بقلم: عبد القادر سعيد عبيكشي
نعترف جميعا أن الكثير من البرامج التدريسية في المنظومة الجامعية في الجزائر وبكل تخصصاتها ينقصها الكثير من التنقيح والتعديل والتصحيح، حتى تستطيع أن تواكب حركة المجتمع وأن تعطي له خريجين يمكنهم الإسهام في عملية التنمية الشاملة للوطن، وبذلك فمناقشة كل التخصصات ومدى ارتباطها بمتطلبات الواقع، يدفع الباحث أو المتحاور فيه إلى التطرق إلى مواضيع تكثر فيها الآراء و التوجهات، و إبراز أسبقية هذا التخصص على ذاك في عملية التحيين (L’actualisation) للبرامج وفق ما يحتاجه الفرد والوطن، ويدخل النقاش في مساحات قد لا تخدم الهدف الأساسي، فقد نجد بعض الباحثين يشدد على ربط الفروع العلمية التجريبية بحركية العلم الحاصلة و لزوم مواكبة هذه المقررات لكل ما يندرج في نطاقها العلمي و المعرفي، ومن ناحية أخرى نجد من يؤكد على أن مقررات العلوم الإنسانية والاجتماعية هي الأسبق و الأولى بهذه العملية، كون التغير الاجتماعي الحاصل يتطلب من الباحثين والأساتذة والطلبة فَهمَ هذا الأخير ومحاولة تفسير علاقاته وارتباطاته ومعرفة مآلات هذا التغير وأثره على الفرد والمجتمع، وفي حقيقة الأمر أن كلا التخصصين مهم في أن يواكبا تطلعات المواطن وأن يسهموا كل في موقعه في عملية البناء و التنمية في الوطن.
وتعد العلوم السياسية كتخصص في العلوم الاجتماعية في الجزائر من أكثر الفروع العلمية التي تتطلب تحيينا دائما لبرامجها، ليس لأن الحراك السياسي في الجزائر هو الذي يدفع لذلك، وليس لأن البرلمان بغرفتيه يصنع التغيير في الدولة وليس لأن الأداء الحزبي و النقابي في الجزائر له صولات وجولات تعطي كثيرا من الظواهر السياسية التي يتوجب على أستاذ وطالب العلوم السياسية الإلمام بها، بغية إدراك حالة منفردة في العمل السياسي أو الأداء الحكومي الراشد، بل إن الذي يدفع لهذا التحيين هو حالة “التكديس البشري” و الذي يُقصد به كثرة خريجي هذه الأقسام من دون أن يجدوا أو حتى يُوجدوا واقعا مستقرا لهم في دولة كالجزائر، أو أن يكون لهم دور فاعل في عملية بناء وتنمية الوطن، وفي هذه النقطة أعلم أن كل التخصصات الجامعية تتساوى فيها بلا استثناء، إلا أن آلاف الخريجين بشهادات أو إجازات في العلوم السياسية تختلف حالتهم عن الكثير من الطلبة في غيرهم من التخصصات، وأقصد بالحالة المختلفة هو أنهم في التحاقهم ودراستهم لهذا التخصص ركبوا أحلام العمل الدبلوماسي والإطار الوزاري و النضال السياسي و ممارسة التحليل السياسي و كآخر حلم لهم قيادة إدارية في قطاعات محلية (بلدية أو ولائية)، وهذا ما وجد لدى الكثير منهم إحباطا بل ونقما على التخصص وأهله ومدرسيه ومنظريه، وهو ما أعطى للكثير فكرة التخلي عن دبلوم لا يساوي أي شيء بمقابل تخصص كالصيدلة أو الهندسة أو القضاء…الخ.
من هذه التصورات ومن هذه المعطيات أردت أن أناقش نقطة ملحة في هذه الآونة، فبالرغم من أن الواقع هو كما ذكر آنفا، وقد يكون أكثر سوادا، إلا أن الذي يبقى يحز في نفسي دائما ومنذ مقاعد الدراسة الجامعية، هي أن هذا التخصص رغم ما فيه من حيوية وأهمية وأسبقية على غيره من التخصصات لم يعرف أي تطوير ولا تحديث ولا تجديد، فالكثير من المواضيع التي درسها الجيل الثاني منذ تأسيس المعهد لازلنا نَدرسها ونُدرِّسها الآن، ولا أقول هذا من باب تتفيه ما استوعبناه وأخذناه على أيدي أساتذة فيهم من قضى نحبهم وفيهم من يزال يقدم بكل ما حل به من تعب أو كبر سن، بل من باب أن الحركية التي تعيشها العلوم السياسية في دول الشمال هي في تصاعد مستمر، وهو ما أوجد لدى كثير من طلبتنا تذمرا و قلة مصداقية وثقة فيما يأخذون من مواد ودروس، وهو ما يتطلب شحذ الجهود لتطوير هذه المقررات والمناهج وتقديمها في صورة أكثر حركية و تأقلم مع تغيرات اجتماعية وثقافية حاصلة في المجتمع.
واقع تخصص العلوم السياسية في أقسامنا الجامعية
من هنا أدخل للمقاربة التي توضح مسألة أن هذا التحديث و التجديد والإصلاح لمنظومة الدراسة في العلوم السياسية، أصبحت مسألة لها أبعاد اجتماعية واقتصادية حقيقة، ولكن لا يجب بأي حال من الأحوال أن يتم إهمال المعالجة العاجلة لحالة الانفصال والانفصام التي تعيشها هذه المقررات والمناهج في البيئة الثقافية في الجزائر الدولة العربية الإسلامية، ونقصد بهذا الانفصال أن جل المقررات التي تدرس للطلبة في أقسام العلوم السياسية إنما برمجت وأعدت (في أغلبها ولا نقول كلها) على أساس هيمنة الخطاب الغربي وبلغة دقيقة تم بناؤها على أساس نموذج المعرفي غربي، تبناه واضع المقررات وأحكم الرؤية الغربية على كل المواد بحيث يصعب أن تجد حالة غير منسجمة في المنظومة التعليمية في العلوم السياسية تخرج عن هيمنة هذا النموذج، فدراسة تاريخ الفكر السياسي من منطلقات غربية وتحميل الخبرة الإسلامية بذلك التطور لمدارس الغرب الفكرية، يعد من أكثر حالات التجني التي أنتجها هذا النموذج، كمثال آخر فإن تدريس نظرية العلاقات الدولية المبنية على نظريات سياسية تأخذ بالمدارس الغربية على كثرتها كمرجعيات نهائية لا يجب تجاوزها أو الخروج عنها، ومن دون الدخول في مسألة تَكون هذا النموذج الغربي وآليات هيمنته، إلا أن الجدير بالتأكيد أن الواقع الذي يتم فيه تلقين الطلبة بهذه المعارف السياسية ليس متروكا من دون وجود فئة أو توجه داخل أقسام العلوم السياسية يحاول ويسعى إلى أن يُطعّم هذه المنظومة ببعض المقاييس و الأفكار و المناهج التي يمكنها أن تخفف هذا الاستلاب الحضاري في بعض مواقعه المعرفية.
وقد أوجد هذا التوجه لدى طلبة العلوم السياسية يقينا تاما على أن الغرب هو مبتدأ السياسة وخبرها، وأن كل ما يمكن أن يُقعّد لها أو يُنظر لها لا بد له من إلمام تام بنظريات سياسية (غربية-مسيحية)، وأن أي معارف سياسية يمكن تبنيها أو الاستعانة بها وجب أن تكون غربية المنشأ والمصدر، ولا وجود أساسا لأي مدرسة فكرية أخرى في علم السياسة إلا ما اتصل بالمدرسة الغربية والتي على أساسها يصنف حتى مفكروها العرب، فالرؤية العربية الإسلامية لا قواعد لها ولا موقع لها في علم السياسة و الرؤية الفارسية الإسلامية لا موقع لها أيضا في نظريات السياسة ومناهجها، وهو ما أوجد طالبا وحتى أستاذا غير مدرك لطبيعة مخلفات الرؤية التي تقود التخصص ككل وهي أن المرجعية الغربية لا تخرج منها ولا عنها كل المقررات و المناهج، و أن أي تفكير خارج نطاق هذه الرؤية هو من باب الترف الفكري.
و بالعودة إلى العرض الأول فإنه بتبني هذه الرؤية أوجدنا مقاييس لا تخدم مجتمعنا بقدر ما هي معبرة عن الرؤية الغربية ودالة على تقيد تام بالنسق المعرفي الغربي في العلوم السياسية، فنعطي مثالا هنا يبرز أن سيطرة هذه الرؤية أوجد انفصالا بين التعليم الجامعي وحراك المجتمع وبالتالي صعوبة إيجاد الطالب المساهم في خدمة تنمية الوطن وبنائه، فتدريس مقياس الإدارة العامة المقارنة (وهو مقياس يهدف إلى إعطاء الطالب أدوات المقارنة في مجال الإدارة العامة ومعرفة خصوصيات إدارات البلدان وفق النموذج البيروقراطي أو غيره)، فلو أخذنا تطور هذا العلم فإن أصل نشأته وبدايات التنظير له كانت في أمريكا، ويتم الآن تدريسه في أقسام العلوم السياسية بل ويعد من المقاييس الهامة والتي لها معاملات عالية، في حين أن إمكانية التخلي عنه و التركيز على مدراس وأفكار إدارية أخرى ذات صلة بالمنظومة القيمية والثقافية للمجتمع و الحضارة، هذا دون أن نناقش مسألة الدراسات المقارنة التي ليست نتاجا فكريا غربيا بحت بداية، إضافة إلى أن الإدارة المقارنة رغم أنها تعد دراسة نظرية وفقط إلا أن ما يكتسبه الطالب من رؤى غربية في معارف سياسية وإدارية يوجد لديه انفصالا عن بيئته وانتمائه، وأؤكد على المقياس على سبيل المثال، إلا أن الواقع الذي نعيشه يجبر علينا تدريس هذا المقياس مهما كانت الخلفية النظرية والفكرية، وتبرير ذلك أن المنظومة كلها السياسية والاجتماعية والفكرية للمجتمع الجزائري مستلبة فلا يمكن أن يقع التغيير و التجديد في مقاييس أكاديمية ليتغير كل المجتمع، وهذا ما يؤشر على “الاستقالة النخبوية” من حركية التغيير التي يمكن لها أن تبدأ في قطاعات وميادين ربما لا نرى أثرها على المستقبل المنظور ولكنها تفتح أبوابا وفضاءات للقادمين للانطلاق منها من دون البدء من نقطة الابتداء وهذا الذي يتوجب على الفئة الأكاديمية أن تفكر في مثل هذه المواضيع و الأطروحات.
وحتى يتوضح الأصل في الحكم على التغريب الحاصل أو هيمنة الرؤية الغربية في العلوم السياسية نعود في ذلك إلى منطلقين هامين وهما:
1. المقررات التي تحددها الجهات الوصاية: فأقسام العلوم السياسية مطالبة بالتقيد ببرامج تقدمها اللجنة الوطنية للعلوم السياسية، وهذه المقررات وإن كانت لا تُحترم بصورة كلية في أغلب الأقسام، إلا أنها تبقى مرتبطة بهذه الرؤية، ورغم انتقال أغلب الأقسام إلى النظام الجديد في التعليم (LMD) ، إلا أن الرؤية لا يمكنها أن تتغير بإحلال نظام غربي بدلا عن النظام غربي أسبق منه.
2. مواضيع البحث العلمي التي تناقش في أقسام العلوم السياسية: وأقصد بهذا المنطلق أن أغلب الرسائل والمذكرات التي تناقش أقسام العلوم السياسية تتبنى الرؤية التغريبية الغربية بل وقد تنظر للأمة انطلاقا من رؤى تنطلق من نموذج معرفي غربي، إلا أن هذا لا يعني غياب مواضيع بحثية تنطلق من رؤية مغايرة لهذا التوجه العام في العلوم السياسية، ويعتبر في جامعات الجزائر وفي أقسام العلوم كلها الراحل الفقيد الأستاذ الدكتور منصور بن لرنب (رحمه الله) الباعث لهذا التوجه المنفرد، والذي كان يذكر به كل طلبته في مرحلة إشرافه على رسائلهم، بل وإنه قد رسخ فينا بعض الرؤى المنهجية في التعامل مع القضايا والظواهر السياسية، وأذكر هنا ما كان يسعى لبنائه والتأسيس له وهو ما يعرفه “المنهج عبر- الحضاري” الذي كان يقول أنه المنهج الوحيد الكفيل بفهم الظواهر من منطلقات حضارية، ومن دونه لا يمكن أن تفهم الظواهر ولا يمكن استيعاب المفردات الأساسية لتخصص العلوم السياسية، دون أن ننسى بعض الأساتذة الأفاضل، الذين حملوا فكرة نظرية القيم وأثرها في الظواهر السياسية والنظريات السياسية و حتى في المناهج المستخدمة.
أساس المقاربة المنهجية في بناء المقررات
وعليه فإن أساس المقاربة التي تعالج مثل هذا التوجه المشوه في بناء المقررات و المناهج في العلوم السياسية مفادها أن العلوم السياسية لابد لها وأن تؤسس على المستوى القطري (الجزائري) أو على المستوى الإقليمي (العربي الإسلامي) وفق “إحلال الخصوصية الحضارية كرؤية تـحدد بناء مقررات ومناهج العلوم السياسية في جامعاتنا”، والمقصود بهذه المقاربة أن يتم إدراج البعد الحضاري الذي يستوعب الأنموذج الإسلامي و الرؤية الحضارية له، من خلال أن هذا الأخير هو المعبر على المرتكز العقدي الإسلامي و التجربة والخبرة الإسلامية في مناحي الحياة المعرفية أو الاجتماعية أو السياسية.
وعليه فإن عملية بناء المقررات والمناهج التي تقدم للطلبة ويشرف الأساتذة على تدريسها، يجب أن تكون مُؤسَسَة على دعائم المنظور الحضاري الإسلامي الذي يحوي كل المكون الحضاري و الثقافي والاجتماعي لمجتمعنا الجزائري العربي الإسلامي، و بناء المقاييس أو المقررات على هذا الأساس ليست بالأمر اليسير الذي يمكن اتخاذ الأمر بموجبه في سنة جامعية أو في قسم دراسي منفرد، و ليس أيضا بالأمر الصعب الذي يستدعي التأجيل أو التخوف من “مغامرة”، فما تتطلبه عملية إحلال هذه الرؤية في المقررات و المقاييس لا هو بالسهل و لا بالصعب ولكنها ترتكز أساسا على مدى الإيمان والاستيعاب لهذه الرؤية، التي يمكن إيـجاز دعائم بنيانها من خلال العناصر التالية:
1/ إحلال الاتجاه الإيماني التوحيدي التكاملي:
والذي عرفه الأستاذ الطيب برغوث بقوله: (الاتجاه الذي يتجاوز نطاق المادة المحسوس، إلى المعنى الروحي الكامن فيها، وإلى الانفتاح على كل أبعاد ومراحل ودلالات الدورة الوجودية للإنسان، فيعيش في تواصل حميم مع كل مفردات الكون ذات العلاقة التسخيرية به)(1)، وبتفسير لهذا القول يمكن الوقوف على بعض الجوانب التي يستلزم الانتماء الإسلامي الحضاري على تبنيها في البناء المنهجي و الأكاديمي للمقررات و المقاييس، والتي تبدأ بالتركيز على رؤية غيبية بداية وروحية ثانية في فهم الظواهر وتحليلها، وفي إقامة المشاريع وصياغتها، وربطها بالمكون التوحيدي للعقيدة الإسلامية، مع إبراز حدود العقل الممكنة في هذا التحليل و الفهم والتفسير.وهذا ما يستلزم على معد مناهج العلوم السياسية أن يستند عليه في وضعه أو صياغته للمقررات والمناهج، أي أن الظاهرة السياسية مهما كانت أبعادها الظاهرة مادية، إلا أن الأثر الغيبي (ليس الخرافي بطبيعة الحال) الإيماني يقف وراءها بكل يقين عقدي وإيماني مسير للكون يضبط حركته وفق سنن ضابطة ونواميس ناظمة، وأن التغير الحاصل في ظاهرة ما أو الانشطار الحاصل في انتظام بشري سياسي ما إنما يعود في أصله إلى ترتيب إلهي غيبي لحركة الأشياء و الظواهر، وفي هذا ليس استقالة ولا تبرير لما لا يبرر وإنما الرؤية الغيبية هنا تظهر بأن السنن موجودة ومبثوثة، والذي يجب أن يكون هو إدراكها و فهمها و تفسير الحالات وفقها، أم البعد الروحي فهو المغزى العام من إيجاد تربية روحية وسلوكية تربي الإنسان وتعطيه قواعد قيمية وأخلاقية تمكنه من توحيد المعيار وتوحيد سلم القيم الذي عليه تبُنى الأحكام والآراء، وبما أن العلوم السياسية تؤسس للأحكام وتتأسس بالأحكام فإن إبراز المركب الروحي (ولا يقتصر هنا المفهوم على التزكية والتصفية و التربية فقط) في حالات القياس والبناء و الحكم على الظواهر يكون هاما جدا، فدراسة ظاهرة العنف السياسي أو البطالة أو التغير السياسي أو حركات التحرر، كلها قضايا تتطلب من الأستاذ والطالب وفق منهاج دراسي ضابط لكل هذه الأخيرة برؤية تؤسس للحلقات السننية في الكون وتؤكد على البعد الروحي الوجداني فيها.
كما أن هذه الاتجاه يركز على مبدأ التكامل مع كل الحركيات والفواعل والمتغيرات الإنسانية التي تسعى لفهم الكون أو فهم آليات تسخيره لخدمة الرؤية العقدية الإيمانية للفرد المسلم، وعليه فإن إدراك التكامل كخاصية مهمة في الحياة الاجتماعية والسياسية للفرد، وهي التي تعطي أيضا رؤية شاملة للظاهرة من غير أن يكون فيها إنقاص أو تأجيل لمكون على حساب آخر من دون حجة واضحة أو أسبقية ذات صلة بحركة التواصل والتكامل التي تعيشها مفردات الكون، فسقوط الدول وقيام أخرى كظاهرة سياسية تتطلب إلماما بحالات التكامل أو التنافر التي حصلت في حياتها، وهل مكونات الدولة من سلطة وشعب وإقليم و ديانة و موقع وإيديولوجية كان بالفعل يؤدي إلى دولة بهذا الحجم وأن التكامل كان هو الصفة الرابطة بين هذه الأجزاء، أو أن عدم إدراك لحالة التنافر بينها أوجد الانهيار والانقسام أو الشيخوخة لهذه الدولة.
2/ إحلال مبدأ شمولية الرؤية الحضارية:
إن تحرير العقل المسلم من الانبهار والضياع في خضم عباب الفكر الغربي يتطلب التعامل الواعي المستقل والاستفادة من تجارب الأمم الأخرى دون انتهاك الأسس التي يقوم عليها الفكر الإسلامي، وذلك بالمفهوم الشمولي الصحيح للحضارات المعاصرة، والانتقاء الفكري الواعي النافع. وهكذا يتم الاتصال الحضاري بين الأمم على مر التاريخ.(2)
وهذا ما يمكن أن نؤسس به لفكرة هامة جدا وهي أن الحضارة الإسلامية لها تجربة وخبرة سياسية تمكنها من إعطاء تصورات و تحليلات، بالإضافة إلى مشاريع وأنماط تنظيمية تعتبر كبدائل تطرح أمام دارس العلوم السياسية للأخذ بها والاعتماد عليها إما في الدراسة أو في الواقع العملي، وبالتالي التخلي عن رؤية المركزية الغربية في علم السياسية عموما وفي مقررات العلوم السياسية خصوصا، فدراسة نظرية العلاقات الدولية واقتصارها على المواضيع التي تؤكدها المدارس الغربية، مع إهمال كامل للرؤية الإسلامية الحضارية ولو جزئيا (وهذا رصد واقع وليس تمني لأن ما نرجوه أعلى من هذا السقف)، إضافة إلى أن تدريس مقياس مثل إدارة الموارد البشرية الذي يعني بتسيير الإنسان وترتيب حالات عمله وراحته وغيرها، يتم الأخذ بالمدارس والنظريات الناشئة لديهم و التي تتعامل مع إنسانهم وعاملهم و تتماشى مع متطلباته وحاجاته، في حين أن الفرد العامل لدينا له حاجات تختلف في كثير من جزئياتها مع غيره من الأجناس و الناس، فكيف لا نأخذ برؤية الإسلام الحضارية في هذا الباب ونورد مسألة العقاب و الثواب، والإتقان وغيرها من قواعد وقيم في مواد تسيير الأفراد و العاملين.
3/ إحلال إضافات التراث الإسلامي في الفكر السياسي ونظرياته:
وهنا تأتي مسألة أسبق لهذا الإحلال وهي توخي القراءة السليمة لهذا التراث السياسي حتى يتم الاستيعاب بصورة صحيحة لمدارسه وأفكاره، والسلامة هنا يقصد بها إتباع منهجية معرفية إسلامية ونظام معرفي مع الاحتكام إلى مصدري الهدى والنور الكتاب والسنة، في الحكم على قضايا التراث و ملاحظة منهجية التعامل مع ظواهر الإنسان و الكون و ما طبيعة الاستفادة المعاصرة منه.(3)
بعد القيام بهذه الخطوة تأتي مسألة الاستفادة منه بصورة تخدم المقرر أو المِنهاج، وذلك من خلال إعادة اكتشاف من خلال تحقيق التواصل بيه و بين المعطى الحاضر والتغير الحاصل و الحراك المستمر للإنسان والكون، ومن خلال التراكم فالتراث هو فكر إنساني نسبي، وهو ما يجعلنا نقبله ونضيف له في إطار تراكم معرفي يزيد من الاستفادة و الفهم و قدرة أكثر على التحليل، ففي العلوم السياسية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نلغي مداس هامة ومفكرين كبار نظّروا للسياسة وللعمل الإداري و الدبلوماسي وللاجتماع السياسي، وأن أي تجاوز لهم هو حالة غير سوية في فهم عملية التراكم المعرفي الإنساني التي تتلاقح فيها الأفكار و الرؤى، وأن هذا الرفض ينتج حالة من الانفصال على أهم مصادر الانبعاث الجديد للمدرسة السياسية الإسلامية خصوصا و لعالمية الإسلام بالعموم.
ففي هذه العناصر تم وضع الإطار الذي يصنع الخلفية النظرية و النموذج المعرفي التي يمكن للاختصاصي من بناء مقررات أكاديمية يتم إحلال الخصوصية الحضارية فيها من دون أن يكون فيها تعارض مع المعارف السياسية الحالية، بل إنه يمكن أن تصبح رافدا مهما في تطوير الكثير من النظريات و التحاليل و التفسيرات، ونؤسس بذلك لمبدأ التكامل و التراكم في المعرفة و في بناء الحضارة، وهذا ما يتوجب فهمه وإدراكه والعمل عليه و به من أجل إيجاد تحيين أسلم للمنهاج الدراسي في قسم العلوم السياسية.
وأضيف ضلعا آخر للمربع الذي يشرح الخلفية النظرية للخصوصية الحضارية وهو:
4/ إحلال التجربة الجزائرية وإضافاتها السياسية:
حتى أسبق الكثير في حكمهم بتناقض العرض، أقول أن المقصود هنا هو العودة للخبرة التاريخية الجزائرية وما أسست له من خبرات وتجارب، و ما أضافته من ظواهر وحالات ومواقف و رؤى سياسية، هو ما أقصد به مثلا تجربة الأمير عبد القادر مؤسس الدول الجزائرية الحديثة وغيره من الأمثلة التي يمكن أن نحددها بعينها، ويمكن أن ندرجها في إطار نظري وتطبيقي عملي في مقررات العلوم السياسية وليس كما هو حاصل حاليا أين يتم المر عليها مرور الكرام، واعتبارها أحداثا تاريخية وانتهى وقتها وأن ذكرها فقط يدخل في استكمال متطلبات الروح الوطنية لا أكثر. وهذا ما جنى على كثير من الخبرة والتجربة الجزائرية لا أقول في السياسة فقط بل في الكثير من المجالات والتخصصات و الفروع العلمية، فإعطاء الطالب معرفة أوسع على تجارب سياسية جزائرية حضارية هامة يكون له الأثر في إيجاد نخبة لها انتماء سليم ليس للأرض أو للأشخاص وإنما انتماء للتاريخ والحضارة والثقافة الجزائرية عموما.
أما بخصوص توصيف فني للمقاييس و المقررات التي يمكنها أن تؤدي دورها بصورة تامة في عملية إحلال الخصوصية الحضارية في العلوم السياسية، إنما يتطلب وجود من يؤمن بهذه الرؤية ويعمل لها، مع وجود الفريق الذي يملك الإلمام بأضلاع المربع السابق الذكر،دون أن ننسى عملية التراكم التي تبنى ليس على المستوى القطري وإنما يمكن أن نلجأ إلى الأخذ بتجارب دولية أخرى عربيا أو إسلاميا، و أنموذج ماليزيا ليس ببعيد عنا، وهنا أود الإشارة إلى نقطة هامة، أنه ليس المقصود بهذا الإحلال إلغاء كل المنهاج و مقرراته أو التخلي كليا على الجيد والمتلائم مع هذه الرؤية في مناهجنا الحلية، وإنما يكون التحيين للمقررات وفق إحلال الرؤية الحضارية، منبثقا من كون أن هذه المقررات فيها ما يمكن الحفاظ عنه كليا ومنها ما يحتفظ منه جزئيا ومنها ما يلغى نهائيا، ويكون هذا بحسب فهم الفرق الأكاديمية التي تسعى إلى تطبيق الرؤية في منهاج العلوم السياسية، فمثلا نجد أن مقرر تقنيات البحث العلمي يمكن الاحتفاظ به مادام يقدم ضبطا منهجيا لعملية البحث و الوثيق، ويمكن الاحتفاظ جزئيا بمقرر تاريخ الفكر السياسي ذلك أن مبدأ التكامل و التراكم المعرفي يستدعي منا فهما أعمق للمدارس و الأفكار الغربية ولكن بإبراز أثر المدرسة الحضارية الإسلامية في هذا التطور الفكر السياسي الحاصل وفق الاتجاه الإيماني التوحيدي، أما ما يمكن أن يكون أن يعدل بصورة كلية فأذكر مثلا مقرر الاقتصاد السياسي، ونعني بذلك تغيير كلي لمضامين هذا المقرر لأن ما يدرس فيه من أفكار تستدعي مراعاة الانتماء العقدي والقيم التي تضبط المجتمع الجزائري الإسلامي، فدراستنا لمدارس الاقتصاد الربوية طولا وعرضا، وإهمال إسهام الاقتصاد الإسلامي كليا إنما يعد تجني على نظريات وأفكار هذا الإسهام المعرفي والحضاري، و ليس في هذا أي تحميل للإسلام ما لا يحتمل بل إن الاقتصاديين المسلمين (فقهاء و تأصليين) قديما وحديثا ناقشوا العديد من قضايا النظام الاقتصادي وربطها بالعملية السياسية وأثر كلهما على الآخر.
ختام القول.. إيمان، جهد وجرأة
أخيرا، يتوجب علي التأكيد على أن ما طرحته الورقة ليس أمرا متخيلا ولا مستحيلا، بل إن إمكانيات تطبيقه موجودة وممكنة، وأن العمل على إحلال هذه الخصوصية في عمليات تحيين مقررات العلوم السياسية في الجزائر تحتاج بالفعل جهدا وطنيا مرتبطا بجهد عربي إسلامي كذلك، إضافة إلى التأكيد على أن هذا العمل يتطلب جهدا معرفيا معتبرا وطول نظر ومصابرة مع وجود جرأة علمية (لا نعني بها تهورا فما بينهما شعرة) تسهم كل هذه الصفات في تحقيق هذه الرؤية، كما أن طول انتظارها أو صعوبة تنفيذ هذه الرؤية في عملية التحيين، لا يسقط المهمة على كل المؤطرين والأساتذة في مهمة تبليغهم أسس وأبعاد ومساحات هذه الرؤية لطلبهم ولو بصورة فردية لأن بوجود من يستوعبها ويفهمها من أساتذة وطلبة يقلل الكثير من الجهد الذي يمكن أن تنجز به هذه العملية في مقررات العلوم السياسية.
الهوامش:
1. الطيب برغوث، مدخل إلى سنن الصيرورة الاستخلافية قراءة في سنن التغيير الاجتماعي، ط1.الجزائر:دار قرطبة، 2004، ص41
2. عبد الحميد أوب سليمان، قضية المنهجية في الفكر الإسلامي،ط1.(د.د.ن)ك المعهد العالمي للفكر الإسلامي،1995،ص 34
3. طه جابر العلواني،نحو منهجية معرفية قرآنية: محاولات في بيان المنهج التوحيدي للمعرفة،ط1.بيروت:دار الهادي،2004، ص 107
يمكن مطالعتها على الرابط:
http://www.chihab.net/modules.php?name=News&file=article&sid=2277
نعترف جميعا أن الكثير من البرامج التدريسية في المنظومة الجامعية في الجزائر وبكل تخصصاتها ينقصها الكثير من التنقيح والتعديل والتصحيح، حتى تستطيع أن تواكب حركة المجتمع وأن تعطي له خريجين يمكنهم الإسهام في عملية التنمية الشاملة للوطن، وبذلك فمناقشة كل التخصصات ومدى ارتباطها بمتطلبات الواقع، يدفع الباحث أو المتحاور فيه إلى التطرق إلى مواضيع تكثر فيها الآراء و التوجهات، و إبراز أسبقية هذا التخصص على ذاك في عملية التحيين (L’actualisation) للبرامج وفق ما يحتاجه الفرد والوطن، ويدخل النقاش في مساحات قد لا تخدم الهدف الأساسي، فقد نجد بعض الباحثين يشدد على ربط الفروع العلمية التجريبية بحركية العلم الحاصلة و لزوم مواكبة هذه المقررات لكل ما يندرج في نطاقها العلمي و المعرفي، ومن ناحية أخرى نجد من يؤكد على أن مقررات العلوم الإنسانية والاجتماعية هي الأسبق و الأولى بهذه العملية، كون التغير الاجتماعي الحاصل يتطلب من الباحثين والأساتذة والطلبة فَهمَ هذا الأخير ومحاولة تفسير علاقاته وارتباطاته ومعرفة مآلات هذا التغير وأثره على الفرد والمجتمع، وفي حقيقة الأمر أن كلا التخصصين مهم في أن يواكبا تطلعات المواطن وأن يسهموا كل في موقعه في عملية البناء و التنمية في الوطن.
وتعد العلوم السياسية كتخصص في العلوم الاجتماعية في الجزائر من أكثر الفروع العلمية التي تتطلب تحيينا دائما لبرامجها، ليس لأن الحراك السياسي في الجزائر هو الذي يدفع لذلك، وليس لأن البرلمان بغرفتيه يصنع التغيير في الدولة وليس لأن الأداء الحزبي و النقابي في الجزائر له صولات وجولات تعطي كثيرا من الظواهر السياسية التي يتوجب على أستاذ وطالب العلوم السياسية الإلمام بها، بغية إدراك حالة منفردة في العمل السياسي أو الأداء الحكومي الراشد، بل إن الذي يدفع لهذا التحيين هو حالة “التكديس البشري” و الذي يُقصد به كثرة خريجي هذه الأقسام من دون أن يجدوا أو حتى يُوجدوا واقعا مستقرا لهم في دولة كالجزائر، أو أن يكون لهم دور فاعل في عملية بناء وتنمية الوطن، وفي هذه النقطة أعلم أن كل التخصصات الجامعية تتساوى فيها بلا استثناء، إلا أن آلاف الخريجين بشهادات أو إجازات في العلوم السياسية تختلف حالتهم عن الكثير من الطلبة في غيرهم من التخصصات، وأقصد بالحالة المختلفة هو أنهم في التحاقهم ودراستهم لهذا التخصص ركبوا أحلام العمل الدبلوماسي والإطار الوزاري و النضال السياسي و ممارسة التحليل السياسي و كآخر حلم لهم قيادة إدارية في قطاعات محلية (بلدية أو ولائية)، وهذا ما وجد لدى الكثير منهم إحباطا بل ونقما على التخصص وأهله ومدرسيه ومنظريه، وهو ما أعطى للكثير فكرة التخلي عن دبلوم لا يساوي أي شيء بمقابل تخصص كالصيدلة أو الهندسة أو القضاء…الخ.
من هذه التصورات ومن هذه المعطيات أردت أن أناقش نقطة ملحة في هذه الآونة، فبالرغم من أن الواقع هو كما ذكر آنفا، وقد يكون أكثر سوادا، إلا أن الذي يبقى يحز في نفسي دائما ومنذ مقاعد الدراسة الجامعية، هي أن هذا التخصص رغم ما فيه من حيوية وأهمية وأسبقية على غيره من التخصصات لم يعرف أي تطوير ولا تحديث ولا تجديد، فالكثير من المواضيع التي درسها الجيل الثاني منذ تأسيس المعهد لازلنا نَدرسها ونُدرِّسها الآن، ولا أقول هذا من باب تتفيه ما استوعبناه وأخذناه على أيدي أساتذة فيهم من قضى نحبهم وفيهم من يزال يقدم بكل ما حل به من تعب أو كبر سن، بل من باب أن الحركية التي تعيشها العلوم السياسية في دول الشمال هي في تصاعد مستمر، وهو ما أوجد لدى كثير من طلبتنا تذمرا و قلة مصداقية وثقة فيما يأخذون من مواد ودروس، وهو ما يتطلب شحذ الجهود لتطوير هذه المقررات والمناهج وتقديمها في صورة أكثر حركية و تأقلم مع تغيرات اجتماعية وثقافية حاصلة في المجتمع.
واقع تخصص العلوم السياسية في أقسامنا الجامعية
من هنا أدخل للمقاربة التي توضح مسألة أن هذا التحديث و التجديد والإصلاح لمنظومة الدراسة في العلوم السياسية، أصبحت مسألة لها أبعاد اجتماعية واقتصادية حقيقة، ولكن لا يجب بأي حال من الأحوال أن يتم إهمال المعالجة العاجلة لحالة الانفصال والانفصام التي تعيشها هذه المقررات والمناهج في البيئة الثقافية في الجزائر الدولة العربية الإسلامية، ونقصد بهذا الانفصال أن جل المقررات التي تدرس للطلبة في أقسام العلوم السياسية إنما برمجت وأعدت (في أغلبها ولا نقول كلها) على أساس هيمنة الخطاب الغربي وبلغة دقيقة تم بناؤها على أساس نموذج المعرفي غربي، تبناه واضع المقررات وأحكم الرؤية الغربية على كل المواد بحيث يصعب أن تجد حالة غير منسجمة في المنظومة التعليمية في العلوم السياسية تخرج عن هيمنة هذا النموذج، فدراسة تاريخ الفكر السياسي من منطلقات غربية وتحميل الخبرة الإسلامية بذلك التطور لمدارس الغرب الفكرية، يعد من أكثر حالات التجني التي أنتجها هذا النموذج، كمثال آخر فإن تدريس نظرية العلاقات الدولية المبنية على نظريات سياسية تأخذ بالمدارس الغربية على كثرتها كمرجعيات نهائية لا يجب تجاوزها أو الخروج عنها، ومن دون الدخول في مسألة تَكون هذا النموذج الغربي وآليات هيمنته، إلا أن الجدير بالتأكيد أن الواقع الذي يتم فيه تلقين الطلبة بهذه المعارف السياسية ليس متروكا من دون وجود فئة أو توجه داخل أقسام العلوم السياسية يحاول ويسعى إلى أن يُطعّم هذه المنظومة ببعض المقاييس و الأفكار و المناهج التي يمكنها أن تخفف هذا الاستلاب الحضاري في بعض مواقعه المعرفية.
وقد أوجد هذا التوجه لدى طلبة العلوم السياسية يقينا تاما على أن الغرب هو مبتدأ السياسة وخبرها، وأن كل ما يمكن أن يُقعّد لها أو يُنظر لها لا بد له من إلمام تام بنظريات سياسية (غربية-مسيحية)، وأن أي معارف سياسية يمكن تبنيها أو الاستعانة بها وجب أن تكون غربية المنشأ والمصدر، ولا وجود أساسا لأي مدرسة فكرية أخرى في علم السياسة إلا ما اتصل بالمدرسة الغربية والتي على أساسها يصنف حتى مفكروها العرب، فالرؤية العربية الإسلامية لا قواعد لها ولا موقع لها في علم السياسة و الرؤية الفارسية الإسلامية لا موقع لها أيضا في نظريات السياسة ومناهجها، وهو ما أوجد طالبا وحتى أستاذا غير مدرك لطبيعة مخلفات الرؤية التي تقود التخصص ككل وهي أن المرجعية الغربية لا تخرج منها ولا عنها كل المقررات و المناهج، و أن أي تفكير خارج نطاق هذه الرؤية هو من باب الترف الفكري.
و بالعودة إلى العرض الأول فإنه بتبني هذه الرؤية أوجدنا مقاييس لا تخدم مجتمعنا بقدر ما هي معبرة عن الرؤية الغربية ودالة على تقيد تام بالنسق المعرفي الغربي في العلوم السياسية، فنعطي مثالا هنا يبرز أن سيطرة هذه الرؤية أوجد انفصالا بين التعليم الجامعي وحراك المجتمع وبالتالي صعوبة إيجاد الطالب المساهم في خدمة تنمية الوطن وبنائه، فتدريس مقياس الإدارة العامة المقارنة (وهو مقياس يهدف إلى إعطاء الطالب أدوات المقارنة في مجال الإدارة العامة ومعرفة خصوصيات إدارات البلدان وفق النموذج البيروقراطي أو غيره)، فلو أخذنا تطور هذا العلم فإن أصل نشأته وبدايات التنظير له كانت في أمريكا، ويتم الآن تدريسه في أقسام العلوم السياسية بل ويعد من المقاييس الهامة والتي لها معاملات عالية، في حين أن إمكانية التخلي عنه و التركيز على مدراس وأفكار إدارية أخرى ذات صلة بالمنظومة القيمية والثقافية للمجتمع و الحضارة، هذا دون أن نناقش مسألة الدراسات المقارنة التي ليست نتاجا فكريا غربيا بحت بداية، إضافة إلى أن الإدارة المقارنة رغم أنها تعد دراسة نظرية وفقط إلا أن ما يكتسبه الطالب من رؤى غربية في معارف سياسية وإدارية يوجد لديه انفصالا عن بيئته وانتمائه، وأؤكد على المقياس على سبيل المثال، إلا أن الواقع الذي نعيشه يجبر علينا تدريس هذا المقياس مهما كانت الخلفية النظرية والفكرية، وتبرير ذلك أن المنظومة كلها السياسية والاجتماعية والفكرية للمجتمع الجزائري مستلبة فلا يمكن أن يقع التغيير و التجديد في مقاييس أكاديمية ليتغير كل المجتمع، وهذا ما يؤشر على “الاستقالة النخبوية” من حركية التغيير التي يمكن لها أن تبدأ في قطاعات وميادين ربما لا نرى أثرها على المستقبل المنظور ولكنها تفتح أبوابا وفضاءات للقادمين للانطلاق منها من دون البدء من نقطة الابتداء وهذا الذي يتوجب على الفئة الأكاديمية أن تفكر في مثل هذه المواضيع و الأطروحات.
وحتى يتوضح الأصل في الحكم على التغريب الحاصل أو هيمنة الرؤية الغربية في العلوم السياسية نعود في ذلك إلى منطلقين هامين وهما:
1. المقررات التي تحددها الجهات الوصاية: فأقسام العلوم السياسية مطالبة بالتقيد ببرامج تقدمها اللجنة الوطنية للعلوم السياسية، وهذه المقررات وإن كانت لا تُحترم بصورة كلية في أغلب الأقسام، إلا أنها تبقى مرتبطة بهذه الرؤية، ورغم انتقال أغلب الأقسام إلى النظام الجديد في التعليم (LMD) ، إلا أن الرؤية لا يمكنها أن تتغير بإحلال نظام غربي بدلا عن النظام غربي أسبق منه.
2. مواضيع البحث العلمي التي تناقش في أقسام العلوم السياسية: وأقصد بهذا المنطلق أن أغلب الرسائل والمذكرات التي تناقش أقسام العلوم السياسية تتبنى الرؤية التغريبية الغربية بل وقد تنظر للأمة انطلاقا من رؤى تنطلق من نموذج معرفي غربي، إلا أن هذا لا يعني غياب مواضيع بحثية تنطلق من رؤية مغايرة لهذا التوجه العام في العلوم السياسية، ويعتبر في جامعات الجزائر وفي أقسام العلوم كلها الراحل الفقيد الأستاذ الدكتور منصور بن لرنب (رحمه الله) الباعث لهذا التوجه المنفرد، والذي كان يذكر به كل طلبته في مرحلة إشرافه على رسائلهم، بل وإنه قد رسخ فينا بعض الرؤى المنهجية في التعامل مع القضايا والظواهر السياسية، وأذكر هنا ما كان يسعى لبنائه والتأسيس له وهو ما يعرفه “المنهج عبر- الحضاري” الذي كان يقول أنه المنهج الوحيد الكفيل بفهم الظواهر من منطلقات حضارية، ومن دونه لا يمكن أن تفهم الظواهر ولا يمكن استيعاب المفردات الأساسية لتخصص العلوم السياسية، دون أن ننسى بعض الأساتذة الأفاضل، الذين حملوا فكرة نظرية القيم وأثرها في الظواهر السياسية والنظريات السياسية و حتى في المناهج المستخدمة.
أساس المقاربة المنهجية في بناء المقررات
وعليه فإن أساس المقاربة التي تعالج مثل هذا التوجه المشوه في بناء المقررات و المناهج في العلوم السياسية مفادها أن العلوم السياسية لابد لها وأن تؤسس على المستوى القطري (الجزائري) أو على المستوى الإقليمي (العربي الإسلامي) وفق “إحلال الخصوصية الحضارية كرؤية تـحدد بناء مقررات ومناهج العلوم السياسية في جامعاتنا”، والمقصود بهذه المقاربة أن يتم إدراج البعد الحضاري الذي يستوعب الأنموذج الإسلامي و الرؤية الحضارية له، من خلال أن هذا الأخير هو المعبر على المرتكز العقدي الإسلامي و التجربة والخبرة الإسلامية في مناحي الحياة المعرفية أو الاجتماعية أو السياسية.
وعليه فإن عملية بناء المقررات والمناهج التي تقدم للطلبة ويشرف الأساتذة على تدريسها، يجب أن تكون مُؤسَسَة على دعائم المنظور الحضاري الإسلامي الذي يحوي كل المكون الحضاري و الثقافي والاجتماعي لمجتمعنا الجزائري العربي الإسلامي، و بناء المقاييس أو المقررات على هذا الأساس ليست بالأمر اليسير الذي يمكن اتخاذ الأمر بموجبه في سنة جامعية أو في قسم دراسي منفرد، و ليس أيضا بالأمر الصعب الذي يستدعي التأجيل أو التخوف من “مغامرة”، فما تتطلبه عملية إحلال هذه الرؤية في المقررات و المقاييس لا هو بالسهل و لا بالصعب ولكنها ترتكز أساسا على مدى الإيمان والاستيعاب لهذه الرؤية، التي يمكن إيـجاز دعائم بنيانها من خلال العناصر التالية:
1/ إحلال الاتجاه الإيماني التوحيدي التكاملي:
والذي عرفه الأستاذ الطيب برغوث بقوله: (الاتجاه الذي يتجاوز نطاق المادة المحسوس، إلى المعنى الروحي الكامن فيها، وإلى الانفتاح على كل أبعاد ومراحل ودلالات الدورة الوجودية للإنسان، فيعيش في تواصل حميم مع كل مفردات الكون ذات العلاقة التسخيرية به)(1)، وبتفسير لهذا القول يمكن الوقوف على بعض الجوانب التي يستلزم الانتماء الإسلامي الحضاري على تبنيها في البناء المنهجي و الأكاديمي للمقررات و المقاييس، والتي تبدأ بالتركيز على رؤية غيبية بداية وروحية ثانية في فهم الظواهر وتحليلها، وفي إقامة المشاريع وصياغتها، وربطها بالمكون التوحيدي للعقيدة الإسلامية، مع إبراز حدود العقل الممكنة في هذا التحليل و الفهم والتفسير.وهذا ما يستلزم على معد مناهج العلوم السياسية أن يستند عليه في وضعه أو صياغته للمقررات والمناهج، أي أن الظاهرة السياسية مهما كانت أبعادها الظاهرة مادية، إلا أن الأثر الغيبي (ليس الخرافي بطبيعة الحال) الإيماني يقف وراءها بكل يقين عقدي وإيماني مسير للكون يضبط حركته وفق سنن ضابطة ونواميس ناظمة، وأن التغير الحاصل في ظاهرة ما أو الانشطار الحاصل في انتظام بشري سياسي ما إنما يعود في أصله إلى ترتيب إلهي غيبي لحركة الأشياء و الظواهر، وفي هذا ليس استقالة ولا تبرير لما لا يبرر وإنما الرؤية الغيبية هنا تظهر بأن السنن موجودة ومبثوثة، والذي يجب أن يكون هو إدراكها و فهمها و تفسير الحالات وفقها، أم البعد الروحي فهو المغزى العام من إيجاد تربية روحية وسلوكية تربي الإنسان وتعطيه قواعد قيمية وأخلاقية تمكنه من توحيد المعيار وتوحيد سلم القيم الذي عليه تبُنى الأحكام والآراء، وبما أن العلوم السياسية تؤسس للأحكام وتتأسس بالأحكام فإن إبراز المركب الروحي (ولا يقتصر هنا المفهوم على التزكية والتصفية و التربية فقط) في حالات القياس والبناء و الحكم على الظواهر يكون هاما جدا، فدراسة ظاهرة العنف السياسي أو البطالة أو التغير السياسي أو حركات التحرر، كلها قضايا تتطلب من الأستاذ والطالب وفق منهاج دراسي ضابط لكل هذه الأخيرة برؤية تؤسس للحلقات السننية في الكون وتؤكد على البعد الروحي الوجداني فيها.
كما أن هذه الاتجاه يركز على مبدأ التكامل مع كل الحركيات والفواعل والمتغيرات الإنسانية التي تسعى لفهم الكون أو فهم آليات تسخيره لخدمة الرؤية العقدية الإيمانية للفرد المسلم، وعليه فإن إدراك التكامل كخاصية مهمة في الحياة الاجتماعية والسياسية للفرد، وهي التي تعطي أيضا رؤية شاملة للظاهرة من غير أن يكون فيها إنقاص أو تأجيل لمكون على حساب آخر من دون حجة واضحة أو أسبقية ذات صلة بحركة التواصل والتكامل التي تعيشها مفردات الكون، فسقوط الدول وقيام أخرى كظاهرة سياسية تتطلب إلماما بحالات التكامل أو التنافر التي حصلت في حياتها، وهل مكونات الدولة من سلطة وشعب وإقليم و ديانة و موقع وإيديولوجية كان بالفعل يؤدي إلى دولة بهذا الحجم وأن التكامل كان هو الصفة الرابطة بين هذه الأجزاء، أو أن عدم إدراك لحالة التنافر بينها أوجد الانهيار والانقسام أو الشيخوخة لهذه الدولة.
2/ إحلال مبدأ شمولية الرؤية الحضارية:
إن تحرير العقل المسلم من الانبهار والضياع في خضم عباب الفكر الغربي يتطلب التعامل الواعي المستقل والاستفادة من تجارب الأمم الأخرى دون انتهاك الأسس التي يقوم عليها الفكر الإسلامي، وذلك بالمفهوم الشمولي الصحيح للحضارات المعاصرة، والانتقاء الفكري الواعي النافع. وهكذا يتم الاتصال الحضاري بين الأمم على مر التاريخ.(2)
وهذا ما يمكن أن نؤسس به لفكرة هامة جدا وهي أن الحضارة الإسلامية لها تجربة وخبرة سياسية تمكنها من إعطاء تصورات و تحليلات، بالإضافة إلى مشاريع وأنماط تنظيمية تعتبر كبدائل تطرح أمام دارس العلوم السياسية للأخذ بها والاعتماد عليها إما في الدراسة أو في الواقع العملي، وبالتالي التخلي عن رؤية المركزية الغربية في علم السياسية عموما وفي مقررات العلوم السياسية خصوصا، فدراسة نظرية العلاقات الدولية واقتصارها على المواضيع التي تؤكدها المدارس الغربية، مع إهمال كامل للرؤية الإسلامية الحضارية ولو جزئيا (وهذا رصد واقع وليس تمني لأن ما نرجوه أعلى من هذا السقف)، إضافة إلى أن تدريس مقياس مثل إدارة الموارد البشرية الذي يعني بتسيير الإنسان وترتيب حالات عمله وراحته وغيرها، يتم الأخذ بالمدارس والنظريات الناشئة لديهم و التي تتعامل مع إنسانهم وعاملهم و تتماشى مع متطلباته وحاجاته، في حين أن الفرد العامل لدينا له حاجات تختلف في كثير من جزئياتها مع غيره من الأجناس و الناس، فكيف لا نأخذ برؤية الإسلام الحضارية في هذا الباب ونورد مسألة العقاب و الثواب، والإتقان وغيرها من قواعد وقيم في مواد تسيير الأفراد و العاملين.
3/ إحلال إضافات التراث الإسلامي في الفكر السياسي ونظرياته:
وهنا تأتي مسألة أسبق لهذا الإحلال وهي توخي القراءة السليمة لهذا التراث السياسي حتى يتم الاستيعاب بصورة صحيحة لمدارسه وأفكاره، والسلامة هنا يقصد بها إتباع منهجية معرفية إسلامية ونظام معرفي مع الاحتكام إلى مصدري الهدى والنور الكتاب والسنة، في الحكم على قضايا التراث و ملاحظة منهجية التعامل مع ظواهر الإنسان و الكون و ما طبيعة الاستفادة المعاصرة منه.(3)
بعد القيام بهذه الخطوة تأتي مسألة الاستفادة منه بصورة تخدم المقرر أو المِنهاج، وذلك من خلال إعادة اكتشاف من خلال تحقيق التواصل بيه و بين المعطى الحاضر والتغير الحاصل و الحراك المستمر للإنسان والكون، ومن خلال التراكم فالتراث هو فكر إنساني نسبي، وهو ما يجعلنا نقبله ونضيف له في إطار تراكم معرفي يزيد من الاستفادة و الفهم و قدرة أكثر على التحليل، ففي العلوم السياسية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نلغي مداس هامة ومفكرين كبار نظّروا للسياسة وللعمل الإداري و الدبلوماسي وللاجتماع السياسي، وأن أي تجاوز لهم هو حالة غير سوية في فهم عملية التراكم المعرفي الإنساني التي تتلاقح فيها الأفكار و الرؤى، وأن هذا الرفض ينتج حالة من الانفصال على أهم مصادر الانبعاث الجديد للمدرسة السياسية الإسلامية خصوصا و لعالمية الإسلام بالعموم.
ففي هذه العناصر تم وضع الإطار الذي يصنع الخلفية النظرية و النموذج المعرفي التي يمكن للاختصاصي من بناء مقررات أكاديمية يتم إحلال الخصوصية الحضارية فيها من دون أن يكون فيها تعارض مع المعارف السياسية الحالية، بل إنه يمكن أن تصبح رافدا مهما في تطوير الكثير من النظريات و التحاليل و التفسيرات، ونؤسس بذلك لمبدأ التكامل و التراكم في المعرفة و في بناء الحضارة، وهذا ما يتوجب فهمه وإدراكه والعمل عليه و به من أجل إيجاد تحيين أسلم للمنهاج الدراسي في قسم العلوم السياسية.
وأضيف ضلعا آخر للمربع الذي يشرح الخلفية النظرية للخصوصية الحضارية وهو:
4/ إحلال التجربة الجزائرية وإضافاتها السياسية:
حتى أسبق الكثير في حكمهم بتناقض العرض، أقول أن المقصود هنا هو العودة للخبرة التاريخية الجزائرية وما أسست له من خبرات وتجارب، و ما أضافته من ظواهر وحالات ومواقف و رؤى سياسية، هو ما أقصد به مثلا تجربة الأمير عبد القادر مؤسس الدول الجزائرية الحديثة وغيره من الأمثلة التي يمكن أن نحددها بعينها، ويمكن أن ندرجها في إطار نظري وتطبيقي عملي في مقررات العلوم السياسية وليس كما هو حاصل حاليا أين يتم المر عليها مرور الكرام، واعتبارها أحداثا تاريخية وانتهى وقتها وأن ذكرها فقط يدخل في استكمال متطلبات الروح الوطنية لا أكثر. وهذا ما جنى على كثير من الخبرة والتجربة الجزائرية لا أقول في السياسة فقط بل في الكثير من المجالات والتخصصات و الفروع العلمية، فإعطاء الطالب معرفة أوسع على تجارب سياسية جزائرية حضارية هامة يكون له الأثر في إيجاد نخبة لها انتماء سليم ليس للأرض أو للأشخاص وإنما انتماء للتاريخ والحضارة والثقافة الجزائرية عموما.
أما بخصوص توصيف فني للمقاييس و المقررات التي يمكنها أن تؤدي دورها بصورة تامة في عملية إحلال الخصوصية الحضارية في العلوم السياسية، إنما يتطلب وجود من يؤمن بهذه الرؤية ويعمل لها، مع وجود الفريق الذي يملك الإلمام بأضلاع المربع السابق الذكر،دون أن ننسى عملية التراكم التي تبنى ليس على المستوى القطري وإنما يمكن أن نلجأ إلى الأخذ بتجارب دولية أخرى عربيا أو إسلاميا، و أنموذج ماليزيا ليس ببعيد عنا، وهنا أود الإشارة إلى نقطة هامة، أنه ليس المقصود بهذا الإحلال إلغاء كل المنهاج و مقرراته أو التخلي كليا على الجيد والمتلائم مع هذه الرؤية في مناهجنا الحلية، وإنما يكون التحيين للمقررات وفق إحلال الرؤية الحضارية، منبثقا من كون أن هذه المقررات فيها ما يمكن الحفاظ عنه كليا ومنها ما يحتفظ منه جزئيا ومنها ما يلغى نهائيا، ويكون هذا بحسب فهم الفرق الأكاديمية التي تسعى إلى تطبيق الرؤية في منهاج العلوم السياسية، فمثلا نجد أن مقرر تقنيات البحث العلمي يمكن الاحتفاظ به مادام يقدم ضبطا منهجيا لعملية البحث و الوثيق، ويمكن الاحتفاظ جزئيا بمقرر تاريخ الفكر السياسي ذلك أن مبدأ التكامل و التراكم المعرفي يستدعي منا فهما أعمق للمدارس و الأفكار الغربية ولكن بإبراز أثر المدرسة الحضارية الإسلامية في هذا التطور الفكر السياسي الحاصل وفق الاتجاه الإيماني التوحيدي، أما ما يمكن أن يكون أن يعدل بصورة كلية فأذكر مثلا مقرر الاقتصاد السياسي، ونعني بذلك تغيير كلي لمضامين هذا المقرر لأن ما يدرس فيه من أفكار تستدعي مراعاة الانتماء العقدي والقيم التي تضبط المجتمع الجزائري الإسلامي، فدراستنا لمدارس الاقتصاد الربوية طولا وعرضا، وإهمال إسهام الاقتصاد الإسلامي كليا إنما يعد تجني على نظريات وأفكار هذا الإسهام المعرفي والحضاري، و ليس في هذا أي تحميل للإسلام ما لا يحتمل بل إن الاقتصاديين المسلمين (فقهاء و تأصليين) قديما وحديثا ناقشوا العديد من قضايا النظام الاقتصادي وربطها بالعملية السياسية وأثر كلهما على الآخر.
ختام القول.. إيمان، جهد وجرأة
أخيرا، يتوجب علي التأكيد على أن ما طرحته الورقة ليس أمرا متخيلا ولا مستحيلا، بل إن إمكانيات تطبيقه موجودة وممكنة، وأن العمل على إحلال هذه الخصوصية في عمليات تحيين مقررات العلوم السياسية في الجزائر تحتاج بالفعل جهدا وطنيا مرتبطا بجهد عربي إسلامي كذلك، إضافة إلى التأكيد على أن هذا العمل يتطلب جهدا معرفيا معتبرا وطول نظر ومصابرة مع وجود جرأة علمية (لا نعني بها تهورا فما بينهما شعرة) تسهم كل هذه الصفات في تحقيق هذه الرؤية، كما أن طول انتظارها أو صعوبة تنفيذ هذه الرؤية في عملية التحيين، لا يسقط المهمة على كل المؤطرين والأساتذة في مهمة تبليغهم أسس وأبعاد ومساحات هذه الرؤية لطلبهم ولو بصورة فردية لأن بوجود من يستوعبها ويفهمها من أساتذة وطلبة يقلل الكثير من الجهد الذي يمكن أن تنجز به هذه العملية في مقررات العلوم السياسية.
الهوامش:
1. الطيب برغوث، مدخل إلى سنن الصيرورة الاستخلافية قراءة في سنن التغيير الاجتماعي، ط1.الجزائر:دار قرطبة، 2004، ص41
2. عبد الحميد أوب سليمان، قضية المنهجية في الفكر الإسلامي،ط1.(د.د.ن)ك المعهد العالمي للفكر الإسلامي،1995،ص 34
3. طه جابر العلواني،نحو منهجية معرفية قرآنية: محاولات في بيان المنهج التوحيدي للمعرفة،ط1.بيروت:دار الهادي،2004، ص 107
يمكن مطالعتها على الرابط:
http://www.chihab.net/modules.php?name=News&file=article&sid=2277
تعليقات
إرسال تعليق