حيدر رضوي
تزايد الحديث خلال الأشهر القليلة الماضية، عن احتمال تعرض المنشآت النووية الإيرانية لهجمات عسكرية إسرائيلية، تجر لاحقًا، الولايات المتحدة الأميركية لخوض حرب ضد إيران؛ نظرًا لأن الرد الإيراني على أي هجوم قد تتعرض له، لن يستثني الوجود العسكري الأميركي في مياه الخليج، كما تؤكد طهران.
ورغم أن الحديث عن سيناريوهات الحرب سابق لأوانه، فإن ثمَّة من يرجح أن تكون مياه الخليج ساحتها المركزية، إذا ما قُدِّر للحرب أن تندلع، ولعل هذا ما جعل إيران تعطي الأولوية لبناء قواتها البحرية، ورفع كفاءتها القتالية بشكل متسارع.
ورغم كثرة الأخبار والتحليلات التي تتناول هذا الموضوع، تبقى هناك حاجة لمعرفة المزيد من القضايا المتصلة به، لا سيما معرفة الإستراتيجية العسكرية الإيرانية في منطقة الخليج العربي، والوقوف على قدرات طهران العسكرية إزاء أية مواجهة محتملة مع قوات البحرية الأميركية. إضافة إلى الإجابة على عدد من الأسئلة المهمة إستراتيجيًّا، وأبرزها على الإطلاق:
هل بإمكان إيران إغلاق مضيق هرمز، إذا ما قررت ذلك؟
أمن الخليج وامن مضيق هرمز
الإستراتيجية العسكرية الإيرانية في الخليج
المعركة القادمة واستعدادات إيران
قدرات القوات الإيرانية
الخلاصة
أمن الخليج وأمن مضيق هرمز
بعد انسحاب بريطانيا عام 1971 من منطقة شرق السويس، وظهور أربع دول مستقلة في الخليج -البحرين، وقطر، والإمارات العربية المتحدة، وعُمان- برز مصطلح أمن الخليج إلى حيز الوجود، فقد بات على هذه الدول -منذ ذلك الوقت- مواجهة التحديات الخارجية، إلى جانب اهتمامها بتدعيم استقلالها الوطني، وكانت الكويت قد حصلت على استقلالها عن بريطانيا عام 1961.
ومنذ الانسحاب البريطاني، أخذت الولايات المتحدة الأميركية تدخل تدريجيًّا إلى الخليج العربي، وقد عجّل بذلك تعاظم حاجتها لحماية مصالحها الإستراتيجية في المنطقة، بعد خسارة قاعدتها في إيران بانتصار الثورة عام 1979.
وقد شجعت الولايات المتحدة دول الخليج العربية النفطية الست آنذاك على تشكيل مجلس التعاون الخليجي، لتنسيق مواقفها في مواجهة التحديات الخارجية، وسعت هذه الدول لبناء أمنها الجماعي، لكن غزو العراق للكويت عام 1990 فرض معادلة جديدة على المنطقة؛ إذ أصبح للولايات المتحدة -منذ ذلك الوقت- تواجد عسكري مباشر في هذه الدول، شرعته اتفاقيات للتعاون الدفاعي وقعتها كل من الكويت والبحرين وقطر وعمان مع الولايات المتحدة عام 1991، كما وقعت دولة الإمارات العربية المتحدة اتفاقية مماثلة عام 1994، واتخذت المملكة العربية السعودية تدابير مماثلة ولكن بصيغة أقل رسمية.
تبلغ مساحة الخليج العربي 233.100 كيلومتر مربع، ويتراوح عرضه بين حدٍّ أقصى 370 كيلومترًا إلى حد أدنى 55 كيلومترًا بالقرب من مضيق هرمز، ولا يتجاوز عمق الخليج التسعين مترًا باستثناء بعض الأماكن القليلة، بينما لا يتجاوز عمق مساحات واسعة منه 35 مترًا، ويصل عمق بعضها إلى 20 مترًا فقط، بما في ذلك مساحة كبيرة من الجزء الجنوبي الواقع على الخط الذي يبدأ من الجبيل مرورًا برأس دولة قطر إلى منتصف ساحل دولة الإمارات العربية المتحدة تقريبًا. وتقع المياه الأكثر عمقًا على الجانب الإيراني.
مضيق هرمز.. شريان العالم
يتصل الخليج ببحار العالم عبر مضيق هرمز الذي يبلغ طوله حوالي 180 كيلومترًا, ولا يزيد عرضه عن 54 كيلومترًا (29 ميلاً بحريًّا)، ويشرف عليه من الجانب العربي دولتان خليجيتان، هما: الإمارات وعمان، فيما تشرف إيران على ضفته الشرقية.
و"هرمز" اسم فارسي قديم يعني "إله الخير"، في مقابل إله الشر "أهريمن".
ورغم أن أدنى عرض للمضيق يبلغ حوالي 39 كيلومترًا إلا أن عمقه لا يتجاوز الثمانين مترًا، باستثناء قناتين تحويان مياه عميقة يمكن للغواصات والسفن الحربية القيام بعمليات كبيرة فيهما. ويبلغ عرض كل قناة كيلومترين فقط.
ويكتسب مضيق هرمز أهمية بالغة؛ لأن 80% من نفط الخليج يمر عبره إلى العالم، وطبقًا للمعلومات المتوافرة حول حجم النفط الذي يُنقل عبر المضيق، فإن ما بين 20 إلى 30 ناقلة نفط تعبر هرمز يوميًّا، بمعدل ناقلة كل 6 دقائق في ساعات الذروة، تحمل على متنها 17 مليون برميل نفط، وهذا ما جعله من أهم المضايق حول العالم.
ومع توقعات وكالة الطاقة الدولية بارتفاع حجم الطلب العالمي على النفط ليصل إلى 121 مليون برميل يوميًا عام 2030(1)، تزداد أهمية هذا المضيق الإستراتيجي، نظرًا لسعي دول الخليج بما فيها إيران والعراق، لتلبية هذا الطلب عبر مضاعفة إنتاجها.
وبحسب الخبراء النفطيين، "قد تصل أسعار النفط في الأسواق العالمية في حال إغلاق مضيق هرمز إلى 250 دولارًا للبرميل الواحد، وربما تصل إلى 400 دولار إذا استمر توقف إمدادات النفط من الخليج"(2).
وقد حذَّر عبد الله البدري، الأمين العام لمنظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" أخيرًا، من مغبة حصول تطورات عسكرية في منطقة الخليج، وقال: إن المنطقة تعاني ما يكفي من المشاكل، وقد تنهار فيها الأمور تمامًا إن زادت التعقيدات(3).
وغني عن القول مدى الأهمية التي يشكلها الخليج ومضيق هرمز، بالنسبة للاقتصاد الإيراني الذي يعتمد بشكل أساسي على النفط الذي يُصدَّر 90% منه عبر الخليج.
وقد أكد وزير الخارجية الإيراني منوتشهر متكي في 2 فبراير/شباط العام الجاري أن بلاده "حريصة على أمن الطاقة في الخليج، وإبقاء مضيق هرمز -الذي تعبر منه حمولات الطاقة إلى العالم- مفتوحًا".وتُكرر إيران باستمرار أنها ملتزمة بالحفاظ على أمن مضيق هرمز، وتنفي رسميًا أنها تنوي إغلاق المضيق كرد فعل على أي هجوم تتعرض له، رغم تأكيدها أنها قادرة على ذلك، وقد أكد قائد القوة البحرية في الجيش الإيراني الأميرال حبيب الله سياري في 8 فبراير/شباط 2010 أن إغلاق مضيق هرمز "ليس مُدرجًا على جدول أعمال قواته"(4).
وكانت الصحف الإيرانية قد نقلت في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2008 عن حبيب الله سياري، تأكيده قدرة سلاح البحر الإيراني على إغلاق مضيق هرمز، وقال: "كل من لا يصدق هذا الموضوع فليجرب حتى يرى الحقيقة بأم عينيه".
وأدلى سياري بهذا التصريح ردًا على تصريحات قائد قوات الناتو البحرية الأميرال ماريزيو غميكناني الذي قال: "إن التهديدات التي تطلقها ايران بإغلاق مضيق هرمز ما هي إلا أحلام"(5).
ولا تخشى دول الخليج من اندلاع حرب جديدة في المنطقة فحسب، وإنما تخشى أيضا أن تتعرض إيران لعقوبات جديدة؛ لأنها "ستُدخل المنطقة في جو من التوتر"، وقد عبر عن ذلك نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الكويتي الشيخ محمد الصباح في تصريح له بتاريخ 23 فبراير/شباط 2010(6).
ويرى الدكتور أنور عشقي رئيس مركز الدراسات الإستراتيجية ومقره جدة، أن إيران ليست من الحماقة بحيث تقوم بغلق مضيق هرمز في حال تعرضت لعقوبات؛ لأنها لو فعلت ذلك فإن دول العالم ستتضافر لضربها وهذا ما تريده الولايات المتحدة الأميركية.
ويرى الخبير الإستراتيجي السعودي الدكتور علي التواتي، أن إيران ستكون أول وأكبر المتضررين من إغلاق مضيق هرمز؛ لأن خطوة من هذا القبيل ستؤدي إلى قيادة حرب عالمية ضدها(7).
الإستراتيجية العسكرية الإيرانية في الخليج
تؤكد إيران باستمرار أن إستراتيجيتها العسكرية دفاعية، هدفها إحباط مساعي الولايات المتحدة الرامية إلى تطويقها، وخنق نظامها وثورتها الإسلامية. وترفض إيران الاتهامات الغربية بأن قواتها تشكل تهديدًا لدول المنطقة، وتؤكد أن سلاحها للردع وليس للتخويف، وأنها حريصة -كذلك- على أمن الخليج الذي هو مسؤولية الدول المطلة عليه، وتكرر دعوتها باستبعاد الوجود الأجنبي من المنطقة، وتعتبر أن هذا الوجود لن يُسهم في حماية المنطقة، وإنما هو لحماية المصالح الغربية.
والجدير بالذكر أن إيران قد استمرت بعد انتهاء الحرب الإيرانية العراقية عام 1988، في إنشاء قواعد بحرية على طول ساحلها على الخليج العربي وخليج عمان، وفي الجزر الإيرانية، كما استمرت في تدعيم أسطولها البحري وتحديث أسلحته، ورفع قدراته القتالية عبر سلسلة طويلة من المناورات البحرية؛ مما جعلها تثق بأن "حضورها الفاعل في الخليج وبحر عُمان، بات يشكّل أكبر قوة للحفاظ على أمن واستقرار هاتين المنطقتين الإستراتيجيتين"، كما قال وزير الدفاع السابق مصطفى نجار في نهاية أغسطس/آب 2008(8).
كما أنشأت إيران عددًا من القواعد البحرية على سواحلها في الخليج وخليج عمان، وأعلنت في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2008، افتتاح قاعدة بحرية جديدة على الخليج، في منطقة عسلوية، موضحة أن تلك القاعدة هي الرابعة التي تفتتحها على ساحل الخليج وصولاً إلى مضيق هرمز. وكانت إيران قد أعلنت قبل ذلك بشهر افتتاح قاعدة بحرية جديدة في خليج عمان على الجانب الشرقي من مضيق هرمز، عند منطقة جاسك، التي تعد بمثابة عنق مضيق هرمز. ونقلت الإذاعة الإيرانية عن الأدميرال حبيب الله سياري أن افتتاح القاعدة البحرية هدفه "خلق خط دفاعي جديد"، وأنها تمكِّن إيران -إذا اقتضت الضرورة- من "منع دخول أي عدو للخليج".
وفي مطلع فبراير/شباط 2009، نقلت قناة العالم الإيرانية عن حبيب الله سياري تأكيده أن إيران ستدشن قواعد بحرية جديدة للقوة البحرية في بحر عمان، حتى نهاية الخطة التنموية الخمسية، وقال: إن عمليات إنشاء القواعد البحرية، وتركيب التجهيزات والمعدات وسائر الأمور المتعلقة بتدشين هذه القواعد، تسير حسب ما تم التخطيط له مسبقًا وفق الخطة التنموية الخمسية، مضيفًا، أن تعزيز التواجد البحري لإيران في بحر عمان يشكل أحد الأهداف الإستراتيجية للقوة البحرية للجيش الإيراني(9).
اتفاقيات دفاعية
وإلى جانب بناء قواتها البحرية، سعت إيران لإبرام اتفاقيات دفاعية مع دول الخليج، معتبرة "أن الدبلوماسية الدفاعية من أهم أركان السياسة الخارجية لإيران"، كما قال وزير الدفاع الإيراني العميد أحمد وحيدي في 25 فبراير/شباط 2010 في اجتماع له مع رؤساء البعثات الإيرانية في الخارج، ودعاهم لتهيئة الأجواء لتوقيع اتفاقية دفاعية مثل تلك التي وقعتها بلاده مع قطر قبل ذلك الاجتماع بأيام. وقال: "إن الدبلوماسية الدفاعية بإمكانها القيام بدور مؤثر في تنفيذ أهداف السياسة الخارجية في مختلف المجالات"(10). وقبل ذلك بأشهر "ناقشت إيران وسلطنة عُمان القيام بخطوات لضمان الأمن المستدام في منطقتي الخليج وبحر عُمان الحساستين عبر التخطيط الشامل والملائم"، كما ورد في نص البيان الذي وُزع في طهران خلال الزيارة التي قام بها سلطان عُمان قابوس بن سعيد، ولقائه بالمرشد السيد علي خامنئي والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، في 4 أبريل/نيسان 2009.
المعركة القادمة واستعدادات إيران
كشف تقرير للاستخبارات البحرية الأميركية نُشِر في نوفمبر/تشرين الثاني 2009 أن إيران عززت من القوة البحرية للحرس الثوري في الخليج تحسبًا لأية مواجهة قد تقع في المنطقة. ووفقًا للتقرير فإن إيران زادت من عدد سفنها في الخليج، وأعادت هيكلة قواتها البحرية لمنح ذراع الحرس الثوري المسؤولية الكاملة عن العمليات في الخليج في حال وقوع حرب، كما طورت قدراتها البحرية، وأرسلت إلى مضيق هرمز سفنها الهجومية السريعة، ونصبت فيه أيضًا صواريخ مضادة للسفن(11).
ويكرر قادة القوات البحرية الإيرانية، أن أهداف "الأعداء في الخليج تقع في مرمى القوات البحرية الإيرانية"، وأن تلك الأهداف "ستواجه ردًّا عنيفًا من جانب القوات البحرية الإيرانية إذا أرادت اتخاذ أي عمل شيطاني"، على حد تعبير قائد قاعدة خورمشهر البحرية الإيرانية عبد الحميد كفايت(12).
ويؤكد علي جنتي -سفير إيران في الكويت في حديث لصحيفة كويتية- أن بلاده في حال تعرضها لهجوم عسكري، يكفيها "عدد من السفن البحرية الأميركية الموجودة في الخليج للهجوم عليها، ولا نحتاج لضرب القواعد العسكرية المتواجدة في الخليج"(13).
وكانت إيران أعلنت في أكتوبر/تشرين الأول 2008 أن المرشد الأعلى للبلاد السيد علي خامنئي، اتخذ قرارًا بتحويل مسؤولية أمن الخليج من قوات البحرية التابعة للجيش الإيراني النظامي إلى قوات الحرس الثوري الإيراني "للدفاع عن الخليج الفارسي ضد أي هجوم للعدو".
وقال المستشار العسكري للمرشد الأعلى لإيران -حينها- يحيى رحيم صفوي: إن إيران قادرة على السيطرة على الخليج، وأكد أن صواريخ حرس الثورة تغطي مياه المنطقة بالكامل و"لا يمكن لأي سفن العبور بدون أن تكون في مرمى الصواريخ"(14).
كما أعطت القيادة الإيرانية العليا أوامرها لكل القوات الإيرانية في الخليج بالتصرف كوحدات قيادة منفصلة أو مستقلة للردّ على مصادر النيران بعد ثلاث دقائق فقط من أية ضربة عسكرية تتعرض لها إيران، دون الرجوع إلى السلطات العليا(15).
وتقوم القوات البحرية التابعة لحرس الثورة، جنبًا إلى جنب القوات البحرية للجيش الإيراني بتنفيذ هذه الأوامر، وبينما يتولى الجيش مهام تشغيل السفن الحربية الكبيرة يتولى حرس الثورة مهام الزوارق الهجومية السريعة، ويبدو أن عناصر من كلا القوتين تتولى تشغيل الغواصات.
قدرات القوات الإيرانية
ليس من السهل معرفة القدرات العسكرية الإيرانية على وجه التحديد، نظرًا لغياب المعلومات الدقيقة عن موازنتها العسكرية السنوية، وصفقات السلاح التي تشتريها من الخارج، وحجم ما تنتجه في الداخل؛ فقد دفع الحصار إيران إلى إطلاق مشاريع طموحة لتصنيع ما تحتاجه من العتاد والأسلحة بمختلف أنواعها، كما تشير تقارير غربية إلى أن إيران اشترت أسلحة متطورة تشمل طائرات مقاتلة متطورة، وأنظمة للدفاع الجوي والبحري وسفنًا وغواصات، من دول شرقية، وجدت فيها أسواقًا بديلة عن الغرب الذي أوصد أبوابه بوجهها منذ ثلاثين سنة.
ومما يزيد من صعوبة معرفة حجم وقدرة القوات المسلحة الإيرانية، أن إيران تُولي أهمية كبيرة لأسلوب الحرب غير التقليدية، والتي تعتمد في جانب كبير منها على التعبئة الشعبية (قوات البسيج) إضافة إلى اعتمادها على سلاح الصواريخ طويلة المدى، والتي حققت تقدمًا كبيرًا في صناعتها وتطويرها، وقد أعلنت في نهاية عام 2009 أنها باتت تملك ترسانة ضخمة من الصواريخ البالستية، "تفوق تصور الأعداء".
ووفقًا لتقارير إيرانية وغربية متطابقة؛ فإن إيران استطاعت أن تسترد عافيتها في غضون سنوات قليلة بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، والتي تكبدت خلالها خسائر كبيرة في العتاد، كما استغنت عمليًا عن العتاد الغربي المتهالك الذي اشترته قبل انتصار الثورة، واستبدلته بعتاد جديد أنتجته بنفسها، أو اشترته من الخارج، كما قطعت شوطًا كبيرًا في تحديث التقنيات التي تعتمدها قطعها البحرية وطائراتها المقاتلة، إضافة إلى بناء منظومات حديثة للإنذار المبكر والدفاع الجوي والبحري توظف رادارات وأجهزة اتصالات متطورة.
ووفقًا لتصريحات المسؤولين الإيرانيين، فإن إيران تمكنت منذ عام 1994، من الوقوف على قدميها بنفسها، ولم تعد تحتاج عمليًا إلى أي شيء يتعلق بالدفاع، وأنها وصلت إلى مرحلة متقدمة من الاستقرار، ولم يعد في وسع الأميركيين إلحاق الضرر بها، كما ورد في خطاب للشيخ هاشمي رفسنجاني ألقاه في جامعة طهران عندما كان رئيسًا للجمهورية.
وتؤكد إيران أنها تنتج اليوم كل ما تحتاجه من المعدات الدفاعية، وأعلن مساعد شؤون التنسيق في وزارة الدفاع الإيرانية العميد بحري محمد شفيعي في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2009 في تصريح نشرته صحيفة كيهان الإيرانية، أن الجمهورية الإسلامية وصلت في قطاع المعدات الدفاعية إلى الاكتفاء الذاتي ولا حاجة لها إلى الدول الأخرى، وأن مخزونها من تلك المعدات ينافس ما تمتلكه تركيا والهند ودول أخرى في هذا المجال.
ويقسّم تقرير نشرته صحيفة (جام جم) الإيرانية بتاريخ أول فبراير/شباط 2009، التصنيع العسكري بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران إلى أربع مراحل: الأولى وهي الفترة التي سبقت اندلاع الحرب العراقية الإيرانية؛ حيث شهد هذا القطاع تراجعًا كبيرًا، ولكن مع بداية الحرب العراقية الإيرانية بدأت مرحلة ثانية ترَكَّز فيها العمل على إنتاج الذخائر التي تحتاجها القوات المقاتلة. وبعد انتهاء الحرب التي دامت ثماني سنوات كانت المرحلة الثالثة؛ حيث تم افتتاح العديد من خطوط إنتاج الأسلحة والمعدات الحربية، وذلك بعد الدمج بين وزارتي الدفاع وحرس الثورة، والذي تبعه أيضًا دمج مؤسسة الصناعات الدفاعية التابعة للجيش مع مؤسسة الاكتفاء الذاتي التابعة لحرس الثورة الإسلامية عام 1990.
أما المرحلة الرابعة فقد بدأت بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول في الولايات المتحدة عام 2001؛ حيث شهدت الصناعات الدفاعية الإيرانية قفزة نوعية في مختلف المجالات، ومن بينها إنتاج الصواريخ.
وتؤكد إيران أن صناعاتها الدفاعية تعتمد كليًا على خبراتها الوطنية، وإذا نظرنا إلى العدد الكبير من الخبراء العسكريين الأميركيين الذين كانوا يعملون في إيران في زمن الشاه والذين فاق عددهم خمسة وأربعين ألف خبير، فإن ذلك يعني أن إيران بَنَت قاعدة صلبة لتطوير وتوسيع هذا القطاع.
وفي مطلع عام 2007 ذكرت مصادر إيرانية أن الصناعات العسكرية الإيرانية يتم تصديرها إلى خمسين دولة(16). ولعل الأبرز في الصناعات العسكرية الإيرانية هو التقدم الذي تحرزه في مجال الاستخدامات العسكرية لأشعة الليزر والأنظمة الإلكترونية التي تتحكم في قدرة وكفاءة الأسلحة الحديثة، وتحدد مكان وزمان ودقة الهدف، وقد دشَّن وزير الدفاع الإيراني السابق العميد مصطفى محمد نجار في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2006 مشروعًا لصناعة نظام للإنذار المبكر يعمل بالليزر للدفاعات الجوية، وقال: إنه مع إدخال هذا النظام إلى العمل ستشهد القدرة الدفاعية للقوات المسلحة الإيرانية –لا سيما في مجال الحرب غير المتكافئة- تطورًا ملموسًا، وقال: إن هذا النظام المتطور جدًا سيمكِّن الدفاعات الجوية من تضليل وحرف مسار مختلف الصواريخ والقنابل والقذائف الموجهة بأشعة الليزر(17).
كما دُشنت في 15 مارس/آذار 2009 ثلاثة مشاريع مهمة في مجال أشعة الليزر، وافتتح الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في مايو/أيار 2009 معرض الإنجازات الوطنية في علوم الليزر(18).
وفي 10 شباط/فبراير 2010 أعلن نائب قائد سلاح الجو لشؤون العمليات التابع للجيش الايراني العميد محمد علوي أن قوات بلاده "توصلت إلى منظومة قادرة على حرف الصواريخ المطلقة عن مسارها"(19).
ويشار هنا إلى أن الولايات المتحدة الأميركية أجرت في 12 فبراير/شباط 2010 أول تجربة ناجحة لإسقاط صاروخ عابر للقارات بواسطة أشعة الليزر.
وتجري إيران باستمرار مناورات بحرية وبرية وجوية، تختبر خلالها أسلحة جديدة تنتجها محليًا، بينها طائرات مقاتلة وطائرات استطلاع، وغواصات وقطع بحرية، ورادارات ودبابات، وصواريخ وقنابل ذكية.
صفقات السلاح
لا تتوفر معلومات حديثة عن وجود صفقات للسلاح وقعتها إيران مع الخارج، باستثناء صفقة نظام الدفاع الصاروخي المطور من طراز "إس 300" مع روسيا، والتي لا تزال موسكو تماطل في تنفيذها.
لكن من تقارير نُشرت سابقًا، يمكن تكوين صورة عن حجم الأسلحة التي اشترتها إيران من روسيا والصين خلال السنوات العشرين الماضية؛ فقد ذكر المحلل الاستخباراتي في شؤون الخليج بوكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي ايه)، كينيث كاتزمان، أن إيران عقدت صفقة مع روسيا عام 1989 لشراء 48 طائرة مقاتلة طراز ميغ 29، و48 طائرة أخرى طراز ميغ 31 الاعتراضية بعيدة المدى، و24 طائرة مقاتلة قاذفة طراز سوخوي 24، وطائرتين طراز آي إل 76 مجهزتين كطائرتي إنذار محمول جوًا، وطائرات اعتراضية بعيدة المدى. كما بحثت شراء أنواع أخرى من المقاتلات الروسية، تشمل طائرات اعتراضية، وطائرات الهجوم الأرضي، وقاذفات هجومية، وطائرات الإنذار المبكر.
ويقول كاتزمان: إن إيران أثبتت قدرتها على أن تشتري من السوق السوداء قطع الغيار، والأنظمة المحسنة، وأنظمة الأسلحة، مثل: أجهزة اختبار الرادار، ومعدات الملاحة وإلكترونيات الطيران، والألياف البصرية، وأجهزة التحليل بالكمبيوتر، والحاسبات عالية السرعة، والمفاتيح عالية السرعة، وآلات التصنيع الدقيقة، والمحركات النفاثة، ومحركات الدبابات، وأجهزة الاستشعار عن بعد، كما بذلت جهودًا للحصول على تقنية الإنذار المبكر باستخدام الرادار، وتقنية تزويد الطائرات بالوقود في الجو.
كما يشير إلى أن إيران اشترت من الصين ما يصل إلى 72 طائرة مقاتلة، من طراز إف7 أم، وأنها سعت لإبرام صفقات لشراء كميات كبيرة من المقاتلة إل 8، ومن الطائرات القاذفة من طراز جيان هونج7(20).
أسلحة ومعدات القوات البحرية الإيرانية
أولاً: السفن الحربية
صرَّح قائد سلاح البحرية في الجيش الإيراني الأدميرال حبيب الله سياري في 16 فبراير/شباط 2010 بأن سلاح البحرية الإيراني استطاع تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال إنتاج الأجهزة البحرية المتطورة. وأكد أن بلاده تقوم حاليًا بإنتاج بوارج مجهزة بأنظمة صاروخية متطورة، مثل: أنظمة صواريخ "بيان" و"جوشن" و"درفش".
وبعد ذلك التاريخ بثلاثة أيام، دشنت إيران مدمرة حربية من صنع محلي في قاعدة بندر عباس البحرية على الخليج، أطلقت عليها اسم "جمران"، مزودة بصواريخ بعيدة المدى، وتزن 1400 طن ومجهزة برادارات حديثة وقدرات حربية إلكترونية.
وبحسب تقرير بثه التلفزيون الإيراني؛ فإن "جمران" هي مدمرة متعددة المهمات يمكن أن تبلغ سرعتها 30 عقدة، ويمكنها أن تُقل طاقمًا من 120 إلى 140 شخصًا إلى جانب أنواع عدة من الصواريخ المضادة للسفن، وصواريخ أرض- جو، ومزودة بمهبط للمروحيات، وهي مزودة أيضا "بطوربيدات ومدفعيات بحرية حديثة".
وقد أجرت المدمرة في 9 مارس/آذار 2010 تجربة ناجحة لإطلاق صاروخ بحر بحر من طراز "نور" على هدف في مياه الخليج على بعد 100 كيلومتر.
وكانت القوة البحرية للجيش الإيراني قد أعلنت في الأول من ديسمبر/كانون الأول 2007 صنعها بارجة حربية أطلقت عليها اسم "موج"، وهي قادرة على ضرب عدة أهداف في وقت متزامن فوق وتحت سطح الماء وفي الجو، ويمكن استخدامها في الحروب الإلكترونية.
وقال الأميرال البحري شاه كرم حينها: إن إيران بصنعها بارجة "موج" أصبحت في عداد الدول المصنِّعة للبوارج الحربية، وإن الانجاز يشكل قفزة نوعية باتجاه تفعيل الخبرات التي تؤمِّن احتياجات سلاح البحر الإيراني.
وتملك إيران سفينة حربية بريطانية الصنع زنة 3500 طن من فئة باتل، تسمى دامافاند، وهي مدمرة صواريخ موجهة يبلغ وزنها وهي بكامل حمولتها 3360 طنا، وتصل سرعتها إلى 31 عقدة، ومجهزة بأربع قاذفات صواريخ سطح–سطح مزدوجة، ترتفع تلقائيًا.
ولدى إيران ثلاث فرقاطات بريطانية الصنع، طراز فوسبرمارك إس من فئة سام وتسمى الفاند والبورز وسابالان، وهي فرقاطات من زنة 1540 طنًا، ولديها أيضا طرادان أميركيَّا الصنع من طراز بي إف -103 "فئة بينادور" يُطلق عليهما البياندور والنجدي، وفي عام 1988 تم تغيير محركاتهما.
وتضم بقية السفن البحرية الإيرانية 10 زوارق هجومية سريعة طراز كومباتنت2 فئة "كمان" مزوَّدة بصواريخ ومدفع واحد عيار 76ملم، وتُعد أحدث سفن إيران الحربية الواردة من الغرب وقد تم تسليمها بين 1974 و1981.
كما تملك إيران تسع سفن كبيرة للدورية والهجوم السريع، و3 سفن للهجوم السريع "فئة شاهو" من كوريا الشمالية، و3 سفن أميركية كبيرة للدورية كيب، و3 سفن كبيرة مطوَّرة للدورية فئة بي أم 71، وتقدمت إيران عام 1992 بطلب لشراء سفن صينية للهجوم السريع, ذات حمولة 68 طنًا، أو قوارب دورية مزودة بصواريخ، كما تضم سفن إيران الخاصة بحرب الألغام 2-3 كاسحات ألغام ساحلية.
وتملك إيران العديد من القطع البرمائية تشمل أربع سفن دعم برمائي للإنزال من فئة "هنجام لارك" زنة كل منها محمَّلة 2940 طنًا, وثلاث سفن إنزال من صنع كوريا الجنوبية من فئة "إيران هروز" زنة كل منها محملة 2014 طنًا، وسفينة إنزال واحدة من طراز "إيران" يبلغ وزنها وهي محملة 2274 طنًا، إضافة إلى ثلاث سفن إنزال تزن كل منها 1400 طن, وسفينة إنزال واحدة زنة 250 طنًا, وما لا يقل عن ست سفن إنزال زنة كل منها 9 أطنان(21).
ثانيًا: الغواصات
في أوائل عام 1992، وقَّعت إيران اتفاقية لشراء 3 غوصات روسية من طراز "كيلو" من حوض سودومية لبناء السفن, التابع للأدميرالية المتحدة في بطرسبرغ. وتسلمت أول غواصة من هذا الطراز في نوفمبر/تشرين الثاني 1992، ووُضِعت في الخدمة تحت اسم "الطارق 901"، وأتمت الغواصة تمرين الاستعداد بخليج عمان في شتاء عام 1992/ 1993، وردت الولايات المتحدة بإرسال الغواصة الهجومية النووية "توبيكا" إلى الخليج في استعراضٍ للقوة، وكانت "توبيكا" أول غواصة نووية أميركية تُرسل إلى الخليج لإظهار اهتمام الولايات المتحدة بموضوع امتلاك إيران للغواصة "كيلو".
والغواصة "كيلو" حديثة وهادئة نسبيًا، وقد دخلت الخدمة لأول مرة عام 1980، والموجود منها لدى إيران عبارة عن نسخ التصدير من طراز "877 إي إم"، ويبلغ طولها 73.2 متر وعرضها 10 أمتار، ولها غاطس طوله 6,6 أمتار، ومجهزة بأنظمة مطورة للقيادة والسيطرة.
وهيكل هذا الطراز على شكل دمعة العين، ومكسوّ بطبقة من البلاطات المعالَجة ضد صدى الصوت بهدف تخفيض الضوضاء. ويحتوي صندوقها على ستة أنابيب طوربيد عيار530 ملم, وهي قادرة على حمل 12 طوربيدًا بتوجيه آلي وسلكي، أو 30-40 لغمًا.
وتفيد بعض التقارير شراء إيران أكثر من 1000 لغم سوفيتي حديث مع الغواصات "كيلو"، وأن تلك الألغام مزودة بأجهزة استشعار حديثة مغناطيسية وصوتية وتعمل بالضغط(22).
ويبلغ أدنى عمق للتشغيل المغمور لهذه الغواصة حوالي 30 مترًا، وأقصى عمق للغوص 300 متر، ويعمل عليها طاقم من 45 فردًا.
وبالإضافة إلى غواصات "كيلو" تملك إيران عددًا غير معروف من الغواصات الصغيرة، ويؤكد خبراء غربيون أن هذه الغواصات تمثل مشكلة إضافية أمام القوات الأميركية في الخليج بسبب صعوبة اكتشافها.
وتمنح الغواصات إيران القدرة على استخدام مياه الخليج وخليج عمان، وتُقلِّل تعرضها لهجمات الطائرات والسفن, لكن الغواصات التي تنتجها محليًا تُعتبر أكثر ملائمة للعمل في منطقة الخليج؛ حيث يمكِّنها صغر حجمها من الاختباء في المياه الضحلة، ويمكن استخدام هذه الغواصة لإطلاق الطوربيدات أو زرع الألغام قرب الموانئ أو في طريق الناقلات البطيئة.
وخلال مناورات "ضربة ذو الفقار" البحرية التي أجرتها القوات الإيرانية في آب/أغسطس 2006، "نجحت الغواصات -من خلال النزول إلى أعماق الخليج الفارسي وبحر عمان ومناطق شمال المحيط الهندي- في إطلاق طوربيدات بحرية، وتنفيذ المهام الموكلة لها"، وفق ما أكد الأدميرال حبيب الله سياري، الذي كان يشغل حينها منصب وكيل قائد القوة البحرية الإيرانية.
وأوضح سياري "أن الغواصات المشاركة في المناورات قامت بعملية زرع الألغام وعمليات الرصد بنجاح, وأن الغواصات الصغيرة أطلقت طوربيدات بحرية أصابت أهدافها المحددة"(23).
وقد أظهرت إيران أنها تستطيع استخدام طائراتها المروحية للاتصال بغواصاتها, والتواصل معها عبر أجهزة الرادار المقامة على الشاطئ، وطائرات الدورية الموجودة لديها.
وكان الأدميرال حبيب الله سياري أعلن في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2007، عن إنزال أول غواصة من صنع إيراني إلى المياه، وقال: إن "الغواصة (غدير)، تُضاهي من حيث النوعية الغواصات الأجنبية الحديثة، وأنها مجهزة بأفضل المعدات العسكرية والتكنولوجية"، مشيرًا إلى أن صنعها استغرق عشر سنوات.
وفي 30/5/2008، أعلنت إيران إنزال ثلاث غواصات من طراز (غدير) إلى مياه الخليج في قاعدة بندر عباس، وبعدها بعام، أعلنت إيران افتتاح خط لإنتاج غواصات محلية الصنع قادرة على إطلاق صواريخ وطوربيدات.
وقال وزير الدفاع الإيراني –حينها- العميد مصطفي محمد نجار: إن الغواصة الجديدة واسمها (قائم)، "شبه ثقيلة، ويمكنها إطلاق أنواع من الصواريخ، ونقل قوات خلال العمليات الخاصة"، مؤكدًا أنها "قادرة على صد أي هجوم عسكري على مضيق هرمز".
وقال: إن وزارة الدفاع الإيرانية تمكنت من صنع مختلف أنواع العوامات البحرية، وبلوغ الاكتفاء الذاتي في هذا المجال، مشيرًا إلى أن الحكومة الإيرانية رصدت منذ عام 2005 ميزانيةًً ضخمة لتطوير الغواصات، والوصول بإيران إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي في مجال تصنيع الأسلحة الحديثة.
وفي عام 2008 أعلنت إيران عن تطوير نظم إلكترونية صالحة للاستخدام في الغواصات والزوارق، فضلاً عن رادار ساحلي متحرك، وشبكة اتصالات تعتمد على ألياف ضوئية وتربط مراكز القيادة على طول الساحل الشمالي للخليج.
وفي مطلع عام 2010 أعلن الأميرال أميري، معاون شؤون الاكتفاء في القوات البحرية للجيش الإيراني، أن إيران ستُنزل إلى المياه في غضون عامين، الغواصة الإيرانية الثقيلة التي يبلغ وزنها500 طن. وقال: إن إنتاج الغواصات الخفيفة وصل مرحلة متقدمة، وإن إيران تقوم بتصنيع أعداد كبيرة منها.
ثالثًا: الزوارق السريعة
يرى محللون أن عقيدة القوات البحريّة الإيرانية، تستند إلى "تكتيك حرب عصابات" من خلال الاعتماد على أسلوبين، هما: الزوارق السريعة المسلحة بالصواريخ، والألغام البحرية.
ويؤكد خبراء غربيون أن إيران باتت تملك قدرات كبيرة لخوض حروب تقليدية بعيدًا عن الساحل، ويقول أنتوني كوردزمان: "إن سلاح بحرية الحرس الثوري الإيراني يملك إحدى أضخم قدرات الحرب غير التقليدية بين القوات البحرية في العالم"(24).
وتُعد الزوارق الصغيرة -تفوق سرعتها 100 كيلومتر في الساعة، وتعد إيران واحدة من خمس دول في العالم قادرة على إنتاجها- وسيلة فعالة للتعامل مع القطع البحرية الكبيرة. وتقدِّر تقارير غربية عدد هذا النوع من القوارب العاملة في البحرية الإيرانية بثلاثة آلاف قارب، وهو رقم قياسي إذا ما ثبتت دقّته.
وجاء في تقرير للاستخبارات البحرية الأميركية نُشِر في 30 نوفمبر/ترشين الثاني 2009(25) أن الحرس الثوري يريد صنع أو الحصول على سفن بحرية تعمل "بلا أطقم"، مشيرًا إلى امتلاكه سفنًا أصغر وأسرع لديها مرونة ميدانية أكبر في حرب غير متكافئة. وقال: إن تلك السفن الصغيرة ربما لا يتعدى طولها 17 مترًا في بعض الأحيان، لكن قوتها النارية كبيرة بما في ذلك طوربيدات وصواريخ كروز مضادة للسفن إيرانية الصنع (كوثر).
وأشار إلى أن الحرس الثوري بدأ في أواخر التسعينيات يشتري زوارق سريعة من شركة فابيو بوتزي الإيطالية للزوارق السريعة، وأنه تعلَّم كيف ينتج نماذج مماثلة بنفسه. وتابع التقرير: إن السرعة القصوى لتلك الزوارق يمكن أن تصل الى 60 أو 70 عقدة؛ ما قد يوفر "للقوات البحرية التابعة للحرس الثوري بعضًا من أسرع الزوارق البحرية في الخليج الفارسي".
ومضى التقرير يقول: "بصفة عامة، فإن برنامج التطوير الإيراني قوَّى من القدرات البحرية؛ مما أدى الى زيادة ما تمتلكه البلاد من زوارق صغيرة وألغام وصواريخ كروز مضادة للسفن، وطوربيدات ومعدات الدفاع الجوي."
وكانت البحرية الإيرانية قد ذكرت في 6/7/2006 أنها "اختبرت بنجاح زورق طائر سريع متطور جدًا في إطار مناورات الرسول الأعظم البحرية الكبرى الجارية حاليًا في الخليج الفارسي". وهو زورق "متطور جدًا، ولديه قدرة عالية على المناورة في مياه الخليج وبحر عمان، وتبلغ سرعته مائة عقدة بحرية بالساعة؛ حيث تُعتبر سرعته عالية جدًا بالنسبة للزوارق السريعة في العالم. كما أن هذا الزورق بإمكانه تجنب رصد الرادار بسبب تصميمه والمواد المستخدمة في تصنيعه. ويتمتع هذا الزورق بإمكانية إطلاق أنواع الصواريخ المختلفة على أهداف ثابتة ومتحركة، وقد بلغ مرحلة الإنتاج, وأسهم في تعزيز القدرة القتالية والدفاعية للقوة البحرية لحرس الثورة الإسلامية(26).
وكانت البحرية الأميركية قد أجرت في 2006 حربًا افتراضية عبر الكمبيوتر، خلصت إلى أن إيران قادرة على إلحاق الأذى بالبحرية الأميركية في الخليج، في حال اندلاع الحرب(27)؛ الأمر الذي يتطلب تغيير الخطط وإبعاد القطع البحرية التي يسهُل ضربها عن ساحة المعركة.
وتؤكد تقارير أميركية أن زوارق "بوجامر"، وزوارق الدورية السريعة، وما لدى إيران من السفن الخفيفة الأخرى، مثل زودياك، يصعب جدًا كشفُها بواسطة الرادار، إلا عندما يكون البحر غاية في الهدوء(28).
وعندما حصل احتكاك بين خمسة زوارق إيرانية سريعة، والبوارج الأميركية الثلاث: المدمّرة «يو أس أس هوبر»، والفرقاطة «يو أس أس إنغرام»، والطرّاد «بورت رويال»، في (7 يناير 2008) في مياه الخليج، قال قائد هيئة الأركان المشتركة حاليًا (وقائد البحرية آنذاك) الجنرال مايكل مولن: "إن تَسَلُّم الحرس الثوري مسؤولية الزوارق والقطع البحرية الإيرانية في مياه الخليج مؤشر إستراتيجي"(29).
ووصلت الزوارق الإيرانية يومها إلى مسافة تقل عن 300 متر من البوارج الأميركية، وهذا ما يؤكد قدرتها العالية على المناورة، ويُظهر أنها تمثل مشكلة حقيقة للبوارج الأميركية الأكبر حجمًا والأبطأ حركة.
رابعًا: الصواريخ البحرية
أعلنت إيران خلال السنوات العشر الماضية عن اختبارها بنجاح صواريخ وطوربيدات بحرية عديدة تقوم بتصنيعها محليًا، كان آخرها الصاروخ "نصر-1" المضاد للسفن، وهو صاروخ قصير المدى، قادر على "تدمير أهداف من ثلاثة آلاف طن"، وفق ما أعلنه وزير الدفاع الإيراني أحمد وحيدي في (7 مارس/آذار 2010)، وقال: إنه صاروخ يمكن إطلاقه من الساحل أو من السفن على أن يتم تطويره لاحقًا لاستخدامه من المروحيات والغواصات(30).
وخلال المناورات التي أجرتها القوات البحرية التابعة لحرس الثورة الإسلامية في الخليج، في نيسان/إبريل 2006، تم اختبار طوربيد "حوت" الذي تبلغ سرعته تحت الماء 100 متر في الثانية. كما دشنت طهران خطّي إنتاج لطوربيدات 533 و324 ميلليمترًا.
ويومها قال الأدميرال علي فدوي نائب قائد سلاح البحرية في الحرس الثوري الإيراني: "لقد أصبحت الجمهورية الإسلامية إحدى دولتين تمتلكان هذا النوع من الصواريخ، القادرة على ضرب السفن الحربية والغواصات الكبيرة". وأوضح أن السرعة القصوى التي يمكن لصاروخ أن يبلغها تحت الماء هي 25 مترًا في الثانية، لكننا الآن نمتلك صاروخًا تبلغ سرعته مائة متر في الثانية أي ما يعادل 360 كيلومترًا في الساعة. وحتى لو تمكنت السفن الحربية المعادية من اكتشافه فلن تتمكن من تجنبه لسرعته الفائقة".
وتبلغ سرعة "حوت" نفس سرعة الصاروخ "في آي 111" الذي طورته روسيا عام 1995، والذي يُعتبر الأسرع في العالم.
كما أعلنت قوات الحرس الثوري الإيراني آنذاك أنها تطور نوعًا آخر من الصواريخ باسم "كوثر" لا يكتشفه الرادار، ومصمَّمًا لإغراق السفن في الخليج.
وفي 28/8/2006 اختبرت إيران صاروخ "الثاقب" طويل المدى من إحدى غواصاتها.
كما أعلنت حينها عن تدشين خط إنتاج طائرة مائية هجومية، بالإضافة إلى تعزيز التسلح على متن الزوارق الآلية الصغيرة ومتوسطة الحجم، بما يمكّنها من حمل طوربيدات وقواذف صواريخ متعددة الأحجام. بينها صواريخ "كوثر" المضادة للسفن، والذي تصل أحدث نسخة منه إلى مدى 25 كيلومترًا برأس حربي يزن 120 كيلوغرامًا.
كما أعلنت عن البدء بتصنيع الصاروخ "رعد أس أس أن 4" الذي يُعتقد أنه نسخة معدلة عن صاروخ صيني يصل مداه إلى 100 كيلومتر، ويصل وزن رأسه الحربي إلى نصف طن.
إضافة إلى ذلك أعلنت إيران تطوير صواريخ "سي 802"؛ حيث نُشر هذا الصاروخ على بطاريات متحركة عند السواحل وفي جزيرة "قشم". كذلك تعمل البحرية الإيرانية على تطوير النسخة الصينية من صاروخ "سي 701" الأصغر حجمًا بمدى يصل إلى 20 كيلومترًا. وهي صواريخ مجهزة بعين إلكترونية، وتتميز بكونها تتيح مرونة إضافية بسبب صغر حجمها نسبيًا، فضلاً عن إمكان إطلاقها من منصات ومحمولات مختلفة.
وفي سبتمبر/أيلول 2008 أعلنت إيران على لسان رئيس مؤسسة الصناعات الجوية الإيرانية العميد أحمد وحيدي -الذي عُيّن لاحقًا وزيرًا للدفاع- تدشينها مصنعًا جديدًا لإنتاج صاروخ كروز البحري.
وذكرت تقارير غير مؤكدة حصول إيران على صواريخ روسية مضادة للسفن من طراز "أس أس إن ٢٢" التي عُرضت للتصدير في أوساط التسعينات عندما كانت روسيا بحاجة لعملة صعبة، وأبدت إيران رغبة قوية في شرائها. إلا أنه لم يتضح للاستخبارات الأميركية ما إذا كانت روسيا باعت فعلاً هذا الصاروخ إلى إيران، وما إذا كان أدخل الخدمة في البحرية الإيرانية بشكل سري.
وبإمكان هذه الصواريخ إغراق حاملات الطائرات، وحسب مصادر أميركية مطلعة، فإن هذا الطراز من الصواريخ، صممته موسكو خصيصا لاختراق نظام إيجس وهو من أهم الأنظمة الدفاعية في البحرية الأميركية لدى التعامل مع الصواريخ المضادة للسفن، علمًا بأن مدى الصاروخ يبلغ ٩٠ كيلومترًا، وميزته أنه سريع جدًا، وخصوصًا في المرحلة النهائية عند اقترابه من الهدف بحيث يقوم بالمناورة وهو بسرعة تبلغ ضعفي سرعة الصوت لتفادي القذائف أو الصواريخ المضادة. ويبلغ وزن الرأس الحربي للصاروخ حوالي ٣٠٠ كلغ(31).
خامسًا: الألغام البحرية
تمتلك البحرية الإيرانية تشكيلة مهمّة من الألغام البحرية، بينها لغم "صدف_1"، محلي الصنع، والألغام المربوطة ذات التأثير السفلي المدمجة مغناطيسيًا، والألغام الصوتية التي تنفجر بالضغط، والألغام الممغنطة التي تُلصق بالسفن وتُستخدم بواسطة قوات العمليات الخاصة، والألغام المتحركة، والألغام التي يجري التحكم فيها عن بعد.
أما أخطر الألغام في الترسانة الإيرانية فهي ألغام "إي إم 52" صينية الصنع، التي حصلت عليها إيران منتصف تسعينيات القرن الماضي، وتكمن خطورة هذا النوع من الألغام في أنه مخصص لإغراق القطع البحرية الكبيرة كحاملات الطائرات.
وتشير تقديرات استخبارية أميركية إلى أن طهران تحتاج إلى ما يقارب 300 لغم فقط، لإغلاق مضيق هرمز(32).
وذكرت تقارير نُشرت في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، أن إيران تفاوضت مع الصين لشراء لغم صاروخي من طراز "إي إم 52". ويكمن هذا اللغم في القاع حتى يستشعر سفينة مارة فوقه، فيستخدم صاروخًا لضرب الهدف، ويمكن توقيته بحيث لا ينطلق إلا بعد أن يستشعر عددًا معينًا من السفن المارة فوقه، وتدَّعي بعض التقارير أن هذا اللغم يستطيع العمل على عمق 110 أمتار، بينما لا يتجاوز عمق مضيق هرمز 80 مترًا(33).
سادسًا: سلاح الطيران التابع للقوات البحرية
تعتمد قدرات القوات البحرية في أي بلد على سلاح الطيران، ويقول كينيت كارتزمان -الذي عمل كمحلل استخباراتي في شؤون الخليج بوكالة الاستخبارات الأميركية: إن بعض المحللين العسكريين يرون أن حصول إيران على طائرات سوخوي-24، يمثل أكبر مصدر لقلق الولايات المتحدة وحلفائها في الخليج، من منطَلَق أن هذه الطائرات المجهزة لحمل شحنات ثقيلة من الذخيرة، تزود إيران بالقدرة على تسديد ضربات بحرية بعيدة المدى. أما طائرات ميغ-29 فالهدف منها مساعدة إيران في السيطرة على الأجواء فوق أي مسرح للعمليات(34).
يبقى أن نشير إلى أن البحرية الإيرانية التي يزيد العدد الإجمالي للأفراد العاملين فيها -من خلال البحرية النظامية وسلاح البحرية التابع لحرس الثورة الإسلامية- على 38000 ألف عنصر، بدأت منذ عامين، بتسيير دوريات خارج مياه المنطقة وصولاً إلى خليج عدن، قاطعة مسافة تزيد على 12 ألف ميل بحري، للقيام بعمليات لحماية السفن التجارية الإيرانية من عمليات القرصنة التي انتشرت قبالة سواحل الصومال.
وصرح القائد السابق للبحرية الإيرانية محمود موسوي في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2008 بأن البحرية الإيرانية يمكن أن تهاجم عدوًا في منطقة أبعد بكثير من شواطئها وتصل إلى البحر الأحمر.
وقال: "لدينا الآن القدرة على الاستفادة من إمكانياتنا الدفاعية في أعماق البحار والمحيطات والبحر الأحمر، ومواجهة العدو في مضيق باب المندب إذا كان لدى العدو نية شريرة"(35).
الخلاصة
في العقيدة العسكرية، لا يعني امتلاك بلد ما، قواتٍ قتالية مدربة، ومنظومات متكاملة من الأسلحة المتطورة، دليلاً على نيته مهاجمة بلد آخر؛ فالدافع الرئيسي وراء تسلح البلدان، هو الدفاع عن أمنها القومي، الذي يصبح مهدَّدًا من الخارج، بمقدار ضَعف قدراتها العسكرية.
ومن هذا المنطلق تؤكد إيران أن سعيها لتطوير قدراتها العسكرية والقتالية، هو لشعورها بتهديد خارجي، لم يتوقف منذ انتصار ثورتها عام 1979، وكان لحرب الخليج الأولى، التي ذاقت مرارتها، أكبر أثر في ترسيخ هذا الشعور، خاصة بعد أن رأت كيف أن العالم وقف متفرجًا على مسرح الأحداث، بينما كان العراق يقصف قواتها بالأسلحة الكيمياوية، فضلاً عن الدعم بالسلاح والمعلومات الذي حصلت عليه بغداد آنذاك، من كلا المعسكرين: الغربي والشرقي، في وقت كانت طهران تتعرض لعزلة سياسية وحصار اقتصادي شديدين.
وتدفع التهديدات الإسرائيلية المستمرة بضرب البرنامج النووي الإيراني، والتلويح الأميركي بذلك، إلى ترسيخ قناعة لدى القيادة الإيرانية، مفادها أن امتلاكها قوة رادعة، وفعَّالة في الرد على مصادر النيران، هو ما يؤخر اندلاع الحرب، فهي ترى أن رفع جاهزيتها القتالية وامتلاكها وسائل الرد، هو الذي عطَّل الاندفاع الإسرائيلي والأميركي لضرب منشآتها النووية، وبناها التحتية، وليس شيئا آخر.
_______________
كاتب إيراني
الهوامش
1- جريدة الجريدة الكويتية العدد 407 في 11/10/2008.
2- صحيفة الأخبار اللبنانية في 25/11/2008.
3- في لقاء مع برنامج "أسواق الشرق الأوسط CNN" بتاريخ 13/2/2010.
4- تقرير لوكالة الأنباء الكويتية.
5- موقع ألف الإخباري الإيراني.
6- صحيفة الرأي الكويتية العدد 11194.
7- صحيفة الشرق الأوسط في 19/2/2010.
8- وكالة فارس الإيرانية للأنباء.
9- الموقع الإلكتروني لقناة العالم.
10- صحيفة الوفاق الإيرانية العدد 3754.
11- أرشيف الجزيرة نت.
12- تقرير لوكالة فارس الإيرانية للأنباء نُشر في 22/11/ 2009.
13- صحيفة الرأي الكويتية، 9/2/2010.
14- وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية، 16/9/2008.
15- تقرير لسويس إنفو بعنوان: إيران والعرب: بين الواقعية المطلوبة والوُدِّ المفقود نشر بتاريخ 26/1/2007.
16- مجلة هوائي الإيرانية العدد الصادر، 19/2/2007.
17- وكالة مهر الإيرانية للأنباء.
18- نفس المصدر.
19- الموقع الإلكتروني لتلفزيون العالم.
20- انظر كتاب (إيران والخليج.. البحث عن الاستقرار) الفصل العاشر: التهديدات العسكرية والسياسية الإيرانية ص 277 إلى 280.
21- المصدر السابق: الفصل الحادي عشر: قدرات إيران العسكرية هل هي مصدر تهديد؟ بقلم أنتوني كوردزمان، أستاذ دراسات الأمن القومي بجامعة جورج تاون ومساعد السناتور جون ماكين في شؤون الأمن القومي ص 313 إلى322 وص361 إلى 366.
22- المصدر السابق ص367-368.
23- تقرير لوكالة مهر الإيرانية للأنباء، 27/8/2006.
24- إيران والخليج.. البحث عن الاستقرار ص 373.
25- موقع قناة الجزيرة.
26- تقرير لوكالة مهر الإيرانية للأنباء.
27- صحيفة الأخبار اللبنانية، 16/2/2010.
28- إيران والخليج.. البحث عن الاستقرار ص 373.
29- جريدة الأخبار اللبنانية، 16/2/2010.
30- تقرير لوكالة مهر الإيرانية للأنباء، 7/2/2010.
31- دراسة للباحث اللبناني في الشؤون الإستراتيجية كمال مساعد، جريدة الأخبار اللبنانية 8/5/2007.
32- المصدر السابق تقرير بتاريخ 16/2/2010.
33- إيران والخليج.. البحث عن الاستقرار ص 375.
34- المصدر السابق ص 342_348.
35- جريدة الاتحاد الإماراتية نقلاً عن وكالة رويترز بتاريخ 28/11/2008.
المصدر :مركز الجزيرة للدراسات
تعليقات
إرسال تعليق