التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تجربة الحركة السلفية في الجزائر ومحصلات التضارب بين الفكر والممارسة الباحث: عصام بن الشيخ


 خطة الدراسة:
مقدمة
*- جذور الحركة السلفية في الجزائر
    أ- المرجعية الإسلامية في الثورة الجزائرية
   ب- الإسلاميون في الجزائر بعد نيل الاستقلال
*- أسباب تطور الحركات الإسلامية والحركة السلفية في الجزائر
*- ظهور الحركات الإسلامية في الجزائر
*- مراجع الحركة السلفية ودورها في الجزائر
    1- نشأة الحركة السلفية الجزائرية
    2- نمط حياة أتباع "السلفية العلمية" وانعكاسه على المجتمع الجزائري
*- نماذج الحركات السلفية في الجزائر:
أ- السلفية الحركية "الحزبية"
ب – فكر السلفية العلمية وتطبيقه في الحالة الجزائرية
ج – الحركة السلفية الجهادية وخيار العنف
              - الحركة الإسلامية المسلحة
              - الجماعة الإسلامية المسلحة GIA
              - تحول السلفية الجهادية إلى فرع إقليمي لتنظيم القاعدة في الجزائر
*- المراجعات الدينية مع رموز "السلفية الجهادية"
*- مستقبل السلفية الجهادية في الجزائر
*- خلاصة الدراسة


                                                                           عصام بن الشيخ*
                                                                          أستاذ العلوم السياسية
                                                                     جامعة "قاصدي مرباح"، الجزائر
 Issam_Benchikh@yahoo.com
الدراسة منشورة في مجلة الديمقراطية التابعة لمركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية بمصر العدد 38 افريل 2010
#################################################################################

مقدمة:
    سمحت التحولات السياسية في الجزائر بتطوّر حركات الإسلام السياسيّ، وخروجها من حيّز العمل الدعوي والتلقين الديني، لاختبار قدرتها على امتلاك قاعدة شعبية تمكّنها من الوصول إلى السلطة، في ظلّ هامش الحرية السياسية المتاح بعد تحوّل الجزائر إلى التعدّدية الحزبية، واستخدام كافة الوسائل المتاحة أمامها، بما في ذلك "الخطاب الديني"، لإقناع الناخبين بمصداقية برامجها الانتخابية، التي تسعى إلى تغيير أسس النظام السياسيّ "غير الإسلاميّ"، بأدوات الديمقراطية نفسها.  
   وتمكّن الإسلاميون في الجزائر من استغلال ما أصطلح على تسميته بـ: "موجة الصحوة الإسلامية" في ثمانينيات القرن الماضي، وانتشار حركات الإسلام السياسي في أرجاء العالم الإسلامي، لتدخل الساحة السياسية بخطاب ديني ترهيبيّ مفاده: "أنّ التصويت لغير الإسلاميين إثم كفيل بإدخال مرتكبه إلى النار"، في مشهد يدلّ على تمكّن الإسلاميين من تنظيم نشاطهم الحركيّ والحزبيّ، وقوة تأثير الخطاب الدينيّ على الناخبين الذين لم يألفوا منذ نيل الاستقلال، مثل هذا الخطاب الراديكاليّ والفلتان الدينيّ "المدهش" الذي تجاوز حدود العقلانية السياسية.
    عرفت الجزائر ظهور ثلاثة حركات إسلامية أساسية ساهم العمل الجمعويّ في بروزها وسط الجماهير: تنظيم "الإخوان المسلمين الجزائريين"، تنظيم "حركة الجزأرة" أو "تيار البناء الحضاري"، و"الحركة السلفية". انطلقت الأولى من التجربة المصرية وانتقال الفكر السياسي للإخوان المسلمين من مصر إلى الجزائر، والثانية من تجربة ودور جمعية العلماء المسلمين التاريخيّ في الثورة الجزائريّة وما بعد الاستقلال، ثمّ تطوّرها إلى "حركة الجزأرة" التي نبعت من الفضاءات الشبّانية في الجامعات، بقيادة المفكّر الإسلاميّ "مالك بن نبي". و"الحركة السلفية"، التي نهلت من الحركة الوهابية بالمملكة العربية السعودية.
    ويبدو أن إعجاب الناخب الجزائري بالخطاب الإسلامي وانتشاره على الصعيدين والعربي والإسلامي، يدلّ على تسرّع في اختيار البديل السياسيّ الملائم لسلطة الحزب الواحد، حيث ضغطت حركة "الجزأرة" والعلماء المسلمون الجزائريون بقوة ضد التيارات الدينية والفكرية والسياسية الوافدة من مصر والمملكة السعودية، وسعت إلى إطلاق خطاب برسائل مزدوجة، "تحرّم العمل السياسي والحركيّ من جهة"، وتدعو إلى اعتماد المراجع الدينية في الجزائر على مرجع موحد في العمل السياسيّ، والنهل من تجربة العلماء المسلمين الجزائريين في النضال ضد المحتلّ الفرنسيّ، "لفرملة" الطموحات الحزبية الجارفة لأتباع حركتي السلفية والإخوان المسلمين في الجزائر.
    مع ذلك، استطاعت الحركة السلفية البروز في الساحة السياسية الجزائرية البكر، كلاعب هام ومؤثّر، لأنها استطاعت أن تجذب –بواسطة خطابها الديني والحركيّ الحزبيّ المتفرّد- أنظار المواطنين الجزائريين من جهة، والسلطة السياسية من جهة أخرى، ويمكن القول أنّ رصيد السلفية العلمية قد ازداد وسط الجماهير بدرجات مطّردة، بعد منع الجبهة الإسلامية للإنقاذ من الوصول إلى الحكم، نتيجة لارتفاع نسبة التدين بين كافة الفئات والشرائح الاجتماعية في الجزائر. لذلك قدّمت السلفية العلمية نفسها كبديل عن "الإسلام السياسي الحركي" لتتقاطع مع دعوة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين حول "الدعوة إلى تجنب الحزبية في الإسلام"، وتتواصل مع رغبة السلطة السياسية في عدم تمكين الإسلاميين المتشدّدين من الوصول إلى الحكم، لحماية "مكسب الديمقراطية" في البلاد.
     وبناء على ما تقدّم بالإمكان طرح الإشكالية التالية لمحاولة تفسير ظاهرة "الحركة السلفية في الجزائر":
     هل نشأت الحركة السلفية لفرض توازن في الخطاب الديني في الجزائر، بين تيارات (الإخوان المسلمين، الجزأرة، الصوفية والطرقية)، ومنع طغيان إحداها على البقية، عبر نشر فكر "السلفية العلمية"، وعدم السماح لأيّ منها بالاستئثار بالعلاقة مع السلطة؟.
     هل تدرك السلطة السياسية دور الحركة السلفية في الجزائر وانعكاسات نشاطاتها الدينية على ميولات المواطنين، لتوجيه خياراتهم السياسية والتأثير عليها؟.
    ما هو مصير الحركة السلفية في ظل انكفاء جمعية المسلمين الجزائرية عن أداء دورها المطلوب، ومساعي حركات الإخوان المسلمين وأحزابهم للوصول إلى السلطة عبر تبنيها للخيار البراغماتي النفعيّ؟.
    ما هو موقف "السلفية العلمية" من مسألة العمل السياسي في ظل ازدياد الخلافات بين "السلفية الحركية" و"السلفية الجهادية"، وتسبّبها في التدهور الأمنيّ في الجزائر؟، وهل بالإمكان تفسير سرعة انتشار فكر "السلفية العلمية" على حساب "السلفية الحركية الحزبية" و"السلفية الجهادية"، على أنّه نتيجة حتمية لانتصار خيار السلم والمصالحة الذي طرحه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة؟.
    لماذا تعتبر الحركات السلفية "الإرهاب" مسألة دينية محضة، ولا تدرك الأبعاد الخطيرة المهدّدة للدولة والمجتمع في الجزائر، ولماذا ترفض رموز الحركات السلفية التنديد بالإرهاب بكلّ وضوح؟
    تعتمد هذه الدراسة للاقتراب من تفسير الظاهرة المدروسة، على الفرضيات العلمية التالية:
    أولا: كلما دعت الحركة السلفية العلمية إلى عدم التحزب السياسي، ضغطت حركات الإخوان المسلمين في الجزائر لتقديم نفسها كبديل عن السلفية الحركية.
    ثانيا: كلما ضغطت السلفية الحركية للعب دور مؤثر في الساحة السياسية في الجزائر، قامت السلطة بتقسيم الحركة وإضعافها، وتغليب خصومها عليها، ودعم دور "السلفية العلمية" ضدها.
    ثالثا: أثّر افتقاد الحركة السلفية العلمية للخطاب السياسي العصري، واعتمادها الكبير على الخطاب الديني، على دورها ووزنها في الساحة السياسية.
    رابعا: ساهمت ممارسات حركة السلفية الجهادية في تشويه صورة الحركة السلفية في المخيال الشعبي، وتبديل الصورة النمطية الراسخة في ذهنية الجزائريين الراغبين في وصول الإسلام السياسي للحكم في الجزائر.
    خامسا: تتقاطع الحركة السلفية العلمية مع رغبة السلطة السياسية في الدعوة إلى عدم دخول الإسلاميين المتشدّدين للساحة السياسية والمنافسة الحزبية، ودعم خيار السلم والمصالحة الوطنية ضمانا للاستقرار السياسي وحماية الدولة والمجتمع.

    *- جذور الحركة السلفية في الجزائر:
    أ- المرجعية الإسلامية في الثورة الجزائرية:
    فرضت ثورة التحرير الجزائرية "المرجعية الإسلامية" كعنوان بارز جامع لكافة التيارات الفكرية والسياسية المنخرطة في الكفاح المسلح ضدّ المحتل الفرنسيّ، حيث تضمّن بيان ثورة الفاتح من نوفمبر سنة 1954 بوضوح هذه المسألة، وكان رهان نجاحها متوقفا على درجة تماسك جبهة التحرير الوطني ضمن هذا الإطار، وعدم السماح بانقسامها تحت ضغوط بقية التيارات السياسية العلمانية، مادام النضال ضد الاستعمار الفرنسيّ "جهادا مقدسا" في سبيل الله، يهدف إلى تحرير أرض الجزائر وشعبها من الاستعمار الأجنبي.
     قبل الإسلاميون الجهاد ضد المحتل الفرنسي تحت قيادة رموز سياسية علمانية، تولّت تتولى مناصب هامّة ومؤثّرة في تاريخ الثورة الجزائرية، وكان لقب "المجاهد" متفقا عليه من قبل جميع التيارات السياسية والفكرية في الجبهة، لأنّه يحتوي جميع الثوار الإسلاميين وغير الإسلاميين منهم. ونتيجة لهذا الوضع ضغط بعض الثوّار من التيارات العلمانية في مؤتمر الصومام أغسطس 1956، باتجاه إلغاء "المرجعية الدينية"، خصوصا عندما كانت الثورة محاصرة بسبب تشديد القيادة العسكرية الفرنسية الخناق على تحرّكات الثوار شرق الجزائر، في منطقة الأوراس، ونتج عن ذلك المؤتمر الهام طرح مسألة تغيير مسار الثورة بعيدا عن المرجعية الإسلامية، والتركيز على مسألتي "أولوية النضال في الداخل على الخارج، وأولوية الدور السياسي على العسكري"، بعد اتهام مهندسي المؤتمر الجناح العسكري للجبهة بالسيطرة على القرار السياسي فيها. وتسبّب ذلك الجدل في بروز ظاهرتي "التخوين" و"التكفير" اللتان دفعتا الجبهة إلى مرحلة خطرة من صراع "الإخوة الأعداء" لأول مرة، حين أكلت الثورة بعض أبنائها، وبدأت "المرجعية الإسلامية" تظهر كحاجز يمنع الجبهة من التماسك والوحدة لاستكمال الثورة التحريرية.
    ومع ذلك، بقي بيان أول نوفمبر "لوحا مقدّسا" في الخطاب السياسيّ الديماغوجيّ لقادة الجبهة، الذين اعترفوا ضمنا بنجاعة اعتماد الخيار الإسلاميّ في الثورة، فأصبحت المرجعية الإسلامية غير قابلة للنقاش والتغيير، رغم السجال السياسي المحتدم بين النخبة الثورية حولها، في السر والعلن.

تعليقات

  1. مش حلوووووووووووووووووووو

    ردحذف
  2. شكرا علي المقال -لكني اود ان اطرح سؤوال باعتبارك استاذ للك رصيد ثقافي في هذا المجال اريد ان ابين المفارقة اولا وهي كتالي.بالرغم من وجود مؤسسات دينية تسهر علي الحفاظ علي الوحدة المذهبي المتمثلة في المذهب الماليكي كيف او ليماذا انتشر اتيار السلفي الجزاير في ضل وجو مرجعية دينية؟
    اريد من فضللك (يا استاذ)ثلاث فرضيات علي الاقل..........وشكرا

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بحث عن التنمية المستدامة ( البحث منقول)

مقدمة الفصل: لقد أستحوذ موضوع التنمية المستدامة اهتمام العالم خلال 15 سنة المنصرمة وهذا على صعيد الساحة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية العالمية ،حيث أصبحت الاستدامة التنموية مدرسة فكرية عالمية تنتشر في معظم دول العالمي النامي والصناعي على حد سواء تتبناها هيئات شعبية ورسمية وتطالب بتطبيقها فعقدت من أجلها القمم والمؤتمرات والندوات.ورغم الانتشار السريع لمفهوم التنمية المستدامة منذ بداية ظهورها إلا أن هذا المفهوم مازال غامضا بوصفه مفهوما وفلسفة وعملية ،ومازال هذا المفهوم يفسر بطرق مختلفة من قبل الكثيرين ولذلك فقد تم التطرق في هذا الفصل إلى مبحثين رئيسيين:المبحث الأول: ماهية التنمية المستدامة;المبحث الثاني: محاور أساسية في التنمية المستدامة;المبحث الأول: ماهية التنمية المستدامةبدأ استخدام مصطلح التنمية المستدامة كثيرا في الأدب التنموي المعاصر وتعتبر الاستدامة نمط تنموي يمتاز بالعقلانية والرشد، وتتعامل مع النشاطات الاقتصادية التي ترمي للنمو من جهة ومع إجراءات المحافظة على البيئة والموارد الطبيعية من جهة أخرى، وقد أصبح العالم اليوم على قناعة بأن التنمية المستدامة التي تقضي على قضايا التخ

عوامل قوة الدولة

ان لعوامل القوة المتاحة للدولة دور كبير في تحديد مكانتها على الساحة الدولية لكن قبل التعرض لهذه العوامل يجب علينا ان نعرج على بعض المفاهيم إن القوة ـ كما أوضحت تعريفاتها ـ ليست التأثير ، وإنما القدرة على التأثير . وتستند هذه القدرة على امتلاك الدولة إمكانيات (خصائص ، موارد ، قدرات ، مؤسسات) معينة تشكل مقومات القوة القومية Elements of National Power التى تمكنها من التأثير على سلوكيات الدول الأخرى فى الاتجاهات التى تحقق مصالحها، كالمساحة الجغرافية ، وعدد السكان ، والموارد الطبيعية ، والقدرات الإقتصادية ، والقوة العسكرية ، والبنية التكنولوجية ، والفعاليات الثقافية، والمؤسسات السياسية ، والحالة المعنوية للشعب ، وغيرها . لكن ، على الرغم من أن هذه الإمكانيات المتداخلة تشكل فى مجموعها عوامل القوة الشاملة لأى دولة ، فإن هناك اختلافات أساسية فيما بينها ، ترتبط باعتبارات عملية ، تتصل بالقدرة على استخدامها فى عملية التأثير ، خاصة خلال المواقف التى يتعرض في

المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية

المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية "تمثل مدرسة الواقعية السياسية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية ردة فعل أساسية على تيار المثالية. وهدفت الواقعية إلى دراسة وفهم سلوكيات الدول والعوامل المؤثرة في علاقاتها بعضها مع بعض. . . [لقد] جاءت الواقعية لتدرس وتحلل ما هو قائم في العلاقات الدولية, وتحديداً, سياسة القوة والحرب والنزاعات, ولم تهدف كما فعلت المثالية إلى تقديم . . . [مقترحات] وأفكار حول ما يجب أن تكون عليه العلاقات الدولية". "وقد حاول الواقعيون الحصول على أجوبة لأسئلة مازال يطرحها الأكاديميون والمهتمون بالشؤون الدولية منذ الستينات وحتى يومنا هذا. إذن هدفت الواقعية إلى تقديم نظرية سياسية لتحليل وفهم واستيعاب الظواهر الدولية". يرى مورغنثاو (وهوا من ابرز منظري الواقعية) بان السياسة الدولية تتميز (وتنفرد) "كفرع أكاديمي عن دراسة التاريخ والقانون الدولي والأحداث الجارية والإصلاح السياسي". أهم المسلمات الأساسية في الفكر الواقعي 1. "أن السياسة لا يمكن أن تحددها الأخلاق كما يقول المثاليون بل العكس هو الصحيح. وبالتالي فالمبادىء الأخلاقية لا يمكن تط