التخطي إلى المحتوى الرئيسي

التحول الديمقراطي في مصر

في: ندوة الديمقراطية والإصلاح السياسي في الوطن العربي.- القاهرة: 2005.
محمد صفي الدين خربوش
توطئة
يكاد يجمع دارسو ما أطلق عليه عملية التحول الديمقراطي بأنها تعني الانتقال من نظم ذات طبيعة سلطوية أو شبه سلطوية ديمقراطية. ويعني هذا تطبيق عدة خطوات أو تبني عدة سياسات هذا التحول من أهمها: احترام الدستور وسيادة القانون، وجود مجلس تشريعي منتخب انتخاباً حراً ونزيهاً، استقلال القضاء، حرية الصحافة والإعلام، التعددية السياسية والحزبية، احترام حقوق الإنسان.
وانفرد النظام السياسي في مصر بأنه الوحيد بين النظم الجمهورية العربية الذي تخلي مبكراً عن فكرة التنظيم السياسي الوحيد- أو الحزب الواحد -، حيث تحولت مصر رسمياً عن نظام التنظيم السياسي الوحيد، المستمر منذ 1953، إلى نظام التعدد الحزبي المقيد في منتصف السبعينات، أي قبل خمسة عشر عاماً من تفكك الاتحاد السوفيتي وسقوط نظم الحزب الواحد في دول شرق أوروبا، وما أعقب هذا من دعوات للتحول نحو الديمقراطية في دول الجنوب.
ومن الجدير بالذكر أن مصر قد شهدت البدايات الجنينية لما سمي الآن بالتحول الديمقراطي بدءاً من عام 1866، أي في وقت مبكر جداً مقارنة بأي من الدول المتشابهة معها آنذاك، حيث شهدت مصر أول مجلس شي نيابي وهو مجلس شوري النواب في عهد الخديوي إسماعيل، وتطورت اختصاصات المجلس حتى وصلت الذروة عام 1882 مع صدور اللائحة

الأساسية- دستور- التي كفلت قيام نظام- ملاكي دستوري- يتمتع في المجلس النيابي باختصاصات واسعة.
ومن اللافت للنظر أن تراجع التجربة الديمقراطية في مصر قد ارتبط دائماً بتزايد السيطرة الأجنبية، أو بممارسة الضغوط الخارجية لو ان إي تحول ديمقراطي حقيقي. فقد تدخلت إنجلترا لدى السلطان العثماني عام 1879 بالعزل الخديوي إسماعيل الذي تمادي الذي تمادي في منح المجلس النيابي اختصاصات واسعة لم ترض عنها انجلترا الطامحة إلى السيطرة على مصر، ليتوقف التطور الديمقراطي في بداية عهد الخديوي محمد توفيق.
وعندما أجبر الخديوي توفيق على القبول بإعادة الحياة إلى التجربة النيابية وصدرت لائحة 1882 مع ما احتوته من ملامح نظام ملكي دستوري متقدم، تدخلت إنجلترا واحتلت مصر عسكرياً ووأدت التجربة التي لم تستمر سوي عدة أشهر، وفرضت مجالس هزيلة لا اختصاصات فعلية لها- مجلس شوري القوانين-- الجمعية العمومية ثم الجمعية التشريعية -.
وعندما صدر دستور 1923 الذي وضع الأساس لقيام نظام ملكي دستوري أكثر تقدماً، كانت بريطانيا أحد العوامل الأساسية في عدم تطبيق سمات النظام الديمقراطي كلما تعارضت مع المصالح البريطانية- الضغط لإقالة حكومات منتخبة من عام 1925 وحتى 1952 -، أو إجبار الملك لمرة واحدة على تكليف زعيم الأغلبية حافظاً على المصالح البريطانية مع اقتراب القوات الألمانية من الأراضي المصرية عام 1942.
وقد تباينت ثورة يوليو رؤية تقوم على كراهية التعدد الحزبي فأقدمت على حل الأحزاب السياسية القائمة، وإلغاء دستور 1923، وإصدار إعلانات دستورية ودساتير مؤقتة، وتطبيق نظام التنظيم السياسي الوحيد الأمر الذي رسخ هيمنة السلطة التنفيذية على ما عداها من سلطات منذ تأسيس النظام الجمهوري.

ومن ثم، جاء الانتقال من التنظيم السياسي الوحيد إلى التعدد الحزبي بمثابة تدشين لبداية مرحلة جديدة من التحول نحو الديمقراطية تمثلت أهم سماتها في العودة التعددية الحزبية، إحدى ي أهم سمات النظم الديمقراطية.
أهم سمات التحول الديمقراطي في التجربة المصرية
يمكن تحليل عملية التحول الديمقراطي في مصر من خلال استعرض مدي التطور الذي تحقق خلال حقبة تقترب من ثلاثين عاماً شهدت تقدماً ملحوظاً في بعض السمات ومحدوداً في سمات أخري. كما جاءت وتيرة التحول أكثر سرعة في بعض المراحل مقارنة بمراحل أخري، وهي سمه طبيعية من سمات عملية التحول نحو الديمقراطية، ويمكن تقسيم عملية التحول الديمقراطي في مصر إلى مرحلتين تبدأ أولاهما في 1976 وتنتهي عام 2000، وتبدأ الأخيرة منذ العام 2000 وحتى الآن.
أولاً: التعددية السياسية والحزبية
أ- المرحلة الأولي
شهدت مصر التحول نحو التعددية الحزبية بقرار من رئيس الجمهورية عام 1976، ثم صدر قانون الأحزاب السياسية في العام التالي والذي وضع شروطاً لنشأة الأحزاب السياسية، اختلفت وجهات النظر إزاءها.
فقد اشترط قانون الأحزاب السياسية ألا يكون برنامج الحزب متشابهاً مع برنامج حزب آخر، وألا يكون فرعاً من حزب أجنبي، وألا يكون قائماً على أساس ديني أو طائفي أو جغرافي أو فئوي. ونص القانون على وجود لجنة تسمي لجنة الأحزاب السياسية يرأسها رئيس مجلس الشورى بحكم منصبه ومعه أغلبية من الوزاري، الأمر الذي أتاح لحزب الأغلبية السيطرة على اللجنة. وحيث يتقدم الراغبون في تأسيس الأحزاب السياسية إلى هذه
اللجنة، أعطت للجنة سلطة السماح بنشأة الأحزاب أو رفضها، وقد كان الاحتمال الأخير أقرب للتحقيق لاسيما في ربع القرن اللاحق لعودة الأحزاب السياسية.
بيد أن قانون الأحزاب السياسة قد منح الراغبين في تأسيس الأحزاب حق اللجوء إلى محكمة الأحزاب السياسية في حال رفض اللجنة للتأسيس. وقد اعتبرت هذه المحكمة التي يترأسها رئيس مجلس الدولة- بحكم منصبه- ضمناً يقي الراغبين في تأسيس حزب سياسي من عصف لجنة الأحزاب السياسية.
وبالرغم من تباين وجهات النظر حول شروط نشأة الأحزاب السياسية ودور لجنة الأحزاب السياسية، فقد تم تأسيس أكثر من خمسة عشر حزباً سياسياً، وهو ليس قليلاً- بالطبع- الأمر الذي يعني أن الشروط الواردة في قانون الأحزاب السياسية لم تمنع تأسيس أحزاب سياسية جديدة إما من خلال لجنة الأحزاب أو من خلال أحكام محكمة الأحزاب السياسية.
ولا ريب أن بقاء شروط تأسيس الأحزاب وطبيعة تكوين لجنة الأحزاب السياسية قد أثمرا سيطرة لحزب الأغلبية على طبيعة النظام الحزبي الأمر الذي أعاق تأسيس بعض الأحزاب السياسية لفترة ليست بالطويلة، وجعل معظم الأحزاب السياسية التي تم تأسيسها- بعد صدور القانون وتشكيل لجنة الأحزاب- تنشأ نتيجة أحكام قضائية وليس من خلال موافقة اللجنة. وقد استمر هذا الوضع قائماً حتى عام 200.
ب- المرحلة الأخيرة
استمرت الأوضاع الحزبية متسمة بوجود حزب أغلبية كاسحة- لاسيما بعد العودة لنظام الانتخابات ذي الطبيعة الفردية- بدءاً من العام 1990- حيث تزايد وهن الأحزاب السياسية خلال الانتخابات النيابية

أعوام 1990، 1995، 2000 باستثناء الحزب الوطني الديمقراطي. ولم تستطع الأحزاب التي تم تأسيسها في سبعينات القرن العشرين- والتي تعبر عن توجهات سياسية واضحة ولبعض زعمائها رصيد لدى المواطنين- لم تستطع أن يتجاوز عدد نوابها أصابع اليدين في مجلس نيابي يبلغ عدد أعضائه المنتخبين- 444- عضواً، مع استمرار ظاهرة المستقبلين في الحياة السياسية.
وقد أصاب الوهن الحزب الوطني الديمقراطي نفسه- ربما بسبب غياب المنافسة واطمئنانه إلى أغلبية الكاسحة، واتضح هذا جلياً في انتخابات العام 2000 عندما لم يستطع مرشح الحزب الرسميون إلا الحصول على أقل من 40% من مقاعد مجلس الشعب، بينما حصل المرشحون المستقلون- الذين كان معظمهم ينتمون للحزب الوطني- على أكثر من نصف عدد مقاعد المجلس، الأمر الذي يعني بوضوح عدم تحذر الأحزاب السياسية ووهنها وعدم قدرتها على الصمود في وجه ظاهرة المستقلين. ولم يستطع حزبا اليسار واليمين العريقان- التجمع والوافد- أن يظفر كل منهما بأكثر من ستة مقاعد، وحصل الحزب الناصري على ما دون ذلك.
لقد تمثلت النتيجة المباشرة لانتخابات العام 2000 في عدم صلاحية النظام الحزبي بالصورة التي تأسس بها عام 1976، وما أعقبها من تطورات في أن يكون سمة من سمات عملية التحول الديمقراطي التي يمكنها أن تعزز هذه العملية وتدفعها قدما نحو الأمام.
ويعيد انتخابات 2000 مباشرة، دعا الرئيس محمد حسني مبارك رئيس الجمهورية وزعيم الحزب الوطني الديمقراطي، الأحزاب إلي تطوير نفسها كي تكون قادرة على التعامل مع المستجدات بعد أن أصابها الوهن والترهل. وقد استجاب الحزب الوطني لهذه الدعوة التي أطلقها زعيمه وعكف على إعادة النظر في مبادرته ونظامه الأساسي وعلاقته

بحكومته، وطبيعة عملية التحول الديمقراطي برمتها، وأثمرت هذه الجهود مبادئ أساسية جديدة، ونظاماً أساسياً جديداً، وتوجهاً نحو مراجعة كثير من القوانين التي تحول دون اضطلاع الأحزاب السياسية بدورها في تعزيز المسار الديمقراطي.
وقد حدثت تطورات إيجابية تمثلت في التفكير في تعديل قانون الأحزاب السياسية والسماح بقيام عدد من الأحزاب من داخل لجنة شئون الأحزاب وليس من المحكمة. وقد تقدم حزب الأغلبية بمبادرة لتعديل قانون الأحزاب السياسية تحددت أهم ملامحه في تعديل تشكيل لجنة ألأحزابي السياسية بحيث يقل العدد الذي ينتمي للحكومة- أي لحزب الأغلبية- إلى أقل من النصف ويزاد عدد الشخصيات العامة المستقلة كي تصبح أغلبية الأمر الذي يقضي على السيطرة الحكومية على اللجنة. ويضاف إلى ذلك تبسيط إجراءات تأسيس الأحزاب. ومن شأن هذه التعديلات إعطاء مزيد من القوة للنظام الحزبي المصري وتفعيل دور الأحزاب السياسية.
وثمة تفكير بتعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية كي يكون انتخاب أعضاء المجلي النيابي بطريقة القائمة النسبية الأمر الذي يتيح تمثيلا أفضل للأحزاب السياسية على حساب غير المنتمين للأحزاب من المستقلين.
ثانياً: التداول السلمي للسلطة
المرحلة الأولي
اتسمت هذه المرحلة بشيوع ظاهرة الحزب المسيطرة من خلال فوز حزب وحيد- وهو الحزب الوطني الديمقراطي- بأغلبية كبيرة في جميع الانتخابات النيابية التي أجريت خلالها- 1979، 1984، 1987، 1990، 1995- الأمر الذي لم يسمح بانتقال السلطة من الحزب الوطني الديمقراطي- إلى حزب أخر، أو باضطرار الأول إلى تشكيل حكومة ائتلافية مع غيره من الأحزاب،
ولا ريب أن هذه الظاهرة قد ارتبطت بضعف الأحزاب القائمة وعدم قدرتها على أتن تمثل تحدياً حقيقياً للحزب الوطني. وترتب على ذلك استمرار الحزب الوطني في السلطة.
وفيما يتعلق بمنصب الرئيس- وهو المنصب المحوري في النظام السياسي المصري وفقاً لدستور 1971- فقد استمر زعيم الحزب الوطني في السلطة من خلال تمتع الحزب الذي يتزعمه بالأغلبية، وقدرة حزبه على ترشيحه للرئاسة من خلال الأغلبية التي يتمتع في مجلس الشعب ثم دوره من خلال الاستفتاء عليه من المواطنين. وكانت طريقة الاستفتاء- التي ابتكرتها دساتير ثورة يوليو منذ عام 1956- هي أسلوب انتخاب الرئيس، الأمر الذي ترتب عليه فوز مرشح التنظيم السياسي الوحيد- قبل 1976- ثم مرشح حزب الأغلبية بعد هذا التاريخ.
المرحلة الأخيرة
حدث تطوران مهمان في هذه المرحلة على صعيد التداول السلمي للسلطة. أما التطور الأول فقد تعلق بانتخابات مجلس الشعب التي أجريت عام 2000، حيث لم يحصل المرشحون الرسميون لحزب الأغلبية إلا على أقل من 40% من المقاعد، بينما حصل المستقلون على أكثر من نصف عدد مقاعد المجلس، وذلك للمرة الأولي،. بيد أن انضمام أغلبية المستقلين- لسابق عضويتهم- إلى الحزب الوطني قد حال دون اضطرار الأخير إلى الائتلاف مع كتلة نيابية لا تنتمي إليه في حكومة ائتلافية، إلا أن مجرد حدوث ذلك كان يعني إمكانية التداول السلمي للسلطة أو تشكيل حكومة ائتلافية لو لم يقدم أغلبية المستقلين إلى حزب الأغلبية.
ومع التوجه نحو إقرار قانون انتخابي جديد وتعديل قانون الأحزاب السياسية، يمكن توقع عدم استمرار حزب وحيد في الحصول على أغلبية كبيرة وهو أمر تكرر في دولة مثل الهند حتى فقد حزب المؤتمر أغلبيته في
البرلمان، وكذلك في فرنسا حتى فقد الديجوليون أغلبيتهم في الجمعية الوطنية.
وعلى صعيد الانتخابات الرئاسية، أقدم الرئيس مبارك على مبادرة غير مسبوقة حيث طلب تعديل المادة- 67- الخاصة بانتخاب الرئيس كي يصبح من خلال الانتخاب المباشر بين مرشحين متعددين وليس من خلال الاستفتاء بعد ترشيح مجلس الشعب. ومع إقرار تعديل المادة، وصدور قانون الانتخابات الرئاسية سوف يكون متاحاً- للمرة الأولي منذ 1956- حدوث تداول سلمي للسلطة على منصب الرئيس وهو المنصب المحوري في النظام السياسي المصري.
ثالثاً: احترام الدستور وسيادة القانون
اتسمت التجربة المصرية في التحول الديمقراطي باحترام الدستور وبسيادة القانون، حيث احترمت الأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا، وتم إلغاء القوانين أو تعديلها في جميع حالات الحكم بعدم دستوريتها لاسيما قانون الانتخاب بالقائمة، وكذا تفسيرها بضرورة تطبيق الإشراف القضائي الكامل على العلمية الانتخابية الأمر الذي استلزم تعديل القانون بما يسمح بالإشراف القضائي الكامل على الانتخابات النيابية.
وبالرغم من معارضة البعض لقانون الطوارئ- ما دام ساري المفعول- وفق الحدود التي يطبق من خلالها، لا يعتبر انتهاكاً للقانون، بل تطبيق للقانون، الذي يتم تمديد العمل به بموافقة مجلس الشعب.
ويتصل بذلك تنفيذ أحكام المحكمة الإدارية العليا، والتي كثيراً ما تبطل قرارات تصدرها جهة الإدارة- الوزراء أو المحافظون -.

رابعاً: استقلال القضاء
تتصل هذه السمة باحترام الدستور وسيادة القانون. وتتمتع مؤسسة القضاء باستقلال يعتد به يجعلها قادرة على إصدار أحكام في مواجهة السلطة التنفيذية والتشريعية. حيث تتمتع المحكمة الدستورية العليا بحق الحكم بعدم دستورية القوانين أو بعض المواد، وتتمتع المحكمة الإدارية العليا بحق إلغاء القرارات التي يصدرها الوزراء والمحافظون وغيرهم من قيادات السلطة التنفيذية.
وبالرغم من بعض الانتقادات الموجهة إلى محكمة الأحزاب السياسية، فقد حكمت بتأسيس كثير من الأحزاب السياسية التي رفضت لجنة شئون الأحزاب الموافقة على تأسيسها.
وتتمتع الهيئات القضائية باستقلال كامل فيما يتعلق بالترقيات وشغل المناصب القيادية، بالرغم من أن قرارات التعيين تصدر من قبل السلطة التنفيذية، وهو الأمر المعمول به في معظم دول العالم.
خامساً: احترام حقوق الإنسان
كانت مصر من الدول التي شاركت مشاركة فعالة في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كما قامت مصر التوقيع والمصادقة على العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية، وللحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وكذا على الاتفاقيات الأخرى مثل الاتفاقية الدولية لمكافحة التمييز ضد المرأة واتفاقية حقوق الطفل.
وقد شهدت مصر تكوين المجلس القومي لحقوق الإنسان لمراقبة أي انتهاكات لهذه الحقوق وإعداد تقرير سنوي حول أوضاع حقوق الإنسان في مصر. وقد أتسم التقرير الأول الصادر عن المجلس بالموضوعية وقام برصد عدد من حالات انتهاك هذه الحقوق، بالرغم من أن الكثيرين قد ارتابوا في مبادرة إنشاء المجلس وخشوا من أن يكون خطوة على طريق تضييق الخناق
على الجمعيات العاملة في هذا المجال.
وقد استمرت الجمعيات الأهلية الناشطة في مجال حقوق الإنسان في ممارسة انشتطها بحرية، واختير عدد من قياداتها أعضاء في المجلس القومي لحقوق الإنسان تأكيداً لكونه مجلساً غير حكومي يعمل باستقلال تام عن السلطة التنفيذية. وقد انتقد بعض ممثلي السلطة التنفيذية بعض ما ورد في التقرير من انتهاكات اعتبروها مبالغا فيها وقائمة على معلومات غير دقيقة. ولا شك أن هذا المجال المحتدم حول ما ورد في رصد حالة حقوق الإنسان في مصر يؤكد حيوية هذا المجلس وقدرته على أن يكون أداة فعالة في رصد حالة حقوق الإنسان بدرجة عالية من الموضوعية بغية تحقيق مزيد من الاحترام لهذه الحقوق.
سادساً: حرية الصحافة والإعلام
شهدت مصر منذ منتصف سبعينات القرن الماضي إصدار عدد من الصحف الحزبية للمرة الأولي منذ تأميم المؤسسات الصحفية، واستمرت الزيادة في أعداد الصحف الحزبية مع زيادة عدد الأحزاب السياسية. ثم شهدت مصر موجة من الصحف الخاصة التي يملكها أفراد والتي تعرف- بالصحف المستقلة -.
ولاشك أن الآراء الواردة في كل من الصحف القومية والحزبية والخاصة تمثل درجة مبالغاً فيها من حرية الصحافة بلغت حداً جعل البعض يطالب بضرورة إيقاف هذا الاعتداء على الحياة الخاصة للبعض والتشهير بهم وتدني مستوي الحوار.
وبالرغم من ذلك، يعد تعزيز حرية الصحافة وعدم وجود أي رقابة عليها من أي نوع، دليلاً على ضمان هذه الحرية التي تعتبر ملمحاً رئيسياً من ملامح النظم الديمقراطية.
وقد بدأت القنوات التليفزيونية الخاصة العمل بحرية ويتوقع أن تشهد

الفترة المقبلة نشاطاً لمزيد من القنوات الخاصة التي من شأنها منافسة القنوات الرسمية وإتاحة الفرصة للمشاهد لمزيد من الاختلاف في الآراء.
مصر وتدعيم النظام الديمقراطي
إذا كان الدارسون يميزون بين ثلاث مراحل قبل أن تصل دولة ما إلى مرحلة النضج أو الرسوخ الديمقراطي، أي قبل أن تصبح ديمقراطية تماماً، فإن التجربة المصرية الآن قد انتهت من المرحلتين الأوليتين وهما مرحلة القضاء على النظام القديم، تم اتخاذ قرار التحول نحو الديمقراطية. وتعتبر المرحلة الراهنة هي مرحلة تدعيم النظام الديمقراطي تمهيداً للوصول إلى مرحلة النضج أو الرسوخ الديمقراطي.
ويشير المحللون إلى عدد من الخطوات التي تتم خلال هذه المرحلة وأهمها: الإصلاح الدستوري والتشريعي، والانتخابات العامة الحرة والنزيهة، وإطلاق حرية تكوين الأحزاب السياسية، واستحداث و/ أو تفعيل دور المجالس النيابية، وإرساء مفاهيم دولة القانون، والاستقلال التام للسلطة القضائية، وكفالة الحقوق العامة للمواطنين.
وقد سارت مصر خطوات يعتد في هذا المضمار، إلا أن هذه الخطوات لم تكتمل بعد، وهو أمر بديهي في هذه المرحلة.
فمن حيث الإصلاح الدستوري والتشريعي، شهدت مصر تعديلاً في الدستور- للمرة الأولي منذ العام 1980- نتج عنه تغيير طريقة اختيار الرئيس من الاستفتاء إلى الانتخاب. وتم الالتزام بتعديل مواد أخري في الفترة المقبلة على اعتبار أن تعديل المادة- 76- ليس نهاية المطاف.
ويتم الآن تعديل قوانين مباشرة لحقوق السياسة، والأحزاب السياسية، ومجلي الشعب ومجلس الشورى، كما تم إقرار قانون للانتخابات الرئيسية. ويعني هذا إصلاحا تشريعياً يصبب في اتجاه تدعيم النظام الديمقراطي.


وفيما يتعلق بالانتخابات العامة الحرة: تم تعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية قبيل انتخابات العام 2000 كي يتيح الإشراف القضائي التام علة العملية الانتخابية، الأمر الذي برفع من درجة النزاهة في هذه الانتخابات. كما تم إقرار قانون الانتخابات الرئاسية وتجري مراجعة لفنون مباشرة الحقوق السياسية لتحقيق مزيد من الضمانات لحرية الانتخابات ونزاهتها ومن المتوقع تشكيل لجنة عليا للانتخابات الرئاسية وأخري للانتخابات العامة للإشراف على ضمان حيدة الانتخابات وحريتها.
وفيما يتعلق بإطلاق حرية تكوين الأحزاب السياسية، تم تقديم مشروع قانون لتعديل قانون الأحزاب يسمح بإنشاء مزيد من الأحزاب من خلال زيادة عدد أعضاء لجنة شئون الأحزاب وخفض نسبة ممثلي الحكومة إلى أقل من النصف، وإلغاء بعض القيود الواردة على إنشاء الأحزاب باستثناء شرط ألا يكون الحزب قائماً على أساس ديني أو طائفي، ومن شأن التحول نحو قانون الانتخابات بالقائمة تعزيز دور الأحزاب وزيادة فاعليتها.
وفيما يتعلق باستحداث/ أو تفعيل دور المجالس النيابية، قدم مشروع قانون لتعديل قانون مجلس الشعب ومجلس الشورى لتعويم دورهما في صنع القوانين، والاضطلاع بالدور الرئيسي في إقرار التشريعات، وضمان وصول العناصر القادرة إلى عضوية المجلسين.
وفيما يتعلق باستقلال القضاء، يتم تعزيز دور المؤسسات القضائية لاسيما ذات العلاقة بممارسة الحقوق السياسية، حيث مثل القضاة أغلبية اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، ويتمتعون بالاستقلال، وينتظر صدور قانون جديد للسلطة القضائية يدعم استقلالها، لا سيما مع تزايد الدور السياسي للقضاء.
وفيما يتعلق بإقرار الحقوق والحريات العامة، تزايدت حريات التعبير
عن الرأي والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات والمنظمات غير الحكومية، بالإضافة إلى حرية الصحافة والإعلام، وتزايد أعداد المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان.
وبالطبع، لا يعني ما سبق أن كل الخطوات قد تم اتخاذها، لكن من المؤكد أن السنوات الخمس الأخيرة قد شهدت خطوات مهمة على صعيد تعزيز عملية التحول الديمقراطي وتمهيد السبيل أمام نظام ديمقراطي يتسم بالنضج والرسوخ.
المصدر بيبلو اسلام
http://www.biblioislam.net/ar/Elibrary/FullText.aspx?tblid=3&id=13180&sid=&dpageno=13

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بحث عن التنمية المستدامة ( البحث منقول)

مقدمة الفصل: لقد أستحوذ موضوع التنمية المستدامة اهتمام العالم خلال 15 سنة المنصرمة وهذا على صعيد الساحة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية العالمية ،حيث أصبحت الاستدامة التنموية مدرسة فكرية عالمية تنتشر في معظم دول العالمي النامي والصناعي على حد سواء تتبناها هيئات شعبية ورسمية وتطالب بتطبيقها فعقدت من أجلها القمم والمؤتمرات والندوات.ورغم الانتشار السريع لمفهوم التنمية المستدامة منذ بداية ظهورها إلا أن هذا المفهوم مازال غامضا بوصفه مفهوما وفلسفة وعملية ،ومازال هذا المفهوم يفسر بطرق مختلفة من قبل الكثيرين ولذلك فقد تم التطرق في هذا الفصل إلى مبحثين رئيسيين:المبحث الأول: ماهية التنمية المستدامة;المبحث الثاني: محاور أساسية في التنمية المستدامة;المبحث الأول: ماهية التنمية المستدامةبدأ استخدام مصطلح التنمية المستدامة كثيرا في الأدب التنموي المعاصر وتعتبر الاستدامة نمط تنموي يمتاز بالعقلانية والرشد، وتتعامل مع النشاطات الاقتصادية التي ترمي للنمو من جهة ومع إجراءات المحافظة على البيئة والموارد الطبيعية من جهة أخرى، وقد أصبح العالم اليوم على قناعة بأن التنمية المستدامة التي تقضي على قضايا التخ

عوامل قوة الدولة

ان لعوامل القوة المتاحة للدولة دور كبير في تحديد مكانتها على الساحة الدولية لكن قبل التعرض لهذه العوامل يجب علينا ان نعرج على بعض المفاهيم إن القوة ـ كما أوضحت تعريفاتها ـ ليست التأثير ، وإنما القدرة على التأثير . وتستند هذه القدرة على امتلاك الدولة إمكانيات (خصائص ، موارد ، قدرات ، مؤسسات) معينة تشكل مقومات القوة القومية Elements of National Power التى تمكنها من التأثير على سلوكيات الدول الأخرى فى الاتجاهات التى تحقق مصالحها، كالمساحة الجغرافية ، وعدد السكان ، والموارد الطبيعية ، والقدرات الإقتصادية ، والقوة العسكرية ، والبنية التكنولوجية ، والفعاليات الثقافية، والمؤسسات السياسية ، والحالة المعنوية للشعب ، وغيرها . لكن ، على الرغم من أن هذه الإمكانيات المتداخلة تشكل فى مجموعها عوامل القوة الشاملة لأى دولة ، فإن هناك اختلافات أساسية فيما بينها ، ترتبط باعتبارات عملية ، تتصل بالقدرة على استخدامها فى عملية التأثير ، خاصة خلال المواقف التى يتعرض في

المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية

المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية "تمثل مدرسة الواقعية السياسية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية ردة فعل أساسية على تيار المثالية. وهدفت الواقعية إلى دراسة وفهم سلوكيات الدول والعوامل المؤثرة في علاقاتها بعضها مع بعض. . . [لقد] جاءت الواقعية لتدرس وتحلل ما هو قائم في العلاقات الدولية, وتحديداً, سياسة القوة والحرب والنزاعات, ولم تهدف كما فعلت المثالية إلى تقديم . . . [مقترحات] وأفكار حول ما يجب أن تكون عليه العلاقات الدولية". "وقد حاول الواقعيون الحصول على أجوبة لأسئلة مازال يطرحها الأكاديميون والمهتمون بالشؤون الدولية منذ الستينات وحتى يومنا هذا. إذن هدفت الواقعية إلى تقديم نظرية سياسية لتحليل وفهم واستيعاب الظواهر الدولية". يرى مورغنثاو (وهوا من ابرز منظري الواقعية) بان السياسة الدولية تتميز (وتنفرد) "كفرع أكاديمي عن دراسة التاريخ والقانون الدولي والأحداث الجارية والإصلاح السياسي". أهم المسلمات الأساسية في الفكر الواقعي 1. "أن السياسة لا يمكن أن تحددها الأخلاق كما يقول المثاليون بل العكس هو الصحيح. وبالتالي فالمبادىء الأخلاقية لا يمكن تط