عبد الله النفيسي
الذي حدث في مجلس الأمة الكويتي وهو يتقاطب حول ملفّ المرأة الاسبوع الفائت وما تمخّص عن ذلك من تصويت لصالح ادماج المرأة في العملية السياسية واقحامها اقحاماً في الشارع السياسي له دلالات كثيرة وانعكاسات خطيرة على التنظيمات الاسلامية العاملة في الجزيرة العربية... ولم يتردد -والحمد لله- عدد من النواب الاسلاميين في التعبير شفاهة «أو كتابة» عن عدم رضاهم لنتيجة التصويت الذي تم في مجلس الامة وافضل ما سمعت في هذا الصدد -دونَ بْخس حق الآخرين الذين لم اسمعهم- هو ما سمعته من النائب ابورميه حفظه الله ونصره حينما قال: إن الله سوف يُحاسبنا على ذلك وان كثيرا من الناس سوف يندمون في نهاية المطاف عندما يرون بأعينهم النتيجة السلبية التي ستترتب على اقحام المرأة في الشارع السياسي. وأفضل ما قرأت في هذا الصدد هو ما كتبه النائب وليد الطبطبائي حفظه الله ونصره في جريدة «الوطن» الاربعاء 5/18 والذي اكد من خلاله ان عضوية مجلس الامة هي «ولاية عامّة» لا تجوز شرعاً للنساء وقد استشهد بإمام الحرمين الجويني في كتابه «غياث الامم » وكان استشهاده في محلّه.
ولقد لاحظ الاخ احمد الكوس في كلمته التي نشرها في جريدة «الوطن» الخميس 5/19 ان الحكومة سخّرت كل آلتها الاعلامية «تلفاز واذاعة وصحف» لجانب مشروعها وارهبت لجنة الافتاء وجَنّدت جميع مدارس وزارة التربية وحتى مراكز تنمية المجتمع في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في جميع مناطق الكويت لصالح مشروع الحكومة وكمّمت افواه الأئمة والخطباء من على المنابر ومنعتهم من الادلاء بارائهم المعارضة لمشروع الحكومة وبعد كل ذلك تدّعي الحكومة ان خطوتها كانت ديموقراطية؟ وهي ملاحظة قيمّة وفي محلّها.
ما يُخيف في هذا الامر هو سياقه الاستراتيجي الخارجي ومن الواضح ان الادارة الامريكية تابعت هذا الموضوع ورعته منذ البداية بغرض تثميره في اجندتها الخاصة بالجزيرة العربية، وكان تصريح باوتشر الناطق باسم الخارجية الامريكية بعد وقت قليل جدا من تصويت مجلس الامة لافتا للنظرمن جهة كشف الخلفية الامريكية للموضوع، وليس غريباً على الادارة الامريكية هذا الموقف ليس لانها نصيرة الديموقراطية ـ كما تدعي ـ ولكن خطوة كهذه من الممكن ان تصبّ في تفكيك البُنى السياسية والاجتماعية التقليدية وفي ترويض الشخصية القومية لعرب الجزيرة الذين يقوم مجتمعهم على موروث راسخ من الفصل بين محيط السياسة والولاية العامة من جهة والمرأة من جهة اخرى خاصة وان هذا الموروث هو من الثوابت الاسلامية التي التزم بها مجتمع الجزيرة العربية على مرّ العصور منذ بزوغ الاسلام حتى عصرنا الحاضر.
وصار من الواضح - للقاصي والداني - ان تحريك هذا الموضوع وافتعاله وما رافقه من تحريض اجتماعي بارز قد ساهمت في رعايته الادارة الامريكية فلقد جاءت الى المنطقة عدة وفود من الكونجرس ومن جمعيات امريكية كما كانت السفارة الامريكية ترسل مندوبيها في كل المناسبات للاتصال بالعناصر النسائية الحركية وكانت الوفود الامريكية ترسل مندوبيها في كل المناسبات للاتصال بالعناصر النسائية الحركية وكانت الوفود الامريكية تحضر جلسات مجلس الامة وتتصل بالنواب في منازلهم، كل ذلك يكشف الخلفية الامريكية للموضوع ويستوجب منا ان نتساءل: لماذا كل هذا الاهتمام الرسمي الامريكي بموضوع المرأة في الكويت؟ (تابع ان شئت تصريحات الرئيس بوش في هذا المجال).
يجب على الحركة الاسلامية في الجزيرة العربية بكل اطيافها وألوانها وراياتها ومسمياتها ألا تفوت هذه الفرصة لاستخلاص الدروس والعبر وتنقية الصفوف والمفاهيم وتحرير المواقف من الوهن وتبصير القيادات الاسلامية والقواعد للتحديات السياسية القادمة ما يوجب البلورة الفكرية وتأصيل المفاهيم والمباشرة فورا بعمليات الارشاد السياسي والتربية الاجتماعية وتجاوز العتبات الحزبية قبل ان تجد الحركة الاسلامية نفسها - وباسم الديموقراطية وصوت الاغلبية - وقد تم استيعابها وهضمها وتجنيدها لتنفيذ الاجندة الامريكية في الجزيرة العربية. اقصى ما تتمناه الادارة الامريكية هو حركة اسلامية تلتزم بالضوابط الديموقراطية ولا تلتزم بالضوابط الشرعية الاسلامية، واحلى ما تسمعه من كلام هو ذلك الكلام الانفعالي الهائم الطليق الذي تفوه به النائب الاسلامي عندما قال بعد اعلان نتيجة التصويت: (هذا يوم عظيم من ايام الديموقراطية الكويتية)، أي ديموقراطية يا اخي سامحك الله وعفا عنا وعنك وهل سيسألنا الله تعالى في نهاية المطاف عن التزامنا بالديموقراطية والتعددية وتصويت الاغلبية أم يسألنا عن مدى التزامنا بالثوابت الشرعية التي اخترقها وتجاوزها القانون الاخير موضوع التصويت؟ لقد كشفت التجربة الاخيرة في مجلس الامةامرين بارزين: أولهما ان الحكومة مستعدة لأن تلجأ لكل المخالفات والتجاوزات السياسية والقانونية لتمرير مشاريعها ايا كانت المطابخ السياسية التي طبخت فيها، وثانيهما ان النواب الاسلاميين يعانون من خلل كالمنخل على مستوى حركتهم وفكرهم ونضجهم السياسي وهو خلل خطير وعضوي وبنيوي قد يجدون انفسهم في نهاية المطاف افضل ادوات لتنفيذ الاجندة الامريكية في الجزيرة العربية على اعتبار ان التجربة الكويتية - لا سمح الله - سوف يتم تعميمها على اقطار الجزيرة العربية، ان الامر جلل والفتنة عظيمة وهي فتنة تنتظر الحركة الاسلامية قبل ان تصبح وسيلة من وسائل تنفيذ الاجندة الامريكية في الجزيرة العربية.
هل اصبحت الديموقراطية فخا كبيرا منصوبا للحركة الاسلامية؟
تعليقات
إرسال تعليق