|
|
|
أول سؤال يواجه الباحث عندما يتعرض للاقترابات هو:"ما الإسهام الذي يود تحقيقه: تنمية الاقتراب أم استخدامه أم تطبيقه؟" ولا ننكر واقعتين احتمال حدوثهما كبير جداً، أولاهما أن تنمية الاقتراب وتطبيق الاقتراب يسهمان في تنمية العلم، وثانيتهما أن تطبيق الاقتراب قد يسهم في تنمية الاقتراب، بينما الاقتراب قد ييسر أ يعوق التطبيق أو الاستخدام، إلا أن التمييزم هام[1]، فهل يستهدف الباحث"التنظير" أم الواقع العملي أم كليهما معاً؟ هذا السؤال اجابته في تصنيف البحوث بدءاً من"البحث" أي الموجه إلى الحقل الأكاديمي وانتهاء بالبحث"الحركي"، أي الموجه نحو"الفعل" و"السياسة" Policy. وأياً كان الإسهام المنشود، فلا بد أن يخضع الباحث لاقتراب ومحاولات تطبيقه واستخدامه للتقويم، ولا نسعى هنا إلى تقويم الاقتراب بغرض خلق فرص لتنميته أساساً، وإن كان بعض الفرص سيتجلى في تقويم الاقتراب بغرض تيسير التطبيق أو الاستخدام، ومن تقويم محاولات والاستخدام، وعليه، ينقسم هذا البحث إلى ثلاثة أجزاء معايير تقويم الاقتراب البنائي- الوظيفي ومحاولات تطبيقه واستخدامه. |
تقويم تطبيق واستخدام الاقتراب البنائي- الوظيفي في علم السياسة.
تقويم تطبيق واستخدام الاقتراب البنائي الوظيفي في البحوث والدراسات السياسية في مصر، ويختتم بتأمل بعض فرص التطوير وزيادة الفهم.
أولاً- معايير تقويم الاقتراب ومحاولات التطبيق والاستخدام
يفرض الكشف عن هذه المعايير طرح بعض التمييزات والأفكار الأساسية بإيجاز يتناسب مع المساحة المتاحة:
1- لغة الاقتراب ولغة التطبيق والاستخدام
يستخدم الاقتراب لغة ذات تعريفات اسمية nominal أو معجمية Lexical أما لغة التطبيق أو الاستخدام فذات تعريفات إجرائية Operational أو واقعية Real، ويعكس الانتقال من الاسمية إلى الإجرائية التحول من لغة النظرية والتنظير إلى استراتيجيات الإثبات(الأقرب إلى الأدلة الجنائية)، أي توليد أدلة إثبات فروض أو نظريات قابلة للاختبار والتفسير الإمبريقي.
ويتولد عن اللغة التنظيرية أبعاد للمفاهيم ومفاهيم مشتقة لها، وافتراضات(أو بتعبير البعض) قضايا Propositions، ويتولد عن اللغة الإجرائية متغيرات ومؤشرات لها، وفروض Hypothesls وفروض عملية working hypothesis ويغلب على اللغة التنظيرية الاستنباط وعلى اللغة الإجرائية الاستقراء[2]
و"تابعة" باصطلاحات التوقعات التجريبية والمشاهدية، ويتبنون مجموعة من الافتراضات على أنها أساسية ثم يشتقون منها القواعد Theorems بالعمليات المنطقية، ونادراً ما يهتمون بجدية بتعريف مفاهيمهم بصراحة وبطريقة صورية formal.
2- العلاقة بين المتغيرات
يمكن التمييز بين:[3]
- العلاقة الحتمية deterministic أو الاحتمالية stochastic وتعبيراً عن الأولى:"إذا وجدت س توجد بلا خلاف ص"، وعن الثانية:"إذا وجدت س من المحتمل أن توجد ص".
- العلاقة الانعكاسية reversible أو غير الانعكاسية trreversible وفي الأولى:"إذا وجدت س توجد بعدها ص"، وفي الأخيرة:"إذا وجدت ض فلا نتيجة عن س".
- العلاقة التعاقبية sequential أو التعايشية coextensive وفي الأولى:"إذا وجدت س توجد بعدها ص"، وفي الأخيرة:"إذا وجدت س توجد معها ص".
- العلاقة الضرورية necessary أو الإحلالية Substituation مثال الأولى:"إذا وجدت س، وفقط إذا وجدت س توجد ص"، ومثال الثانية:"إذا وجدت س توجد ص، ولكن إذا وجدت ع أو أي معادل وظيفي لها توجد أيضاً ص".
- العلاقة الكافية sufficient أو المشروطة contingent، ففي الأولى:"إذا وجدت س توجد ص بغض النظر عن أي شيء آخر"، وفي الثانية:"إذا وجدت س توجد ص بشرط وجود نوع"
قد تكون التقريرات التي يتضمنها الاقتراب إما: حتمية، غير
انعكاسية، تعاقبية، ضرورية، وكافية، أو: احتمالية، إنعكاسية، تعايشية، إحلالية، ومشروطة، والأولى أقل وجوداً في علم السياسة وأرهق في التدليل والإثبات، والثانية خلاف ذلك. ويمكن وصف النوع الأول"بما لا يمكن تحاشيه invitability" والثاني بعلاقة"الاعتماد المتبادل Interdependency".
3- التعميمات: توجد تعميمات تعمل كقانون lawlike وأخرى تظل تعميمات وصفية، النوع الأول هو التعميمات الحقيقية، وتصاغ بطريقة تغطي مجموعة المشاهدات وتتخطاها، ويقتصر الثاني على تغطية مجموعة المشاهدات ولا يتخطاها، مثل القول:"كل عمداء كلية الاقتصاد ذكور" فهو تعميم لا يؤثر أداة تنبوئية، فلا نستطيع أن نتوقع منه أن العميد المقبل ذكر أم أنثى. بينما يسمح الأول بالاستنتاج الاستنباطي من مجموعة المشاهدات التي بني عليها إلى مجموعة مفتوحة وغير محدودة، وموطن الأول الاقتراب المصاغ بطريقة استنباطية، وأهم سماته: عدم الاختلاف invariance بمعنى الانطباق على مجموعة لا نهائية من المشاهدات تدعم حدوده، وغير مقيد بالزمان والمكان، ويوجد في البناء الاستنباطي، وقابل للاختبار بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
ويستبعد هذا التحديد التعميمات التزامنية Syndromatic التي تتضمن توكيداً لخصائص متزامنة نحو:"إذا وجد س، فإن عناصر أخرى محددة: ص، ع، ل تتعايش(تتزامن) مع س"، فهي افتراضات عممت كتعريفات وتستخدم كأساس للتبويب أو التصنيف.
وغالباً ما يغض الطرف عن هذا التمييز، وما زالت معظم الاقترابات في علم السياسة سوابق لبناء النظرية، أي تنتمي إلى ما قبل التنظير.
4- التفسير
يشير التفسير إلى أحد أربعة أنواع من النشاط الفكري:
- معرفة معنى س: أي تقديم معنى لكلمة، أو عبارة، أو رمز معقد،
أو ناتج أدبي أو رمزي غير لغوي، كقول:"اشرح معنى(المصداقية)؟(ترداف اشرح كلمة Explain)" أو قول: اشرح ما يعنيه استون بـ(التخصيص السلطوي للقيم)"، فالتفسير هنا شرح للمعنى.
- معرفة كيف تعمل ص: مثل تعليم الآخرين كيف يصنعون الكعك أو يضعون برنامجاً مناسباً للحاسب الآلي، وتتضمن إعطاء توجيهات معقدة ترشد إلى الأداء الناجح، كقول:"وضح لي أو علمني كيف يصنع الكعك؟" أو قول:"وضع لي أو علمني كيف توضع خريطة البرنامج؟(ترداف"وضح لي" و"علمني" كلمة Explain)، فالتفسير هنا بيان عملي أو بيان نظري لما يمكن عملياً.
- عرض أسس ل: بمعنى - مثلاً- إثبات أن زوايا المثلث متساوي الأضلاع متساوية أو أن مجموع زوايا المثلث 180 درجة، وهذا ما يسميه المناطقة"البرهنة" فهي برهنة صورية formal demonstration ومكانها في مجال اللغة الصورية، كقول:"اثبت أن مجموع زوايا أي مثلث تساوي 180 درجة؟"(ترداف"اثبت" كلمة Explain)، فالتفسير هنا عملية إثبات أو برهنة.
- معرفة لماذا ل: بمعنى تقديم سبب لحدث معين أو شيء معين أو بتعبير أعم بيان علة(الكشف عن علة) لمعلول، كالإجابة على:"فسر لماذا أصبح مبارك رئيساً لمصر"، أو:"فسر لماذا دخلت مصر حرب أكتوبر 1973"، هنا التفسير تسبيب أو علة.
ولعل النوع الأخير هو المقصود عندما يتحدث الناس عن التفسيرات، وهو المقصود في العلم تحديداً[4]، فغاية العلم تقديم إجابات يعول عليها لأسئلة"لماذا؟"، إلا أن ستة أنواع من الإجابات ممكنة[5]:
(أ) التفسير التطوري gentic، بمعنى تقديم تتالي زمني للأحداث يجعل حدوث الحدث موضع التفسير جلياً أو واضحاً أو مفهوماً، ففي هذا التتالي يكشف النقاب عن السبب أو العلة.
(ب) التفسير بالإشارة إلى نوايا الفاعل actor's intentions اعتماداً على أن التفاعل رشيد ويأخذ بالوسائل التي تؤدي إلى الغايات متى توافرت لديه المعلومات وأراد الغايات، فسلوكه هادف. وقد تستبدل النوايا بأشياء أخرى قريبة كالأغراض purposes والدوافع motives والأسباب العقلية reasnons.
(ج) التفسير باستخدام نزعات مسبقة dispositions، وينبني كسابقه على مفهوم الرشادة الإنسانية، إلا أنه يعول أكثر على اتجاهات الفاعل، أي استعداده المسبق للتصرف بطريقة معينة في موقف لم تتحدد أبعاده بعد.
(د) التفسير بوظيفة الحدث، بتوضيح غرضه النسقي في السياق المعطى، وهذا نمط من التفسير متميز عن النمطين السابقين مباشرة، وهو لا يقتصر على العلوم البيولوجية والاجتماعية وإنما يستخدم أيضاً في العلوم الفيزيقية، والتفسير الوظيفي تاريخي الطابع واهليجي elliptical وجزئي، ويركز عموماً على الحدوث المنتظم لحاجات فردية أو جماعية أو لنظام يمكن أن تفي بها مجموعة من الأنشطة أو الأبنية المتكافئة وظيفياً.
(هـ) التفسير باللجوء إلى التعميم الإمبريقي، فيتحدد الحدث المفسر في إطار مجموعة منتظمة من الأحداث[6].
كانت هذه بعض المحكات الأساسية لتقدير جدوى تطبيق أو استخدام اقتراب ما، فما الذي يمكن أن يقدمه الاقتراب للباحثين والممارسين عموماً؟ يؤدي الاقتراب - أو يجب أن يؤدي- خمس وظائف، ويمكن استخدامها في نفس الوقت كمعايير لتقويم الاقتراب من ناحيتي الأصالة والجدوى[7]:
1- عنصر مفاهيمي: بمعنى أن الاقتراب يعطي تنظيماً جيداً لمجموعة المفاهيم الأساسية والعلاقات المتبادلة بينها، وتقدر هذه المفاهيم ليس على أساس صدقها أو زيفها وإنما على أساس منفعتها التنظيرية.
2- عنصر تنظيري: بمعنى تقديم مجموعة من الفروض التي يمكن اخضاعها للاختبار الإمبيريقي.
3- قواعد التفسير التي تدلنا على العبارات التي تصف الظاهرة موضع المشاهدة، وأي المشاهدات تثبت أن تنبؤات النظرية المعطاة صحيحة أو زائفة، فهذا العنصر - كما وضح ميرتون- يؤدي إلى تراكم التفسيرات النظرية.
4- تحديد المشكلات النظرية والإمبيريقية التي تستحق الدراسة، وتسمى بالمعضلات puzzles، فهي"مجموعة المشكلات التي تثبت الأصالة والمهارة في الحل"، والمعيار في الحكم عليها هو التأكد من وجود الحل.
5- عنصر المعرفة- التنبؤ: بمعنى الاقتراب من الصحة المنطقية والإمبيريقية، فتتوافر في الاقتراب القدرة على الإضافة للمعرفة.
ثانياً- تقويم تطبيق واستخدام الاقتراب البنائي- الوظيفي في علم السياسة
ظهر الاقتراب البنائي- الوظيفي صياغة وتطبيقاً في علم السياسة على يد ألموند وزملائه، فقد حاول بناء نظرية وظيفية للنظم السياسية، وطبقوها في كتاب على المناطق المتنامية وفي آخر على مجموعة كبيرة من النظم من قبيل الدليل والتوضيح، ومن محاولة استون في بناء نظرية عامة للنظم السياسية ومحاولات ألموند التالي توضيحها نمى اقتراب فرعي في البنائي- الوظيفي هو اقتراب"المدخلات- المخرجات"، وحاول بلوندل تقديم اقتراب بنائي- وظيفي للحكومات، وحاول ميتشيل تطبيق أفكار(اقتراب) تالكوت بارسونز على النظام السياسي الأمريكي[8].
1- ألموند والمتطلبات الوظيفية: استخدم ألموند أربعة مفاهيم أساسية: البنية، الوظيفة، أسلوب الأداء، القدرات، وهي أبعاد المتطلبات الوظيفية.
البنية structure: يضمن ألموند النظام السياسي كل التفاعلات التي تؤثر على الاستخدام أو التهديد بالاستخدام الشرعي للإكراه المادي، وتشير البنية إلى"الأنشطة القابلة للملاحظة التي تشكل النظام السياسي" هي أنشطة منتظمة الحدوث يعبر عنها بالأدوار roles، وقد أدرك ألموند عدم كفاية تعريفه للدور فأضاف:
"يجب ألا يتكون تحليل النظام السياسي من ملاحظة الأنماط الواقعية للسلوك والتفاعل على مدى فترة زمنية فقط، وإنما أيضاً من تلك المقدرات الذاتية المتوطنة في النظام السياسي ككل وفي أجزائه المختلفة"[9].
وهذه الأخيرة هي الثقافة السياسية، فالفبنية ذات وجهين: وجه قابل للملاحظة والتحديد المباشر- السلوك- ووجه مستتر وتحديده غير مباشر- الثقافة السياسية- والبنية هي الفاعل الوظيفي.
الوظيفة Function: يحتمل مفهوم الوظيفة عند ألموند أكثر من معنى: سلوك، عملية، عامل ما، بل ويعتبرها أحياناً خطاً لحدود النظامالسياسي[10]، إلا أنه وضعها في تصنف ثلاثي: القدرات، وظائف التحويل، ووظائف الحفاظ على النظام والتأقلم، ولم يضمن المجموعة الأولى أياً من الوظائف التي درسها، وضمن الثانية ستاً منها، وضمن الأخيرة عمليتي التنشئة السياسية والتجنيد السياسي، ثم عاد وعالجها على أنها: وظائف مدخلات ووظائف مخرجات، والعمليتان سابقتا الذكر كعمليات تسمح باستمرارية النظام وتغيره، وتضم الأولى: تجميع المصالح، وتكتيل المصالح، والاتصال السياسي، وتضم الثانية: وضع القاعدة rule making
وتنفيذها، والتقاضي طبقاً لها، والعلاقة الأساسية بين الأبنية والوظائف بهذا المعنى هي فكرة"تميز الأدوار والأبنية"[11].
أسلوب الآراء performance style: ويشير إلى الطريقة التي تنفذ بها الوظيفة، وقد ميز بين النظم التقليدية والنظم الحديثة - أو بالأحرى بين الغربية وما عداها- طبقاً لأسلوب أداء كل وظيفة وعملية ذكرها، وفي هذا يربطها بوجهي البنية، ويبرز ارتباط أسلوب الأداء بالثقافة السياسية[12].
القدرات capabilities: ويشير إلى"مستوى الأداء" بل يجعلها ألموند مرادفاً للأدء نفسه[13]، وقد حدد خمس قدرات: القدرة الاستخراجية extractive، القدرة التنظيمية regulative، القدرة التوزيعية distributive، القدرة الرمزية symbolic، القدرة الاستجابية responsive، وكانت القدرات بمثابة اقتراح لم يطبقه ألموند وزملاؤه.
وأهم المشكلات التي يثيرها هذا الاقتراب:[14]
- جعل النظام السياسي المتقدم معادلاً للنظام الديمقراطي"الأنجلو- أمريكي"، وإهمال الوظائف المجتمعية وإسهام النظام السياسي فيها.
- تعدد أبعاد المقارنة، فهي حوالي 20 بعداً، منها اثنان فقط أساسيان، والباقي ثانوي، وهذا يفرض صعوبات غير قابلة للحل في المقارنة.
- الميل إلى التركيز بداءة على العلاقات الاستاتيكية أكثر من العلاقاات الديناميكية، فهذا الاقتراب مهتم - فوق كل شيء- بمشكلات البقاء ومتطلبات التأقلم المستمر وتشغيل الوظائف والأبنية المختلفة الموجهة نحو الحفاظ على النظام، ولا يقبل إلا التغير التدرجي والسلامي.
- المعاناة من"خدعة السببية الوظيفية النهائية fallacy of infinite
funcionalism"، أي الميل إلى"تفسير أصول الشرط أو نمط الحركة باصطلاحات كونه ضرورة وظيفية لبقاء النظام"، فالقول بأن بنية معينة تؤدي وظيفة هامة ما لا يني أن هذه الوظيفة مفسر كاف لأصلها ووجودها.
العنصر المفاهيمي، وفير، لكنه ناقص مشوش منطقياً، ويجعل هذا التشويش من العسير تحديد العنصر التنظيري والمعضلة التي يحلها وقواعد التفسير، وباختصار متى فسد الأساس فسد البناء، إلا أنه ما زال صالحاً لتنظيم جميع البيانات وربما وضع معايير للملاحظات الأساسية.
الإغراق في استعارة وتطبيق المفاهيم المستخدمة في العلوم الطبيعية.
لا يمكن تطبيقه على الظواهر السياسية الجماهيرية مثل التصويت وتكوين الاتجاهات السياسية والمظاهرات وغيرها مما يعد"سياسة ندوة".
2- بلوندل والاقتراب البنائي- الوظيفي للحكومات: الحكومة جهاز لتخصيص"القيم" وعند الضرورة إجباراً، وذلك على مراحل ثلاثة:
"أولاً، لا بد وأن نعرف الطريقة التي تصاغ بها هذه القيم ويتم إعلام الحكومة بها، وثانياً، لا بد وأن نعرف كيفية هضم(تمثيل) جهاز الحكومة وتحويله هذه القيم إلى قرارات قابلة للتطبيق على كل المجتمع، وثالثاً: لا بد وأن نعرف كيف تنفيذ هذه القرارات طبقاً لخط الأمر الحكومي"[15].
والهدف الأساسي من ذلك تخفيض التوتر وحل الصراعات، وأداته أبنية ذات طابع"قيمي وإجرائي"، يسميها"ترتيبات قانونية"، ويقيم النموذج على ثلاثة مفاهيم:
النظام السياسي: لم يقدم بلوندل تعريفاً للنظام السياسي وإنما يقدمه مضاهاة للآلات الإلكترونية:
"يمكن فهم النظام السياسي بالمضاهاة بالكمبيوتر الإلكتروني الذي6
يشغل وبالتالي يحول"المدخلات" إلى"مخرجات" بينما تسمح آليات التكيف بالتغذية العكسية... وتدفع المدخلات النظام السياسي إلى الحركة، فيجب فهمه كماكينة معقدة يدفعها للحركة عدد ضخم من المطالب والمساندات التي على مستويات مختلفة من التحديد.... وماكينة النظام السياسي لها رقابة على المخرجات أكثر مما لها على المدخلات"[16].
ويؤكد بلوند على آليتين: آلية العرض أو التسجيل momitoring وهو الذي يسجل المطالب"بطريقة معقدة" وبما يؤدي إلى تحريك"الماكينة"، وآلية ا لتحويل وهي التي تحول المدخلات إلى مخرجات بعد"عملية اختيار أو تقييد، أو إعادة ترتيب"، والنظام السياسي هنا هو"الحكومة".
الوظائف: يرى بلوندل أن مشروع ألموند مرض إلا أنه منتقد في بعض جوانبه خاصة الوظيفة والعملية، ويعيد الصياغة، فآلية العرض تقوم باختيار وتوليف المطالب، أي"التجميع" و"التكتيل" بتعبير ألموند، ويجعل المخرجات:
- مخرجات قيمية وهي عامة وليست اجرائية، ويسميها"بالمخرجات الداخلية"، وترادف"صنع القاعدة" عند ألموند.
- مخرجات خاصة وهي إجرائية وتنبع من المخرجات العامة وتتجه نحو تنفيذ القاعدة كقرارات فردية.
- مخرجات(قيمية - لكن- خاصة" وترادف"التقاضي طبقاً للقاعدة" عند ألموند.
ومن ثم يلخص بلوندل وظائف النظام السياسي أو عملياته على النحو التالي:
"(1) من أجل تشغيل المدخلات، على النظام السياسي أن يختار من بين الضغوط التي تفرضها العوامل البنائية والمؤقتة التي تميز المجتمع.
(2) ويتبع عملية الاختيار عملية توليف، وكلاهما مرتبط بوجهة النظر القيمية للنظام السياسي، ومن ثم فهما معرضتان"للكبت" أو"الزيادة" نتيجة لتلك العوامل القيمية، (3) ومن أجل تحويل المدخلات إلى مخرجات يمر النظام السياسي بمرحلتين متعاقبتين، فيعبر أولاً عن القواعد القيمية للنظام في تقريرات عامة، (4) ثم تطبق تلك بالتالي على المواقف الخاصة، (5) وأخيراً توجد عملية المراجعة المزدوجة حيث تواجه القواعد القيمية بالمخرجات الفردية كعنصر من آلية التغذية العكسية وكمطلب قيمي في المجتمعات الإنسانية"[17].
الأبنية: يتبنى بلوندل تقسيم الكتب المدرسية للأبنية، فيرى أنها ستة أنواع: التجمعات الاجتماعية والاقتصادية، الأحزاب، الهيئات التنفيذية، البرلمانات والمجالس الاستشارية، الهيئات القضائية، والأجهزة الإدارية، ويربط بلوندل بين الأبنية والوظائف على النحو التالي[18]:
ما قدمه بلوندل لا يصلح لأن يكون"نموذجاً" على الاطلاق، فما قدمه لا يعدو أن يكون تطويراً أوبالأحرى إعادة صياغة للوظائف التي قدمها الموند ليضفي عليها طابع المدرسة التي يعتنقها ألا وهي"الدستورية"، وذلك في محاولة لتطوير تلك المدرسة بإذابة الحكومة في التحليل السياسي فبقية كتابه ليست معالجة على أساس هذه الأفكار المطروحة، وحينما حاول تقديم تصنيف للنظم السياسية استخدم أبعاداً جديدة هي: من يحكم، وبأي طريقة، ولأي غرض، في عودة واضحة إلى أرسطو طبقاً لصياغة داهل Dahl.
3- ميتشيل والمتطلبات الوظيفية للمجتمع: قدم ميتشيل تصوره للاقتراب البنائي- الوظيفي كمقدمة لدراسة"النظام السياسي الأمريكي"[19] وفيه تطوير لفكرة"المدخلات- المخرجات"، وفكرة المتطلبات الوظيفية- تحقيق الهدف، الاندماج، التأقلم، الحفاظ على النمط- لبارسونز.
وقد حدد ميتشيل المتطلبات الوظيفية على النحو التالي:
- التحديد السلطوي لأهداف النظام، فنحن مهتمون بأنواعها وعددها.
- التعبئة السلطوية للموارد لتنفيذ الأهداف، وتشمل الموارد: العاملين والمهارات والماديات والتكنولوجيا.
- اندماج النظام، ويتضمن هذا فحص الضوابط وأنواعها وعددها وفرصتها.
- تخصيص القيم والنفقات، ويتضمن هذا فحص أنواعها وحدوثها ومتلقيها وكمياتها.
وتظهر ثلاثة من هذه الوظائف في جانب المخرجات، وواحدة في جانب المدخلات، وتضم هذه الأخيرة: المطالب والتوقعات والموارد والمساندة، وهي الخاصة بتعبئة الموارد أو التأقلم، أما الثلاثة الأخرى فهي تحقيق الهدف والاندماج والحفاظ على النمط.
وقد تبنى ميتشيل تقسيم استون للمدخلات وأضاف إلى جانب المطالب
"التوقعات" و"الموارد"، وقد أدرك أن مخرجات النظام السياسي"قرارات وسياسات"، وهذا ما ذكره استون، إلا أن ميتشيل وضح مجالات ثلاثة لها: أهداف النظام، القيم والتكاليف، والضوابط.
اهتم ميشيل أكثر من استون والموند بالبنية الداخلية للنظام السياسي(بداخل الصندوق) التي تشغل المطالب والموارد والمساندة فتخرج كقرارات سلطوية، فالبنية ككل والعلاقات بين أجزائها في غاية الأهمية، وقد اهتم ميتشيل بمفهومي"الأدوار" و"القواعد القيمية" التي تحكم هذه الأدوار، وبالعلاقات الرسمية وغير الرسمية، وأهم ما يطرحه في هذا المقام: هل النظام السياسي متخصص وظيفياَ؟ وإلى أي درجة؟ وإلى أي حد تتخصص(تتميز) البنية الداخلية وطبقاً لأي معايير؟ ما مدى وضوح بنية القوة(السلطة)؟ وإلى أي حد هي مفتوحة؟ وإلى أي حد هي مركز أو منتشرة؟ وكيف تكتسب الأدوار السلطوية وكيف تضبط؟ وكيف تفرض القواعد القيمية؟ وما هي آثار البنية على وظائف تحقيق الهدف، التخصيص، إدارة التوتر، والاندماج؟
4- مسائل يجب أن تؤخذ في الاعتبار: بمراجعة الأدبيات السابقة الذكر وغيرها وجدت أن المنظرين والدارسين تنزلج أقدمهم في مزالج عسيرة نتيجة عدم مراعاة عدة مسائل الرعاية الكافية:
(أ) وحدة التحليل: فقد ورثت العلوم الاجتماعية جدل"المعرفة- التكوين" و على قضب التكوين Ontoligy موقفان: للكلية أو الهولامية Holism، فالمجتمع نظام أو كل لا يمكن تنقيصه إلى محصلة مكوناته، والجزئة أو العناصرية elementalism، فالحقيقة الاجتماعية تكتل أفراد متفاعلين، وعلى قضب المعرفة epistemology موقفان: الوضعية positivism وترى أنه لا يوجد إلا شكل واحد للمعرفة العلمية بالحقيقة هو ما تأخذ به العلوم الطبيعية، وعلى العلوم الاجتماعية أن تقتفي أثرها، وغير الوضعية أو معارضو الوضعية unti-positivism ويرون أن طرق دراسة الحقيقة الإنسانية تختلف عن تلك المألوفة في دراسة الحقيقة الطبيعية لأن الأخيرة
موضوعية وسببية تماماً أما الأولى فقصدية وذات معنى، أي الباحث إذن بالنسبة لوحدة التحليل وأسلوب دراستها؟ موقفان لا بد من حسمهما بوضوح كاف في فكر الباحث على الأقل إن لم يكن في نتاجه أيضاً.
(ب) وحدة تحليل أمبيريقية أم تحليلية: فالنظام مثلاً ليس تجميعة عشوائية من العناصر وإنما مجموعة متعامدة يمكن وصفها في اطار زمني وفي اطار مكاني، فهذا نظام أمبيريقي، ولا يمكن الحديث عن النظام إلا في الحالات التي توجد فيها عمليات مختلفة تؤدي إلى القول بوجود نظام محدد وبعينه، ويجب أن يعبر النظام عن اختلافات ظاهرة وهامة في عملياته وأبنيته على مر الزمن، أما من وجهة النظر التحليلية أو التشييدية analytical or constructive فيمكن معالجة أي تجميعة من العناصر التي تبدو ذات أهمية لغرض البحث على أنها تشكل نظاماً على الأقل في المراحل الأولى لجمع البيانات والتحليل، ومن ثم فإن القرار النهائي المتعلق بوجود نظام ما أو عدم وجوده لا يتم الوصول إليه إلا في المرحلة الأخيرة للتحليل، وعلى الرغم من أن هذا الاتجاه يعفي الباحث من اتخاذ أي قرار تحكمي فيما يختص بوجود نظامما إلا أنه يفرض عليه مشكلات خطيرة فيما يتعلق بجمع البيانات وتبويبها خاصة في المراحل الأولى، وينحو الدارسون هذا النحو في بناء النموذج model-building وفي التشبه simulation بالذات، فعلى الباحث أن يعي الفارق، وأن يعيد البناء إذا تبنى النظرة التحليلية.
(ج) وحدة التحليل ومستوى التحليل: خطأ كثيراً ما يقع فيه الدارسون وهو أن يكون تماثل وحدتين أو شبه تماثلهما بنائياً أو وظيفياً أو سلوكياً مبرراً لمعالجتها كمضاهاة، فيفترض أن التقريرات عن أحدهما تصلح كتقريرات عن الأخرى، فسلوك لجنة تشريعية فرعية لا يمكن تطبيقه ببساطة على لجنة تشريعية غير نوعية(أساسية)، ويتضخم الخطأ بافتراضي أن الوحدة الصغرة تكرار replica للوحدة الأكبر. وقد عبر هنز أيلو عن هذا بخدعتين[20]: الأولى خدعة التركيب composition وهي الأكثر
شيوعاً وتشير إلى استنتاج خصائص الوحدة الكلية من خصائص الوحدات الفرعية التي تتركب منها، والثانية خدعة التقسيم division وتشير إلى استنتاج خصائص الأجزاء من خصائص الكل، ولا يجب أن تختلطا بالروابط linkage بين الأجزاء والكل، وأثر الكل على الأجزاء، وأثر الأجزاء على الكل، وباختصار على الباحث أن يحدد مستوى التحليل ووحدة التحليل، أو بتعبير ايلو"وحدة الموضوع subject unit" و"وحدة الشيء object unit"، فيمكن مقارنة الوحدات المختلفة فقط إذا كانت على نفس مستوى التحليل، ويمكن ربط خصائص الوحدات المختلفة فقط إذا كانت على نفس المستوى، واشتقاق خصائص - مثلاً- وحدة من وحدات أخرى له حدوده وإجراءاته المنهجية.
(د) تحليل النظام، هندسة النظام، وإدارة النظام[21]: يرجع كويد Quade الخلط بين هندسة النظم وتحليل النظم إلى أنها مجرد تطبيق وليسا وجهة بحثية، كما أن إدارة النظم امتداد لتحليل العمليات operations analysis، ويرى ج. بلاك G.Black أن تحليل النظم يوفر إطاراً واسعاً ويحدد النتيجة المطلوبة، أما هندسة النظم فهي وضع التصميم الذي يتفق مع البديل التكنولوجي المثالي، أما إدارة النظم فهي المسئولية الكلية عن ضبط كل الإجراءات، فهل من يطبق الاقتراب البنائي- الوظيفي يسعى إلى التحليل وهذا جانب بحثي أم يستهدف"الهندسة" وهذا جانب تخطيطي أو متعلق"بالتصميم design"، أم ينشد الإدارة والضبط وهذا ما يخص"التشغيل" أو"التحريك"
(هـ) أشكال الوظيفية: يتميز الاقتراب البنائي- الوظيفي كما عرضناه عن نوعين آخرين من استخدام التحليل الوظيفي، وهما: الوظيفة الانتقائية eclisitic، وهو الاستخدام السائع، ويعني أنه في تحليل ظاهرة ما سيهتم دارس السياسة، إلى جانب الأشياء الأخرى، بوظائفها، بمعنى الأغراض التي تخدمها الظاهرة، فتكون الوظيفة أحد الاعتبارات
الأساسية وليست بالضرورة أهمها، والوظيفية الأمبيريقية empirical وهي صورة وسط بين الوظيفية الانتقائية والاقتراب البنائي- الوظيفي، وتعطي الاهتمام لما يؤدي فعلاً ويرتبط بالمجتمع دون اعتبار ذلك متطلباً ضرورياً له.
(و) كلمة function: قدم ميرتون خمسة معاني لهذه الكلمة في الإنجليزية[22]: الأول الاستخدام الشعبي ويشير إلى تجمع شعبي أو مناسبة احتفالية، وهو معنى بعيد عن الاستخدام، والثاني أنها ترادف المهنة occupation وهو شائع لدى دارسي الاقتصاد، والثالث أنها"الأنشطة الموكولة إلى شاغل مركز، منصب معين"، وهو شائع في الخطابة وفي علم السياسة، ويشيع الاستخدام الرابع لدى دارسي الرياضيات، فيرادف كلمة"دالة" بالعربية، فيشير إلى"المتغير الذي ينظر إليه في علاقته بمتغير آخر أو أكثر باصطلاحات تعبر عن اعتماد قيمة المتغير على قيم المتغيرات الأخرى، والخامس مستمد من علم الأحياء، فتشير إلى"العمليات الحيوية التي تساهم في بقاء الكائن العضوي"، ووجدت في"لسان العرب":"الوظيفة من كل شيء: ما يقدر له في كل يوم من رزق أو طعام أو علف أو شراب".
ثالثاً: التطبيق والاستخدام في الدراسات السياسية في مصر
أجريت عدة فحوص لرسائل الماجستير والدكتوراه في العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية. ونوقش تدريس العلوم السياسية في الوطن العربي في عدة دراسات[23]، ومن النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسات والفحوص ويرتبط بموضوعنا ما يلي:
تتسم الأغلبية العظمى من الأعمال المفحوصة بغياب فكرة المنهج أساساً، فيصدق عليها القول"ما نرانا نقول إلا معاداً من قولنا مكرور"
فإن كان ما قيل غير علمي ورتب مع غيره ومع بعضه بأسلوب غير علمي، جاز لكل واحد أن يتوقع ما يكون عليه النتائج النهائي.
النذر اليسير هو الذي تجاوز اقترابات عشرينيات القرن العشير، وبعض هذا النذر تجاوزه بلا تأهيل كاف.
يغيب تحليل المفاهيم أساساً في الدراسات المفحوصة، وتغيب الأطر التحليلية والاقترابات، وكثير من الموجود منها من قبيل"أداء الواجب" في اصطلاح العامة، فلا هدفاً وصل ولا أرضاً قطع.
يسود الطابع المكتبي على معظم الدراسات المفحوصة، وقليلة هي الدراسات الإمبيريقية مع بعض ما يشوبها من عيوب منهجية.
وقد فحصت المجلد الذي قدمته كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في عيدها الفضي[24] عن رسائل الماجستير والدكتوراه التي أجازتها. ووجدت أنه من بين رسائل الماجستير في العلوم السياسية والتي وصل عددها إلى 148 رسالة، توجد 41 رسالة تصلح موضوعاتها للمعالجة طبقاً للاختراب البنائي- الوظيفي إلا أن ما عولج منها طبقاً له لا يتجاوز الربع، ومعظمها طبقاً للوظيفية الانتقائية- أي ذكر الوظيفة ضمن أشياء أخرى- وعدد أطروحات الدكتوراه 82 أطروحة منها 19 أطروحة تصدق عليها النتيجة السابقة، وبالعودة إلى الأصول أمكنني تبين نوعين من الأخطاء.
(أ) أخطاء قاتلة تعود إلى التأهيل، وأهمها
- عدم معرفة أو تحديد"الإسهام المنشود" ولهذا عدة مضاعفان من جانب الخلط بين لغة التنظير ولغة البحث الإمبيريقي، فكثيراً ما يلجأ الباحث إلى التقريرات النظرية لاستخدامها كما لو كانت تقريرات وصفية أمبيريقية، والعكس رائج بنفس القدر تقريباً، من جانب ثاني الخلط بين التفسير والتعريف، فيتم إحلال كل منهما محل الآخر، بل واستخدامهما دون مراعاة القواعد المنطقية والإجراءات المنهجية الخاصة بكل منهما، ومن
جانب تدهور البناء المنطقي والفكري للعمل، فيضرب الباحث أنى واتته البلاغة وأسعفه النقل.
- الإنضاج المبكر للعمل: وقد وقع كاتب هذه السطور في هذا الخطأ بطريقة، ووقع فيه الآخرون بطريقتين مختلفتين، ففي رسالته الماجستير"علاقة الرأي العام بالتنمية السياسية: دور الإدراك السياسي" تعجل ووضح نظرية في الموضوع، بينما لا زال حتى اليوم يفحص وتختبر بعض ما طرحه من أفكار حينئذ، والطريقة الأولى التي ينضج بها الآخرون قبل الأوان أن يبدأ الباحث في المراحل الأولى من العمل بالنقد وليس التقويم، ويلجأ إلى التوليف أو المزج بين الاقتراب واقترابات أخرى دون محاولة استكمال النقص من أدبيات نفس الاقتراب، والطريقة الثانية هي"العمومية والكلية"، وللعمومية هنا معنيان: أحدهما تقصي الفكرة - نقلاً وتكراراً- ربما عودة لأصول فكرية سابقة على الأصول الإغريقية، وثانيهما تتبع الوحدة موضوع البحث منذ نشأتها أو ربما قبل نشأتها حتى تاريخ البحث، بينما الموضوع لا يقتضي هذا، و"الكلية" تشير إلى تجاهل فكرة"النطاق الوسط" في النظرية والموضوع.
استبدال الأدلة أو الشواهد evidence بآراء الكتاب وما خلصوا إليه عنها، واستبدال البيانات الكلية aggregate بآراء الكتاب عنها ونتائجهم منها، فيحل"الرأي" محل"المعرفة" طبقاً لفهم أفلاطون، ويحل التقرير عن الوقائع محل الوقائع، ويضرب البحث من ذاتية إلى ذاتية.
(ب) أخطاء قابلة للإدارة أو التعلم: وهي أخطاء من تحاشيها بالممارسة والتدريب، ومنها
- عدم التفرقة يبن التعريف وإعادة التعريف من جانب وتسمية المعرف أو الظاهرة من جانب آخر.
- عدم التفرقة بين مشكلة البحث وموضوع البحث.
- عدم التفرقة بين الافتراض proposition والفرض hypothesis والسؤال Question والقضية Case والحجة argument.
- ضعف البناء الإجرائي وتصميم البحث.
- تشوه أدوات instruments جمع البيانات.
وأخيراً، تملي هذه المراجعة الموجزة وغير الكاملة عدة مهام على المجتمع الأكاديمي
أولاً: الاهتمام بالتأهيل الفكري النظري للطلاب والباحثين خاصة في الاقترابات والنظريات، وفي التقويم والنقد.
ثانياً: الاهتمام بالجانب التدريبي لكسب المهارات البحثية وتنميتها.
ثالثاً: تعويد الدارسين وتدريبهم على مراجعة وتقدير أعمال زملائهم السابقين وأساتذتهم.
رابعاً: الاهتمام باستراتيجيات وأساليب وأدوات جمع البيانات.
الهوامش
1- راجع في هذا:
Peter A. Clark; Action Research and Organizational change(London: Harper & Row, 1972): 1-17.
ومن المفيد هنا مراجعة تصنيفات أعلام علم الاجتماع بين: التنظيري والتطبيقي وغيرهما، ومراجعة تعريف الإحصاء التطبيقي.
2- من الأعمال الرائدة والجيدة
فاروق يوسف أحمد، الحرمان الاقتصادي والاستقرار السياسي. رسالة دكتوراه غير منشورة(جامعة القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 1972).
3- Hans I. Zetterberg; On Theory and Verification in Sociology(Totowa, N.J.: Bedminster, 1965): 69.
4- الهدف المميز للعلم عند ارنست ناجل هو تقديم تفسيرات نسقية ومدعمة بمسئولية:
Ernest Nagel; The Structure of Science(New York: Harcourt,- Brace & World, 1961): 15.
5- Roger Brown; Explanation in Social Science(Chicago: Adline, 1963).
6- لم نتطرق هنا إلى مواقف المدارس المختلفة من التفسير ولا النماذج التي توضحه، والمراجع الثلاثة السابقة مفيدة في هذا الشأن.
7- Robert T. Holt and J.M. Richardison; competing(V) Paradigms in Comparative Politics; in: Holt, R.T. & Turner, J.E.(eds.); The Methodology of Comparative Research(New York: Free Press, 1970): 23-28; Robert K. Merton; Social Theory and Social Structure(New Delhi: Amerind, 1972): 69-72.
8- في تفاصيل هذه المحاولات أنظر بالإضافة إلى الأصول التالية:
الذكر: السيد عبد المطلب غانم، الاتجاهات المعاصرة في دراسة النظم السياسية(القاهرة: دار القاهرة للنشر والتوزيع، 1981)، وفي الخطوات الإجرائية والاستخدام انظر:
- G. David Garson; Handbook of Political Science Methods(Boston: Holbrook Press, Inc. 1973): Chap. 3. G.A.
9- Almond and G.B. Powell, Jr.; Comparative Politics: A Developmental Approach(New Delhi: Amerind, 1972): 23
10- قارن المواضيع التالية: Ibid.: 28, 29-30, 73, 64.
11- Ibid.: 22, 42.
12- اقرأ وقارن:
- Ibid,; 47-49, 86-88, 171-190; G.A. Almond';"A Functional Approach to Comparative Politics; G-A, Almond and J.S. Coleman(eds.); The Politics of Developing Areas(Princeton: Princeton University Press, 1960): 30-44,
13- Almond and Powell; Op. Cit: 191-202..
14- في التفاصيل، انظر السيد عبد المطلب غانم، م. س. ذ. الفصل الخامس.
15- Jean Blondel; An Introduction to Comparative Government(London: Weidenfeld & Nicdson, 1969):. 6
16- Ibid.: 17 & 18.
17- Ibid,:23.
18- Ibid.: 26..
19- W.R. Mitchell; The American Polity(New York: Free Press, 1962).
ونماه في عمل لاحق هو:
W.R. Mitchell, 'The Shape of Political Theory to come: From Political Sociology to Political Economy", in: S.M. Lipset(ed.); Politics and the Social Sciences(New York: Oxford University Press, 1969): 101-136.
20- في تفاصيل هذه النقطة:
- Heinz Eulau; Micro-Marco-Marco Political Analysis(Chicago: Aldine Publishing Company, 1969): 1- 18
21- في التفاصيل والمراجع، انظر: السيد عبد المطلب غانم، م.س.ذ: 60- 68.
22- -- R.K. Merton; Op. Cit,: 74- 75
23- نتذكر أعمال ندوة قسم العلوم السياسية عن"تدريس العلوم السياسية في مصر" وأعمال ندوة الجمعية العربية للعلوم السياسية عن"تدريس العلوم السياسية في الوطن العربي"، وبعض الأعمال التي قدمتها"سلسلة بحوث سياسية" الصادرة عن مركز البحوث والدراسات السياسية.
24- كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، خلاصة عن رسائل الماجستير والدكتوراه(القاهرة: مطبعة جامعة القاهرة، 1987): 361- 621.
مفهمت والو حبيبنا بصح يعطيك الصحة
ردحذف