التنوير والتغيير في فكر مالك بن نبي
فضيل بومالة | ||||
مالك بن نبي ـ رحمه الله ـ (5091 ـ 3791) واحدة من تلك الصفوة إن لم يكن أبرزها على الإطلاق·· ليس شهرة عند الجمهور أو زعامة في هذا التيار الفكري والسياسي أو ذاك·· إنما بما أبدعه من رؤية ومنهج ونسق معرفي·· مما صعب من مهمة قرائه ونقاده، وهم في الغالب تصنيفيون مؤدلجون في أحكامهم، سواء من حيث الفهم العميق لأطروحاته أو معرفة اتجاهه المعرفي· فهو عند الماركسيين إسلامي وعند الإسلاميين علماني وعند القادة والحكام فيلسوف مثالي
لقد كانت تلك التصانيف ـ ولاتزال على كل حال ـ مَرضية ومناهضة لكل اجتهاد ولأنه تحنيط وتنميط بل وتنظيم للمجتمع عقائديا مما سهل على دوائر السلطة اختلاق النزاعات وتوزيع الأدوار والتلاعب والتواطؤ بعيدا عن كل تفكير جدي في مشروع مجتمع حقيقي · لقد ولدت تلك الأمراض وترعرت في مراحل الاستقلال الوطني وما بعدها·· وها هو العالم الإسلامي، بلدا بلدا، يدفع أثمان تلك المراحل باهضة أصبحت تمس حتى كياناته وتهدد وجوده ·
إن المعادلة عنده، رحمه الله، ثنائية تمتد من القابلية للاستعمار إلى الاستعمار ذاته·· ونضيف إليها إنسان ما بعد الاستعمار في العالم الإسلامي الذي يشكل حالة جديرة بالدراسة ·
وبعيدا عن مفاهيم عصري النهضة والأنوار في أوروبا، فإن فلسفة التنوير عند مالك بن نبي لا تعني أبدا ذاكرتنا الحضارية الإسلامية التي تعرف بالعصر الذهبي وحضارة الأندلس· إن التنوير عنده فعل تاريخي مستمر وليس حقبة بعينها، وهو، كما يتضح لي، تطبيب سوسيو ـ نفسي للإنسان المسلم وتخليص له من >عقده< سواء في عقيدته وطرق تدينه وفي تفكيره وسلوكه مع نفسه والعالم المحيط به· فتخلصه من تلك العقد والمفارقات يؤهله لتجاوز مشكلاته الحضارية من جهة ويسهل عليه الخوص في ايديولوجيا الصراع والتدافع والمغالبة من جهة أخرى ·
وعليه، فالتنوير معرفة بالمرض والأدوات والأهداف وليس فقط شعارا فكريا أو سياسيا باسم الحداثة أو مناهضة الجمود والرجعية·· إنه حراك وتفاعل وتغيير قبل أن يكون مفاهيما أكاديمية يتداولها الدراسون بمعزل عن المجتمع والتاريخ··· فلكل أمة مناهج تنويرها ورسالتها ومنطلقاتها ·
والتنوير عند الأستاذ مالك بن نبي يعني الثقافة والتربية والدين والفعالية الاقتصادية لأن الغالب على مشكلاتنا بتعبيره ذو طابع سياسي واجتماعي واقتصادي ·
إن هدف التنوير بهذا المعنى هو التغيير الاجتماعي والتاريخي·· ومعادلة >التغيير< عند مالك بن نبي بسيطة لكنها حتمية وحاسمة كما جاء (ت) في وصيته: >··· إننا في فترة خطيرة تقتضي تغيرات ثورية: فإما أن نقوم نحن المسلمون بالتغيير في مجتمعاتنا وإما طبيعة العصر تفرض علينا تغييرات من الخارج·· لأن هذه هي روح العصر· فالذي يجب أن نؤكد عليه أولا وأن نتذكره دائما: أننا إذا لم نقم نحن بثورتنا فإن التغيير سوف يأتي من الخارج ويفرض علينا فرضا· أعيد هنا·· لأنه أمر أساسي <·
وخلاصة المقال أن مالكا ليس فقط فيلسوفا للحضارة بل مهندسا اجتماعيا صاحب منهج متكامل في البناء والتغيير، بيد أنه يحتاج، ككل فكر خلاق، إلى مراجعات نقدية وإضافات عملية تتماشى والمجتمع العربي الإسلامي في الألفية الثالثة· وتلك وظيفة كل مثقف مستنير وكل سياسي ملتزم بقضايا وطنه وأمته في زمن تشتد فيه ضرورة تحرير العقل والدين والأوطان من الشعوذة والتطرف والفساد وكل أشكال الاستعمار الجديد ·
تعليقات
إرسال تعليق