نقد أفكار ماركس وانجلز ولينين حول الدولة والطبقة 3/3
راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع
منير شفيق
samer@zeelandnet.nl
الحوار المتمدن - العدد: 1628 - 2006 / 7 / 31
ينبغي ألا يفهم من هذا النقد أن هناك محاولة لتغليب موضوعة على موضوعة في هذا التقلب النظري، وإنما المقصود هنا إظهار هشاشة الفكر الماركسي في معالجته لقوانين الثورة في النظام الرأسمالي المتقدم. وهذه الهشاشة لا تنطبق على ماركس وانجلز ولينين حين وضعوا الثورة العنيفة في جوهر النظرية فحسب، وإنما تنطبق، أيضاً، وبالقدر نفسه على الذين وضعوا أطروحة التحول السلمي نحو الاشتراكية في جوهر نظرية الثورة. فالمشكل هنا أبعد من مثل هذا الجوهر أو ذاك، وإنما المنطلقات النظرية من أساسها يشوبها خلل خطير، أي إبتداءً بتحليل نشوء النظام الرأسمالي وطبيعة تناقضاته، مروراً بفهم طبيعة التناقضات العالمية في ظل السيطرة الرأسمالية العالمية، وإنتهاءً بمختلف موضوعات ((الاشتراكية العلمية)) نفسها. ولهذا كانت الأغصان والثمرات التي تتغذى من تلك الجذور تخرج في حالة هشاشة أي في حالة أخطاء مستمرة في مواجهتها للواقع ولقوانين الحياة والمجتمعات، ولمعالجة مسائل الثورة وغيرها من المسائل.
تهافت فرضية الطبقة العاملة
من الضروري في هذا الصدد البدء بملاحظة خلل النظرية الماركسية في طرحها الأساسي لموضوعة البروليتارية مقابل الرأسمالية، بإعتبار ذلك هو التناقض الأساسي في الثورة العالمية وعلى مستوى المجتمعات الرأسمالية، بينما هو تناقض في مرتبة ثانوية كما أثبتت وقائع التاريخ المعاصر، حيث طغى عليه بإستمرار التناقضات بين الأمم الرأسمالية الغربية، أو بين هذه وشعوب آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. فالذي يجب مناقشته لاحقاً هو خطأ اعتبار الثورة البروليتارية هي الحالة التي ستخرج من رحم النظام الرأسمالي، فقد أثبت الواقع أن البروليتارية كطبقة ليست في هذا الوارد، موضوعياً وذاتياً، و لا توجد حتى الآن، على الأقل، دلائل لقيام دولة بروليتارية بمعنى: دولة تحكمها الطبقة العاملة فعلاً؛ فالنظام الرأسمالي لم يخرج من أحشائه غير ألوان من الدولة الرأسمالية بإعتبارها البديل لهذه الحالة الرأسمالية أو تلك وليست الطبقة البروليتارية هي البديل، فهذه الدولة: إما الفاشية والنازية وإما الدولة البيروقراطية الاحتكارية، وهذه كلها اشكال من اشكال الدولة الرأسمالية. والطبقة العاملة كطبقة هي مغيّبة في تلك الدولة أكثر منها في النظام الرأسمالي نفسه، فالبديل هو فئات من المثقفين وخليط من أذكياء العمال الذين يتحولون الى مثقفين يؤسسون أنفسهم في حزب ماركسي-لينيني، ثم يتمكنون من الاستيلاء على السلطة من خلال ثورة مسلحة أو إنقلاب عسكري أو إجتياح عسكري من الخارج (أو حتى من خلال البرلمان والطريق السلمي)، فيعيدون تأسيس أنفسهم في الدولة ليقيموا نظام الدولة الاشتراكية، أي الدولة البديل للرأسماليين في استغلال المجتمع ونهبه بما فيه الطبقة البروليتارية كطبقة. هذه هي ((المرحلة)) التي خرجت من رحم النظام الرأسمالي، وقد بقى حل التناقضات في النظام الرأسمالي يدور في ملعب الفكر الليبرالي والاشتراكي الديمقراطي والماركسي، والآن العولمي.
لذلك، إن فرضية الطبقة العاملة التي طرحها ماركس وانجلز ولينين مجرد فرضية لا أساس لها من واقع فعلي وسائد،لا في الماضي في زمنهم ولا في الحاضر، ولا بوادر لذلك في المستقبل المنظور؛ لأنهم لم يلحظوا أن هذه الطبقة ولدت في إطار السيطرة الرأسمالية العالمية وشاركت فيها، وهذه مسألة لم تحظ بالدرس الذي تستحقه لا من قبل الماركسيين ولا من قبل غيرهم، أعني أشكال الشراكة والمشاركة، ومنذ البداية، لم تدرس جيداً.
إن فرضية البروليتاريا المضادة للرأسمالية، أو حافرة قبر الرأسمالية، تصلح لتتحرك فئات من المثقفين وبعض العمال الطموحين للاستيلاء على الدولة من خلالها أو بإسمها، ثم تشيد نفسها طبقة حاكمة ومالكة لوسائل الانتاج وقادرة على التمتع بكل ما يتمتع به الرأسماليون، مع قدرة أكبر على قمع التناقضات الداخلية، أو بكلمة أخرى، قمع العمال والفلاحين والمثقفين المعارضين، ناهيك عن البرجوازيين القدامى الذين انتهى أمرهم منذ زمن!! إنها فرضية لم تمش على الأرض؛ فالعمال كطبقة كما هم في الواقع العملي، سواء أكانوا في البدان الرأسمالية أم الاشتراكية، لا علاقة لهم بما خلعت عليهم الماركسية من أوصاف، ولا يمارسون كما إفترضت النظرية، ولا يستمعون الى كل ما نفحته الماركسية من تحريض في آذانهم لكي يصبحوا كما تفترض، أو لكي يقبلوا شعاراتها، فالمحرضون الطليعيون في واد والطبقة في واد آخر، فالماركسية كانت دائماً متغربة عن العمال، فلم يلتقيا أو تخف هذه الغربة إلا في حالات استثانئية كان العمال يتحركون فيها ضمن إطار تحرك الأمة العام، مثل حالات الدفاع عن الوطن أو مواجهة هزيمة عسكرية، ولكن ما أن ينتهي ذلك الظرف حتى تعود لغة الخطاب الماركسية في واد والطبقة العاملة في واد آخر.
وعندما استطاعت بعض الاحزاب (إثنين لا أكثر) في البلدان الرأسمالية أن تكسب جزءاً من تأييد طبقة العمال فكان ذلك نتيجة مرحلة سابقة من نضال وطني عام، كما حدث مع الحزبين الشيوعيين الفرنسي والايطالي أثر المقاومة المسلحة ضد الفاشية والنازية. ولكن، في جميع الأحوال، كان التأييد جزئياً ولم يصل الى النصف أو الثلث. وكان من سمة أغلبية من ينخرط في الأحزاب من أفراد الطبقة العاملة أن يتحولوا الى كوادر سياسية مثقفة تنسلخ في نهاية المطاف عن طبقتها. ولهذا، لا عجب حين تجد أفكار الماركسية رواجاً بين فئات من الموظفين، أو المثقفين المتطلعين الى السلطة، أو الفئات العليا من العمال، أو أنصاف المثقفين والمتعلمين في المدينة والريف، أكثر مما تجده في الطبقة العاملة في وجودها الواقعي.
لقد دأبت تفسيرات كثير من الماركسيين لهذه الظاهرة، ظاهرة العزلة عن الطبقة العاملة، على إعادتها الى امتلاك الرأسمالية لأجهزة الاعلام والدولة ووسائل غسل الدماغ، اي إعادتها الى أسباب عرضية (عرضية بالقياس الى ما اعتبر قانون موضوعي) لا الى جوهر المشكلة الكامن في النظرية نفسها، في الخلل الذي يعتور المقولة من أساسها، حين وضعت الطبقة العاملة كطبقة في موضع قيادة الثورة وفي موضع تحديد سمات المرحلة التالية أو المرحلة ((الأرقى)) أو البديل للنظام الرأسمالي. كما راحت تخلع عليها أوصافاً، وترشحها للعب أدوار أثبتت كل الوقائع أنها غير مؤهلة لها بسبب وضعها الطبقي الواقعي لا المفترض من قبل ماركس.
ثم كان لابد من أن ينتهي أمر تلك التفسيرات التبسيطية والسطحية عندما جاءت وقائع تاريخية ملموسة، ازدادت فيها عزلة الحزب الماركسي عن الطبقة العاملة بعد تسلمه للسلطة وامتلاكه كل تلك الوسائل والاجهزة، التي اعتبرت سبباً في غسل دماغ الطبقة العاملة من قبل الرأسماليين. لقد راحت تلك العزلة تزداد مع مرور الزمن، وراحت تزداد بالنسبة الى الجيل الصاعد من الطبقة العاملة الذي ولد وترعرع في أحضان ما سمي بدولة البروليتاريا. بعبارة أوضح، ثمة فصام واضح بين النظرية وما تقوله عن الطبقة العاملة والثورة البروليتارية والدولة البروليتارية من جهة، والواقع العياني من جهة أخرى، ليس في مكان وظرف محدّدين فحسب، وإنما أيضاً عموماً وكقاعدة عامة.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد أدّت تجربة ((دولة البروليتاريا)) الى تشكل فئات من المثقفين والعسكريين والسياسيين، المنخرطين في أجهزة الحزب أو أجهزة الدولة، يقيمون نظامهم الخاص بهم بعيداً عن الطبقة العاملة وضدها، ولكن تحت مظلة الادعاء، أو بالاستناد الى التعريف النظري بأنهم يحكمون بإسم الطبقة العاملة وبالنيابة عنها، إنها وصاية عن قاصر تستمر أجيالاً وراء أجيال دون أن يبلغ ذلك القاصر رشده.
على أن ثمة عدد آخر من الموضوعات يطرحها لينين في هذه السمة استناداً الى الاقتباس الآنف ذكره عن انجلز، إما تمهيداً لموضوعة الثورة العنيفة، وإما توضيحاً لموضوعة ((اضمحلال)) الدولة. وبعضها يجب التوقف عنده وتذكره لأنه يشكل جذراً في الخلل النظري الماركسي. ينقل لينين عن انجلز قوله: (( تأخذ البروليتاريا سلطة الدولة، وتحول وسائل الانتاج قبل كل شيء الى ملك للدولة، ولكنها بذلك تقضي على نفسها بوصفها بروليتاريا، تقضي على كل الفوارق الطبقية وجميع المتضادات الطبقية، وعلى الدولة في الوقت نفسه بوصفها دولة )).
يلاحظ هنا أن استيلاء البروليتاريا على سلطة الدولة طرح باعتباره عملية مباشرة تقوم بها البروليتاريا، لا من خلال من ينوب عنها. إنها عملية مباشرة بلا وصاية وبلا انتداب ولا نيابة، وهذا ما لا علاقة له بما حدث في الواقع، حيث جرت العملية عبر الحزب الطليعي لا مباشرة. ثم إن عدم رؤية الفارق الأساسي بين الاستيلاء على الدولة من خلال الطبقة مباشرة، أي الطبقة في ذاتها من جهة، والاستيلاء بالفرضية من خلال الإنابة، والتي لم تعطها الطبقة العاملة لأحد أصلاً، إن عدم رؤية ذلك ولّد خللاً خطيراً في التطبيق العملي كما في النظرية نفسها؛ لأن كل ما سيبنيه انجلز ولينين من فرضيات أو نظريات فيما بعد على فرضية (( استيلاء البروليتاريا على سلطة الدولة )) سيصبح باطلاً ما دام هنالك واقع جديد تشكل على غير مثال هذه الفرضية، واقع يتمثل بوجود فئة من المثقفين والموظفين والعسكريين وبعض العمال الحزبيين الذين انسلخوا عن ((الطبقة))، قد استولوا على الدولة وحكموا باسم البروليتاريا وبالنيابة عنها، بينما الطبقة العاملة بقيت في ذاتها خارج الدولة والحزب تقوم بالعمل المأجور، أما القرار في العملية الانتاجية، وفي السياسة، وفي التخطيط، فهو بيد تلك الفئة الممتازة. إن عدم مواجهة هذا الواقع الجديد وما يترتب عليه من تناقضات ومترتبات وحالات، واعتباره حالة أخرى أو اعتباره كما تفترض النظرية: (( البروليتاريا تحكم )) أو (( البروليتاريا هي الدولة والدولة هي البروليتاريا ))، سوف يؤدي الى تغطية كل ما يمكن أن تفعله الفئات الحاكمة الجديدة، والتي أصبحت تملك وسائل الانتاج من خلال امتلاكها لسلطة الدولة التي قررت النظرية، كما طرحها ماركس وانجلز ولينين، أن تملك وسائل الانتاج: (( تأخذ البروليتاريا سلطة الدولة وتحول وسائل الانتاج )).
ثم يتابع انجلز سلسلة نتائج تترتب على هذه الفرضية الخطأ منذ الانطلاق فيقول: (( ولكنها تقضي بذلك على نفسها بوصفها بروليتاريا، وتقضي بذلك على كل الفوارق الطبقية وجميع المتضادات الطبقية، وعلى الدولة في الوقت نفسه بوصفها دولة )). ولماذا لايكون الأمر كذلك ما دام المنتجون هم الدولة والدولة هي مالكة وسائل الانتاج؟ ولكن، ماذا يحدث إن بقي المنتجون في مواقعهم السابقة في العملية الانتاجية وحل مكان موظفي الدولة ومكان الرأسماليين السابقين فئات جديدة، وجاء أفراد من الطبقات الوسطى أو الأدنى على حد التعبير الماركسي، جاء (( البرجوازيون الصغار )) الذين كانوا مبعدين عن فتات موائد الرأسماليين والدولة البائدة، وأصبحوا الآن يملكون الدولة ووسائل الانتاج، ويملكون القرار السياسي بينما تعتصرهم الشهوة الى السلطة ويمتلكهم الجوع الى الجاه والرفاه؟ ماذا يحدث عندما يتحقق ذلك على الأرض بينما الوعي أو النظرية والفرضية في وادٍ آخر، أي الوادي الذي يفترض البروليتاريا في الحكم؟
أما ما هو أنكى فواقع على البروليتاريا نفسها، وذلك حين تصبح البروليتاريا الواقعية في وضع أشد سوءاً مما كانت عليه في الحالة السابقة، والتي كانت معترفاً لها فيها، على الأقل، بوجود واقعي خارج الدولة وملكية وسائل الانتاج، ولها حق الاحتجاج والإضراب والسعي لتحسين أوضاعها المعيشية. أما الآن فهذا الاعتراف قضي عليه ليصبح كل صوت يخرج منها باعتبارها طبقة في ذاتها هو صوت ضد البروليتاريا، أي ضد نفسها، فكيف يمكنها أن تحتج على سلطة الدولة البروليتارية، التي تتحكم بالأجهزة وموازنة الدولة وسائر القرارات، بينما هي نفسها، أي البروليتاريا، هي تلك السلطة وفق التعريف؟!
هذا من الناحية العملية، أما من الناحية النظرية فكان على النظرية أن تنطلق من فرضيتها في رؤية واقع لا علاقة له بنظريتها، مما يعني أن على الواقع الخضوع لها. وإذ تبين خلل ما، فالمشكل في الناس وفي الواقع لا في النظرية، وبهذا تبقى نظرية علمية لا تخضع للواقع، وكيف تخضع له وتنقض نفسها إذا كانت بعيدة عنه بعد الوهم؟!
هذا هو الفصام الذي حملته النظرية الماركسية، منذ اليوم الأول، حين افترضت نمطاً لا علاقة له بواقع الطبقة العاملة ولا بواقع التناقضات لا في النظام الرأسمالي ولا في الدولة المسماة بدولة البروليتاريا، بل كيف يمكن أن يجري تقويم لدولة ستالين ما دامت النظرية تعتبر الدولة هي هيئة أركان الطبقة المالكة (الطبقة الإقتصادية الأقوى والمُسيطِرة) أو هي أداتها أو ممثلها؟ ومن ثم لا يمكن أن تكون دولة ستالين غير دولة البروليتاريا، وإلا ستكون دولة الرأسماليين أو دولة البرجوازية الصغيرة. ولكن هذه الطبقات انتهت أو في طريق الاضمحلال، فالرأسماليون تمت تصفيتهم، وكذلك النبلاء وكبار ملاك الأرض. أما البرجوازية فإصطلاح فضفاض لا يمثل طبقة اقتصادية محددة تملك وسائل الانتاج.
ومن هنا نلحظ أن التعريف الأساسي للدولة لم يسمح برؤية حالات الدول التي تنتصب فوق المجتمع والطبقات الاجتماعية، وتصبح هي ((الطبقة)) السائدة المالكة والحاكمة في آن واحد... ولكن هذه الحالة تحرج النظرية الماركسية حول الدولة إذا عدنا واستعدنا التعريف الماركسي في بداية هذا الفصل.
وهكذا، تكون ظاهرة ستالين لم تفعل غير أنها طبقت عملية إخضاع الواقع للنظرية، حين اعتبر ستالين وحزبه ودولته أنه هو البروليتاريا والبروليتاريا هو، ومن ثم تكون الفوارق الطبقية قد قضي عليها أو هي في طريق الزوال الآن، وما تبقى فبقايا برجوازية أو عملاء برجوازية صغيرة... وينبغي له القضاء على ((جميع المتضادات الطبقية))، أي: سحق كل ما هو خارج الحزب، خارج الدولة، سحقاً.
وهكذا أيضاً، كانت النظرية في أساسها، عند ماركس وانجلز ولينين، هي المسؤولة عن ظاهرة ستالين وغيرها من الظواهر المشابهة، ومن دون أي تبرير لما أرتكب من جرائم وأخطاء.
وإذا كان هنالك من يريد أن ينقد ستالين فيجب أن يبدأ بكتاب ((الدولة والثورة)) وما لعبته موضوعاته من أدوار مباشرة وغير مباشرة أو ما قامت بطمسه واخفائه تحت فرضيات نظرية مستعارة من ماركس وانجلز حالت دون رؤية الواقع الملموس، أي تحديد السمات التي تنطبق على حقيقة البروليتاريا والحزب والدولة وسائر الطبقات والفئات كما هم في الواقع نفسه وكما يمشون على الارض لا كما هم بفرضية: (( الطبقة العاملة هي الطليعة، وهي القائد، وهي التي تحكم مباشرة ))، بينما في الواقع لا هي الطليعة، ولا هي القائد، ولا هي التي تحكم. والحزب هو طليعة البروليتاريا وهيئة أركانها تعريفاً أو وفقاً للنظرية، بينما هو كتلة من فئات من المثقفين والمحترفين السياسيين، كتلة سرعان ما تحولت الى حزباً لذاته لا حزب طبقة أو حزباً للطبقة. و ((الدولة بيد البروليتاريا)) و البروليتاريا لا تملك حق الكلام ولا تملك أن تكون إلا عاملة بالأجرة في تشغيل وسائل الانتاج. ووسائل الانتاج بالفرضية ملك المنتجين أو ملك الدولة التي يسيطر عليها المنتجون مباشرة، نظرياً بالطبع، بينما هي يحكمها الحزب والبيروقراطيون.
# فصل من كتاب " الدولة والثورة "، ردّ على ماركس وانجلز ولينين.
إصدار: المركز الثقافي العربي.
راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع
منير شفيق
samer@zeelandnet.nl
الحوار المتمدن - العدد: 1628 - 2006 / 7 / 31
ينبغي ألا يفهم من هذا النقد أن هناك محاولة لتغليب موضوعة على موضوعة في هذا التقلب النظري، وإنما المقصود هنا إظهار هشاشة الفكر الماركسي في معالجته لقوانين الثورة في النظام الرأسمالي المتقدم. وهذه الهشاشة لا تنطبق على ماركس وانجلز ولينين حين وضعوا الثورة العنيفة في جوهر النظرية فحسب، وإنما تنطبق، أيضاً، وبالقدر نفسه على الذين وضعوا أطروحة التحول السلمي نحو الاشتراكية في جوهر نظرية الثورة. فالمشكل هنا أبعد من مثل هذا الجوهر أو ذاك، وإنما المنطلقات النظرية من أساسها يشوبها خلل خطير، أي إبتداءً بتحليل نشوء النظام الرأسمالي وطبيعة تناقضاته، مروراً بفهم طبيعة التناقضات العالمية في ظل السيطرة الرأسمالية العالمية، وإنتهاءً بمختلف موضوعات ((الاشتراكية العلمية)) نفسها. ولهذا كانت الأغصان والثمرات التي تتغذى من تلك الجذور تخرج في حالة هشاشة أي في حالة أخطاء مستمرة في مواجهتها للواقع ولقوانين الحياة والمجتمعات، ولمعالجة مسائل الثورة وغيرها من المسائل.
تهافت فرضية الطبقة العاملة
من الضروري في هذا الصدد البدء بملاحظة خلل النظرية الماركسية في طرحها الأساسي لموضوعة البروليتارية مقابل الرأسمالية، بإعتبار ذلك هو التناقض الأساسي في الثورة العالمية وعلى مستوى المجتمعات الرأسمالية، بينما هو تناقض في مرتبة ثانوية كما أثبتت وقائع التاريخ المعاصر، حيث طغى عليه بإستمرار التناقضات بين الأمم الرأسمالية الغربية، أو بين هذه وشعوب آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. فالذي يجب مناقشته لاحقاً هو خطأ اعتبار الثورة البروليتارية هي الحالة التي ستخرج من رحم النظام الرأسمالي، فقد أثبت الواقع أن البروليتارية كطبقة ليست في هذا الوارد، موضوعياً وذاتياً، و لا توجد حتى الآن، على الأقل، دلائل لقيام دولة بروليتارية بمعنى: دولة تحكمها الطبقة العاملة فعلاً؛ فالنظام الرأسمالي لم يخرج من أحشائه غير ألوان من الدولة الرأسمالية بإعتبارها البديل لهذه الحالة الرأسمالية أو تلك وليست الطبقة البروليتارية هي البديل، فهذه الدولة: إما الفاشية والنازية وإما الدولة البيروقراطية الاحتكارية، وهذه كلها اشكال من اشكال الدولة الرأسمالية. والطبقة العاملة كطبقة هي مغيّبة في تلك الدولة أكثر منها في النظام الرأسمالي نفسه، فالبديل هو فئات من المثقفين وخليط من أذكياء العمال الذين يتحولون الى مثقفين يؤسسون أنفسهم في حزب ماركسي-لينيني، ثم يتمكنون من الاستيلاء على السلطة من خلال ثورة مسلحة أو إنقلاب عسكري أو إجتياح عسكري من الخارج (أو حتى من خلال البرلمان والطريق السلمي)، فيعيدون تأسيس أنفسهم في الدولة ليقيموا نظام الدولة الاشتراكية، أي الدولة البديل للرأسماليين في استغلال المجتمع ونهبه بما فيه الطبقة البروليتارية كطبقة. هذه هي ((المرحلة)) التي خرجت من رحم النظام الرأسمالي، وقد بقى حل التناقضات في النظام الرأسمالي يدور في ملعب الفكر الليبرالي والاشتراكي الديمقراطي والماركسي، والآن العولمي.
لذلك، إن فرضية الطبقة العاملة التي طرحها ماركس وانجلز ولينين مجرد فرضية لا أساس لها من واقع فعلي وسائد،لا في الماضي في زمنهم ولا في الحاضر، ولا بوادر لذلك في المستقبل المنظور؛ لأنهم لم يلحظوا أن هذه الطبقة ولدت في إطار السيطرة الرأسمالية العالمية وشاركت فيها، وهذه مسألة لم تحظ بالدرس الذي تستحقه لا من قبل الماركسيين ولا من قبل غيرهم، أعني أشكال الشراكة والمشاركة، ومنذ البداية، لم تدرس جيداً.
إن فرضية البروليتاريا المضادة للرأسمالية، أو حافرة قبر الرأسمالية، تصلح لتتحرك فئات من المثقفين وبعض العمال الطموحين للاستيلاء على الدولة من خلالها أو بإسمها، ثم تشيد نفسها طبقة حاكمة ومالكة لوسائل الانتاج وقادرة على التمتع بكل ما يتمتع به الرأسماليون، مع قدرة أكبر على قمع التناقضات الداخلية، أو بكلمة أخرى، قمع العمال والفلاحين والمثقفين المعارضين، ناهيك عن البرجوازيين القدامى الذين انتهى أمرهم منذ زمن!! إنها فرضية لم تمش على الأرض؛ فالعمال كطبقة كما هم في الواقع العملي، سواء أكانوا في البدان الرأسمالية أم الاشتراكية، لا علاقة لهم بما خلعت عليهم الماركسية من أوصاف، ولا يمارسون كما إفترضت النظرية، ولا يستمعون الى كل ما نفحته الماركسية من تحريض في آذانهم لكي يصبحوا كما تفترض، أو لكي يقبلوا شعاراتها، فالمحرضون الطليعيون في واد والطبقة في واد آخر، فالماركسية كانت دائماً متغربة عن العمال، فلم يلتقيا أو تخف هذه الغربة إلا في حالات استثانئية كان العمال يتحركون فيها ضمن إطار تحرك الأمة العام، مثل حالات الدفاع عن الوطن أو مواجهة هزيمة عسكرية، ولكن ما أن ينتهي ذلك الظرف حتى تعود لغة الخطاب الماركسية في واد والطبقة العاملة في واد آخر.
وعندما استطاعت بعض الاحزاب (إثنين لا أكثر) في البلدان الرأسمالية أن تكسب جزءاً من تأييد طبقة العمال فكان ذلك نتيجة مرحلة سابقة من نضال وطني عام، كما حدث مع الحزبين الشيوعيين الفرنسي والايطالي أثر المقاومة المسلحة ضد الفاشية والنازية. ولكن، في جميع الأحوال، كان التأييد جزئياً ولم يصل الى النصف أو الثلث. وكان من سمة أغلبية من ينخرط في الأحزاب من أفراد الطبقة العاملة أن يتحولوا الى كوادر سياسية مثقفة تنسلخ في نهاية المطاف عن طبقتها. ولهذا، لا عجب حين تجد أفكار الماركسية رواجاً بين فئات من الموظفين، أو المثقفين المتطلعين الى السلطة، أو الفئات العليا من العمال، أو أنصاف المثقفين والمتعلمين في المدينة والريف، أكثر مما تجده في الطبقة العاملة في وجودها الواقعي.
لقد دأبت تفسيرات كثير من الماركسيين لهذه الظاهرة، ظاهرة العزلة عن الطبقة العاملة، على إعادتها الى امتلاك الرأسمالية لأجهزة الاعلام والدولة ووسائل غسل الدماغ، اي إعادتها الى أسباب عرضية (عرضية بالقياس الى ما اعتبر قانون موضوعي) لا الى جوهر المشكلة الكامن في النظرية نفسها، في الخلل الذي يعتور المقولة من أساسها، حين وضعت الطبقة العاملة كطبقة في موضع قيادة الثورة وفي موضع تحديد سمات المرحلة التالية أو المرحلة ((الأرقى)) أو البديل للنظام الرأسمالي. كما راحت تخلع عليها أوصافاً، وترشحها للعب أدوار أثبتت كل الوقائع أنها غير مؤهلة لها بسبب وضعها الطبقي الواقعي لا المفترض من قبل ماركس.
ثم كان لابد من أن ينتهي أمر تلك التفسيرات التبسيطية والسطحية عندما جاءت وقائع تاريخية ملموسة، ازدادت فيها عزلة الحزب الماركسي عن الطبقة العاملة بعد تسلمه للسلطة وامتلاكه كل تلك الوسائل والاجهزة، التي اعتبرت سبباً في غسل دماغ الطبقة العاملة من قبل الرأسماليين. لقد راحت تلك العزلة تزداد مع مرور الزمن، وراحت تزداد بالنسبة الى الجيل الصاعد من الطبقة العاملة الذي ولد وترعرع في أحضان ما سمي بدولة البروليتاريا. بعبارة أوضح، ثمة فصام واضح بين النظرية وما تقوله عن الطبقة العاملة والثورة البروليتارية والدولة البروليتارية من جهة، والواقع العياني من جهة أخرى، ليس في مكان وظرف محدّدين فحسب، وإنما أيضاً عموماً وكقاعدة عامة.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد أدّت تجربة ((دولة البروليتاريا)) الى تشكل فئات من المثقفين والعسكريين والسياسيين، المنخرطين في أجهزة الحزب أو أجهزة الدولة، يقيمون نظامهم الخاص بهم بعيداً عن الطبقة العاملة وضدها، ولكن تحت مظلة الادعاء، أو بالاستناد الى التعريف النظري بأنهم يحكمون بإسم الطبقة العاملة وبالنيابة عنها، إنها وصاية عن قاصر تستمر أجيالاً وراء أجيال دون أن يبلغ ذلك القاصر رشده.
على أن ثمة عدد آخر من الموضوعات يطرحها لينين في هذه السمة استناداً الى الاقتباس الآنف ذكره عن انجلز، إما تمهيداً لموضوعة الثورة العنيفة، وإما توضيحاً لموضوعة ((اضمحلال)) الدولة. وبعضها يجب التوقف عنده وتذكره لأنه يشكل جذراً في الخلل النظري الماركسي. ينقل لينين عن انجلز قوله: (( تأخذ البروليتاريا سلطة الدولة، وتحول وسائل الانتاج قبل كل شيء الى ملك للدولة، ولكنها بذلك تقضي على نفسها بوصفها بروليتاريا، تقضي على كل الفوارق الطبقية وجميع المتضادات الطبقية، وعلى الدولة في الوقت نفسه بوصفها دولة )).
يلاحظ هنا أن استيلاء البروليتاريا على سلطة الدولة طرح باعتباره عملية مباشرة تقوم بها البروليتاريا، لا من خلال من ينوب عنها. إنها عملية مباشرة بلا وصاية وبلا انتداب ولا نيابة، وهذا ما لا علاقة له بما حدث في الواقع، حيث جرت العملية عبر الحزب الطليعي لا مباشرة. ثم إن عدم رؤية الفارق الأساسي بين الاستيلاء على الدولة من خلال الطبقة مباشرة، أي الطبقة في ذاتها من جهة، والاستيلاء بالفرضية من خلال الإنابة، والتي لم تعطها الطبقة العاملة لأحد أصلاً، إن عدم رؤية ذلك ولّد خللاً خطيراً في التطبيق العملي كما في النظرية نفسها؛ لأن كل ما سيبنيه انجلز ولينين من فرضيات أو نظريات فيما بعد على فرضية (( استيلاء البروليتاريا على سلطة الدولة )) سيصبح باطلاً ما دام هنالك واقع جديد تشكل على غير مثال هذه الفرضية، واقع يتمثل بوجود فئة من المثقفين والموظفين والعسكريين وبعض العمال الحزبيين الذين انسلخوا عن ((الطبقة))، قد استولوا على الدولة وحكموا باسم البروليتاريا وبالنيابة عنها، بينما الطبقة العاملة بقيت في ذاتها خارج الدولة والحزب تقوم بالعمل المأجور، أما القرار في العملية الانتاجية، وفي السياسة، وفي التخطيط، فهو بيد تلك الفئة الممتازة. إن عدم مواجهة هذا الواقع الجديد وما يترتب عليه من تناقضات ومترتبات وحالات، واعتباره حالة أخرى أو اعتباره كما تفترض النظرية: (( البروليتاريا تحكم )) أو (( البروليتاريا هي الدولة والدولة هي البروليتاريا ))، سوف يؤدي الى تغطية كل ما يمكن أن تفعله الفئات الحاكمة الجديدة، والتي أصبحت تملك وسائل الانتاج من خلال امتلاكها لسلطة الدولة التي قررت النظرية، كما طرحها ماركس وانجلز ولينين، أن تملك وسائل الانتاج: (( تأخذ البروليتاريا سلطة الدولة وتحول وسائل الانتاج )).
ثم يتابع انجلز سلسلة نتائج تترتب على هذه الفرضية الخطأ منذ الانطلاق فيقول: (( ولكنها تقضي بذلك على نفسها بوصفها بروليتاريا، وتقضي بذلك على كل الفوارق الطبقية وجميع المتضادات الطبقية، وعلى الدولة في الوقت نفسه بوصفها دولة )). ولماذا لايكون الأمر كذلك ما دام المنتجون هم الدولة والدولة هي مالكة وسائل الانتاج؟ ولكن، ماذا يحدث إن بقي المنتجون في مواقعهم السابقة في العملية الانتاجية وحل مكان موظفي الدولة ومكان الرأسماليين السابقين فئات جديدة، وجاء أفراد من الطبقات الوسطى أو الأدنى على حد التعبير الماركسي، جاء (( البرجوازيون الصغار )) الذين كانوا مبعدين عن فتات موائد الرأسماليين والدولة البائدة، وأصبحوا الآن يملكون الدولة ووسائل الانتاج، ويملكون القرار السياسي بينما تعتصرهم الشهوة الى السلطة ويمتلكهم الجوع الى الجاه والرفاه؟ ماذا يحدث عندما يتحقق ذلك على الأرض بينما الوعي أو النظرية والفرضية في وادٍ آخر، أي الوادي الذي يفترض البروليتاريا في الحكم؟
أما ما هو أنكى فواقع على البروليتاريا نفسها، وذلك حين تصبح البروليتاريا الواقعية في وضع أشد سوءاً مما كانت عليه في الحالة السابقة، والتي كانت معترفاً لها فيها، على الأقل، بوجود واقعي خارج الدولة وملكية وسائل الانتاج، ولها حق الاحتجاج والإضراب والسعي لتحسين أوضاعها المعيشية. أما الآن فهذا الاعتراف قضي عليه ليصبح كل صوت يخرج منها باعتبارها طبقة في ذاتها هو صوت ضد البروليتاريا، أي ضد نفسها، فكيف يمكنها أن تحتج على سلطة الدولة البروليتارية، التي تتحكم بالأجهزة وموازنة الدولة وسائر القرارات، بينما هي نفسها، أي البروليتاريا، هي تلك السلطة وفق التعريف؟!
هذا من الناحية العملية، أما من الناحية النظرية فكان على النظرية أن تنطلق من فرضيتها في رؤية واقع لا علاقة له بنظريتها، مما يعني أن على الواقع الخضوع لها. وإذ تبين خلل ما، فالمشكل في الناس وفي الواقع لا في النظرية، وبهذا تبقى نظرية علمية لا تخضع للواقع، وكيف تخضع له وتنقض نفسها إذا كانت بعيدة عنه بعد الوهم؟!
هذا هو الفصام الذي حملته النظرية الماركسية، منذ اليوم الأول، حين افترضت نمطاً لا علاقة له بواقع الطبقة العاملة ولا بواقع التناقضات لا في النظام الرأسمالي ولا في الدولة المسماة بدولة البروليتاريا، بل كيف يمكن أن يجري تقويم لدولة ستالين ما دامت النظرية تعتبر الدولة هي هيئة أركان الطبقة المالكة (الطبقة الإقتصادية الأقوى والمُسيطِرة) أو هي أداتها أو ممثلها؟ ومن ثم لا يمكن أن تكون دولة ستالين غير دولة البروليتاريا، وإلا ستكون دولة الرأسماليين أو دولة البرجوازية الصغيرة. ولكن هذه الطبقات انتهت أو في طريق الاضمحلال، فالرأسماليون تمت تصفيتهم، وكذلك النبلاء وكبار ملاك الأرض. أما البرجوازية فإصطلاح فضفاض لا يمثل طبقة اقتصادية محددة تملك وسائل الانتاج.
ومن هنا نلحظ أن التعريف الأساسي للدولة لم يسمح برؤية حالات الدول التي تنتصب فوق المجتمع والطبقات الاجتماعية، وتصبح هي ((الطبقة)) السائدة المالكة والحاكمة في آن واحد... ولكن هذه الحالة تحرج النظرية الماركسية حول الدولة إذا عدنا واستعدنا التعريف الماركسي في بداية هذا الفصل.
وهكذا، تكون ظاهرة ستالين لم تفعل غير أنها طبقت عملية إخضاع الواقع للنظرية، حين اعتبر ستالين وحزبه ودولته أنه هو البروليتاريا والبروليتاريا هو، ومن ثم تكون الفوارق الطبقية قد قضي عليها أو هي في طريق الزوال الآن، وما تبقى فبقايا برجوازية أو عملاء برجوازية صغيرة... وينبغي له القضاء على ((جميع المتضادات الطبقية))، أي: سحق كل ما هو خارج الحزب، خارج الدولة، سحقاً.
وهكذا أيضاً، كانت النظرية في أساسها، عند ماركس وانجلز ولينين، هي المسؤولة عن ظاهرة ستالين وغيرها من الظواهر المشابهة، ومن دون أي تبرير لما أرتكب من جرائم وأخطاء.
وإذا كان هنالك من يريد أن ينقد ستالين فيجب أن يبدأ بكتاب ((الدولة والثورة)) وما لعبته موضوعاته من أدوار مباشرة وغير مباشرة أو ما قامت بطمسه واخفائه تحت فرضيات نظرية مستعارة من ماركس وانجلز حالت دون رؤية الواقع الملموس، أي تحديد السمات التي تنطبق على حقيقة البروليتاريا والحزب والدولة وسائر الطبقات والفئات كما هم في الواقع نفسه وكما يمشون على الارض لا كما هم بفرضية: (( الطبقة العاملة هي الطليعة، وهي القائد، وهي التي تحكم مباشرة ))، بينما في الواقع لا هي الطليعة، ولا هي القائد، ولا هي التي تحكم. والحزب هو طليعة البروليتاريا وهيئة أركانها تعريفاً أو وفقاً للنظرية، بينما هو كتلة من فئات من المثقفين والمحترفين السياسيين، كتلة سرعان ما تحولت الى حزباً لذاته لا حزب طبقة أو حزباً للطبقة. و ((الدولة بيد البروليتاريا)) و البروليتاريا لا تملك حق الكلام ولا تملك أن تكون إلا عاملة بالأجرة في تشغيل وسائل الانتاج. ووسائل الانتاج بالفرضية ملك المنتجين أو ملك الدولة التي يسيطر عليها المنتجون مباشرة، نظرياً بالطبع، بينما هي يحكمها الحزب والبيروقراطيون.
# فصل من كتاب " الدولة والثورة "، ردّ على ماركس وانجلز ولينين.
إصدار: المركز الثقافي العربي.
تعليقات
إرسال تعليق