التخطي إلى المحتوى الرئيسي

دور العامل الديني في العلاقات الدولية


الدين في العلاقات الدولية ـ الرابعة

كتبهاعصام عبد الشافي ، في 13 فبراير 2008 الساعة: 09:01 ص

بالرغم من أن الدين لم يلعب دورًا هامًا فى التوجهات التى سادت دراسة العلاقات الدولية فى الفترة منذ الخمسينات وحتى أواخر السبعينات من القرن العشرين، إلا أن مراجعة الكتابات الغربية فى المرحلة التالية توضح أن هناك تزايداً في الاهتمام بدراسة دور الدين فى تحليل العلاقات الدولية، بل لقد جعل البعض من الدين أحد مصادر الإبداع النظري فى العلاقات الدولية، والتى يمكن أن تساعد على بلورة نظرية لاختبار فروض معينة فى الواقع.

وقد ارتبط تحليل البعد الديني في مرحلة من مراحل تطور العلاقات الدولية، بدراسة وتحليل القيم، حيث أشار عدد من الباحثين والمحللين إلي أن فكرة القيم فى العلاقات الدولية فى الأدبيات الغربية تتنازعها مدرستان:

الأولى: ترى أنه من العبث التمسك بقيم فى عالم السياسة الدولية الذي لا يعرف إلا المصلحة، وأن تمسك دولة بالأخلاق يعنى استسلامها فى موقف ما للطرف الآخر الذي لن يتبع نفس قواعد السلوك، وفي هذا الإطار يعتقد مورجنثو أن الأخلاق ضرورية في العلاقات الدولية ولكنه يناهض المبرر الأخلاقي للسياسة الدولية وهو ما يسميه بـ"أيديولوجية الأخلاق" أي أن المبادئ الأخلاقية تخفي وراءها المصالح الخاصة، كما يدين الإطلاقية الأخلاقية ويسميها "بالنزعة العاطفيةلأنها تغطي طبيعة السياسي وتركز فقط على القيمة الأخلاقية على حساب القيم الأخرى.

ويري أنه يمكن عن طريق توازن القوى، تحقيق النظام والاستقرار للجميع، وإيجاد حالة تخلو من صراعات مسلحة، أي أن الأمر يتطلب أخلاقية المسؤولية و"المصلحة العليا للدولة" أي للدولة ولمواطنيها. وعلى القادة أن يكونوا أخياراً إذا أمكن وأشراراً إذا استدعت الضرورة ذلك.

 الثانية: وترى أن الحديث عن القيم لا يعنى تجاهل الواقع، بل ترشيده حتى لا ينغمس العاملون فى المجال السياسي فى الحسابات البراجماتية الوقتية متجاهلين السؤال الملح عند وضع السياسة الخارجية: من نحن؟ ماذا نريد أن تكون؟ وينتمي إلي هذه المدرسة عدد من الباحثين الغربيين الذين يوضحون أهمية دور القيم فى التفاعلات الدولية، ومن بينهم:

1ـ    ستانلى هوفمانيري أن مسألة القيم فى السلوك الخارجي تكمن أهميتها فى حجم الواجبات والحقوق أو المسئولية التى تقع على الفرد، وأن المسألة الأخلاقية الدولية أثارت تساؤلين دار حولهما البحث، وهما: هل هناك خيار قيمي فى العلاقات الدولية؟ وإذا كان هناك، فما هي حدود هذا الخيار؟.

وانتهي إلى أنه لا توجد شريعة عالمية تحكم سلوك الدول الخارجي، بل تحكمها الأنانية، ويلفت النظر إلى صعوبة وجود قيم معينة فى عملية صنع القرار فى ظل العوامل الذاتية مثل تفاوت إدراك صانع القرار من شخص لشخص، ومن دولة لأخري، ويذهب إلى أن هناك هرمًا من القيم، قاعدته قيم الفرد، ثم قيم الجماعة، ثم قيم صانع القرار الذي يحتل قمة الهرم، ويرى أن إشكالية نسبية القيم تبقى مطروحة فى التفاعلات الدولية.

2ـ    ناى وشلزنجروطرحا قضية العلاقة بين الأخلاق والجماعة الدولية، ويريان أنه من الخطورة بمكان قياس الأخلاق الدولية على الأخلاق الفردية وذلك لعدة أسباب: اختلاف أوضاع وظروف الدول عن الأفراد، وأن موضوعات السياسة الخارجية يصعب تصنيفها من حيث "جيد" و"سيئ"، بل هى أقرب إلى مناسب وغير مناسب، كما أنه لا يوجد إجماع أخلاقي دولي كما هو الحال داخليًا، كما أن هذا سيضيف مشاكل إلى السياسة الخارجية لأى دولة، حيث ستبدأ فى تقويم سياسات الدول الأخرى أخلاقيًا وتنشغل بتصنيفها إلى دول أخلاقية وأخرى غير أخلاقية، مما سيترتب عليه مشاكل عديدة، كما أن هذه النظرة الأخلاقية سوف تعرقل العمل الدبلوماسي الذي هو فى جوهره توفيق بين المصالح.

3ـ    ارنست هاس: يري أن الدول لن تنصرف كأفراد، وقياس السلوك الدولي على السلوك الفردي ليس مجديًا، لكن هذا لا يعنى أن نطرح مسألة الأخلاق جانبًا. ويقترح ضرورة دراسة العناصر المتشابهة فى النظم الأخلاقية المتعارضة أو المتصارعة، كما يعتقد أنه يجب التأثير على الحكومات بهدف الوصول إلى أخلاقية عالمية، وهذا يتطلب التعرف على المستوى الدولي بشكل يسمح بتوقع التصرفات المتبادلة بين البدائل الاستراتيجية بشكل لا يستبعد أى بديل منها، كما أنه اعتمادًا على المنفعة الذاتية يمكن بلورة هذه الأخلاقية العالمية، ويصبح الردع ذاته أخلاقيًا إذا استخدم فى المدى المتوسط كسياسة لتغيير الإدراك العدائى بين الأطراف المتصارعة على المدى البعيد.

ومن هذين التيارين، يمكن الوقوف علي عدد الملاحظات:

1ـ    أنه نظرًا للاختلافات الفكرية بين الباحثين المؤيدين لأهمية دور الدين (بأبعاده المختلفة ومنها القيم) فى العلاقات الدولية، فليس هناك تعريف مشترك لما هو أخلاقي كإطار عام للتحرك الدولي، أو حدًا أدنى من الاتفاق حول ماهية القيم التى يمكن أن تحكم العلاقات الدولية.

2ـ    يثير البعد الديني في العلاقات الدولية قضية العلاقة بين الأخلاق الفردية والأخلاق الجماعية الدولية، وإمكانية قياس كل منها، وإثارة مشكلة القياس الجماعي والفردى ترتبط بغياب التنظيم الجماعي فى الثقافة المسيحية المستمدة من الدين المسيحي. أما الإسلام فقد نظم الاثنين كلاً على مستواه، وبالتالي لا توجد حاجة للقياس والخلط، فهناك الاثنان وكل منهما له قواعده.

3ـ    إنه مع اعتراف البعض بأهمية القيم فى السياسة الخارجية إلا أنهم يؤكدون أنه لا توجد مبادئ مجردة وعالمية (إلا فى بعض الحالات الاستثنائية) تحكم السياسة الخارجية.

4ـ    يرى بعض المؤيدين للاهتمام بالبعد الديني فى تحليل العلاقات الدولية أن الانتقال المنهجي يكون مما هو قائم إلى ما يجب أن يكون وليس العكس، فأخلاقية صانع القرار هي أخلاقية مسئوليةً وليست أخلاقية اقتناعاً، أى أن ما يقتنع أو يؤمن به السياسي يجب أن يخرج إلى حيز الواقع بعد مروره بحساب التكلفة، فما هو جيد فى الحسابات السياسية يرتبط بما هو ممكن.

إلا أن التطورات التي شهدها العالم المعاصر وخاصة مع انتهاء الحرب الباردة، وسقوط المعسكر الشيوعي، الذي عرف بطبيعته الإلحادية وتغييبه للجانب الديني والقيمي، كانت دافعاً لتصاعد التيارات الفكرية المنادية بإعادة الاعتبار للأبعاد الدينية والقيمية في دراسة العلاقات الدولية، وأصبح هناك ما يمكن أن نطلق عليهالمنظور الدينى في دراسة وتحليل العلاقات الدولية.

ومن ناحية أخري فإنه من الصعب تجاهل تأثير المعتقدات الدينية التي يؤمن بها العديد من الباحثين علي ما ينادون به من مقولات، وما يضعونه من مداخل واقترابات تحليلية في مختلف جوانب المعرفة الإنسانية، ومنها علم العلاقات الدولية، وفي هذا الإطار، يأتي التأكيد علي التأثير الكبير للديانات السماوية (اليهودية، المسيحية، الإسلام) علي قطاع عريض من الباحثين والمحللين، في حقل العلاقات الدولية، وأن جانباً كبيراً من مقولاتهم الفكرية والتحليلية، إنما تجد جذورها في المعتقدات الدينية التي يؤمنون بها.

ويستخدم هؤلاء الباحثون تصورات دينية وقيمية فى تحليلاتهم، مؤكدين أن تأثير الدين فى العلاقات الدولية، ليس بجديد،فالمعتقدات والاعتبارات الدينية كانت وراء أعمق الأحداث والتحولات السياسية العالمية (كالفتح الإسلامي والحروب الصليبية، والحروب الأوروبية فى القرون الوسطي)، ولم يكن إقصاء الدين عن الحياة السياسية خلال القرون الأخيرة حائلاً دون تسرب الدوافع الدينية إلى العمل السياسي.

فقد شهد النصف الثانى من القرن العشرين بروز الدوافع الدينية بروزاً واضحاً فى العمل السياسي العالمى، وتمثل ذلك في العديد من المؤشرات لعل أوضحها قيام عدد من الدول علي أسس دينية (باكستان وإسرائيل)، وكذلك تعدد الجماعات والتيارات الدينية العابرة للقوميات، والتي لم تقتصر علي ديانة بذاتها، بل شملت كل الديانات السماوية، فيما عرف بالمد الأصولي أو "الصحوة الدينية" سواء في المسيحية أو اليهودية، أوالإسلام، بل وكذلك في العديد من المعتقدات الفلسفية كالهندوسية والكونفشيوسية والبوذية والشنتية، وتصاعد تأثير هذه الجماعات فى صياغة وتشكيل السياسات العالمية.

وفي إطار هذا المنظور يمكن التمييز بين ثلاثة مداخل أساسية، ارتبط كل منها بديانة محددة، مع الأخذ في الاعتبار احتمالات التداخل بين هذه المداخل، في ظل ما ينادي به البعض من تراث حضاري مشترك، وموروث ثقافي متشابك، هي المدخل الصهيوني، والمدخل الإسلامي، والمدخل الإسلامي.

ويمكن تناول كل منها وفق عدة محاور أساسية، تتمثل في المرتكزات الأساسية التي يقوم عليها، ومنظوره لمناخ العلاقات الدولية وقضاياها الرئيسة، ووحدات ومستويات التعامل التي تتم في إطارها.

http://essamashafy.maktoobblog.com/819758/الدين-في-العلاقات-الدولية-ـ-الرابعة/

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بحث عن التنمية المستدامة ( البحث منقول)

مقدمة الفصل: لقد أستحوذ موضوع التنمية المستدامة اهتمام العالم خلال 15 سنة المنصرمة وهذا على صعيد الساحة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية العالمية ،حيث أصبحت الاستدامة التنموية مدرسة فكرية عالمية تنتشر في معظم دول العالمي النامي والصناعي على حد سواء تتبناها هيئات شعبية ورسمية وتطالب بتطبيقها فعقدت من أجلها القمم والمؤتمرات والندوات.ورغم الانتشار السريع لمفهوم التنمية المستدامة منذ بداية ظهورها إلا أن هذا المفهوم مازال غامضا بوصفه مفهوما وفلسفة وعملية ،ومازال هذا المفهوم يفسر بطرق مختلفة من قبل الكثيرين ولذلك فقد تم التطرق في هذا الفصل إلى مبحثين رئيسيين:المبحث الأول: ماهية التنمية المستدامة;المبحث الثاني: محاور أساسية في التنمية المستدامة;المبحث الأول: ماهية التنمية المستدامةبدأ استخدام مصطلح التنمية المستدامة كثيرا في الأدب التنموي المعاصر وتعتبر الاستدامة نمط تنموي يمتاز بالعقلانية والرشد، وتتعامل مع النشاطات الاقتصادية التي ترمي للنمو من جهة ومع إجراءات المحافظة على البيئة والموارد الطبيعية من جهة أخرى، وقد أصبح العالم اليوم على قناعة بأن التنمية المستدامة التي تقضي على قضايا التخ

عوامل قوة الدولة

ان لعوامل القوة المتاحة للدولة دور كبير في تحديد مكانتها على الساحة الدولية لكن قبل التعرض لهذه العوامل يجب علينا ان نعرج على بعض المفاهيم إن القوة ـ كما أوضحت تعريفاتها ـ ليست التأثير ، وإنما القدرة على التأثير . وتستند هذه القدرة على امتلاك الدولة إمكانيات (خصائص ، موارد ، قدرات ، مؤسسات) معينة تشكل مقومات القوة القومية Elements of National Power التى تمكنها من التأثير على سلوكيات الدول الأخرى فى الاتجاهات التى تحقق مصالحها، كالمساحة الجغرافية ، وعدد السكان ، والموارد الطبيعية ، والقدرات الإقتصادية ، والقوة العسكرية ، والبنية التكنولوجية ، والفعاليات الثقافية، والمؤسسات السياسية ، والحالة المعنوية للشعب ، وغيرها . لكن ، على الرغم من أن هذه الإمكانيات المتداخلة تشكل فى مجموعها عوامل القوة الشاملة لأى دولة ، فإن هناك اختلافات أساسية فيما بينها ، ترتبط باعتبارات عملية ، تتصل بالقدرة على استخدامها فى عملية التأثير ، خاصة خلال المواقف التى يتعرض في

المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية

المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية "تمثل مدرسة الواقعية السياسية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية ردة فعل أساسية على تيار المثالية. وهدفت الواقعية إلى دراسة وفهم سلوكيات الدول والعوامل المؤثرة في علاقاتها بعضها مع بعض. . . [لقد] جاءت الواقعية لتدرس وتحلل ما هو قائم في العلاقات الدولية, وتحديداً, سياسة القوة والحرب والنزاعات, ولم تهدف كما فعلت المثالية إلى تقديم . . . [مقترحات] وأفكار حول ما يجب أن تكون عليه العلاقات الدولية". "وقد حاول الواقعيون الحصول على أجوبة لأسئلة مازال يطرحها الأكاديميون والمهتمون بالشؤون الدولية منذ الستينات وحتى يومنا هذا. إذن هدفت الواقعية إلى تقديم نظرية سياسية لتحليل وفهم واستيعاب الظواهر الدولية". يرى مورغنثاو (وهوا من ابرز منظري الواقعية) بان السياسة الدولية تتميز (وتنفرد) "كفرع أكاديمي عن دراسة التاريخ والقانون الدولي والأحداث الجارية والإصلاح السياسي". أهم المسلمات الأساسية في الفكر الواقعي 1. "أن السياسة لا يمكن أن تحددها الأخلاق كما يقول المثاليون بل العكس هو الصحيح. وبالتالي فالمبادىء الأخلاقية لا يمكن تط