المغرب الموحد /المحرر السياسي
بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، كثر الحديث في كل أركان المعمورة عن مجوعات تتخذ من العنف والإرهاب وسيلة لتحقيق أهداف يختلط فيها الديني بالسياسي، ويجمع بين أعضائها أمران اثنان، أولهما قاسم أعظم فكري يطلق عليه البعض عـــــــنوان " السلفية الجهادية "، وثانيها مظلة متحركة تحمل عنوان " تنظيم القاعدة ".
في بداية الأمر ظن البعض أن منطقة المغرب العربي ستكون في منأى عن تداعيات هذه الظاهرة الخطيرة، بحكم خصوصياتها التاريخية والدينية والثقافية والسياسية، لكن بعد تراجع رقعة العنف في الجزائر لعدة أسباب من بينها سياسة الاحتواء التي انتهجها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة والتي مرت بعدة مراحل وصولا إلى إصدار قانون المصالحـة الوطنية ( 2006 )، قرر الفصيل الذي يطلق على نفسه اسم ( الجماعة السلفية للدعوة والقتال ) الانضواء تحت لواء ( القاعدة )، والذي أصبح يتحرك تحت يافطة " القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ".
من بلدان المغرب العربي انطلقت فلول التنظيمات الإرهابية إلى أعماق إفريقيا
في هذا السياق، تعددت العمليات الإرهابية والعنيفة التي استهدفت كل دول المنطقة من موريتانيا إلى ليبيا مرورا بالمغرب والجزائر وتونس، دون أن يعني ذلك بالضرورة وجود رابط تنظيمي بين منفذيها. وتكفي الإشارة إلى بعض العمليات التي قامت بها هذه المجموعات، من ذلك أحداث 16 ماي 2003 بالدار البيضاء التي فاجأت الرأي العام المغربي، والهجوم على ثكنة عسكرية موريتانية ( منطقة المغيطي ) على الحدود مع الجزائر ذهب ضحيته 15 شخصا موريتانيا ( جوان 2005 )، وكان آخر هذه العمليات اختطاف ثلاث سياح إسبان وسائح إيطالي مع زوجته في شمال موريتانيا، وذلك بعد مقتل مواطن أمريكي .
كما تبنى تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي عدة عمليات خطف غربيين بمن فيهم موظفين في الوكالات الإنسانية خلال الأشهر الأخيرة من سنة 2009 . كذلك أشارت بعض التقارير إلى أن تنظيم القاعدة تمكن من استقطاب عناصر صحراوية بدأت تنشط في الفترة الأخيرة في مخيمات اللاجئين بتندوف، وهو ما بدأ يثير قلق السلطات الجزائرية وحركة البوليزاريو.
هذه العمليات الخاطفة التي تتم من حين لآخر، كشفت عن حصول تحول خطير في إستراتجية هؤلاء الذين يتخذون من ( القاعدة ) ورموزها القيادية مرجعية لهم، وذلك بنقل جزء هام من مجالهم الحيوي إلى جنوب الصحراء، حيث " أصبحت الفضاءات الواسعة لمنطقة لصحراء الكبرى وساحل غربي إفريقيا، هي المناطق المفضلة لنشاط تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، بعد أن تعرض لضربات موجعة في المواجهات الدامية مع الجيش الجزائري والأجهزة الأمنية " . إذ سرعان ما اكتشفت هذه الجماعات أن هذه المنطقة تشكو من فراغ أمني واسع، مما وفر لها إمكانيات واسعة للتحرك في مساحة جغرافية تمتد " من موريتانيا حتى منطقة دارفور بالسودان مارة بستة أقطار إفريقية هي بوركينا فاسو ومالي والنيجر والجزائر وتشاد وليبيا وصولاً إلى السودان، وتقدّر هذه المساحة الصحراوية التي توظفها تلك العصابات مسرحا لحركتها بـ 4 ملايين كيلومتر مربع " .
اهتمام أوروبي أمريكي بالإستئصال ، وتعاون مغاربي أمني رغم الخلافات العميقة بين بعض الدول
كما أن نشاط هذه الجماعات قد امتد في اتجاهات متعددة ، حيث نجحت في إقامة معسكرات تدريب في مالي التي أقامت بها معسكرات تدريب، وهو ما خلق حالة من التوتر الأمني تجاوزت تداعياته الأطر المحلية بدول المغرب العربي، ونقل ملف الإرهاب إلى صعيد إقليمي يشغل كل دول النصف الشمالي من القارة الإفريقية.
هذا الامتداد العملياتي والجغرافي أدى إلى ثلاث نتائج ستكون لها تداعيات خطيرة على أكثر من صعيد :
أولا : ازداد اهتمام الدول الغربية بشمال إفريقيا نظرا لأهميتها الإستراتيجية، وعلاقة ذلك بمصالحها الحيوية. وفي مقدمة هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية التي أصبحت تعتقد حسبما ورد بمجلة " ذي أمريكان سبيكتاتر " أن تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي " يشكل "تهديدا آنيا لأمن الولايات المتحدة وأوروبا " . وهو ما دفعها إلى بذل مزيد الجهود لتثبيت وجودها الأمني والسياسي والعسكري في هذه المنطقة. فعلى سبيل المثال أقامت واشنطن مؤخرا معسكرات لتدريب الجيش المالي في شمال البلاد بهدف تطوير قدراته على صد عمليات إرهابية. كما عملت واشنطن ولا تزال على إقناع بعض حكومات المنطقة بالسماح لها ببناء قاعدة أو قواعد عسكرية تحت غطاء مقاومة تنظيم القاعدة وتأمين الأمن والاستقرار بالمغرب العربي، وهو الطلب الذي تكرر عديد المرات لكنه جوبه بالرفض.
كذلك الشأن بالنسبة للطرف الأوروبي، حيث ذكرت تقارير عديدة أن حكومات أوروبية تحاول إقناع السلطات الموريتانية بضرورة السماح لوجود عسكري غربي للحيلولة دون توسع القاعدة في منطقة الصحراء الكبرى. والمعلوم أن الدول الأوروبية في إطار تنفسها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية حول منطقة المغرب العربي، قد وجدت نفسها مضطرة لتعميق تعاونها مع واشنطن، بل والقبول بوجود أمني وعسكري أمريكي في منطقة شمال إفريقيا.
هذا يعني أن تنظيم القاعدة وأنصاره قد وفروا الأسباب التي من شأنها أن تغذي المزيد من التدخل الدولي في شؤون منطقة العربي.
ثانيا : أدخل تنظيم القاعدة قراءة غريبة للإسلام تختلف في أصولها وأدواتها ومفرداتها عن القراءة التي تشكلت وسادت في منطقة المغرب العربي عبر التاريخ. قراءة تحاول أن تنسف تلك العلاقة المتسامحة التي قامت بين سكان المنطقة بمختلف مكوناتهم واختلافاتهم الاجتماعية والعرقية وحتى الدينية. قراءة مبنية على تكفير المخالف، وتجريم الاختلاف، وتبرير قتل الأبرياء والمدنيين دون موجب شرعي أو قانوني.
هذه التطورات الخطيرة التي أصابت القيم الإسلامية والاجتماعية في مقتل، وجعلت من الجريمة " جهادا " ومن خطف الأجانب سلاحا للابتزاز المالي والسياسي، من شأنها أن تدفع بالضرورة نحو البحث والتساؤل عن الأسباب الفكرية والسياسية والاجتماعية التي ساعدت على تحويل منطقة المغرب العربي إلى فضاء يمكن أن يسمح بانتشار مثل هذه الأفكار والجماعات. وبالرغم من أن الحديث لا يزال محدودا في جماعات ضيقة، إلا أن عنفها، وقدرتها على التنظيم والتدريب والتمويل والتنسيق والتوسع قد جعل منها مشكلة معقدة وقابلة للتوسع.
ثالثا : لا شك في أن الإرهاب يفرض بالضرورة مواجهته بقوة رادعة تحمي الأرواح والمصالح، وتعمل على أن تشل حركة هذه الجماعات لتجعلها غير قادرة على الفعل وارتكاب مزيد من العنف. وهو ما تحاول حكومات المغرب العربي القيام به منذ أن نشأت هذه الظاهرة.
ونظرا لخطورة الظاهرة وامتداداتها فقد تعزز التعاون الأمني بين دول المنطقة التي وجدت نفسها في هذا السياق مدعوة أحيانا لتجاوز خلافاتها. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى الرسالة التي بعث بها العاهل المغربي الملك محمد السادس بتاريخ 13 جويلية 2007 إلى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، ودعاه فيها إلى "تعزيز التعاون الثنائي بينهما" لمكافحة خطر الإرهاب في المنطقة، معتبرا أن "أمان واستقرار الجارة الجزائر التي نحرص على أن تجمعنا معها علاقات حسن الجوار الدائم، يمثلان جزءا لا يتجزأ من استقرار المغرب".
كيف أصبحت منطقة المغرب العربي مجالا قابلا للإختراق من قبل القاعدة ؟
مع أهمية ذلك، إلا أن التجارب الحديثة أكدت أن السياسات الأمنية وحدها لم تكن كافية للقضاء على ظواهر العنف في المجتمعات الحديثة. فهذه الجماعات تستمد قوتها بالدرجة الأولى من المفاهيم التي تضفي عليها طابعا من القداسة الدينية، وما لم تخضع هذه المفاهيم للنقد لإثبات زيفها وكشف المغالطات التي ترتكز عليها، فإنها ستبقى تفعل فعلها في بعض الأوساط.
وإذا أدركنا بأن هذه الأوساط التي يتم استقطابها هي بالأساس أوساط شبابية، وأن جزء واسعا من الذين يتم استقطابهم يشعرون بالتهميش الثقافي والاقتصادي والاجتماعي في مجتمعاتهم، أصبح من الضروري التفكير في وضع سياسات متكاملة، ترمي إلى تغيير الخطاب الموجه إلى شباب المنطقة، وتعمل على إدماجه في الدورة السياسية والاقتصادية والثقافية عبر الحوار المستمر، والتقليل من الفجوة القائمة بينه وبين الشأن العام ومختلف الفاعلين من منظمات وأحزاب سياسية ودوائر فكرية.
هذا هو الإطار العام الذي يتنزل فيه ملف العدد الجديد من " المغرب الموحد "، والذي شارك فيه عدد من خبراء المنطقة، كل من زاويته، وذلك للإجابة عن السؤال المركزي التالي
: كيف أصبحت منطقة المغرب العربي مجالا قابــــلا للاختراق من قبـــل " القاعدة " ؟.
المصدر:المغرب الموحد
تعليقات
إرسال تعليق