السيد يسين
حوادث الإرهاب في سيناء وما أدت إليه تثير تساؤلات متعددة عن هوية الفاعلين وعن الأطراف المستهدفة. ويلفت النظر بشدة أن المصادر الإسرائيلية أشارت بعد دقائق من وقوع الحوادث إلى أن القاعدة هي غالباً المسؤولة عن القيام بالحوادث الإرهابية. ونفت نفس المصادر أن تكون هذه الحوادث الإرهابية رد فعل لاستخدام الولايات المتحدة الفيتو للاعتراض على مشروع القرار العربي الذي قدم لمجلس الأمن، لإدانة إسرائيل على ما تقوم به من جرائم ضد الإنسانية في غزة، مقررة بطريقة ماكرة للغاية أن الولايات المتحدة الأميركية استخدمت حق الفيتو ليس لمنع إدانة الدولة الإسرائيلية، ولكن حتى يخرج القرار متوازناً، فيدين الأطراف جميعاً إسرائيلية وفلسطينية! وكأن هذه المصادر الإسرائيلية المتحيزة تريد بكل بساطة التسوية بين الجاني والضحية! وهذه محاولة إسرائيلية مكشوفة، تعبر عن نجاح إسرائيل - للآسف الشديد – في تعميم مقولة الإرهاب على المقاومة الفلسطينية العادلة ضد المحتل الإسرائيلي الغاصب.
ولابد لنا - قبل أن نتطرق لشرح أبعاد المقترحات البديلة للشرق الأوسط الكبير والتي أطلق عليها مشروع الشرق الأوسط الصغير – أن نشير إلى النظرية الأميركية الصهيونية، والتي مفادها أن الإرهاب الذي تقوم به جماعات عربية وإسلامية متشددة يرد إلى نقص الحريات الديموقراطية في البلاد العربية والإسلامية، ولا علاقة له إطلاقاً – كما تزعم الحكومات العربية – بالأحداث الدامية في فلسطين بين الإسرائيليين والشعب الفلسطيني. بعبارة أخري تريد هذه الدوائر الأمريكية والصهيونية والإسرائيلية تبرئة الجرائم الإسرائيلية في حق الشعب الفلسطيني، وأحداث تدمير المنازل، واغتيال القيادات الفلسطينية، وقتل المدنيين رجالاً ونساءً وأطفالاً، من علاقتها بأحداث الإرهاب.
والواقع أن التحليل الدقيق لظاهرة الإرهاب العالمي يؤدي إلى التأكيد أن السبب الأول لذيوع الإرهاب في الوقت الراهن، هو إرهاب الدولة الأميركية بطريقة منهجية في العراق حالياً. وإلا ماذا نسمي الهجوم بالطائرات على المدن والقرى العراقية ومصرع عشرات العراقيين كل يوم؟
لقد أعلنت اللجنة الأميركية التي كلفت بدراسة ملف أسلحة الدمار الشامل التي قيل إن النظام العراقي كان يمتلكها قبل الحرب، أنه ثبت يقينا أنه لم تكن في العراق أي أسلحة للدمار الشامل. إذا كان هذا صحيحاً وهو صحيح بالقطع، فما الذي دفع الولايات المتحدة الأميركية إلي غزو العراق إن لم يكن لتحقيق مصالحها الاستراتيجية في ضمان استمرار تدفق النفط العراقي، بالإضافة إلي تأكيد تواجدها العسكري في هذه المنطقة الحساسة تأكيداً لهيمنتها الإمبراطورية؟ وهل صحيح أن الولايات المتحدة الأميركية باقية في العراق لضمان تطبيق الديموقراطية بعد أن قضت على النظام الديكتاتوري؟
وهل يمكن نشر الديموقراطية بشن الغارات المكثفة على المدن والقرى العراقية؟
وإذا كان هذا هو هدفها الحقيقي فلماذا – كما تساءلت كاتبة أميركية مؤخراً – تبني الولايات المتحدة الأميركية إحدى عشر قواعد عسكرية في العراق لتبقى فيه إلي الأبد؟
وأياً ما كان الأمر فإن ما يجمع بين مشروعي الشرق الأوسط الكبير ومشروع الشرق الأوسط الصغير، هو الحرص الشديد على التأكيد بأن الإصلاح الديموقراطي يمكن أن يبدأ في العالم العربي، بغض النظر عن الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني (لأن إسرائيل في عرفهم هي الدولة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط) وعلى الرغم من بقاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني مشتعلاً.
ما الذي يمكن أن يحدث لو تعذر تنفيذ مشروع الشرق الكبير لسبب أو لآخر؟
تحوطت الدوائر الأميركية الاستعمارية لهذا الموقف المحتمل، وشرعت تفكر في صياغة مشروع آخر أقل طموحاً وأكثر قابلية للتنفيذ من مشروع الشرق الأوسط الكبير. وقد كشفت عن تفاصيل هذا المشروع حنان البدري في مقالة هامة لها نشرت في "ملف الأهرام الاستراتيجى" عنوان المقالة هو "أفكار ما بعد الشرق الأوسط الكبير".
وتقرر الكاتبة فيه "أنه بدأت محاولات موازية للحديث عن الشرق الأوسط الصغير الذي لا يزال مجرد سيناريو فكري جانبي، لم يتحول إلي سياسة بعد" وتعتمد تلك الأفكار على منظومة قديمة هي "مشروع هلسنكى"، والهدف هو التركيز على مجموعة صغيرة تمثل الدول الأسهل من حيث التزامها بتنفيذ الإصلاحات الديمقراطية، ووجود علاقات فعلية فيما بينها، وأيضاً علاقات قوية مع واشنطن، مما يشكل ضمانة قوية للتنفيذ وعدم التراجع عما يتم من إصلاحات. وتشير الكاتبة إلى أن هذه الأفكار طرحت بشكل متكامل في جلسات الاستماع التي دعت إليها "اللجنة الأمريكية لشؤون الأمن والتعاون في أوروبا" والمعروفة بلجنة هلسنكى"، وذلك تحت عنوان "الشرق الأوسط: هل يمكن إعادة تطبيق عملية هلسنكي في تلك المنطقة؟".
وتتكون هذه اللجنة أساساً من أعضاء الكونجرس بحزبيه الديموقراطي والجمهوري، ومن أبرزهم رئيس اللجنة النائب سميث كريستوفر، والنائب فرانك دولذ، وأعضاء آخرون يتجاوز عددهم 19 عضواً، منهم بوب جراهام المرشح الديموقراطي الأسبق لسباق الانتخابات الرئاسية، والسيناتور هيلاي كلينتون، وسام براويناك وغيرهم. وفي الجلسة الأخيرة للجنة تحدث فيها شهود أهمهم ناثان شارانسكي وزير شؤون الهجرة في إسرائيل، والذي ارتبط أسمه بمشروع الشرق الأوسط الكبير.
والسؤال هنا: ما هي الأفكار التي طرحت في هذه الجلسة الهامة؟
أبرز ما طرح هو إمكانية البدء في تفعيل مشروع الشرق الأوسط الكبير مع عدد محدود من الدول العربية، ذات الارتباطات بمصالح وبرامج مساعدات وتعاون أمني مع الولايات المتحدة. واقترح أن تضم هذه الدول إلي عضوية لجنة هلسنكي بدلاً من دورها كمراقب حتى الآن. وهذه الدول هي مصر والجزائر والمغرب والأردن وتونس وإسرائيل. والفكرة الجوهرية هنا هي ربط المصالح الاقتصادية والعسكرية والثقافية في تلك الدول ببعضها البعض. وقامت اللجنة بتصنيف الدول المذكورة من وجهة النظر الديموقراطية كما يلي:إسرائيل هي الدولة الوحيدة الحرة في الشرق الأوسط. الأردن والمغرب دول نصف حرة. مصر والجزائر وتونس دول غير حرة.
ويلفت النظر أن هذه التصنيف سبق أن تبنته مؤسسة "بيت الحرية" التي يرأسها السفير مارك بالمر، وهي المؤسسة التي سبق – للأسف الشديد – أن تبنى تصنيفاتها المشبوهة تقرير "التنمية الإنسانية" الذي يصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وأثار ضجة شديدة. وقد خلصت اللجنة في مشروعها "الشرق الأوسط الصغير على عدد من آليات التنفيذ كما يلى:
1-الضغط على الأنظمة المذكورة سابقاً، بإفهام زعمائها أنها إذا استمرت في ممارسة الديكتاتورية، فإنهم سينقدون كل المنافع التي يقدمها لهم "العالم الحر" بدءاً من الاعتراف بشرعيتها (!) ومروراً بما يسمى الحماية الأمنية والعسكرية خاصة في منطقة الخليج العربي، وصولاً إلى مزايا اتفاقية التجارة الحرة والمساعدات الاقتصادية والعسكرية.
2-ضرورة الأخذ "بإعلان الإسكندرية" الذي صدر في نهاية مؤتمر الإصلاح العربي الذي نظمته مكتبة الإسكندرية، كمقياس يقاس على أساسه التزام حكومات المنطقة بالإصلاحات. وضرورة مساعدة المعارضين ومن يطلق عليهم دعاة الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني.
وبالإضافة إلى ذلك تم التأكيد على أن التهديد الذي يمثله التطرف الإسلامي بحكومات الشرق الأوسط كان عاملاً من العوامل الأساسية في قلق وخوف هذه الحكومات وتعاملها الحذر مع قضايا الإصلاح.
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلي أنه تم تكريس إخراج قضية الشرق الأوسط والصراع الفلسطيني الإسرائيلي تحديداً من حزمة المطالبة بالإصلاح على أساس أنه مجرد عذر ومبرر مناسب جداً تستخدمه، قيادات العالم العربي للتلكؤ في إجراء إصلاحات ديموقراطية، لضمان استمرارهم في الحكم. وإذا كانت المطالبة بالإصلاحات الديموقراطية بدأها المثقفون العرب وعديد من الأحزاب السياسية العربية عقب هزيمة يونيو 1967 ووصلت إلي ذروتها في الندوة التي عقدها في قبرص مركز دراسات الوحدة العربية عام 1983، فإن المطالبة الأمريكية بالإصلاح الديموقراطي يعيبها أن فاقد الشيء لا يعطيه!
العدد 10693 بتاريخ 10/14/04
تعليقات
إرسال تعليق