التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ماذا يخفق الغرب في دعم الديموقراطية في العالم العربي؟



الحياة, عمرو حمزاوي، الخميس 25 آذار/مارس 2010

عمرو حمزاويبعيدا من تراجع حديث الحكومات الغربية عن قضايا الديموقراطية وحقوق الإنسان في العالم العربي بعد رحيل إدارة بوش، باتت برامج ونقاشات المؤسسات غير الحكومية الأميركية والأوروبية المهتمة بهذه القضايا تتسم بقصور وجمود بينين. ومن واقع المتابعة الدورية لبعض البرامج فضلاً عن المشاركة المباشرة خلال الأسابيع القليلة الماضية في سلسلة من الحلقات النقاشية التي نظمتها مؤسسات كالمعهد الجمهوري الدولي (الولايات المتحدة) ومؤسسة أيديا السويدية (IDEA) ومركز الدراسات الأوروبية (بلجيكا)، يبدو لي أن ثمة أربعة مسببات رئيسة للقصور والجمود هذين تستحق التوقف عندها:

1- لدى صياغة إستراتيجيات وبرامج دعم الديموقراطية وحقوق الإنسان في العالم العربي ما زال جل المؤسسات غير الحكومية الغربية أسير الخبرات التي اكتسبها في سياق دعم تحول دول أوروبا الشرقية والوسطى ودول البلقان (الكتلة الاشتراكية السابقة) نحو الديموقراطية. هناك عولت المؤسسات الغربية من جهة على الترويج للديموقراطية الليبرالية بمكوناتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية كنموذج بديل للماركسية - اللينينية، وساندت ومولت من جهة أخرى المفكرين والمثقفين الليبراليين وغربيي الهوى كنخب بديلة للنخب الشيوعية الحاكمة. وعندما شد دعم الغرب للديموقراطية رحاله الى بلاد العرب في أعقاب إرهاب 11 سبتمبر 2001، فإن العديد من المؤسسات غير الحكومية الأميركية والأوروبية سرعان ما نزعت نحو تطبيق ذات الإستراتيجيات والبرامج، متجاهلة حقيقة وهن الأفكار الليبرالية في عالمنا العربي وتهافت الوزن المجتمعي للنخب الليبرالية في مقابل هيمنة الأفكار التقليدية وصعود نجم القوى الدينية المحافظة. والحصيلة هي أن المؤسسات الغربية استثمرت شقاً كبيراً من مواردها المالية وطاقاتها البشرية في دعم نخب ليبرالية عاجزة وضعيفة لم تقو ابداً على الاضطلاع بدور مماثل لليبراليي الكتلة الاشتراكية السابقة، وأضحت قياداتها ورموزها تتنقل بين واشنطن والعواصم الأوروبية بوتيرة أسرع بكثير من وتيرة تحركاتها بين حضر وريف بلدانها.

أما الغريب في الأمر اليوم، وبعد مرور ما يقرب من عقد كامل على بدء اهتمام الغرب الحكومي وغير الحكومي بدعم الديموقراطية عربياً وعلى رغم اتضاح مدى عجز الليبراليين مجتمعياً وسياسياً، فهو تمسك معظم المؤسسات الأميركية والأوروبية بالنهج ذاته ودفاعها عنه بشروح تطغى عليها مساحة المكون الإيديولوجي («أصدقاؤنا الوحيدون») على العقلاني والبراغماتي (الأوزان النسبية للقوى المختلفة وأجنداتها). نعم ما زلت على إيماني بأن الليبرالية هي ملاذنا الوحيد في العالم العربي للخروج من السلطوية الحاكمة ومن سطوة المزج من دون ضوابط بين الديني والسياسي، إلا أن بعض حقائق المجتمع والسياسة المركزية سائرة في درب آخر ومن غير المجدي التعالي عليها.

2- ينزع العديد من المؤسسات غير الحكومية الغربية نحو اختزال اختلاف التواريخ السياسية وحاضر التنوع في العالم العربي والتعامل معه بتعميم كاسح على أنه كتلة متجانسة يصلح لها تطبيق ذات الإستراتيجيات والبرامج. ومع أن المؤسسات الغربية تدعي أنها تنشط لدعم الديموقراطية وفقاً لدراسات الحالة المفصلة لكل بلد عربي ولمقاربات مصممة لتلائم خصوصيات البلد المعني، كما أن بعضها أسس بالفعل وحدات عمل يهتم كل منها ببلد واحد فقط، إلا أن اللافت للنظر هو التشابه الشديد في يافطات ومضامين وأدوات البرامج المطبقة. فتمكين الأحزاب والحركات الليبرالية، ورفع معدلات تمثيل المرأة في المجالس التشريعية والسلطتين القضائية والتنفيذية، والرقابة على الانتخابات، ودعم منظمات حقوق الإنسان، واستقلال القضاء في مواجهة السلطة التنفيذية، كلها تتصدر الواجهة في المغرب والجزائر ومصر والأردن واليمن والكويت، من دون تمايز يرتبط باختلاف التواريخ وتنوع الأطر القانونية والأشكال المؤسسية أو بتفاوت الخصوصيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بينها.

لا جدال عندي في أولوية دعم استقلال القضاء وتمكين المرأة في الحياة السياسية على امتداد العالم العربي، بيد أن المداخل البرامجية وأدوات تنفيذها على أرض الواقع ليس لها إلا أن تتمايز من بلد إلى آخر. كذلك يعاني الكثير من نقاشات خبراء ونشطاء المؤسسات الغربية حول قضايا الديموقراطية في العالم العربي من سطوة مفردات لغوية وصياغات مفاهيمية ذات حمولات إيديولوجية تعصى على التحييد وتنتج روابط سببية سطحية تخل بتعقد الواقع المجتمعي والسياسي. وربما مثل التوظيف الغربي للمفردات والمفاهيم ذات الصلة بمقاربة الحركات الإسلامية وتداعيات دورها على فرص التحول الديموقراطي، كالإسلام السياسي والحركة الإخوانية والجهاد والتيارات الجهادية والسلفية والإسلام الديموقراطي والديموقراطية الإسلامية وغيرها، النموذج الأبرز لهذه الاختلالات في اللحظة الراهنة. وكنت قد أمضيت يومين في بداية الأسبوع الجاري في نقاش مغلق حول الإسلاميين مع ممثلي بعض المؤسسات الغربية. ومع أن مداخلاتي، وكذلك مداخلات أكاديميين آخرين مختصين، ركزت على تحليل الاختلاف بين الحركات الإسلامية ومرتكزاتها الفكرية وأجنداتها السياسية المتنوعة، إلا أن الأغلبية الساحقة من ممثلي المؤسسات الغربية عاد في نهاية النقاش ليكرر ذات التعميمات المخلة التي انطلق منها بداية كعداء الإسلاميين للغرب وللحضارة الغربية وقابليتهم للعنف وضرورة الوقوف في مواجهتهم بمناصرة الأصدقاء الليبراليين. ولم يملك الأكاديميون المشاركون سوى التسليم بإخفاقهم الذريع إزاء سطوة الإيديولوجي وجاذبية التبسيط.

3- في حين تتمتع المؤسسات غير الحكومية الغربية الفاعلة في مجال دعم الديموقراطية، بخاصة تلك التي لم تلتصق بها الشبهات حول تبعيتها لحكومات دولها أو تعاونها مع أجهزة استخبارات، بقبول عام واسع ودرجة صدقية مرتفعة في العديد من أقاليم العالم خارج الغرب، يبدو المشهد العربي شديد التباين. الكثير من نخب الحكم العربية لا يثق بالمؤسسات الغربية خوفاً من تداعيات برامج دعم الديموقراطية (بخاصة بعد الانتفاضات الشعبية الأخيرة في آسيا الوسطى وأوروبا الشرقية)، ولا يسمح لها بالتواجد على الأرض في البلد المعني لفترات طويلة. وبينما تتهم حركات المعارضة الإسلامية قطاعاً واسعاً من هذه المؤسسات بالانحياز الى الليبراليين والعمل على تهميش أجندة الإسلاميين، ترى قوى اليسار التقليدية والجديدة في أدوار المؤسسات الغربية استمرارية مرفوضة للهجمة الأميركية. أما الرأي العام، وبجانب الآثار السلبية لازدواجية معايير الغرب الحكومي وغير الحكومي في التعامل مع نتائج الانتخابات، عندما تضع في الصدارة من لا يريده أو يتحفظ عليه الغرب (تجربة «حماس» 2006)، فيخلط بين دعم الحكومات الغربية لبعض نخب الحكم السلطوية في العالم العربي وبين برامج المؤسسات غير الحكومية ويربط رفض جوهر الأولى بشك في أهداف الثانية. بعبارة بديلة، تنشط المؤسسات الغربية في سياقات مجتمعية تنظر اليها بخليط من الرفض والشك والتحفظ، وهو ما يضع العديد من القيود على الصياغة والإدارة الفعالة للبرامج ويفرض توظيفاً مستمراً لشق من الموارد المالية والبشرية بغرض «كسب القلوب والعقول».

4- تفرض الإدارة الأميركية، وبدرجة أقل الحكومات الأوروبية، مجموعة من القيود القانونية والسياسية على برامج المؤسسات غير الحكومية في مجال دعم الديموقراطية عربياً ترتب في العديد من الأحيان فشلها الذريع. فالمؤسسات الأميركية مطالبة بعدم التعاون مع القوى والحركات والتيارات التي تمارس العنف أو لا تدين كل أشكال العنف بوضوح (بما في ذلك أعمال مقاومة المحتل في الأراضي الفلسطينية) أو تفتقد للحيثية القانونية أو لا تستند إن في تنظيمها الداخلي أو في أجندتها إلى مبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان. المعضلة هنا، ونطاقها يتجاوز بوضوح حالتي «حماس» و»حزب الله» وازدواجية وجودها ككيانات سياسية وحركات مقاومة معسكرة، هي أن حقائق المجتمع والسياسة في العديد من البلدان العربية - بخاصة التشوهات التي أنتجتها السلطوية الحاكمة خلال العقود الماضية – مكنت القوى والحركات التي تخلط في تكوينها بين هويات متنوعة وفي ما خص دورها بين وجهات متعددة، من أن تصبح أكثر فاعلية إذا قورنت بتلك التي تستجيب مشروطية الحكومات الغربية المستمدة من سياقاتها هي المجتمعية والسياسية، واستقرت فيها مبادئ الديموقراطية والمشاركة السلمية في إدارة الشأن العام. أما بين ظهرانينا فما زالت القوى التي تمزج بين السياسي والعسكري، وتلك التي تقف في المساحات الوسيطة إن بين السياسي والديني (الدعوي) أو بين السياسي والاجتماعي (شبكات تقديم الخدمات الاجتماعية)، وكذلك الحركات المنتظمة خارج السياقات الرسمية (بعض الحركات الدينية والحركات الاحتجاجية) هي الأكثر فاعلية والأمضى تأثيراً. الحصيلة إذا هي أن مشروطية الحكومات الغربية هذه، وعلى لا واقعية توقع إسقاطها في القريب العاجل، تحرم عملياً المؤسسات غير الحكومية من التعاون مع القوى الحية في المجتمعات العربية وتعمق من ثم من مأزق إخفاقها في دعم الديموقراطية.
المصدر مركز كارنيجي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بحث عن التنمية المستدامة ( البحث منقول)

مقدمة الفصل: لقد أستحوذ موضوع التنمية المستدامة اهتمام العالم خلال 15 سنة المنصرمة وهذا على صعيد الساحة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية العالمية ،حيث أصبحت الاستدامة التنموية مدرسة فكرية عالمية تنتشر في معظم دول العالمي النامي والصناعي على حد سواء تتبناها هيئات شعبية ورسمية وتطالب بتطبيقها فعقدت من أجلها القمم والمؤتمرات والندوات.ورغم الانتشار السريع لمفهوم التنمية المستدامة منذ بداية ظهورها إلا أن هذا المفهوم مازال غامضا بوصفه مفهوما وفلسفة وعملية ،ومازال هذا المفهوم يفسر بطرق مختلفة من قبل الكثيرين ولذلك فقد تم التطرق في هذا الفصل إلى مبحثين رئيسيين:المبحث الأول: ماهية التنمية المستدامة;المبحث الثاني: محاور أساسية في التنمية المستدامة;المبحث الأول: ماهية التنمية المستدامةبدأ استخدام مصطلح التنمية المستدامة كثيرا في الأدب التنموي المعاصر وتعتبر الاستدامة نمط تنموي يمتاز بالعقلانية والرشد، وتتعامل مع النشاطات الاقتصادية التي ترمي للنمو من جهة ومع إجراءات المحافظة على البيئة والموارد الطبيعية من جهة أخرى، وقد أصبح العالم اليوم على قناعة بأن التنمية المستدامة التي تقضي على قضايا التخ

عوامل قوة الدولة

ان لعوامل القوة المتاحة للدولة دور كبير في تحديد مكانتها على الساحة الدولية لكن قبل التعرض لهذه العوامل يجب علينا ان نعرج على بعض المفاهيم إن القوة ـ كما أوضحت تعريفاتها ـ ليست التأثير ، وإنما القدرة على التأثير . وتستند هذه القدرة على امتلاك الدولة إمكانيات (خصائص ، موارد ، قدرات ، مؤسسات) معينة تشكل مقومات القوة القومية Elements of National Power التى تمكنها من التأثير على سلوكيات الدول الأخرى فى الاتجاهات التى تحقق مصالحها، كالمساحة الجغرافية ، وعدد السكان ، والموارد الطبيعية ، والقدرات الإقتصادية ، والقوة العسكرية ، والبنية التكنولوجية ، والفعاليات الثقافية، والمؤسسات السياسية ، والحالة المعنوية للشعب ، وغيرها . لكن ، على الرغم من أن هذه الإمكانيات المتداخلة تشكل فى مجموعها عوامل القوة الشاملة لأى دولة ، فإن هناك اختلافات أساسية فيما بينها ، ترتبط باعتبارات عملية ، تتصل بالقدرة على استخدامها فى عملية التأثير ، خاصة خلال المواقف التى يتعرض في

المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية

المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية "تمثل مدرسة الواقعية السياسية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية ردة فعل أساسية على تيار المثالية. وهدفت الواقعية إلى دراسة وفهم سلوكيات الدول والعوامل المؤثرة في علاقاتها بعضها مع بعض. . . [لقد] جاءت الواقعية لتدرس وتحلل ما هو قائم في العلاقات الدولية, وتحديداً, سياسة القوة والحرب والنزاعات, ولم تهدف كما فعلت المثالية إلى تقديم . . . [مقترحات] وأفكار حول ما يجب أن تكون عليه العلاقات الدولية". "وقد حاول الواقعيون الحصول على أجوبة لأسئلة مازال يطرحها الأكاديميون والمهتمون بالشؤون الدولية منذ الستينات وحتى يومنا هذا. إذن هدفت الواقعية إلى تقديم نظرية سياسية لتحليل وفهم واستيعاب الظواهر الدولية". يرى مورغنثاو (وهوا من ابرز منظري الواقعية) بان السياسة الدولية تتميز (وتنفرد) "كفرع أكاديمي عن دراسة التاريخ والقانون الدولي والأحداث الجارية والإصلاح السياسي". أهم المسلمات الأساسية في الفكر الواقعي 1. "أن السياسة لا يمكن أن تحددها الأخلاق كما يقول المثاليون بل العكس هو الصحيح. وبالتالي فالمبادىء الأخلاقية لا يمكن تط