن أخذ رداءك فأعطه أزارك وإن سخّرك لتسير معه ميلاً فسر معه ميلين).(5)

2- اللاعنف اللساني:

وهو أن يلزم الإنسان لسانه ويلجم كلامه عن النيل من المعتدي سواء كان معتد بيد أو لسان وهو فضيلة كبرى يلزم على أصحاب الدعوة أن يمارسوها وأن خشن مركبه وصعب قياده.

3-  اللاعنف القلبي:

وهو أن لا يملأ الإنسان قلبه بالعنف بالنسبة إلى خصومه ومناوئيه فكثيراً ما يسري العنف القلبي إلى ملامح الوجه وحركات الأعصاب ومنها يذهب إلى اللسان واليد وبذلك يكون العنف القلبي من أصعب هذه الأقسام. فاللاعنف القلبي يستقر مكانه في القلب فهو يحتاج إلى جهاد طويل ومكابرة مستمرة حتى يحصل الإنسان على ملكة قوية تزول الجبال ولا تُزال وإذا حصل الإنسان على هذه الملكة الراسخة سرى اللاعنف على لسانه ويده تلقائياً.

أنواع اللاعنف:

إن ظهور السلوك العنيف في غالبية المجتمعات الإنسانية في العالم يدفع البعض إلى التصور بأن العنف جزء موروث من الطبيعة البشرية، لكن آخرين ينظرون إلى الأمر بشكل مختلف، فهناك مثلاً من يقول بأن النهج العنفي في السلوك البشري هو ظاهرة حديثة نسبياً ظهرت قبل أقل من عشرة آلاف سنة، ولم تكن حاضرة في المجتمعات البشرية إلا بعد توطنها وبناءها للمساكن والتجمعات الحضرية وهي لا تتخذ إلا صورة واحدة، ولكن بعدما توسعت الحياة وتوسعت مفاهيمها أصبح للمفهوم أشكال عدة متداخل في كل مصافي الحياة ومن هذه الأشكال:

1- اللاعنف الديني:

أن مبدأ اللاعنف إنما هو مبدأ ديني، أطلقته الأديان، كما أن اللاعنفيين في غالبيتهم العظمى من المتدينين بغض النظر عن كون أديانهم سماوية أم غيرها.(6)

 إن نظرة إلى الأديان الإلهية الحقة تكشف لنا صحة هذا المدعى، وبما أن الأديان - غير الدين الإسلامي الحنيف - كانت قد طالتها يد التحريف، فإن الواقع الذي كانت عليه نستطيع الوقوف على حقيقته من خلال القرآن الكريم، وكذلك من خلال سيرة النبي الأكرم وأهل بيته(عليهم السلام)، هذا على سبيل العموم، أما بالنسبة إلى الدين الإسلامي فأن ما يدل على مبدأ اللاعنف أكثر من أن يحصى عداً عن طريق مصادر الشريعة الإسلامية ومنها الكتاب والسنة.

2- اللاعنف السياسي: وهو ما انحصر نطاقه في ميدان علاقة الإنسان بالدولة وكيف يمكن أن تكون هذه العلاقة والاسس التي تربط الفرد معها.

3-اللاعنف الاجتماعي: وهو أن يتمثل فيما يجب أن تكون عليه العلاقات بين الإنسان وأخيه الإنسان سواء على صعيد الأسرة، أم المجتمع، فإن الدين الإسلامي يرسم لنا من خلال أحكامه صوراً لهذه العلاقات ملؤها الحب والتسامح والعفو.

كيف نصل الى تحقيق مبدأ اللاعنف:

1- إنشاء منظمات ومؤسسات تهتم وتعنى بنشر مفاهيم اللاعنف عند الأفراد في مختلف جوانب الحياة.

2-  التأكيد على دور الجانب الإعلامي في بثه لبرامج تساعد المجتمع من أجل الوصول إلى اللاعنف المطلق الذي أكد عليه الإمام الراحل في مراحل الحياة كافة.

3- الاهتمام بدور التربية والتعليم من خلال بثها لمناهج توعوية تبدأ بالإنسان منذ سني حياته الأولى وتستمر معه إلى أن يكبر.

4- الاهتمام بدور الأسرة فعليها يقع العبء الأكبر في النهوض بالإنسان بعدّها النواة التي منها يسوق أفكاره إلى ( المجتمع).

5- التأكيد على الاقتداء بسيرة أهل البيت عليهم السلام وخصوصاً في الجوانب التي تخص موضوع اللاعنف من كظم الغيض والعفو عن الآخرين وغيرها..

..........................

http://www.annabaa.org/nbanews/68/023.htm

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بحث عن التنمية المستدامة ( البحث منقول)

مقدمة الفصل: لقد أستحوذ موضوع التنمية المستدامة اهتمام العالم خلال 15 سنة المنصرمة وهذا على صعيد الساحة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية العالمية ،حيث أصبحت الاستدامة التنموية مدرسة فكرية عالمية تنتشر في معظم دول العالمي النامي والصناعي على حد سواء تتبناها هيئات شعبية ورسمية وتطالب بتطبيقها فعقدت من أجلها القمم والمؤتمرات والندوات.ورغم الانتشار السريع لمفهوم التنمية المستدامة منذ بداية ظهورها إلا أن هذا المفهوم مازال غامضا بوصفه مفهوما وفلسفة وعملية ،ومازال هذا المفهوم يفسر بطرق مختلفة من قبل الكثيرين ولذلك فقد تم التطرق في هذا الفصل إلى مبحثين رئيسيين:المبحث الأول: ماهية التنمية المستدامة;المبحث الثاني: محاور أساسية في التنمية المستدامة;المبحث الأول: ماهية التنمية المستدامةبدأ استخدام مصطلح التنمية المستدامة كثيرا في الأدب التنموي المعاصر وتعتبر الاستدامة نمط تنموي يمتاز بالعقلانية والرشد، وتتعامل مع النشاطات الاقتصادية التي ترمي للنمو من جهة ومع إجراءات المحافظة على البيئة والموارد الطبيعية من جهة أخرى، وقد أصبح العالم اليوم على قناعة بأن التنمية المستدامة التي تقضي على قضايا التخ

عوامل قوة الدولة

ان لعوامل القوة المتاحة للدولة دور كبير في تحديد مكانتها على الساحة الدولية لكن قبل التعرض لهذه العوامل يجب علينا ان نعرج على بعض المفاهيم إن القوة ـ كما أوضحت تعريفاتها ـ ليست التأثير ، وإنما القدرة على التأثير . وتستند هذه القدرة على امتلاك الدولة إمكانيات (خصائص ، موارد ، قدرات ، مؤسسات) معينة تشكل مقومات القوة القومية Elements of National Power التى تمكنها من التأثير على سلوكيات الدول الأخرى فى الاتجاهات التى تحقق مصالحها، كالمساحة الجغرافية ، وعدد السكان ، والموارد الطبيعية ، والقدرات الإقتصادية ، والقوة العسكرية ، والبنية التكنولوجية ، والفعاليات الثقافية، والمؤسسات السياسية ، والحالة المعنوية للشعب ، وغيرها . لكن ، على الرغم من أن هذه الإمكانيات المتداخلة تشكل فى مجموعها عوامل القوة الشاملة لأى دولة ، فإن هناك اختلافات أساسية فيما بينها ، ترتبط باعتبارات عملية ، تتصل بالقدرة على استخدامها فى عملية التأثير ، خاصة خلال المواقف التى يتعرض في

المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية

المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية "تمثل مدرسة الواقعية السياسية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية ردة فعل أساسية على تيار المثالية. وهدفت الواقعية إلى دراسة وفهم سلوكيات الدول والعوامل المؤثرة في علاقاتها بعضها مع بعض. . . [لقد] جاءت الواقعية لتدرس وتحلل ما هو قائم في العلاقات الدولية, وتحديداً, سياسة القوة والحرب والنزاعات, ولم تهدف كما فعلت المثالية إلى تقديم . . . [مقترحات] وأفكار حول ما يجب أن تكون عليه العلاقات الدولية". "وقد حاول الواقعيون الحصول على أجوبة لأسئلة مازال يطرحها الأكاديميون والمهتمون بالشؤون الدولية منذ الستينات وحتى يومنا هذا. إذن هدفت الواقعية إلى تقديم نظرية سياسية لتحليل وفهم واستيعاب الظواهر الدولية". يرى مورغنثاو (وهوا من ابرز منظري الواقعية) بان السياسة الدولية تتميز (وتنفرد) "كفرع أكاديمي عن دراسة التاريخ والقانون الدولي والأحداث الجارية والإصلاح السياسي". أهم المسلمات الأساسية في الفكر الواقعي 1. "أن السياسة لا يمكن أن تحددها الأخلاق كما يقول المثاليون بل العكس هو الصحيح. وبالتالي فالمبادىء الأخلاقية لا يمكن تط