الشورى والديمقراطية أخي من القيم التي أثير حول كلٍّ منهما منفردة، أو أثير حول العلاقة بينهما كثيرٌ من القول والسجال.
والشورى كما يراها الأستاذ الدكتور توفيق الشاوي -وهو أهم من درس هذا الموضوع، ولنا في كتاباته مرجع لتناول هذه القيمة- يرى أنها إسهام أفراد المجتمع وتعاونهم من خلال التشاور الحر قبل اتخاذ القرارات.ومفهوم الشورى وفق هذا التعريف ثريّ جدا، ويمكن من خلال منهج التوليد تشغيل التعريف على مستوى الفكر السياسي، بما يمكننا من أن ننتج مفهومًا كاملاً ومتكاملاً للشورى التي جعل الله أمر المسلمين وقفًا عليها، بل كانت أحد صفات المسلمين أن (أمرهم شورى بينهم).. وأقول لك إن تشغيل هذا التعريف قد يجعل من مفهوم الشورى مفهومًا أثرى من مفهوم الديمقراطية الغربية، بل ويكون أشد رسوخًا، لأن مفهوم الديمقراطية مفهوم للممارسة الإنسانية، بينما مفهوم الشورى مفهوم إداري وسياسي وتعبدي، بما يقلل إمكانية التلاعب به، مقارنةً بما حدث بمفهوم الديمقراطية من تلاعبٍ على أيدي بعض الإدارات الأمريكية على سبيل المثال التطبيقي.والمشكلة أن التعامل مع مفهوم الشورى –أخي- يفتقر لوجود جانبٍ تطبيقيٍ قوي.. بالرغم من أن الحالات التي من المفترض أن تقدم اجتهادات تطبيقية لهذا المفهوم كثيرة جدا، سواء أكانت الدول الإسلامية، أو المؤسسات والمنظمات والحركات الإسلامية الوفيرة على مستوى العالم، بل للأسف نجد أن جلّ الحركات الإسلامية تضنّ على الفكر الإسلامي بتطبيق عدد ليس بالهين من القيم الإسلامية، وبعضها يتسم بمنهج لا يحقق المصلحة العليا لجماعة المسلمين على مدار كوكب الأرض.
إن الفارق بين الديمقراطية والشورى سنتناوله تاليا، لكن لعلك تسأل: وما الحاجة للتطبيقات إذا كان لدينا المفهوم؟ وأنا أخبرك أن الممارسة تكشف عن احتياجات تقتضيها مصالح الجماعة، سواء أكانت هذه الاحتياجات إدارية أو اجتماعية، هذه الاحتياجات تؤدي لظهور تركيز على مجموعات من القيم الفرعية التي تجعل مفهوم الشورى فعالا من ناحية التشغيل.
وإليك مثال: إن أهمية التكافل في المجتمع المسلم لا تكمن في أن نجلس ونتأمله ونتأمل عظمة الله في تشريعه وتدبيره، بل تكمن في حل المشكلات الاجتماعية التي ترتبط بالفقر في المجتمعات المسلمة، وهذا المفهوم أدى لبناء مؤسسات مختلفة، بعضها كان اجتماعيا لعلاج الفقر، وبعضها كان استثماريا لتشغيل الفقراء، وبعضها كان وقفيا لضمان وجود تمويل لمعالجة ظاهرة الفقر والعوز، وبعضها كان إغاثيًا يتحرك بالمال المسلم لإنقاذ المسلمين من الكوارث التي تصيب بعض الأقطار الإسلامية.. انظر كيف أن مفهوم التكافل تحول إلى فكر مؤسسي فأنتج عشرات المفاهيم المساعِدة وأثرى الفكر الإسلامي؛ لكن حملة مفهوم الشورى يضنُّ أغلبهم بتطبيقات تثري المفهوم.
أما الديمقراطية فإن من الصعب جمع أدبياتها في تعريفٍ واحد، لأنّ لهذا المصطلح ما يفوق الثلاثمائة تعريف، وبعضها أفضى إلى ممارسات شمولية، حيث أنّ الفكر السياسي ينسب الممارستين النازية والفاشية، كانحدار عن النظمية الديمقراطية، وحتى أصول الممارسة الديمقراطية، وهي الأصول اليونانية التي تنسب الديمقراطية لكلمتي "Dimos" أي الشعب، و"Kratos" أي حكم، وهي تعني هنا "حكم الشعب"، حتى الديمقراطية في أصولها كانت منحازة ضد أغلب البشر لأنها كانت تحرم النساء والعبيد من حقوق التصويت.
لكن اختصارًا للجدل فإن الديمقراطية التي نعرفها اليوم اصطلاحًا تعني عدة أمور، أهمها:أن الشعب هو مصدر القوانين.أن هذه القوانين تتسم بالسيادة بحيث لا يعلوها أي إنسان.أن الحكومة يتم انتخابها عن طريق الاقتراع، وهي مسئولة أمام الشعب، أو أمام ممثليه عن التزامها بالبرنامج الذي وعدت بتنفيذه إبان العملية الانتخابية.
ويتفق غالبية شعوب الدول الديمقراطية على ما يسمونه "وعي جمعي" أو "Consensus"، وهو الذي يجمع أهم مصالح هذه الشعوب، ومن بينها ضرورة منع الحكومات من التسلط، وادعاء تحقيق المصلحة العامة من دون الرجوع للشعب لتقرير ماهية المصلحة العامة.
وقد شهد عقد الثمانينات هجمة على الديمقراطية يصفها بالكفر، ويصف الداعون إليها بالكفار، وذلك تأسيسًا على أن السيادة في الديمقراطية هي للشعب الذي له حق التشريع في حين أن الإسلام يجعل السيادة لله الذي له وحده حق التشريع لخلقه، وفي هذا السياق نشأ استقطاب غير مبرر -كما أراه- بين الإسلاميين والعلمانيين، فريق ينادي بالشورى "الإسلاميين"، وفريق ينادي بالديمقراطية "بعض العلمانيين"، ولم يمنع هذا من وجود بعض الإسلاميين الذين رأوا أن الفارق بين الديمقراطية والشورى هشٌّ ولا يستدعي حدوث هذا الانقسام الذي كانت أوطاننا ضحيته.وعلى حافة هذه الفترة من الاستقطاب ظهرت كتابات الأستاذ الدكتور توفيق الشاوي لتحسم الخلاف لصالح حالةٍ من التعايش قبلها الإسلاميون، وكانت فاتحة ذلك بروز مصطلح "الديمقراطية الإسلامية"، الذي أشار صاحبه إلى أنّ مصطلح الديمقراطية مصطلحٌ أكثر نضجًا من مصطلح الشورى –على مستوى التشغيل- وأنه من المصطلحات الإجرائية التي يمكن أسلمتها تأسيًا بما انتهجه الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما استورد نظام الدواوين من الإمبراطورية الفارسية.
والفكرة الخلافية الأساسية التي رفضها نمط التدين السعودي في مفهوم الديمقراطية الغربية، والتي أدت لذلك الاستقطاب الصوري كانت نتيجة نظرة أحادية ضيقة رأت في الديمقراطية وسيلة للاجتراء على الله سبحانه وتعالى، ورفضت النظر لبقية مزايا الديمقراطية من مسؤولية الحكومة، والفصل بين السلطات والوعي التوافقي بين أفراد الشعب على المتفق عليه من المصلحة العليا فكل المشكلة في الديمقراطية تتعلق بمحل السيادة الذي يمكن معالجة أصول وضبطها بالشريعة، بحيث يصير التشريع أشبه بالعرف الذي يمكن تحويله لقانون في حال موافقته للشريعة أو رفض حال مخالفتها، وهكذا يمكن للمفكرين المسلمين معالجة ما تركته الكنيسة المستبدة من بصمات على مفهوم يعد من أفضل إنجازات البشرية.
* حول الشورى.. هل المفهوم غير لائق؟ولا أخفيك سرًا أخي السائل في أني مع تقييمي لإمكانية معالجة المدخلات الاجتماعية أو الفلسفية في محددات مفهوم الديمقراطية، وهو ما طبقته المرحلة الثانية من الثورة الإيرانية، ومع هذا فأنا كعربي معتز بعروبتي، ومن قبلها كمسلم يعتز بدينه، ويدين بالفضل والعرفان لمن أخذوا بيديه لذلك الطريق، أنا أجد غضاضة في نفسي أن أجد مصطلحي ليس بقدر نضج المصطلح الغربي، على الأقل على مستوى التشغيل.
لقد حاول الأستاذ الدكتور توفيق الشاوي أن يشرح في أكثر من كتاب ثراء مصطلح الشورى من خلال عرضه لأبعادها التي تبدأ من سيادة الشريعة، وحتى الدستورية، مرورًا بالفصل النوعي والعضوي بين السلطات وتكريم الإنسان وعدم اختزاله في العدد، وتقاطعها مع دائرة التكافل، والحريات والعدل لكن المشكلة الأساسية في هذا المفهوم أن التعامل معه تم بصورة توليدية تحاول أن تنتج دلالات المفهوم استنادًا لسياقاته المنطقية من دون اختباره في حالة التشغيل. إن مشكلة هذا الأسلوب أنه يتيح لنا الإبحار داخل المفهوم، لكن من دون مساندته بمفاهيم أخرى قادرة على ترشيد تشغيله.
فالناظر إلى مفهوم الديمقراطية يجد أن هذا المفهوم يرتبط بعدة مفاهيم تشغيلية تحقق قيمًا فرعية تساند قيمة الديمقراطية فهناك مثلا قيم كالحرية، والمسؤولية وسيادة القانون والاقتراع الحر، والتمثيل النيابي.. إلخ كل هذه الفرعية قد تكون قيمًا محورية في تشغيل مفهوم آخر غير الديمقراطية أو قد تكون بديلا للديمقراطية، لكنها هنا مفاهيم تشغيل معاونة ترتبط بآليات عمل تخلق في النهاية مناخ من العمل المنضبط الذي تحده قيود غير حادة تساعد في سير العلمية السياسية في الاتجاه الذي ارتضاه ذلك الوعي الجمعي الذي تعرضنا له من قبل Consensus.نتيجة لهذا الثراء في القيم المعاونة وآليات التشغيل المنبثقة عنها حكم الكثيرون بأن مفهوم الديمقراطية أكثر نضجًا، وأكبر استعداد للتشغيل بنجاح يفوق نجاح مفهوم الشورى حتى بالنسبة لبيئتنا الإسلامية الغربية عن مفهوم الديمقراطية.
وعلى هذا أخي السائل نكون حيال أمرين بالغي الأهمية:الأول: الاستسلام لمفهوم الديمقراطية الإسلامية، باعتبار أن مفهوم الديمقراطية يمكن استيعابه بدلالته المعاصرة داخل البيئة الإسلامية.
الثاني: أن يقوم الباحثون والمفكرون الإسلاميون بدراسة الخبرات السياسية الماضية واستيضاح أنماط القيم السياسية المعاونة التي أسهمت في نجاح الخبرة السياسية الإسلامية ووفرت لها آليات تشغيل مناسبة لها.
وختامًا، نرجو أن نكون قد أفدناك بما يكافئ سؤالك ويحيط بجوانبه.
نشرت هذه الاستشارة على صفحة الاستشارات الدعوية للمرة الأولى بتاريخ 24/8/2004
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?cid=
والشورى كما يراها الأستاذ الدكتور توفيق الشاوي -وهو أهم من درس هذا الموضوع، ولنا في كتاباته مرجع لتناول هذه القيمة- يرى أنها إسهام أفراد المجتمع وتعاونهم من خلال التشاور الحر قبل اتخاذ القرارات.ومفهوم الشورى وفق هذا التعريف ثريّ جدا، ويمكن من خلال منهج التوليد تشغيل التعريف على مستوى الفكر السياسي، بما يمكننا من أن ننتج مفهومًا كاملاً ومتكاملاً للشورى التي جعل الله أمر المسلمين وقفًا عليها، بل كانت أحد صفات المسلمين أن (أمرهم شورى بينهم).. وأقول لك إن تشغيل هذا التعريف قد يجعل من مفهوم الشورى مفهومًا أثرى من مفهوم الديمقراطية الغربية، بل ويكون أشد رسوخًا، لأن مفهوم الديمقراطية مفهوم للممارسة الإنسانية، بينما مفهوم الشورى مفهوم إداري وسياسي وتعبدي، بما يقلل إمكانية التلاعب به، مقارنةً بما حدث بمفهوم الديمقراطية من تلاعبٍ على أيدي بعض الإدارات الأمريكية على سبيل المثال التطبيقي.والمشكلة أن التعامل مع مفهوم الشورى –أخي- يفتقر لوجود جانبٍ تطبيقيٍ قوي.. بالرغم من أن الحالات التي من المفترض أن تقدم اجتهادات تطبيقية لهذا المفهوم كثيرة جدا، سواء أكانت الدول الإسلامية، أو المؤسسات والمنظمات والحركات الإسلامية الوفيرة على مستوى العالم، بل للأسف نجد أن جلّ الحركات الإسلامية تضنّ على الفكر الإسلامي بتطبيق عدد ليس بالهين من القيم الإسلامية، وبعضها يتسم بمنهج لا يحقق المصلحة العليا لجماعة المسلمين على مدار كوكب الأرض.
إن الفارق بين الديمقراطية والشورى سنتناوله تاليا، لكن لعلك تسأل: وما الحاجة للتطبيقات إذا كان لدينا المفهوم؟ وأنا أخبرك أن الممارسة تكشف عن احتياجات تقتضيها مصالح الجماعة، سواء أكانت هذه الاحتياجات إدارية أو اجتماعية، هذه الاحتياجات تؤدي لظهور تركيز على مجموعات من القيم الفرعية التي تجعل مفهوم الشورى فعالا من ناحية التشغيل.
وإليك مثال: إن أهمية التكافل في المجتمع المسلم لا تكمن في أن نجلس ونتأمله ونتأمل عظمة الله في تشريعه وتدبيره، بل تكمن في حل المشكلات الاجتماعية التي ترتبط بالفقر في المجتمعات المسلمة، وهذا المفهوم أدى لبناء مؤسسات مختلفة، بعضها كان اجتماعيا لعلاج الفقر، وبعضها كان استثماريا لتشغيل الفقراء، وبعضها كان وقفيا لضمان وجود تمويل لمعالجة ظاهرة الفقر والعوز، وبعضها كان إغاثيًا يتحرك بالمال المسلم لإنقاذ المسلمين من الكوارث التي تصيب بعض الأقطار الإسلامية.. انظر كيف أن مفهوم التكافل تحول إلى فكر مؤسسي فأنتج عشرات المفاهيم المساعِدة وأثرى الفكر الإسلامي؛ لكن حملة مفهوم الشورى يضنُّ أغلبهم بتطبيقات تثري المفهوم.
أما الديمقراطية فإن من الصعب جمع أدبياتها في تعريفٍ واحد، لأنّ لهذا المصطلح ما يفوق الثلاثمائة تعريف، وبعضها أفضى إلى ممارسات شمولية، حيث أنّ الفكر السياسي ينسب الممارستين النازية والفاشية، كانحدار عن النظمية الديمقراطية، وحتى أصول الممارسة الديمقراطية، وهي الأصول اليونانية التي تنسب الديمقراطية لكلمتي "Dimos" أي الشعب، و"Kratos" أي حكم، وهي تعني هنا "حكم الشعب"، حتى الديمقراطية في أصولها كانت منحازة ضد أغلب البشر لأنها كانت تحرم النساء والعبيد من حقوق التصويت.
لكن اختصارًا للجدل فإن الديمقراطية التي نعرفها اليوم اصطلاحًا تعني عدة أمور، أهمها:أن الشعب هو مصدر القوانين.أن هذه القوانين تتسم بالسيادة بحيث لا يعلوها أي إنسان.أن الحكومة يتم انتخابها عن طريق الاقتراع، وهي مسئولة أمام الشعب، أو أمام ممثليه عن التزامها بالبرنامج الذي وعدت بتنفيذه إبان العملية الانتخابية.
ويتفق غالبية شعوب الدول الديمقراطية على ما يسمونه "وعي جمعي" أو "Consensus"، وهو الذي يجمع أهم مصالح هذه الشعوب، ومن بينها ضرورة منع الحكومات من التسلط، وادعاء تحقيق المصلحة العامة من دون الرجوع للشعب لتقرير ماهية المصلحة العامة.
وقد شهد عقد الثمانينات هجمة على الديمقراطية يصفها بالكفر، ويصف الداعون إليها بالكفار، وذلك تأسيسًا على أن السيادة في الديمقراطية هي للشعب الذي له حق التشريع في حين أن الإسلام يجعل السيادة لله الذي له وحده حق التشريع لخلقه، وفي هذا السياق نشأ استقطاب غير مبرر -كما أراه- بين الإسلاميين والعلمانيين، فريق ينادي بالشورى "الإسلاميين"، وفريق ينادي بالديمقراطية "بعض العلمانيين"، ولم يمنع هذا من وجود بعض الإسلاميين الذين رأوا أن الفارق بين الديمقراطية والشورى هشٌّ ولا يستدعي حدوث هذا الانقسام الذي كانت أوطاننا ضحيته.وعلى حافة هذه الفترة من الاستقطاب ظهرت كتابات الأستاذ الدكتور توفيق الشاوي لتحسم الخلاف لصالح حالةٍ من التعايش قبلها الإسلاميون، وكانت فاتحة ذلك بروز مصطلح "الديمقراطية الإسلامية"، الذي أشار صاحبه إلى أنّ مصطلح الديمقراطية مصطلحٌ أكثر نضجًا من مصطلح الشورى –على مستوى التشغيل- وأنه من المصطلحات الإجرائية التي يمكن أسلمتها تأسيًا بما انتهجه الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما استورد نظام الدواوين من الإمبراطورية الفارسية.
والفكرة الخلافية الأساسية التي رفضها نمط التدين السعودي في مفهوم الديمقراطية الغربية، والتي أدت لذلك الاستقطاب الصوري كانت نتيجة نظرة أحادية ضيقة رأت في الديمقراطية وسيلة للاجتراء على الله سبحانه وتعالى، ورفضت النظر لبقية مزايا الديمقراطية من مسؤولية الحكومة، والفصل بين السلطات والوعي التوافقي بين أفراد الشعب على المتفق عليه من المصلحة العليا فكل المشكلة في الديمقراطية تتعلق بمحل السيادة الذي يمكن معالجة أصول وضبطها بالشريعة، بحيث يصير التشريع أشبه بالعرف الذي يمكن تحويله لقانون في حال موافقته للشريعة أو رفض حال مخالفتها، وهكذا يمكن للمفكرين المسلمين معالجة ما تركته الكنيسة المستبدة من بصمات على مفهوم يعد من أفضل إنجازات البشرية.
* حول الشورى.. هل المفهوم غير لائق؟ولا أخفيك سرًا أخي السائل في أني مع تقييمي لإمكانية معالجة المدخلات الاجتماعية أو الفلسفية في محددات مفهوم الديمقراطية، وهو ما طبقته المرحلة الثانية من الثورة الإيرانية، ومع هذا فأنا كعربي معتز بعروبتي، ومن قبلها كمسلم يعتز بدينه، ويدين بالفضل والعرفان لمن أخذوا بيديه لذلك الطريق، أنا أجد غضاضة في نفسي أن أجد مصطلحي ليس بقدر نضج المصطلح الغربي، على الأقل على مستوى التشغيل.
لقد حاول الأستاذ الدكتور توفيق الشاوي أن يشرح في أكثر من كتاب ثراء مصطلح الشورى من خلال عرضه لأبعادها التي تبدأ من سيادة الشريعة، وحتى الدستورية، مرورًا بالفصل النوعي والعضوي بين السلطات وتكريم الإنسان وعدم اختزاله في العدد، وتقاطعها مع دائرة التكافل، والحريات والعدل لكن المشكلة الأساسية في هذا المفهوم أن التعامل معه تم بصورة توليدية تحاول أن تنتج دلالات المفهوم استنادًا لسياقاته المنطقية من دون اختباره في حالة التشغيل. إن مشكلة هذا الأسلوب أنه يتيح لنا الإبحار داخل المفهوم، لكن من دون مساندته بمفاهيم أخرى قادرة على ترشيد تشغيله.
فالناظر إلى مفهوم الديمقراطية يجد أن هذا المفهوم يرتبط بعدة مفاهيم تشغيلية تحقق قيمًا فرعية تساند قيمة الديمقراطية فهناك مثلا قيم كالحرية، والمسؤولية وسيادة القانون والاقتراع الحر، والتمثيل النيابي.. إلخ كل هذه الفرعية قد تكون قيمًا محورية في تشغيل مفهوم آخر غير الديمقراطية أو قد تكون بديلا للديمقراطية، لكنها هنا مفاهيم تشغيل معاونة ترتبط بآليات عمل تخلق في النهاية مناخ من العمل المنضبط الذي تحده قيود غير حادة تساعد في سير العلمية السياسية في الاتجاه الذي ارتضاه ذلك الوعي الجمعي الذي تعرضنا له من قبل Consensus.نتيجة لهذا الثراء في القيم المعاونة وآليات التشغيل المنبثقة عنها حكم الكثيرون بأن مفهوم الديمقراطية أكثر نضجًا، وأكبر استعداد للتشغيل بنجاح يفوق نجاح مفهوم الشورى حتى بالنسبة لبيئتنا الإسلامية الغربية عن مفهوم الديمقراطية.
وعلى هذا أخي السائل نكون حيال أمرين بالغي الأهمية:الأول: الاستسلام لمفهوم الديمقراطية الإسلامية، باعتبار أن مفهوم الديمقراطية يمكن استيعابه بدلالته المعاصرة داخل البيئة الإسلامية.
الثاني: أن يقوم الباحثون والمفكرون الإسلاميون بدراسة الخبرات السياسية الماضية واستيضاح أنماط القيم السياسية المعاونة التي أسهمت في نجاح الخبرة السياسية الإسلامية ووفرت لها آليات تشغيل مناسبة لها.
وختامًا، نرجو أن نكون قد أفدناك بما يكافئ سؤالك ويحيط بجوانبه.
نشرت هذه الاستشارة على صفحة الاستشارات الدعوية للمرة الأولى بتاريخ 24/8/2004
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?cid=
تعليقات
إرسال تعليق