الديمقراطية الاجتماعية: فكر يجمع الليبرالية السياسية مع العدالة الاجتماعية
الكاتب: باتر محمد علي وردم
مشكلة الليبرالية تتعلق دائما بالليبرالية الاقتصادية المتوحشة والتي تعني التحرر الكامل للاقتصاد وطغيان منطق السوق والربح على حساب العدالة الاجتماعية، ولذلك نشأ في الكثير من الدول الأوروبية وأميركا اللاتينية في نهاية القرن الماضي الفكر الجديد الذي يجمع ما بين الليبرالية السياسية واليسار الاجتماعي وهذا الفكر يسمى "الديمقراطية الاجتماعية Social Democracyحصلت الديمقراطية الاجتماعية على مصداقيتها من خلال مبادئ التنمية الإنسانية ومحاولة تعظيم المكاسب الحاصلة من الليبرالية السياسية وتخفيض الضرر الذي تتسبب به الليبرالية الاقتصادية من خلاللا دمج مفاهيم "العدالة الاجتماعية" مع الليبرالية السياسية. إنها محاولة جريئة اثبتت الكثير من النجاح في تعظيم مصداقية الليبرالية السياسية، واستعادة دور اليسار الديمقراطي في أوروبا وآسيا وأميركا اللاتينية وكبح جماح اللليبرالية الاقتصادية المتوحشة. مشكلة الليبرالية الاقتصادية أنها تريد أيقاف دور الدولة في المجتمع وتحويل الخدمات الصحية والتعليمية والتنموية المختلفة إلى القطاع الخاص ونظام السوق وهذا ما يشكل تناقضا تاما ومباشرا مع الديمقراطية ومع حقوق الإنسان ومع التنمية، ولهذا جاء الفكر الديمقراطي الاجتماعي ليحاول محاربة التغول الاقتصادي الليبرالي. الديمقراطية الاجتماعية تعتمد على الإصلاح التدريجي للنظام الاقتصادي بإدخال مفاهيم "دولة الرفاة الاجتماعي" والعدالة الاجتماعية ودمجها مع الليبرالية السياسية المعتمدة هلى الحريات وحقوق الإنسان وتنظيم الحرية الفردية ضمن أطار واضح من المصلحة الجماعية. وتقدم المؤسسة الدولية للإشتراكية تعريفا للديمقراطية الاجتماعية بأنها آلية سياسية تحقق نموذجا مثاليا من "الديمقراطية الليبرالية" يحل المشاكل الموجودة في الرأسمالية غير المقيدة. وتعتمد الديمقراطية الاجتماعية على هذه المجموعة من المبادئ:1- الحريات: وهذه غير مقتصرة على الحريات الفردية مثل النظام الليبرالي الكلاسيكي ولكن الحريات الجماعية مثل حقوق الإنسان ومكافحة التمييز والتخلص من سطوة أصحاب وسائل الإنتاج والنفوذ السياسي.2- المساواة والعدالة الاجتماعية: ولا يقتصر ذلك على المساواة أمام القانون بل أيضا العدالة والمساواة في التنمية والسياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتساوي في الفرص المتاحة أمام الجميع بدون تمييز. 3- التضامن الاجتماعي وهذا يعني الوحدة والإحساس بالتعاطف مع ضحايا السياسات والممارسات غير العادلة ومحاولة تحقيق العدالة للجميع. 4- الديمقراطية وحقوق الإنسان: تتضمن الديمقراطية حقوقا وواجبات ولكن أهم هدف لها هو ضمان الحقوق المتساوية لكل المواطنين من مختلف الأصول والأعراق والأفكار السياسية وتمتع المواطنين بحق الاختيار ما بين نظريات وبدائل مختلفة ومتعددة.5- السلام عنصر أساسي للعيش المشترك ويجب أن يكون مبنيا على نظام سياسي واقتصادي دولي يحترم سيادة الدول والتحرر ومنع التسلح.ويمكن الإطلاع على المزيد من هذه المبادئ في الإعلان العالمي للديمقراطية الاجتماعية 1989 (باللغة الإنجليزية) http://www.socialistinternational.org/4Principles/dofpeng2.html من الواضح أن الديمقراطية الاجتماعية تمثل بديلا أكثر جاذبية لتحقيق الليبرالية السياسية والعدالة الاجتماعية معا، والحرص على المصالح الوطنية والوقوف في وجه الطغيان العسكري الأميركي الإسرائيلي الذي يسود العالم كما أن هذا النظام يحتفظ بكل المبادئ العظيمة لحقوق الإنسان. ومن المهم محاولة معرفة مدى تأثير هذا الفكر في الحياة السياسية العربية، وهذا ما يمكن الحديث عنه في مقال قادم.
تعليقات
إرسال تعليق