التخطي إلى المحتوى الرئيسي

القائد السياسي وصناعة الأزمة في السياسة الخارجية ‏(‏حالة الرئيس العراقي صدام حسين في حرب الخليج الثانية‏)‏

عزمي عاشور
مدير التحرير التنفيذي لمجلة الديمقراطية

ترتبط صناعة الأزمة في السياسة الدولية بعوامل كثيرة منها الأسباب الموضوعية كالصراع علي الثروات أو سباق التسلح أو النزاع علي أقاليم معينة أو الأسباب الاقتصادية كمسائل التجارة وغيرها فيما بين الدول وكلها تبدو أنها أسباب توجد آليات مختلفة للتفاوض بشأنها‏،‏ ومن ثم فكثير من هذه القضايا لا تصل الي الأزمة‏،‏ ولكن الخطورة تكمن عندما تتحول كثير من هذه الأسباب إلي سوء تفسير وإدراك من القائد السياسي والذي يؤدي بدوره إلي اتخاذ تدابير من شأنها أن تصنع أزمة تتعدي تداعياتها المستوي الإقليمي الي الدولي‏،‏ كأن يأمر قواته بأن تقوم بالاعتداء علي أراضي الدولة المتنازع عليها أو غيرها من التدابير الأخري‏..‏ مثلما حدث في غزو العراق للكويت في عام‏1990.‏ وعلي الرغم من انه كانت هناك مبررات اقتصادية وسياسية لعملية الغزو إلا أن قرار الغزو نفسه‏،‏ ومن وقف وراءه بات أمرا مثيرا للكثير من التساؤل والاستفهام حول طبيعة شخصية صانع هذا القرار‏،‏ فمهما تكن الخلافات والأسباب بين دولتين جارتين‏،‏ لا يوجد منطق في أن تبتلع دولة جارتها في بضع ساعات ويقتل من يقتل ويشرد من يشرد دون ادني اعتبار للقواعد المتعارف عليها التي تحكم سلوك الدول في علاقاتها فيما بينها‏.

وعلي الرغم من مرور تسعة عشر عاما علي هذا الحدث الزلزال الا ان توابعه لم تغب عن المنطقة العربية لحظة‏،‏ فالتواجد الأجنبي في دول الخليج فاق الوصف للدفاع عنها‏،‏ وهذا هو العراق نفسه غابت فيه الدولة وبات هو المحتل من قبل الولايات المتحدة بعدما كان أثناء غزوه للكويت قوة عسكرية كبيرة في المنطقة‏.‏

وبات النظام العربي أو بمعني أصح الدول العربية إزاء هذه البيئة الجديدة‏،‏ فاقدة المعني والهدف والهوية وغاب تأثير وفاعلية دولها وبالأخص الرئيسية في اتخاذ أي رد فعل تجاه ما يحدث داخل نطاق دولها أو إقليمها العربي‏،‏ وباتت شهرة الدول الصغري تفوق الكبري لبهاتة المعايير وحالة الضعف التي انتابت الدول العربية في مجملها وعجزها علي ان تجد حلا لمشكلاتها في اطار منظوماتها الإقليمية سواء عندما تم غزو العراق للكويت او حتي قبيل الغزو الأمريكي للعراق في عام‏2003.‏

وعلي خلفية هذه التداعيات المستمرة لهذا الحدث كان اختيار الباحث دراسة المحددات الشخصية للقيادة السياسية وصنع القرار في السياسة الخارجية‏،‏ وكان التطبيق علي حالة العراق والرئيس صدام حسين‏،‏ ومن ثم فالباحث يحاول هنا ان يظهر كيف أن المحددات الشخصية هي التي كانت المتحكمة في صناعة القرار في غزو العراق للكويت في عام‏1990،‏ ولم يكن هناك تقدير واعتبار للمحددات الموضوعية‏،‏ حيث لو أن هذا العامل الأخير كان موضع اعتبار من قبل القائد السياسي‏(‏ صدام حسين‏)‏ لأصبح الوضع الوضع مختلفا ليس للعراق وإنما للمنطقة ككل‏.‏

'‏ويقصد بالدوافع الذاتية مجموعة العوامل المرتبطة بالحاجات الأساسية‏(‏ المادية والمعنوية‏)‏ للإنسان‏،‏ والتي تدفع الفرد إلي التصرف بشكل معين‏،‏ كالدافع نحو القوة‏،‏ والحاجة إلي الانتماء‏،‏ والحاجة إلي الإنجاز‏،‏ واحترام الذات‏،‏ والنزعة نحو السيطرة أو الخضوع وغيرها‏.‏ أما الخصائص الشخصية فإنها تنصرف الي الخصائص المرتبطة بالتكوين المعرفي والعاطفي والسلوكي للإنسان‏،‏ كأن يكون الفرد ذا شخصية تسلطية‏،‏ أو يكون ميالا إلي الانفتاح علي الأفكار الأخري‏.‏ وقد سبق أن أكد العديد من الفلاسفة السياسيين‏،‏ أمثال سان أوجستين‏،‏ وسبينوزا‏،‏ ونايير‏،‏ أن الدوافع الذاتية العدوانية والأنانية لدي البشر‏،‏ بمن فيهم القادة السياسيون هي إحدي المحركات الرئيسية للحروب بين الدول‏.‏ ويعتبر هارولد لاسكويل أشهر من حلل أثر الدوافع الذاتية علي السلوك السياسي‏.‏ فقد أوضح ان الدافع الرئيسي للنشاط السياسي للفرد هو الإحساس بعدم الأمان العاطفي وافتقاد احترام الذات‏.‏ فالفرد يحاول تغطية هذا النقص عن طريق السعي نحو القوة‏(1).‏ وبناء علي ذلك‏،‏ ينظر الاقتراب النفسي الي السياسة الخارجية علي أنه تعبير عن انطباعات أو نزوات أو مزاج قائد أو زعيم‏.‏ وطبقا لوجهة النظر هذه‏،‏ فإن ملوك الدول ورؤساءها هم وحدهم مصدر السياسة الخارجية‏.‏ ومن ثم فان مسائل الحرب والسلام علي سبيل المثال في مفهوم هذا الاقتراب تصبح مسائل رؤي ذاتية واختيارات فردية‏.‏ والسياسة الخارجية من هذا المنطلق لا ينظر اليها علي أنها نشاط أعد لتحقيق أهداف قومية أو مجتمعية‏،‏ بل ينظر اليها كما أورد ادوار شيلر‏1962‏ علي أنها مجرد علاقات عامة تهدف الي تحسين صورة الدولة‏،‏ وتدعيم شعبية قائدها‏،‏ وصرف الأنظار عن المشاكل الداخلية التي تعاني منها نحو انتصارات خارجية مطلقة‏(2).‏ وقد ساعدت ظروف البناء المؤسسي السياسي والاجتماعي في المجتمعات العربية علي سيادة هذه النوعية من القيادة‏،‏ حيث هذا البناء يصب في تمركز صنع القرار في شخص الرئيس‏،‏ والذي بناء علي المحددات الشخصية تشكل المخرجات‏،‏ حيث ليس كل المحددات الشخصية سلبية بقدر أن الخطورة تكمن عندما تكون المحددات الشخصية أحد الأسباب الأساسية في صناعة أزمة للسياسة الخارجية لبلادها وفقا للقدرات والإمكانيات التي تتمتع بها كل دولة‏.‏ ويمثل النموذج العراقي حالة مثالية لهذه النوعية‏،‏ حيث لم تكن هناك أزمات اقتصادية‏،‏ وكانت هناك بدائل متعددة للخروج من ازمات في سياسة العراق مع الجيران وغيرها من دول العالم المعنية‏.‏ ولكن عملية الإدراك والتصورات الشخصية لدي الرئيس والذي يجسد مركزية صنع القرار أدت إلي صناعة أزمات وكوارث في السياسة الدولية علي المستوي الإقليمي والمستوي الدولي‏،‏ ثم للدولة العراقية وجيرانها بعد ذلك نتيجة هذا العامل الشخصي‏.‏

أولا‏-‏ البناء السياسي وصنع السياسة الخارجية العراقية‏:‏

كان يعد مجلس قيادة الثورة طبقا للدستور العراقي الصادر في عام‏1970‏ والتعديلات التي أدخلت عليه في عام‏1973‏ بمثابة قمة الجهاز السياسي في الدولة وأعلي سلطة تشريعية في البلاد‏.‏حيث كان يقوم المجلس بانتخاب أحد أعضائه بأغلبية الثلثين ليكون رئيسا للمجلس ورئيسا للجمهورية في ذات الوقت وآخر ليكون نائبا له‏.‏ وينظر المجلس في كافة السياسات الداخلية والخارجية وله حق عزل أعضائه أو إضافة أعضاء جدد إليه بحد أقصي اثنا عشر عضوا‏.‏ وعلي الرغم من مسئولية الرئيس من الناحية النظرية أمام المجلس إلا ان الدستور لم يشر الي مدة رئاسته أو إجراءات عزله باستثناء الإقالة‏(3).‏

وبالنسبة لصنع السياسة الخارجية وطبقا للدستور العراقي كان يشرف مجلس قيادة الثورة علي كل شئون السياسة الخارجية من اعلان التعبئة العامة واتخاذ قرارات الحرب وقبول الهدنة وتوقيع اتفاقيات السلام‏(‏ المادة‏43-‏ فقرة ب‏)،‏ والتصديق علي المعاهدات والاتفاقيات الدولية وحماية استقلال البلاد وتكاملها الإقليمي‏(‏ المادة‏58-‏ فقرة أ‏،‏ المادة‏58‏ فقرة‏).‏ وعلي الرغم من أن التعديل الدستوري الذي كان قد أجري في عام‏1973‏ أوجد مجلسا للوزراء كمؤسسة منفصلة عن مجلس قيادة الثورة‏،‏ الا ان هذا المجلس الجديد يرأسه رئيس الدولة‏(‏ المادة‏60)‏ ويضطلع أساسا بالشئون الداخلية للبلاد‏(‏ المادة‏61)‏ اذا أضفنا الي كل ذلك مدي محدودية السلطات الممنوحة للجمعية والوطنية والظروف غير المواتية التي صاحبت تأسيسها في يونيو‏1980‏ والتي تضطلع بمسئولية مناقشة مشروعات القوانين التي يقترحها مجلس قيادة الثورة أو التي يتقدم بها ربع أعضائه علي الأقل‏.‏ وتجدر الإشارة انه ليس لهذه الجمعية سلطة التعامل مع المسائل العسكرية والأمن القومي‏.‏ ولو أضفنا أن الجمعية يرأسها أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة لأمكننا أن نخلص إلي أن عملية صنع قرارات السياسة الخارجية في العراق تتم من خلال مجموعة محدودة للغاية من الأشخاص‏.‏

وبسبب اختصاصاته الدستورية الواسعة النطاق من ناحية ونمط شخصيته من ناحية ثانية كان يعتبر الرئيس صدام حسين هو صانع القرار الرئيسي في العراق‏.‏ وتثير هذه الحقيقة ثلاثة أسئلة‏:‏ ما هو دور حزب البعث؟ وما هو دور المؤسسات السياسية الأخري غير مجلس قيادة الثورة والرئاسة؟ ما هي القيود السياسية والمؤسسية علي الرئيس ان كان هناك وجود لها؟

أولا‏-‏ بالنسبة لحزب البعث‏،‏ وعلي الرغم من أن كل أعضاء مجلس قيادة الثورة‏-‏ باستثناء أن نائب الرئيس كردي‏-‏ يجب أن ينتموا الي حزب البعث الا انه ليس هناك ثمة دلائل تشير إلي أن الحزب يلعب دورا مؤثرا في عملية صنع السياسة الخارجية‏.‏ فلقد أوضح الرئيس صدام حسين أنه لا يشترط بالضرورة أن يكون هناك تطابق بين مواقف كل من الحزب والدولة‏.‏ فعلي الرغم من ان كلا من الحزب والدولة يتبني بطبيعة الحال استراتيجية وأيديولوجية واحدة‏،‏ إلا أن علي الدولة أن تكيف نفسها في إدارة شئون الحياة اليومية وفقا للظروف المتغيرة بينما لا يتطلب الأمر من الحزب ذلك‏(4).‏

أما بالنسبة لدور المؤسسات السياسية في عملية صنع قرارات السياسة الخارجية‏،‏ فمن الواضح أنها كانت تخضع لهيمنة مجلس قيادة الثورة وبصفة خاصة الرئيس الذي يتجسد فيه مصطلح الدولة السابق الإشارة إليه‏.‏ وعلي ذلك يمكن القول ان نمط صنع قرار السياسة الخارجية في العراق يقترب من نمط القائد والمستشارين‏.‏ فبينما يكون الرئيس بمثابة مركز صنع القرار تقوم المؤسسات والأفراد المشاركون بدور المستشارين‏.‏ وبالنسبة للقيود الواردة علي حركة الرئيس فهناك القيود المؤسسية والقيود الاجتماعية السياسية‏.‏ وعلي الرغم من ان الرئيس صدام حسين كان يتمتع بحرية نسبية من القيود المؤسسية إلا أنه كان يخضع لمجموعة من القيود النابعة من البيئة الداخلية والتي تفرضها معطيات الوضع الجغرافي والتركيب السكاني للبلاد‏(5).‏

ثانيا‏-‏ السمات الشخصية للرئيس صدام حسين وصناعة الأزمة في السياسة الخارجية‏:‏

دخل تحليل الدوافع الذاتية للقائد السياسي‏،‏ منذ منتصف الخمسينيات من القرن العشرين مجال السياسة الخارجية‏.‏ ولعل من اشهر الدراسات الرائدة في هذا المجال دراسة اسكندر جورج وجولييت جورج عن دوافع الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون وأثرها علي سياسته الخارجية‏.‏ فيقول جورج وجولييت ان طفولة الرئيس ويلسون تميزت بسيطرة والده عليه سيطرة كاملة‏،‏ وأن ذلك قد أنتج لديه دافعا نحو الإنجاز والقوة وممارسة القوة‏'‏ بمفرده‏'‏ وفرض إرادته علي غيره وعدم قبول أي سلطة فوق إرادته‏.‏ وقد اصبح هذا الدافع قاعدة في علاقاته مع الآخرين‏(6).‏ ويري فاتيكيوتس أن فقدان جمال عبدالناصر الإحساس بالأمن في طفولته نتيجة وفاة والدته عندما كان طفلا‏،‏ وسرعة زواج أبيه من أخري قد أنتج لديه ميلا الي الشك في الآخرين‏،‏ ونزعة نحو اتباع سياسات تنطوي علي تأكيد الكرامة واحترام الذات‏،‏ كذلك يري هيكل أن أنور السادات كان يحمل في أعماقه منذ حياته المبكرة رغبة جامحة في أن يصبح نجما لامعا في الحياة وأن هذه الرغبة الجامحة في النجومية والتي تعود جذورها الي نشأته الأولي‏،‏ هي التي تفسر كثيرا من سلوكياته في ميدان السياسة الخارجية‏(7).‏

فيما يتعلق بالرئيس صدام حسين سوف نقسم السمات الشخصية الي نوعين‏:‏ الأولي السمات التي ترعرعت معه من خلال طفولته ومراهقته وهي السمات والخصائص الأولية‏.‏ والثانية هي السمات الشخصية المركبة من السمات السابقة وواقع الخبرة السياسية‏.‏

‏1-‏ السمات الشخصية الأولية للرئيس صدام‏:‏

عند التطرق الي النشأة الاولي لصدام‏،‏ تمثلت المحطة الاولي أنه ولد في سنة‏1937‏ لعائلة سنية فقيرة تعمل بالزراعة بقرية العوجة بالقرب من مدينة تكريت وقد توفي والده حسين المجيد قبل ولادته بعدة أشهر فقامت علي تربيته أمه وزوجها‏'‏ إبراهيم حسن‏'‏ الذي كان يمتهن حرفة الرعي‏.‏ أكمل صدام دراسته الابتدائية في مدرسة تكريت‏.‏ المحطة الثانية تمثلت في انتقاله إلي بغداد ودخوله مدرسة الكرخ الثانوية في بغداد وإقامته في تلك الفترة مع خاله خير الله طلفاح الذي تأثر بأفكاره القومية ومشاعره المناهضة للاستعمار البريطاني‏..‏ المحطة الثالثة تمثلت في محاولة صدام الالتحاق بأكاديمية بغداد العسكرية لكن درجاته الضعيفة حالت دون ذلك‏.‏

يتضح مما سبق أن شخصية الرئيس صدام حسين في طفولته وصباه قد لعبت ثلاث محطات رئيسية دورا كبيرا في تكوين شخصيته وملامحها التي تشكلت في فترة الطفولة والشباب‏،‏ وأن هذه الفترة قد تركت تأثيرا كبيرا علي شخصيته‏،‏ حيث أن الكثير من سياساته الخارجية وحتي الداخلية ارتبط بسمات شخصية مرتبطة بعملية التشكيل في السنوات الاولي‏.‏

أولا أن موت والده قبل أن يولد ثم زواج والدته يعتبر الحدث الاهم في تكوين شخصية صدام حسين خصوصا فيما يتعلق بالسمات الشخصية المرتبطة بالقوة او الشك وعدم التهاون مع الخيانة حتي لو ترتب علي رد فعله كوارث كما سوف نوضح فيما بعد‏.‏ فالطفل عندما يولد دائما ما يستمد قوته من أسرته وبالأخص والده الذي يجد فيه الحماية والأمن‏،‏ أما أن يولد الطفل ولا يجد والده فإن الشعور بعدم الأمن لديه يصبح صفة ملازمة له‏،‏ ومن ثم يحاول الطفل أن يبحث عن الأمان بطرقه المتوافرة له في بيئته‏.‏ وفي حالة صدام حسين لم يقتصر الأمر علي ذلك وإنما زواج والدته قد ضاعف من هذا الأثر السلبي وهو عدم الشعور بالأمان‏،‏ هذا فضلا عن ان ذلك ربما يكون زرع في داخله شعورا منفرا لكل الأفعال التي ترتبط من قريب أو بعيد بالخيانة‏،‏ علي أساس أنه من الممكن ان ينظر طفل صغير لزواج والدته بعد وفاة والده علي أنه خيانة كبري‏،‏ خصوصا اذا كان هذا الطفل نشأ في بيئة ريفية قبلية تلعب مثل هذه القيم دورا كبيرا في تشكيل شخصية الفرد الذي ينشأ فيها‏.‏ وامتعاض الرئيس صدام من الخيانة هذا ظهر في رد فعله سواء علي مستوي الداخل بتصفية من يشك انه يخونه او علي مستوي الخارج والسياسات الخارجية‏.

‏ في حرب الخليج الثانية‏،‏ علي سبيل المثال‏،‏ كان تفسيره وإدراكه لما تفعله الكويت بمثابة خيانة وفقا لمعتقدات صدام‏،‏ ولذلك تصرف مع هذه القضية انطلاقا من هذا الإدراك الشخصي‏،‏ وكان يتصرف مع الدولة الجارة وكأنه يتصرف مع فرد خانه أو استشعر بعدم الأمان تجاهه فتم تصفيته‏،‏ ولم يوفر له إدراكه الشخصي ان ثمة اختلافا كبيرا بين اتخاذ قرار يتعلق بمصير فرد واتخاذ قرار يتعلق بمصير دولة من حيث النتائج والتداعيات‏.‏

أما المحطة الثانية فتكمن في ذهابه الي بغداد ولقائه مع خاله خير الله طلفاح وتأثره بالأفكار القومية عن طريقه‏،‏ حيث كان من الممكن أن يتأثر صدام بأفكار أخري‏،‏ لأنه في مرحلة المراهقة والشباب دائما ما يتطلع الشاب الي المثل الأعلي والقدوة‏،‏ وبالنسبة لصدام حسين كان في أمس الحاجة إلي ذلك لكونه فقد والده قبل أن يولد فضلا عن عامل زواج والدته ونشأته هو في بيت زوج والدته‏،‏ فهذه الظروف المفروضة عليه جعلته يبحث عن قدوة يجد فيها ذاته‏،‏ وبمجرد أن التقي بخاله المثقف القومي في بغداد ترك هذا الحدث فيه تأثيرا كبيرا خصوصا فيما يتعلق بتشربه الأفكار القومية التي شكلت جانبا مهما من شخصية الرئيس صدام حسين‏.‏

أما المحطة الأخيرة فهي المتعلقة برغبته في الدخول في أكاديمة بغداد العسكرية‏،‏ ولكن درجاته في الثانوية العامة لم تؤهله للالتحاق بها‏،‏ وهو الأمر الذي شكل ما يشبه الصدمة لشاب كان يبحث عن القوة التي حالت ظروف نشأته عن افتقادها لخروجه الي الحياة مفتقدا إليها في شخص الأب الذي توفي قبل أن يخرج هو الي الحياة بطبيعة الحال‏،‏ ومن ثم كانت رغبته في الالتحاق بأكاديمية بغداد العسكرية نوعا من التعويض عن هذا النقص الذي لازمه منذ بداية حياته ويمكن تلمس تأثير هذا العامل في حياته فيما بعد في اهتمامه الشديد بالجيش وتسليحه وارتدائه دائما الزي العسكري‏،‏ هذا فضلا علي انه يفسر لماذا ظل الرئيس صدام حسين باحثا عن القوة ولكن قدراته ومؤهلاته لم تكن تسعفه‏،‏ لذلك انتهج سبلا وطرقا غير مشروعة في تحصيل القوة سواء في الداخل‏(‏ الكيفية التي تدرج فيها في السياسة حتي وصل الي رئاسة الدولة العراقية‏)‏ أو حتي علي مستوي الخارج وصياغة السياسة الخارجية فهو دائما وفقا لهذا المتغير كان يعتمد علي تحقيق القوة في هذا المجال وفقا لإدراكه وتصوراته لقدراته سواء في علاقاته مع الدول العربية او الدول الأجنبية‏.‏ إلا أن الملمح المهم هنا هو المتعلق بالحروب التي دخلها الرئيس صدام حسين والتي لا تخرج أسبابها عن العوامل السابق الإشارة إليها‏.‏

ولهذا لم يكن مستغربا ان يتم عسكرة المجتمع العراقي في الفترة التي ارتبط بها الرئيس العراقي بالحكم‏،‏ ففي عام‏1972‏ كان الجيش العراقي يشكل‏1%‏ من عدد السكان البالغ عددهم‏10‏ ملايين نسمة‏،‏ وفي وعام‏1982‏ زادت هذه النسبة وبلغت‏2.4%‏ من السكان البالغ عددهم‏14‏ مليون نسمة‏،‏ وفي عام‏1984‏ كانت النسبة‏4.2%‏ من نفس النسبة‏.‏ أما في عام‏1988‏ وهو نهاية الحرب مع إيران فقد كانت النسبة‏5.5%‏ من عدد السكان البالغ عددهم‏18‏ مليونا من البشر‏.‏ وهذه النسبة من العسكرة يتبعها بالطبع أجهزة ومؤسسات ومدنيون يعملون لحساب المؤسسة العسكرية‏.‏ أما بالنسبة لأجهزة الأمن الأخري‏(‏ شرطة‏،‏ مخابرات‏،‏ أمن داخلي ونحو ذلك‏)‏ فقد صدر تقرير عن حقوق الانسان في عام‏1990‏ يقول إن حوالي‏25%‏ من سكان العراق يعملون لحساب أجهزة الأمن المختلفة أي ما يقارب من‏4.5‏ مليون من السكان البالغ عددهم‏18‏ مليونا‏.‏ فإذا أضفنا هؤلاء إلي عدد الجيش كان الناتج حوالي‏5.5‏ مليون من البشر أي ما يعادل‏30%‏ من السكان‏،‏ دون الحديث عن الأجهزة المدنية الاخري التي تعمل لحساب هذه النسبة‏'(8).‏ وعملية هذه العسكرة للمجتمع عسكريا وأمنيا وغير المبررة بطبيعة الحال كانت في الأساس مرتبطة إلي حد ما بالعامل السابق الإشارة اليه الكامن في شخصيته من عقدة نقص تجاه كل ما هو عسكري نتيجة فشله في الالتحاق بمدرسة بغداد العسكرية في أيام مراهقته‏.‏ وعملية العسكرة هذه للمجتمع شكلت ثقلا بطبيعة الحال وضغطا علي مخرجات السياسة الخارجية وتعرضها لأن تكون في الكثير من المواقف صانعة للأزمة وخصوصا إذا كانت صناعتها مرتبطة بالقائد السياسي وإدراكه وتفسيراته للمتغيرات الخارجية‏..‏ فنلاحظ انه عندما قامت الثورة الايرانية عام‏1979‏ تغلبت العوامل الشخصية علي العوامل الموضعية لتفسر له سلوك جيرانه من الدول وبالأخص خاصية الشعور بعدم الأمان التي باتت لصيقه معه منذ الصغر وخوفه من المد الثوري الايراني علي العراق والتي يشكل الشيعة نسبة كبيرة من سكانها‏،‏ فخوضه لهذه الحرب لا يخرج في تفسير جزء من أسبابها عن هذا المتغير‏،‏ هذا فضلا عن مساعدة الظروف الخارجية له ودعم الولايات المتحدة والكثير من الدول العربية له نتيجة الخوف من المد الثوري الايراني علي الدول العربية الأمر الذي قوي من تصوراته وإدراكه للعدو بناء علي هذا المحدد الشخصي‏.‏

نفس الأمر ينطبق علي حرب الخليج الثانية من توظيف إدراك الشخص لقدراته لتحقيق القوة والتي قد تكون ناقصة‏،‏ هذا فضلا عن العامل الذي ترعرع معه منذ الصغر وهو بغضه للخيانة وتفسيره لبعض الممارسات الكويتية علي أنها خيانة ومن ثم اتبع نهج الانتقام بنفس الأسلوب الذي يتبعه مع خصومه الأفراد بأن قام وحاول اقتلاع دولة من الوجود‏.‏

ولكن الذي يهمنا في التحليل الأخير هنا أن الرئيس صدام حسين وفقا للمحددات الشخصية هذه قد صنع أزمة في السياسة الخارجية ليس لدولته فقط وانما تعدت تداعياتها النطاقين الاقليمي والدولي‏.‏ ونلاحظ ان الرئيس صدام هو الذي صنع الأزمة وفقا لإدراكه وتصوراته وتصرف في الأزمة وفقا لهذا الإدراك علي مدار الستة شهور قبل عملية التحرير في يناير‏.1991‏ فالمجتمع الدولي بما فيه الولايات المتحدة كان مدركا مخاطر الدخول في حرب لتحرير الكويت تجاه عدو يتصرف تصرفات غير مسئولة لذلك أعملت الوسائل الدبلوماسية المختلفة كي تثنيه عن عمله وتطالبه بالانسحاب‏،‏ الا أن تعاطيه مع هذه المطالب الدبلوماسية أثبتت كما سبق ان أوضح الباحث ضعف ادراك الرئيس صدام حسين للبيئة الدولية المحيطة وهيمنة العوامل الشخصية والنفسية علي شخصيته في تفسيره للبيئة السياسية وتفوقها علي العوامل الموضوعية‏.‏ فهو إزاء أزمة الخليج الثانية تصرف معها من منطلق أنها أزمة داخلية ولا شأن للعالم بها وتسميته في ذلك للكويت بالمحافظة‏19‏ وهو ما يؤكد علي ان قدرات الرئيس صدام حسين اعتمدت في استيعاب المعلومات وتحليلها علي قصر نظر ربما صاحبه منذ فشله في الالتحاق بأكاديمية بغداد العسكرية لضعف درجاته العلمية والتي حاول فيما بعد أن يستعيض عنها بأدوات أخري مثل القوة والهيمنة والسيطرة وعدم قبول‏-‏ أو السماع‏-‏ لرؤي أخري من معارضيه او مستشاريه توضح له البيئة الموضوعية‏،‏ وتجسد ذلك بصورة كبيرة في حرب الخليج الثانية ورفضه للنصائح والحلول الوسط التي تقدمت بها الكثير من الدول وعلي رأسها الدول العربية‏.‏

‏2-‏ السمات الشخصية المركبة لصدام حسين‏:‏

قد يبدو التعرض للسمات الشخصية التي تكونت نتيجة الخبرة والحياة السياسية تكرارا للجزء السابق شرحه‏،‏ وهي بطبيعة الحال امتداد له مع الاختلاف في انه إذا كانت السمات الأولية بقيت مؤثرة وبشكل كبير علي الرئيس صدام حسين إلا أن تفاعلها مع متغيرات جديدة نتيجة ممارسة السياسة ساعد في إخراج جملة من السمات الشخصية المكملة والتي بناء عليها تمكن من تفسير قراراته في حرب الخليج الثانية‏.‏

وإذا أردنا تحليل شخصية صدام حسين متخذ القرار الأوحد في العراق‏،‏ نجد أن هناك شبه إجماع من المصادر المتاحة علي ان هناك عناصر محددة وواضحة تؤطر هذه الشخصية وسلوكها وهذه العناصر يمكن تلخيصها في الإيمان بالعنف كوسيلة لتحقيق الأهداف‏،‏ والإعجاب بالزعامة المطلقة‏،‏ التعصب للرأي الذاتي‏،‏ والحاجز المعرفي مع العالم‏.‏

فالدارس للسيرة الذاتية للحياة السياسية لصدام حسين سيجد أن العنف كان الصفة الرئيسية المميزة لهذه السيرة‏،‏ سواء تحدثنا عن المرحلة التي كان فيها في المعارضة أو المرحلة التي أصبح فيها في الحكم‏،‏ أو سواء تحدثنا عن العلاقة مع الرفاق أو المعارضة أو الجيران‏.‏ ففي مرحلة ما قبل الحكم‏،‏ وبعيدا عن تلك القصص التي تروي عن الطفولة العنيفة لصدام‏،‏ نجد أن حادثة محاولة اغتيال عبدالكريم قاسم في شارع الرشيد عام‏1960‏ والتي كان صدام أحد أبطالها مازالت أحد أهم المعالم في حياة صدام والتي كان يفتخر بها هو شخصيا‏.‏ وقد لا تكون حادثة محاولة الاغتيال مؤشرا كافيا لإيمان صدام بالعنف سبيلا وحيدا لحل المشاكل السياسية لولا الأحداث اللاحقة في سيرته التي أعطت مؤشرات اخري كافية‏.‏ فبالعنف وأجهزته استطاع صدام ان يصل الي قمة هرم السلطة في العراق‏،‏ وبالعنف استطاع المحافظة عليها‏.‏ فهو الذي دشن حكمه في عام‏1979‏ بإعدام وجبة من رفاقه في الحزب تحت مبرر‏'‏ المؤامرة السورية‏'‏ ثم اتجه الي المعارضة في أعقاب الثورة الايرانية وقام بتصفيتها‏(9).‏

أما بالنسبة للإعجاب بالزعامة المطلقة فقد كان صدام حسين معجبا بالزعامة الناصرية وسحرها وسعيه لأن يكون‏'‏ ناصر‏'‏ جديدا في المنطقة العربية‏،‏ وربما يكون ذلك نابعا من انه قد جاء الي القاهرة في عام‏1961‏ وقد انتسب الي كلية الحقوق في جامعة القاهرة وقت كانت شعبية الرئيس جمال عبد الناصر في ذروتها خصوصا بعد تأميم قناة السويس والعدوان الثلاثي عام‏1956.‏ كان من الطبيعي أن يتأثر صدام في شبابه بعبد الناصر ويعجب بهذه الزعامة الطاغية في العالم العربي‏،‏ هذا فضلا علي إعجاب صدام حسين بالزعيم العراقي الإمبراطور البابلي القديم نبوخذ نصر اعظم أباطرة بابل وسعيه لأن يكون زعيما من ذلك النمط‏.‏ والمعلومات كانت تؤكد علي انه كان يشاهد باستمرار فيلم‏'‏ العراب‏'‏ دون كلل او ملل‏.‏ هذا بالإضافة الي تلك الصور والتماثيل التي تملأ العاصمة العراقية وكافة مدن الجمهورية والتي يبدو فيها صدام حسين مادا يديه أو شامخا بأنفه تحيط به رسومات خلفية لدبابات وفرسان وطائرات وصور عسكرية آشورية وبابلية‏.‏ فكل هذه المؤشرات تعبر في جملتها عن تعطش للزعامة وسحرها علي شخصية الساعي اليها‏،‏ وهو ما مارسه فعلا صدام حسين خاصة في أعقاب نصره علي ايران حين أخذ يتصرف علي اعتبار انه الزعيم الأوحد لأمة العرب‏(10).‏ ومثل هذه السلوكيات بناء علي ذلك العامل الشخصي بدأت تترك تأثيراتها علي سلوك السياسة الخارجية العراقية بدءا من مؤتمر القمة العربية في بغداد‏1990‏ وحتي بعد غزوه الكويت في اغسطس‏1990‏ وتعاطيه مع الوساطات العربية المختلفة والدولية والنظر اليها ليس من منطلق الندية وانما من منطلق الفوقية وأنه هو الزعيم العربي ويجب ان يطاع وأنه لا يأخذ أوامره من أحد آخر حتي لو كان هذا الآخر رئيسا عربيا وهو هنا يفسر المشورة والنصيحة علي أنها أمر وفقا لهذا الإدراك الذي نما معها‏.‏

أما بالنسبة لسمة التعصب للرأي الذاتي فكانت سمة طبيعية لصدام حسين ويكفي أن نشير الي واقعة واحدة فقط من بين حالات كانت تشكل السلوك الطبيعي للرئيس صدام حسين في المجتمع‏،‏ وهي انه اثناء الحرب العراقية‏-‏ الايرانية واثناء انعقاد اجتماع القيادة العليا لمناقشة إحدي الخطط الهجومية انتقد أحد الضباط الخطة المقدمة من الرئيس‏،‏ وعندما انتهي من ذلك كان رد صدام حسين هو أن سحب مسدسه واطلق النار وأرداه قتيلا في ذلك الاجتماع‏.‏ هذا مع العلم أن صدام حسين نفسه لم يكن عسكريا محترفا ولم يحصل علي تعليم عسكري نظامي‏،‏ ومع ذلك لايحتمل من ينتقده في هذه الأمور المهنية من المحترفين‏،‏ فكيف بالأمور العامة‏(11).‏

بقي متغير آخر مهم من السمات التي كانت متجسدة في شخصية الرئيس صدام حسين وهو المتمثل في الحاجز المعرفي مع العالم الخارجي الذي يمكن تقسيمه الي بعدين الأول مرتبط بالادراك‏،‏ بمعني ان المعلومات قد تكون موجودة ولكن ادراك الشخص لها تتدخل فيه المحددات الشخصية اكثر من العوامل الموضوعية‏،‏ والبعد الثاني يتمثل في ان الحاجز الخارجي هذا قد يكون موجودا لاعتبارات موضوعية كالجهل بالتحدث باللغات الأخري وعدم القدرة علي الثقافة والاطلاع علي ما يكتبه الآخرون من تحليلات مختلفة‏..‏ والرئيس صدام حسين قد جمع بين هذين البعدين للحاجز الخارجي‏،‏ فصدام حسين لم يكن يعرف غير لغة واحدة وهي العربية ولم يسافر الي الغرب إلا مرة واحدة عام‏1975‏ وكل هذه الامور قد تبدو طبيعية الا أنه عند النظر الي الممارسة الواقعية نلحظ كثيرا من المؤشرات التي تؤكد قصر نظر صدام حسين وقلة المعرفة بالعالم وما يحدث فيه من تطورات‏،‏ فمثلا في ازمة الخليج الثانية تبين أنه لا يعرف الكثير أو حتي القليل عن السياسة والمجتمع في الولايات المتحدة‏،‏ تلك الدولة التي جعل نفسه مكافحا ومناضلا ضدها‏.‏ فقد فوجئ مرة أثناء مقابلته لزائر غربي أن أبدي دهشته حين علم ان انتقاد الرئيس الامريكي لا يعد تعديا علي القانون كما هو في العراق يعاقب عليه بالاعدام‏(12).‏ ومن هنا تبدو نظرته للآخرين هي إسقاط للحالة العراقية علي ما عداها‏..‏ ونلحظ وضوح ذلك في حرب الخليج الثانية فهو اقتلع دولة من الجذور ولم يفكر لحظة واحدة في النتائج التي سوف تترتب علي ذلك او ربما فكر ولكن وفق إدراكه والعوامل الشخصية والحاجز الخارجي الذي كان يفصله عن العالم سواء بسب سوء الادراك والتفسير أو حتي بسبب نقص المعلومات أو حجبها عنه ارضاء لشخصيته التسلطية التي لن تقبل الا مع ما يتوافق مع إدراكها‏.‏

ومن هنا يمكن ملاحظة ان الفترة التي استمر فيها غزوه للكويت من أغسطس‏1990‏ وحتي فبراير‏1991‏ بكل ما جري فيها من مبادرات من رؤساء الدول والدبلوماسيين لحل الأزمة بالانسحاب‏،‏ وعملية التعبئة لقوات التحالف وإصرارها علي تحرير الكويت‏،‏ كل ذلك لم يغير من موقفها الادراكي لهذا الواقع بل علي العكس مثل هذا الامر جعله وفقا للمحددات الشخصية الأخري يشعر بالفعل أنه الزعيم العربي الوحيد الذي يقف في وجه الولايات المتحدة والعالم ومن ثم باتت العوامل الشخصية الأخري تقوي من عملية الحاجز الادراكي والمعرفي بالمتغيرات الخارجية وتفسرها بمنطق عكسي يخدم العوامل الشخصية الأخري‏.‏

وفي النهاية نلاحظ أن البيئة الشخصية للرئيس صدام حسين كانت هي المؤثرة في قراراته في مقابل تغييب البيئة الموضوعية ومن ثم فقرار غزو الكويت وعدم التراجع وتفسيره الخاطئ للوساطات الدبلوماسية وتفسيره الادراكي الخطأ‏..‏ كل ذلك قد ترك آثارا سلبية في أن هذه المحددات الشخصية للقيادة كانت صانعة أزمة في السياسة الخارجية علي المستوين الإقليمي والدولي في نفس الوقت أنها ضاعفت من الأزمة وخلقت أزمات أخري نتيجة الإدراك الخاطئ لردود الافعال الاقليمية والدولية للأزمة الاولي التي صنعها باحتلاله الكويت‏..‏ والنتيجة كانت هي حرب الخليج الثانية‏..‏ وما تلاها من كوارث تمثلت في الحصار الاقتصادي علي العراق لمدة تزيد علي الاثني عشر عامل‏،‏ ثم الاحتلال الامريكي وسقوط نظام صدام حسين نفسه واحتلال العراق‏،‏ فضلا عن التأثيرات السلبية الاخري علي النظام الاقليمي العربي الذي فقد دوره منذ عجزه عن إثناء صدام عن التراجع عن احتلال الكويت‏،‏ والتدهور الذي حدث لهذا النظام الاقليمي في السنوات التالية والتي اظهر فيها شللا تاما تجاه التدخلات الخارجية في المنطقة والتي جاءت كلها نتيجة للأزمة التي صنعها الرئيس صدام حسين باحتلاله الكويت في أغسطس‏1990.‏

المراجع‏:‏

‏1-‏ د‏.‏ محمد السيد سليم‏،‏ تحليل السياسة الخارجية‏،‏ مركز البحوث والدراسات السياسية‏،‏ جامعة القاهرة‏1989،‏ ص‏392.‏
‏2-‏ بهجت قرني وعلي الدين هلال‏،‏ السياسة الخارجية للدول العربية‏،‏ مركز البحوث والدراسات السياسية‏،‏ جامعة القاهرة‏1994،‏ ص‏308.‏
‏3-‏ د‏.‏ أحمد يوسف أحمد في السياسة الخارجية للدول العربية‏،‏ بهجت قرني وعلي الدين هلال تحرير‏،‏ مركز البحوث والدراسات السياسية‏،‏ جامعة القاهرة‏1994،‏ ص‏308.‏
‏4-‏ د‏.‏ أحمد يوسف أحمد في السياسة الخارجية للدول العربية‏،‏ بهجت قرني وعلي الدين هلال تحرير‏،‏ مركز البحوث والدراسات السياسية‏،‏ جامعة القاهرة‏1994،‏ ص‏315-316.‏
‏5-‏ نفس المرجع السابق‏،‏ ص‏317.‏
‏6-‏ د‏.‏ محمد السيد سليم‏،‏ تحليل السياسة الخارجية‏،‏ مرجع سابق‏،‏ ص‏392-393.‏
‏7-‏ نفس المرجع السابق‏،‏ ص‏393.‏
‏8-‏ د‏.‏ تركي الحمد‏،‏ في الغزو العراقي للكويت‏..‏ المقدمات‏،‏ الوقائع وردود الفعل‏،‏ التداعيات‏'،‏ سلسلة عالم المعرفة العدد‏195،‏ الكويت‏1995،‏ ص‏107-108.‏
‏9-‏ نفس المرجع السابق‏،‏ ص‏109-110.‏
‏10-‏ نفس المرجع السابق‏،‏ ص‏107-108.‏
‏11-‏ نفس المرجع السابق‏،‏ ص‏111.‏
‏12-‏ نفس المرجع السابق‏،‏ ص‏111-112.‏
المصدر مجلة الديمقراطية

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بحث عن التنمية المستدامة ( البحث منقول)

مقدمة الفصل: لقد أستحوذ موضوع التنمية المستدامة اهتمام العالم خلال 15 سنة المنصرمة وهذا على صعيد الساحة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية العالمية ،حيث أصبحت الاستدامة التنموية مدرسة فكرية عالمية تنتشر في معظم دول العالمي النامي والصناعي على حد سواء تتبناها هيئات شعبية ورسمية وتطالب بتطبيقها فعقدت من أجلها القمم والمؤتمرات والندوات.ورغم الانتشار السريع لمفهوم التنمية المستدامة منذ بداية ظهورها إلا أن هذا المفهوم مازال غامضا بوصفه مفهوما وفلسفة وعملية ،ومازال هذا المفهوم يفسر بطرق مختلفة من قبل الكثيرين ولذلك فقد تم التطرق في هذا الفصل إلى مبحثين رئيسيين:المبحث الأول: ماهية التنمية المستدامة;المبحث الثاني: محاور أساسية في التنمية المستدامة;المبحث الأول: ماهية التنمية المستدامةبدأ استخدام مصطلح التنمية المستدامة كثيرا في الأدب التنموي المعاصر وتعتبر الاستدامة نمط تنموي يمتاز بالعقلانية والرشد، وتتعامل مع النشاطات الاقتصادية التي ترمي للنمو من جهة ومع إجراءات المحافظة على البيئة والموارد الطبيعية من جهة أخرى، وقد أصبح العالم اليوم على قناعة بأن التنمية المستدامة التي تقضي على قضايا التخ

عوامل قوة الدولة

ان لعوامل القوة المتاحة للدولة دور كبير في تحديد مكانتها على الساحة الدولية لكن قبل التعرض لهذه العوامل يجب علينا ان نعرج على بعض المفاهيم إن القوة ـ كما أوضحت تعريفاتها ـ ليست التأثير ، وإنما القدرة على التأثير . وتستند هذه القدرة على امتلاك الدولة إمكانيات (خصائص ، موارد ، قدرات ، مؤسسات) معينة تشكل مقومات القوة القومية Elements of National Power التى تمكنها من التأثير على سلوكيات الدول الأخرى فى الاتجاهات التى تحقق مصالحها، كالمساحة الجغرافية ، وعدد السكان ، والموارد الطبيعية ، والقدرات الإقتصادية ، والقوة العسكرية ، والبنية التكنولوجية ، والفعاليات الثقافية، والمؤسسات السياسية ، والحالة المعنوية للشعب ، وغيرها . لكن ، على الرغم من أن هذه الإمكانيات المتداخلة تشكل فى مجموعها عوامل القوة الشاملة لأى دولة ، فإن هناك اختلافات أساسية فيما بينها ، ترتبط باعتبارات عملية ، تتصل بالقدرة على استخدامها فى عملية التأثير ، خاصة خلال المواقف التى يتعرض في

المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية

المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية "تمثل مدرسة الواقعية السياسية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية ردة فعل أساسية على تيار المثالية. وهدفت الواقعية إلى دراسة وفهم سلوكيات الدول والعوامل المؤثرة في علاقاتها بعضها مع بعض. . . [لقد] جاءت الواقعية لتدرس وتحلل ما هو قائم في العلاقات الدولية, وتحديداً, سياسة القوة والحرب والنزاعات, ولم تهدف كما فعلت المثالية إلى تقديم . . . [مقترحات] وأفكار حول ما يجب أن تكون عليه العلاقات الدولية". "وقد حاول الواقعيون الحصول على أجوبة لأسئلة مازال يطرحها الأكاديميون والمهتمون بالشؤون الدولية منذ الستينات وحتى يومنا هذا. إذن هدفت الواقعية إلى تقديم نظرية سياسية لتحليل وفهم واستيعاب الظواهر الدولية". يرى مورغنثاو (وهوا من ابرز منظري الواقعية) بان السياسة الدولية تتميز (وتنفرد) "كفرع أكاديمي عن دراسة التاريخ والقانون الدولي والأحداث الجارية والإصلاح السياسي". أهم المسلمات الأساسية في الفكر الواقعي 1. "أن السياسة لا يمكن أن تحددها الأخلاق كما يقول المثاليون بل العكس هو الصحيح. وبالتالي فالمبادىء الأخلاقية لا يمكن تط