التنمية السياسية
الدكتور غالب الفريجات
قبل سنوات لم تكن لهفة العالم عن الحديث عن الديمقراطية بهذا المدى الذي نشاهده ، وعاشت كثير من الدول في غيبوبة سياسية حقيقية دون ان يشير اليها احد في مجال انتهاك حقوق الانسان و الديمقراطية ، وهو ما يعني غياب الحديث عن الحريات الحقيقية على مسرح الاحداث السياسية العالمية ، وان كانت المنظمات الدولية منذ اكثر من خمسين عاما قد اصدرت مواثيق حقوق الانسان ولكن لم يتلهف احد الى تطبيقها او مراقبة هذا النظاام السياسي او ذاك في مجالات مثل الديمقراطية ، و الحرية ، والانتخابات ....الخ
بعدانهيار الاتحاد السوفيتي ، بدات الدعوات المتزايدة عن الديمقراطية وحقوق الانسان ، والحريات الحقيقية ، وقد انطلقت هذه الدعوات من الغرب العدو الرئيس للاتحاد السوفيتي ، وكان ذلك من واشنطن بحكم انها ورثت الزعامة الدولية واصبح العالم يعيش في ظل احادية القطب الواحد ، و لقد كانت الولايات المتحدة تطلق على الاتحاد السوفيتي ودول المعسكر الاشتراكي محور الشر ، وحالما انهار هذا المحور اخذت صيحات الديمقراطية وحقوق الانسان تتعالى ، ولا تخفي الوجه السياسي من وراء الصيحات.
الغرب وبزعامة الولايات المتحدة ، وهوالراسمالي العقيدة على الرغم ان فيه ومضات من الديمقراطية وحقوق الانسان ومفهوم الحريات الحقيقية ، ولكن على مسرح التطبيق و بشكل خاص باتجاه الاخر لم يكن ديمقراطيا ، بل عدوانيا امبرياليا ، يسعى للهيمنة على مقدرات الشعوب واخضاعها لمصالحه السياسية و الاقتصادية ضاربا ، بكل عبارات الديمقراطية وحقوق الانسان عرض الحائط ، ولهذا نجد الولايات المتحدة تاريخيا تساند الانظمة الديكتاتورية وتعادي الانظمة الوطنية و الديمقراطية ، لذا علينا ان لا ننخدع بكل الهلوسات الاعلامية الصاخبة التي تاتي من الغرب في هذه المجالات ، وهذا لا يعني ان لا نتلمس الطريق باتجاه الديمقراطية ، التي تعطي لشعبنا القدرة على استثمار كل طاقاته و ابداعاته في عملية التنمية الشاملة ، السياسية و الاقتصادية والاجتماعية ، على ان تكون لنا طريقنا الخاص الذي نقوم بتعبيده بايدينا مع رفض السماح للاخرين بان يفرضوا علينا اجندتهم الخاصة بهم .
الوطن العربي ومن خلال النظام العربي الرسمي قد وصل الى حالة التكلس التي تدعو الى الشفقة على الوجهين سواء الوجه الرسمي او الشعبي ، فالرسمي يتشبث بالسلطة ولا يرضى الا عن اولئك الذين يسبحون بحمده من جيوش الانتهازيين و المنافقين ، والشعبي قليل الرغبة في التضحية من اجل الحصول على حقوقه السياسية بسبب حالة القمع التي يواجهها من الانظمة الرسمية بواسطة اجهزتها الامنية ، ولكن هذا لا يعني ان لا تناضل طليعة المثقفين و السياسيين ومؤسسات المجتمع المدني في احقاق الديمقراطية وحقوق الانسان واشاعة الحريات الحقيقية في صفوف المجتمع ، لذا على الاحزاب السياسية والنقابات المهنية دور كبير في تحمل هذه المسؤولية وان تعي ان امامها طريق طويل من التضحيات ، لان المستقبل لن يكون الا للشعب ، و لابد من ان يأخذ دوره في رسم الحياة وان يكون اللاعب الاول والاخير على مسرحها ، وان تزول والىالابد حالة الفردية و المزاجية وغياب دولة القانون والمؤسسات .
مفهوم التنمية السياسية في الوطن العربي بدا ياخذ مداه ولكنه مازال يحبو ببطء شديد بحكم القبضة الحديدية من الاجهزة القمعية ، وقد بدات بعض النظم العربية تاخذ به كشعار اعلامي دون الرغبة في التطبيق العملي ، فالذين يناط بهم طرح و تطبيق هذا المفهوم يحتاجون الى تنمية سياسية وقد يكونون اميين سياسيين مما يوحي ان هذا المفهوم لا يمكن ان يرى النور على ارض الواقع خاصة وان طرح هذا المفهوم و تطبيقه ياتي من الاجهزة الرسمية وبمعزل عن مؤسسات المجتمع المدني و حركتها .
التنمية السياسية تحتاج الى عقول سياسية منفتحة تؤمن بان الشعب مصدر السلطات وان الديمقراطية وحقوق الانسان و الحريات هي حقوق لهذا الشعب و ليست منة من احد ، وبغير هذا الايمان تبقى السلطات السياسية تتصرف بابوة قاسية تدفع بالمزيد من الاختناق و حالات الاحباط التي ستصل الى طريق الانفجار ، وهذا الانفجار قد ياتي على الاخضر و اليابس ، ونحن نتمنى ان لانصل الى اي من حالات الاختناق او الاحباط لان الوطن لنا جميعا ونحن جميعا نسير في مركبه.
تعليقات
إرسال تعليق