عبد العظيم محمود حنفي
المدرسة الواقعية:الفصل بين الداخلي والخارجي
المدرسة الماركسية وهاجس الخوف من الرأسمالية
المدرسة الليبرالية ومقتضيات العولمة
مثلت إشكالية العلاقات بين الداخلي والخارجي واحدة من أهم الإشكاليات النظرية التي كانت ملهمة للعديد من السجلات العلمية. ارتبطت تلك الإشكاليات بتحديد العلاقة بين السياسات الداخلية والعلاقات الدولية وهذه الإشكالية ارتبطت بجانبين:
الأول، النظرة إلى الدولة القومية وعلى الأخص فيما يتعلق بطبيعتها وحدود التأثير عليها والنفاذ إليها أو اختراقها. ومن ثم قدرتها على التصرف خارجيا دون التعرض لمؤثرات أو تأثيرات داخلية. وكذلك حريتها في التصرف داخليا دون التعرض لأي محاولات اختراق أو تدخل من الخارج عملاً بمبدأ "عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول" والذي يعد أهم المبادئ التي قام عليها التنظيم الدولي المعاصر.
وهو المبدأ ذاته الذي اختلفت حوله بعد ذلك منظورات العلم وذلك في ظل التغيرات التي شهدتها الدول القومية سواء في الشمال أو في الجنوب.
الثاني، يرتبط بالتحولات أو التغيرات العالمية والتي كانت سببا مباشرا في بروز هذا الجدل على السطح مرات عديدة، نظرا لما تسببه من إثارة الشكوك حول مدى صحة التمييز الحاد بين السياسة الداخلية والخارجية أي تثير التساؤل حول طبيعة العلاقات بين الداخل والخارج. ويتعرض هذا الفصل لرؤى المدرسة الواقعية التي ترى الفصل بين الشئون الداخلية والخارجية حيث مثل البعد الخاص بالاستقلال الذاتي للدولة State Autonomy
واحدا من النقاط التي طالما دار حولها الجدال نتيجة التغير في العمليات على المستوى الدولي وفقا لما تعارف على تسميته بالعولمة من ناحية والتحول في هيكل النظام العالمي وما أفرزه من قضايا وموضوعات ذات صلة بها. يشكل هذا البعد محورا لقضية العلاقة بين الداخلي والخارجي وما إذا كانت الأولى تعمل بمعزل عن الثانية أم لا. أما بالنسبة للمدرسة الليبرالية فقد مثلت العلاقة بين الداخلي والخارجي نقطة انطلاق للمنظور ورؤاه في انتقادها وتحديها للمنظور الواقعي على اعتبار أن الفصل الجامد بين المجالين الداخلي والخارجي لم يعد قائما بفعل التطورات الهائلة التي طرأت على المستوى الدولي وأن السياسات العالمية اليوم لا تهتم بالأبعاد الجيوبوليتيكية التقليدية والتي تشمل الأمن والشئون العسكرية فحسب بل تهتم أيضا بالمسائل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية بدرجة كبيرة ومن تلك القضايا مكافحة الإرهاب واحترام حقوق الإنسان ومن ثم فهي تلقى الضوء على القيود المتزايدة على سياسات نظم الجنوب التي عليها الأخذ أو استنساخ نموذج الديمقراطية الغربية من أجل نشر ثقافة السلام في العالم وكل هذا يحتم فرض القيود والعديد من الضغوط من قبل العالم الغربي الديمقراطي على دول الجنوب ويرون أن هناك مدى واسعا من الخيارات المتاحة أمام الدول الليبرالية الغربية من أجل عولمة الديمقراطية الليبرالية. وتتراوح هذه الخيارات بين الحافز المؤسسي والمشروطية السياسية إلى التدخل العسكري(1).
المدرسة الواقعية: الفصل بين الداخلي والخارجي
ترى المدرسة الواقعية الفصل بين الشئون الداخلية والخارجية حيث مثل البعد الخاص بالاستقلال الذاتي للدولة
State Autonomy واحدا من النقاط التي طالما دار حولها الجدال نتيجة التغير في العمليات على المستوى الدولي وفقا لما تعارف على تسميته بالعولمة من ناحية والتحول في هيكل النظام الدولي وما أفرزه من قضايا وموضوعات ذات صلة بها. يشكل هذا البعد محورا لقضية العلاقة بين الداخلي والخارجي وما إذا كانت الأولى تعمل بمعزل عن الثانية أم لا. وكيفية اختلاف أداء الدولة لوظائفها تبعا لموقعها في النظام الدولي خاصة فيما يتعلق بإمكانية التأثير الخارجي عليها.
يرفض الواقعيون فكرة السلام الديمقراطي ويردون عليها بالاتي:
1- إن اعتبارات توازن القوى كانت هي المحدد النهائي في كل نزاع.
2- يستبعد الواقعيون أن تكون كل القوى العظمى في النظام الدولي ديمقراطية. وهو الأمر الذي يعنى في النهاية عدم استقامة هذه النظرية(2).
وإشارة بعضهم إلى أن الدول تكون أكثر ميلا إلى الانخراط في الحروب عندما تكون وسط عملية التحول الديمقراطي(3).
وعلى ذلك يرى هذا الرأي أن الجهود المبذولة لتصدير الديمقراطية قد تتسبب في سوء الأوضاع. ويرى الواقعيون أنه أحيانا قد لا يكون من مصلحة الدول الكبرى أن تتحقق الديمقراطية في دول معينة -الصغرى في النظام الدولي– لأنها قد تجلب بعض العناصر غير المرغوب فيها إلى الحكم في تلك البلدان مما يهدد المصالح الحيوية للدول الكبرى في هذه المناطق ويحفل تاريخ الدول الكبرى بالعديد من الأمثلة. كما أشار بعض رواد هذه المدرسة إلى أن الديمقراطية خارج العالم الغربي من شأنها أن تدعم الحركات والقوى السياسية المضادة للغرب وعلى رأسها الحركات الإسلامية(4).
ويتوافق هذا الموقف تماما مع مسلمات الفكر الواقعي، فالقيم والمبادئ تحترم فقط إذا كانت متوافقة مع المصلحة القومية ودون أن تؤثر عليها بأي صورة سلبية وبمجرد أن يحدث هذا التعارض، تكون الأولوية بلا شك للمصلحة القومية. وهذا بدوره يثير التساؤل:
أي نوع من الديمقراطية أو النظم السياسية ترغب فيها القوى الفاعلة في النظام الدولي بشكل عام في عالم الجنوب؟ وهو الأمر الذي يثير اهتمام العديد من التحليلات. حيث تستخدم الديمقراطية كورقة ضغط على النظم ذات التوجهات المعادية لمراكز الهيمنة في العالم. كما يتم غض الطرف عن انتهاكات الديمقراطية في النظم السياسية التي يتبع حكامها مواقف غير مواتية لتلك المراكز(5).
ووفق تلك الرؤى أن التوجهات الغربية للتأثير أو التدخل في النظم السياسية العربية للقيام بإصلاحات ديمقراطية يتم وفقا لمصالح تلك الدول الكبرى في النظام الدولي, وأنه إذا حدث تعارض بين القيم الديمقراطية ومصالح تلك القوى، تكون الأولوية للمصالح القومية بغض النظر عن القيم والمبادئ. كما يرى هذا المنظور أن التدخل الغربي لفرض الديمقراطية هو أمر غير مرغوب فيه لأن الديمقراطية خارج العالم الغربي من شأنها أن تدعم الحركات والقوى السياسية المضادة للغرب وعلى رأسها الحركات الإسلامية(6).
كما أن الجهود المبذولة لتصدير الديمقراطية قد تتسبب في سوء الأوضاع وجلب بعض العناصر غير المرغوب فيها إلى الحكم مما يهدد المصالح الحيوية للدول الكبرى في هذه المناطق.
المدرسة الماركسية وهاجس الخوف من الرأسمالية
تقدم المدرسة الماركسية وخلفها، نظرية التبعية, رؤية مبهمة للتدخل في الشئون الداخلية، ليس بسبب اهتمام بالنظام الدولي أو حبا في السيادة، ولكن بسبب احتمال أن التدخل، سواء كان من جانب واحد أو كان جماعيا، سوف يعنى، في الواقع، انتصار القوي على الضعيف ومن لا حول له، واستغلال الأخير على أيدي المصالح الرأسمالية التي تسيطر على العديد من القوى الكبرى.
وهى حجة لا تزال تجد من يصدقها بين قادة العديد من الدول المستعمرة سابقا – بما في ذلك دول كبيرة جدا مثل الهند– حيث الخوف من الاستعمار الجديد مفهوم واسع الانتشار.
ولا يعزز هذا الخوف فقط واقع أن العديد من المستعمرات السابقة قد أصبحت دولا متعثرة، تعانى من انشقاقات داخلية عميقة وصراعات أقلية قد تستدعى تدخلا خارجيا، وإنما يعززه أيضا الدليل على أن معظم التدخلات تحترم بحرص سيادة القوى الكبرى، أو على الأقل تتجنب التلويح باللجوء إلى القوة بقدر ما تكون هذه القوى معنية(7).
المدرسة الليبرالية ومقتضيات العولمة
أما بالنسبة للمدرسة الليبرالية فقد مثلت العلاقة بين الداخلي والخارجي نقطة انطلاق المنظور والرؤى الليبرالية في انتقادها وتحديها للمنظور الواقعي على اعتبار أن الفصل الجامد بين المجالين الداخلي والخارجي لم يعد قائما بفعل التطورات الهائلة التي طرأت على المستوى الدولي. وتمت الإشارة إلى هذا في السبعينيات والثمانينات من خلال القول إن الفارق بين السياسة الداخلية والسياسة الخارجية قد أصبح مختلطا بدرجة متزايدة.
وأرجع البعض ذلك إلى:
1 - الأثر الذي أحدثته التكنولوجيا من حيث تقليص المسافات .
حيث تُعتبر ثورة المعلومات والاتصالات من أهم ملامح العصر الراهن. ومن أبرز سمات هذه الثورة أنها عابرة لحدود الدول، حيث يصعب على أية دولة حاليا أن تمنع التدفق الإعلامي والمعلوماتى القادم إليها من خارج حدودها من خلال شبكة الإنترنت، والأقمار الصناعية، والقنوات الفضائية وغيرها. ومن هذا المنطلق، تُعد ثورة المعلومات والاتصالات من أهم تجليات ظاهرة العولمة التي تنامت بشكل كبير خلال العقدين الأخيرين.
ومن المؤكد أن لثورة المعلومات والاتصالات تداعياتها وتأثيراتها -القائمة والمحتملة- على سيادة الدولة الوطنية بمعناها التقليدي، وكذلك على السياسات الوطنية للدول،
2 – زيادة الاعتماد المتبادل في العالم
وقد أدي هذان العاملان بالأساس إلى فقدان أي مجتمع للاستقلال الذاتي في الشئون الدولية(8).
ويظهر ذلك جليا على صعيد القضايا العالمية حيث أن السياسات العالمية اليوم لا تهتم بالأبعاد الجيوبوليتيكية التقليدية والتي تشمل الأمن والشئون العسكرية فحسب بل تهتم أيضا بالمسائل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية بدرجة كبيرة ومن تلك القضايا مكافحة الإرهاب واحترام حقوق الإنسان ومن ثم فهي تلقى الضوء على القيود المتزايدة على سياسات نظم الجنوب التي عليها الأخذ أو استنساخ نموذج الديمقراطية الغربية من أجل نشر ثقافة السلام في العالم وكل هذا يحتم فرض القيود والعديد من الضغوط من قبل العالم الغربي الديمقراطي على دول الجنوب ويرون أن هناك مدى واسعا من الخيارات المتاحة أمام الدول الليبرالية الغربية من اجل عولمة الديمقراطية الليبرالية. وتتراوح هذه الخيارات بين الحافز المؤسسي والمشروطية السياسية إلى التدخل العسكر(9). كما يتصورون أن القضاء على الحروب سيتيح انتشار النظم الديمقراطية الرأسمالية.
ويسوق أنصار ضرورة التأثير الغربي الفعال من أجل الديمقراطية ولو أدى الأمر إلى تغيير النظام السلطوي إلى الديمقراطية حججا عديدة أهمها:
1- تعظيم شأن الديمقراطية الليبرالية التي يجب أن تكون بالقوة الجبرية البديل الأساسي للنظم السياسية القديمة.
2- إن القوة الدولية الجديدة تتكون من عدد من الدول غير مندمجة لكن يحكمها النظام الديمقراطي.
3- إن غالبية دول العالم ذات حكم ديمقراطي، لكن بأشكال مختلفة.
4 – لا يوجد نظام سياسي يحكم بشرعية سياسية سوى النظام الديمقراطي.
5 – لا شك أن النظام السياسي الديمقراطي يرتبط ارتباطا وثيقا بمبادئ حقوق الإنسان التي يجب أن تعيشها جميع الشعوب.
6 – إن تدخل النظام الدولي وتعديه على سيادة العديد من الدول إنما هو من أجل دعم الديمقراطية والحريات. ومن ثم يكون هدف النظام الدولي الراهن هو القضاء على معاقل النظام السلطوي وتحويل الدول إلى النظام السياسي الديمقراطي(10).
يرى بعض الباحثين الغربيين أن الأسباب التي تؤثر على عملية الإصلاح السياسي في عالم الجنوب هي:
عامل التنمية الاقتصادية وهو السبب الرئيسي في عملية التحول الديمقراطي في الموجة الثالثة للديمقراطية لأنها تؤدى إلى زيادة الثروة القومية مما يرفع من كفاءة جميع الخدمات والتعليم. وبالتالي خلق طبقة اجتماعية وهى الطبقة الوسطي القادرة على الاعتماد على نفسها وتنمية المجتمع المدني. هذا المجتمع المدني لابد أن يتسم بالتعددية والفاعلية وكل هذه المتغيرات تعتبر مؤهلات ضرورية للتحول إلى الديمقراطية. فقد تحولت كوريا الجنوبية إلى الديمقراطية من خلال عملية التنمية الاقتصادية(11).
وعلى الرغم من أن التنمية الاقتصادية لازمة لعملية التحول الديمقراطي لكن يوجد نموذج يجمع بين التنمية الاقتصادية والحكم السلطوي مثل سنغافورة, فقد استطاع الزعيم لي كوان يوو هو والذين خلفوه أن يديروا عملية التنمية الاقتصادية باقتدار لكي يحافظوا على التوازن.
وأنه لكي تتم عملية التحول الديمقراطي في أية دولة خاصة في عالم الجنوب لابد من تدعيم ثقافة الديمقراطية (مبادئها وقواعدها والتزاماتها وحدودها). ولا بد من تدعيم أهمية ثقافة المشاركة. ويمكن للثقافة السائدة أن تتغير من خلال التنمية الاقتصادية والاهتمام بالتعليم والانفتاح على البيئة العالمية. ويرون بالنسبة للنظم السياسية العربية، أن النظام السياسي السائد هو النظام السلطوي وأن هناك مبررات كثيرة تساند استمرار هذا النظام برغم التغيرات العالمية التي تتماشى مع طبيعة النظام الديمقراطي. وربما يكون السبب الأساسي في بطء عملية التحول الديمقراطي في المنطقة العربية هو أن معظم هذه الدول تعتمد على إنتاج سلعة واحدة وهى البترول, وهذا يعنى أنها لا تعتمد على تنويع سلعها لكي تتحول من دول مستهلكة إلى دول منتجة, هذا بالإضافة إلى أن قادة النظم السلطوية لديهم مبررات كثيرة تجعلهم مستمرين في الحكم بالرغم من فشل أنظمتهم(12).
ويزعمون أن غالبية العالم تبدى توافقاً في الآراء مؤداه أن الديمقراطية واقتصاديات السوق يأخذان أبعاداً واضحة، الأمر الذي يوفر ضغطاً عالمياً على الدول بهدف تدعيم هذين الهدفين المتوازيين وليست المؤسسات الدولية أو المجموعة الصغيرة من الدول المانحة التي تنمو بشكل متزايد تجاه إلقاء المسئولية على الحكومات في هذا الشأن بل إن الجماعات المحلية والحكومات المعنية أصبحت تدرك بصورة متزايدة حقيقة الخيارات التي تتخذها الدول بشأن المؤسسات الاقتصادية السياسية.
وتتجلى العلاقة المتداخلة بين السياسة الداخلية والخارجية في الوظيفة الاقتصادية للدولة في عالم الجنوب، حيث اضطرت تلك الدول تحت- ضغط التطورات الهائلة الحادثة في المجال الاقتصادي- إلى تفضيل مصالح الاستثمار الأجنبي على المطالب الأساسية للجماهير وهو ما أشار إليه روزيناو في الثمانينات حيث أوضح أن العديد من الدول الفقيرة أجلت الكثير من البرامج الاقتصادية الحيوية, رغبة منها في جذب الاستثمارات الأجنبية والمساعدات الاقتصادية إلى إعطاء مشروعات البنية التحتية الخاصة والمرغوبة من قبل القطاعات الأجنبية المستثمرة أولوية على مشروعات البنية التحتية العامة مثل إمداد المياه والكهرباء وتحسين جودة التعليم وغيرها من الخدمات الأساسية الأخرى(13).
وأدى هذا إلى زيادة تأثير الخارج على الداخل، فالدول أصبحت أكثر عرضة للتغيرات الخارجية التي لا تمارسها حكومات الدول الأخرى بل تمارس من قبل أطراف غير قومية لا تقل قدرتها على التأثير عن قدرة سياسات الدول الأخرى وفى ظل نموذج واحد من النماذج الاقتصادية وهو اقتصاد السوق الرأسمالي الحر. ويطالب أنصار هذه المدرسة بإعادة تعريف الوظيفة الاقتصادية للدولة من خلال انخراط دول الجنوب في الاقتصاد العالمي وزيادة قدرتها على التكيف مع التحولات الحادثة وتغيير الظروف التي تعمل في إطارها(14).
ومن ثم يرى هؤلاء أن الدولة القومية لم تنته ولكنها تتغير، وأن على المواطنين التعود على الحياة بدون ذلك القدر من الخدمات العامة والترتيبات الخاصة العديدة المتعلقة بإعادة التوزيع والتي اتسمت بها دولة الرفاهية القومية. ووفقا لهم، فإن سياسات التحرر والخصخصة لم تقلل من الدور التدخلي للدولة بشكل عام ولكنها حولته من إنتاج السلع إلى تسويقها.
هذا يعنى تخلى الدولة عن قدر من الأدوات السياسية والوظائف الهامة التي كانت متاحة لها. وعلى شرعيتها فإذا كانت الدولة قد استمدت شرعيتها من الخدمات التي تقدمها للمواطن فما هي أسس تلك الشرعية في المرحلة الحالية؟.
وعلى هذا يرى أنصار هذا الاتجاه أن هناك إعادة تعريف لوظيفة الدولة. حيث لم تعد الدولة تدير الموارد، إلا أنها تتفاوض مع رأس المال والعمالة الخارجية والداخلية لكي تشجعها على العمل داخل مجالها الاقتصادي وما يترتب علي ذلك من حفز النمو. وهو الأمر الذي يعنى استمرار المعضلة التي عانى منها عالم الجنوب.
وهى إشكالية الشرعية الداخلية في مقابل مصالح الاستثمار الأجنبي اللازم لعملية النمو والتنمية. كما أن هذا التطور يفرض التساؤل حول قدرة الدولة في الجنوب على التكيف مع هذه التحولات، وما هي حقيقة قدرتها على التفاوض مع رأس المال الأجنبي بالإضافة إلى ذلك ما هو مقدار النفع العائد على هذه الدولة من جراء الاستثمار الخارجي، فإذا كانت الآراء في السبعينات والثمانينات قد أشارت إلى القيمة الأساسية التي تنقلها الشركات متعددة الجنسيات هي التكنولوجيا في مقابل انتقال المزيد من الأموال من الجنوب إلى الشمال فما هو الوضع في المرحلة الراهنة ؟ هل لا تزال عملية استخدام الموارد المالية للجنوب تحت دعاوى نقل التكنولوجيا أم أن هناك عائدا جديدا يعود على الدولة في الجنوب.
ويرون إن الاقتراب التدريجي من الدمقرطة أمر معقول، ارتكازاً على دروس من التاريخ. خلال عام 1990، حاولت بعض الدول من الاتحاد السوفييتي السابق عقد انتخابات في غياب منشآت المجتمع المدني القوية (على سبيل المثال، الصحافة الحرة، الأحزاب السياسية، النقاش السياسي النشط)، والتي تسببت فقط في تعزيز قوة الاستبداد. في الشرق الأوسط سيكون الهدف التأكيد على حاجة الأنظمة المحلية لتطوير لبنات الديمقراطية في الوقت الذي يُتجنب فيه خطأ تجاه تغيير راديكالي. نادراً ما تأتي الديمقراطية الصحيحة في انقضاض واحد كاسح. لقد أقرت (ديمقراطية جيفرسون) التي يفخر بها الأمريكيون، أقرت العبودية، وحصرت التصويت في الذكور، ولم تحرز النساء حق التصويت إلا بعد ما يزيد عن (140) عاماً من إعلان الاستقلال.
_______________
كاتب وباحث مصري
الإحالات:
1- Held ,The Global Transformation, United Kingdom, Polity Press,- 1995, p 16.
2 - John J .Mersheimer ,The Tragedy of Great Power Politics S.w.w.Norton Company, 2001 ,P67. U
3 - Mansfield, Edward D., and Jack Snyder, "Democratization and the Danger of War," International Security, Vol. 20, No. 1,1995
4 - Kenneth N. Waltz, Structural Realism after the Cold War in John Baylis &Steve Smith (eds ) The Globalization of world Politics, Oxford, Oxford University, 1997.
5 - راجع تفصيل ذلك في: حسن نافعة, سيف عبد الفتاح (محرران) العولمة, قضايا ومفاهيم, القاهرة, مركز الدراسات السياسة بجامعة القاهرة, كلية الاقتصاد والعلوم السياسية, 2000, ص 39.
6 - Kenneth N. Waltz, Structural Realism after the Cold War in John Baylis &Steve Smith (eds ) The Globalization of world Politics, op, cit ,1997
.
7 - Stanley Hoffmann, The Politics and Ethics of Military Intervention-, Survival. Vol. 37, No. 4,Winter 1995-96 .
8 - James N .Rosenau, The Study of Global Interdependence, Essays on The Transnationalization of World Affairs, U K: Frances Printer Ltd, 1980 ,P56 .
9 - Held ,The Global Transformation, United Kingdom ,Polity Press, 1995, p 16.
10 - Larry Diamond ,Universal Democracy ,Policy Review, June /July, 2003,No. 119 .
11 - Ibid ,P45.
12 - Ibid.
13 - James N. Rosenau, The Study of Global Interdependence, Essays on The- Transnationalization of World Affairs, U K: Frances Printer Ltd, 1980, p3
14 - Philip Cerny, Globalization and Other Stories: The Search for a New Paradigm for- International Journal, Autumn, 1996, Vol1, No4, PP624 -636.
المصدر: مركز الجزيرة للدراسات
تعليقات
إرسال تعليق