التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الدين في السياسة الدولية

العدد التاسع عشر - شباط 2007

تحولات ما بعد الحداثة.. البعد الديني في السياسة الدولية

نظام ماريني

الخميس 15 شباط (فبراير) 2007.

 

أكدت التطورات التي أعقبت هجمات 11 أيلول، أن الدين أصبح يلعب دورا" مهما" في العلاقات الدولية. ويمكن اعتبار الولايات المتحدة نموذجا" في هذا الأمر، ليس فقط مع صعود التحالف بين المحافظين الجدد واليمين المسيحي، الذي طالما انحاز لاسرائيل لأسباب لها علاقة بأساطير حول عودة المسيح والصراع النهائي بين الخير والشر، ولكن لأن البروتستانتية الأميركية لها جذور يهودية، وأيضا" لأن الجولات الأولى للولايات المتحدة كانت لأسباب دينية، وقد أشار الى هذا الأمر بوضوح الدكتور يوسف الحسن، وذلك في دراسة مهمة له بعنوان "البعد الديني في السياسة الخارجية الأميركية تجاه الصراع العربي - الاسرائيلي".

في ضوء ذلك، يكفي فقط أم نستعيد ردود الفعل على تصريحات البابا بنيديكتوس السادس عشر، أو ما جرى في أزمة الرسوم الدانماركية، أو نبحث في موقف الدول الأوروبية من انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، لنرى ان كان هناك طفرة كبيرة في العلاقة بين الدين والعلاقات الدولية. ولكن السؤال هو: كيف تنظر العلاقات الدولية الى الدين، وهل تتعامل مع بنفس المفهوم الذي تتعامل معه العلوم الأخرى، مثل علم الاجتماع مثلا". أم هناك تعريفا" مختلفا" للدين في مجال العلاقات الدولية؟

ففي كتابه "قضايا في السياسة العالمية"، الصادر عن دار "بلغريف" البريطانية عام 2001، يقول جيف هنز، ان نهاية القرن القرن العشرين كانت حقبة تغير سياسي واجتماعي واقتصادي جوهري على الصعيد المالي، ومن بين التغيرات التي شهدتها هذه الحقبة الانخراط السياسي لفاعلين دينيين حول العالم، وقد أكدت ذلك، أحداث البوسنة والهرسك، التي تحولت الى نزاع ديني في أوروبا، أما في العالم الثالث، بدا أن دور الفاعلين الدينيين ذوي الأهداف السياسية في ازدياد، ولعل أوضحهم من تشجعوا بالثورة الاسلامية الايرانية، ومحاولة العراق العلماني الاشتراكي القومي أن يلعب بالورقة الاسلامية في حرب الخليج الثانية عام 1991، التي كانت هي اللحظة المحددة في النقاش حول النظام الدولي الذي أعقب الحرب الباردة، وفي ذلك الحين أصبح ينظر الى الراديكالية الاسلامية على نحو واسع بأنها ربما تشكل أهم تهديد جديد للأمن الغربي. وجاءت التعليقات المتشائمة للباحثين الأميركيين صامويل هنتنغتون وفرانسيس فوكوياما تأكيدا" لهذه الرؤية، من أن التهديدات الخطيرة للنظام الدولي سوف تكون من المصادر الدينية والثقافية غير الغربية. وبالتالي فان التهديدات الرئيسية سوف تأتي من بلدان تعج بشعوب غير مسيحية، لأن المسيحية بحسب رأي أصحاب وجهة النظر هذه، أفرزت ثقافات تشجع على نمو الديموقراطية الليبرالية، وبالتالي تشجع على السلام والأمن العالميين.

وهذه الرؤى، تشير الى أن المعسكر الغربي اتخذ من الاسلام عدوا" بديلا" عن الاتحاد السوفياتي - السابق، وذلك تطبيقا" لنظرية صراع الحضارات التي نظر اليها هنتنغتون في كتابه الشهير "صدام الحضارات واعادة بناء النظام الدولي"، ولكن ما ذكره هنتنغتون ما هو الا توصيف لوضع كان يتبلور بعد نهاية الحرب الباردة، فنهاية الايديولوجيات الكبرى المهيمنة دفعت الشعوب الى البحث عن ملاذ نفسي ووجدته في الهويات الصغرى مثل الاثنية أو الدين. وأصبح الدين بديلا" لدى شعوب متعددة عن النظم "السردية الكبرى" التي يطلق عليها الهوية. وللذكرى فان مصطلح "السردية الكبرى" هو نفسه الذي استخدمه المنظر الأول لما بعد الحداثة المفكر الفرنسي جان فرانسوا ليوتار، وذلك للاشارة الى حقبة العلاقات الدولية التي أعقبت الحرب الباردة.

فمفهوم ما بعد الحداثة في العلاقات الدولية يقوم على نسبية المفاهيم، الوعلاقة القوية بين المعرفة والسلطة وتفكيك الأنماط السائدة من التفكير، وهذا الأمر يستتبع أن يتم التعامل مع آليات أخرى مختلفة عن أنماط التفكير في العلاقات الدولية، وفي مقدمتها أن الوحدة الأساسية في النظام الدولي، وهنا برزت مفاهيم متعددة مثل الفوضى، والتفكيك، الذين يتم تاعامل معها بجدية في حقل العلاقات الدولية، وهو الأمر الذي جعل المنظرين والتطبيقيين على حد سواء يتعاملون مع كل مشكلة باعتبارها ذات أبعاد متعددة وليست ذات بعد واحد حتى المشكلات التي يبرز فيها الدين في مقدمة المشهد مثل الأزمة التي أثيرت أخيرا" بين العالم الاسلامي والفاتيكان بعد تصريحات البابا بنيديكت السادس عشر.

فقد تعامل بعض المفكرين مع هذه الأزمة باعتبارها تدخل في سياق أزمة مركبة بين الاسلام والغرب ولها أبعاد أخرى غير دينية، فقد أكدت التصريحات التي نسبت الة البابا بنيديكت بابا الفاتيكان وردود فعل المسلمين عليها، أننا سوف نظل نعيش في حلقة مفرغة من الصراع وسوء الفهم المتعمد بين الغرب والاسلام. وهذا الأمر يؤكد ان هناك أزمة محتقنة في علاقات الجانبين وأن أحد الأطراف وهو الغرب لا يستطيع أن يخفي عداءه للآخر كلما حانت الفرصة.

في ضوء هذه المشاهدات يمكن القول أنه ان كانت نظرية صراع الحضارات أصبحت واقعا" معاشا"، وهناك الكثير من المؤشرات التي تؤكد ذلك، خاصة وأن الأطراف المنتمية للحضارات الثمانية الكبرى بها من يعملون على تفعيل هذه النظرية مدفوعين بمصالح ضيقة الا أن الحقبة التي نعيشها حاليا" ومنذ نهاية الحرب الباردة وتحول المجتمعات من الحداثة الى ما بعدها، أفرزت تطورات متعددة على رأسها بالطبع العلاقات الدولية الأمر الذي جعل الفاعلين الدوليين التقليديين، أي الدول والمنظمات الدولية الرسمية، يضعون هذا العامل نصب أعينهم وهو يخططون لسياساتهم الخارحية، وفي الوقت نفسه برز فاعلون آخرون منتمين الى الدين يطلق عليهم في أدبيات العلاقات الدولية مسمى الفاعلين غير الرسميين وعلى رأس هؤلاء يمكن ادراج "حزب الله" اللبناني وحركة "حماس" الفلسطينية. http://www.tahawolat.com/cms/article.php3?id_article=1062

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بحث عن التنمية المستدامة ( البحث منقول)

مقدمة الفصل: لقد أستحوذ موضوع التنمية المستدامة اهتمام العالم خلال 15 سنة المنصرمة وهذا على صعيد الساحة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية العالمية ،حيث أصبحت الاستدامة التنموية مدرسة فكرية عالمية تنتشر في معظم دول العالمي النامي والصناعي على حد سواء تتبناها هيئات شعبية ورسمية وتطالب بتطبيقها فعقدت من أجلها القمم والمؤتمرات والندوات.ورغم الانتشار السريع لمفهوم التنمية المستدامة منذ بداية ظهورها إلا أن هذا المفهوم مازال غامضا بوصفه مفهوما وفلسفة وعملية ،ومازال هذا المفهوم يفسر بطرق مختلفة من قبل الكثيرين ولذلك فقد تم التطرق في هذا الفصل إلى مبحثين رئيسيين:المبحث الأول: ماهية التنمية المستدامة;المبحث الثاني: محاور أساسية في التنمية المستدامة;المبحث الأول: ماهية التنمية المستدامةبدأ استخدام مصطلح التنمية المستدامة كثيرا في الأدب التنموي المعاصر وتعتبر الاستدامة نمط تنموي يمتاز بالعقلانية والرشد، وتتعامل مع النشاطات الاقتصادية التي ترمي للنمو من جهة ومع إجراءات المحافظة على البيئة والموارد الطبيعية من جهة أخرى، وقد أصبح العالم اليوم على قناعة بأن التنمية المستدامة التي تقضي على قضايا التخ

عوامل قوة الدولة

ان لعوامل القوة المتاحة للدولة دور كبير في تحديد مكانتها على الساحة الدولية لكن قبل التعرض لهذه العوامل يجب علينا ان نعرج على بعض المفاهيم إن القوة ـ كما أوضحت تعريفاتها ـ ليست التأثير ، وإنما القدرة على التأثير . وتستند هذه القدرة على امتلاك الدولة إمكانيات (خصائص ، موارد ، قدرات ، مؤسسات) معينة تشكل مقومات القوة القومية Elements of National Power التى تمكنها من التأثير على سلوكيات الدول الأخرى فى الاتجاهات التى تحقق مصالحها، كالمساحة الجغرافية ، وعدد السكان ، والموارد الطبيعية ، والقدرات الإقتصادية ، والقوة العسكرية ، والبنية التكنولوجية ، والفعاليات الثقافية، والمؤسسات السياسية ، والحالة المعنوية للشعب ، وغيرها . لكن ، على الرغم من أن هذه الإمكانيات المتداخلة تشكل فى مجموعها عوامل القوة الشاملة لأى دولة ، فإن هناك اختلافات أساسية فيما بينها ، ترتبط باعتبارات عملية ، تتصل بالقدرة على استخدامها فى عملية التأثير ، خاصة خلال المواقف التى يتعرض في

المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية

المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية "تمثل مدرسة الواقعية السياسية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية ردة فعل أساسية على تيار المثالية. وهدفت الواقعية إلى دراسة وفهم سلوكيات الدول والعوامل المؤثرة في علاقاتها بعضها مع بعض. . . [لقد] جاءت الواقعية لتدرس وتحلل ما هو قائم في العلاقات الدولية, وتحديداً, سياسة القوة والحرب والنزاعات, ولم تهدف كما فعلت المثالية إلى تقديم . . . [مقترحات] وأفكار حول ما يجب أن تكون عليه العلاقات الدولية". "وقد حاول الواقعيون الحصول على أجوبة لأسئلة مازال يطرحها الأكاديميون والمهتمون بالشؤون الدولية منذ الستينات وحتى يومنا هذا. إذن هدفت الواقعية إلى تقديم نظرية سياسية لتحليل وفهم واستيعاب الظواهر الدولية". يرى مورغنثاو (وهوا من ابرز منظري الواقعية) بان السياسة الدولية تتميز (وتنفرد) "كفرع أكاديمي عن دراسة التاريخ والقانون الدولي والأحداث الجارية والإصلاح السياسي". أهم المسلمات الأساسية في الفكر الواقعي 1. "أن السياسة لا يمكن أن تحددها الأخلاق كما يقول المثاليون بل العكس هو الصحيح. وبالتالي فالمبادىء الأخلاقية لا يمكن تط