التاريخ 13 - 06 - 2009
الدكتور باسم الزبيدي
أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت
تستدعي مناقشة مأزق الديمقراطية في الاحزاب الحاكمة في العالم العربي تسليط الضوء على عدد من القضايا ذات العلاقة من أهمها الطبيعة المشوهة لنشأة وتكوين الدولة في العالم العربي وإشكالية ضعف شرعية الحكم وأزمة غياب الديمقراطية في الأحزاب العربية الحاكِمة والمعارِضة على حد سواء. ما تسعى الى ايضاحه هذه الورقة هو التعريف بأوجه الخلل في هذه المستويات وتقدير تأثيرها على ضعف الحالة الديمقراطية في الأحزاب السياسية الحاكمة آخذين الحالة الفلسطينية كمثال على ذلك.
أهمية الأحزاب السياسية
تعتير الأحزاب السياسية المحور الأساسي في العملية الديمقراطية، فبدونها يتعذر الحديث عن وجود ديمقراطية مهما كان نوعها. فالأحزاب السياسية مرتبطة بموضوع الإصلاح السياسي، والذي يصعب تصور حدوثه دونها ودون الدور المناط بها لتحقيقه، بشكل يقود إلى وضع الأسس الراسخة لقيام الحالة الديمقراطية المبنية على التعددية والتداول السلمي للسلطة بين الأحزاب والتيارات المختلفة. فالغوص في دور الأحزاب يستدعي تلقائيا الخوض في موضوع الديمقراطية حيث انه لا يمكن الحديث عن أي إصلاحات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أوثقافية دون الغوص في موضوع الديمقراطية وآفاق تطورها وإشكالياتها في منطقتنا العربية.
الحزبية في معظم البلدان العربية ما زالت ضعيفة، فهي تتعامل بخجل مع الحالة الديمقراطية، وإذا استثنينا الحزب الحاكم في بعض هذه البلدان فليس من السهل القول بأن هناك أحزابا فاعلة وذات تأثير ملموس على خريطة الفعل السياسي. ورغم ذلك فان الأحزاب السياسية في العديد من البلدان العربية قادرة على لعب دور فاعل وفرض نفسها واستغلال ما لديها من نفوذ في الشارع وفي الحكم للمشاركة الفاعلة في عملية الإصلاح والتي تعني اولاً إعادة ترميم وبناء الحالة المجتمعية برمتها على أسس جديدة. وهذا ما يعني أيضا أن على الأحزاب أن تلعب دورا نشطا وأن تمارس تأثيرها بكافة الوسائل لكون الإصلاح يبدأ أولاً بإقرار القوانين الناظمة للحريات وفي مقدمتها قانون الانتخاب وقانون الأحزاب السياسية والقوانين الخاصة بالصحافة والمطبوعات والاجتماعات العامة وغيرها من القوانين التي تحكم عمل النقابات على سبيل المثال والمؤسسات ذات التأثير المجتمعي الكبير. ولكون قانون الانتخابات هو الأهم في عملية الإصلاح السياسي في المنطقة العربية فإنه يصبح لزاما على الأحزاب أن تنشط لحمل السلطة التشريعية على صياغة قوانين عصرية تلبي طموحات المواطنين، وذلك عبر أن تركز هذه القوانين على القوائم النسبية لضمان وصول النواب الحزبيين المعبرين عن تطلعات أحزابهم وبالتالي المواطنين إلى البرلمان، حيث هي الساحة الحقيقية للصراع السياسي الديمقراطي الحقيقي بين الأغلبية والأقلية وبين الحزب الحاكم والمعارضة.
أزمة الأحزاب كجزء من أزمة الدولة العربية
تعاني الدولة في العالم العربي منذ تأسيسها من الكثير من الإشكاليات من بينها حالة الإنفصام لدى النخب الحاكمة من حيث أن ما تمتلكه من موارد للقوة والشرعية لم يعد كافيا لتمكينها من إتمام التحول الجذري والحقيقي للمجتمعات العربية ونقلها من حالة الضعف والتبعية إلى حالة الإزدهار والحرية. كما أن منسوب القوة والشرعية ذاته ليس على درجة كافية من الضعف ليسمح لنخب أخرى - أكثر قدرة – للصعود واستلام مهمة الحكم. هذا هو تماما ما حمل ميكافيللي على توجيه النقد اللاذع لسلطة البابا لأنها لم تكن قوية بالقدر الكافي لتوحيد ايطاليا كما انها لم تكن على درجة كافية من الضعف تسمح للآخرين بأن يقوموا بتحقيق ما فشلت هي به. ان عدم قدرة النخبة الحاكمة على انجاز التحول المطلوب أضعف شرعيتها أمام الجمهور، ولغرض التغلب على ذلك لجأت تلك النخبة الى توظيف الدولة ومواردها للتقليل من وطأة عدم شرعيتها، ما حوّل الدولة كلها إلى فضاء متماهٍ مع توجهاتها، وهذا جعلها جزء من الأزمة بدلا من أن تكون جزء من الحل. وفي مسعاها للتقليل من هول ضعفها وفشلها في تحقيق الإزدهار والتنمية وتحرير فلسطين لجأت إلى تبني خطاب محتال يظهر ضعفها على أنه من الصنف الحميد، والذي لا ينبغي أن يُستدل منه أنها ناقصة الشرعية. فضعف النخبة الحاكمة وعدم شرعيتها، هو من وجهة نظرها نابع ليس من قصورها التاريخي وإنما من عدم مواءمة، لا بل معاداة البيئتين الداخلية (المجتمعية) والخارجية لما تمثلة هذه النخب من قيم وتوجهات ومبادي ترى فيها الخير والنبل الإنساني. وحمل هذا الوضع النخبة الحاكمة على البحث ليس عن موارد لتعظيم قدرتها على تحقيق ما يريده الجمهور وإنما عن انجازات آنيّة ومبتورة وشكلية (كالإصلاحات السياسية والإقتصادية هنا وهناك) الهدف منها تخدير الجمهور ليفقد قدرته على الإحساس بضعفها كي لا يُسائلها. هذا الحال عزز عدم شرعية تلك النخب وأبقاها ضعيفة ما دفع بها الى تبني وسائل السيطرة القهرية على المجتمع ومواطنيه كخيار أوحد بعد أن أخفقت في اختبارات الديمقراطية والتنمية.
ورغم اختفاء حكومات الحزب الواحد في الكثير من بلدان العالم وتغير بنية الأنظمة السياسية فيها إلا أن هذه الظاهرة ما زالت قائمة في غالبية البلدان العربية حيث ترفض أنظمتها تغيير هيكليتها وأسلوبها وأدواتها وترفض استيعاب المستجدات ومواجهة مقتضيات التطور والتنمية ومقتضيات الحكم الرشيد، ونجدها في الوقت ذاته تصر على الإستمرار في السلطة في عالم تغيرت فيه الظروف والشروط والسياسات، حتى بدت هذه الأحزاب شديدة الإختلاف والتناقض مع محيطها وشديدة العجز عن حل الصعوبات التي تواجه مجتمعاتها وأنظمتها السياسية والاقتصادية عامة.
كان لحكومات الحزب الواحد إيجابيات هامة في البداية، فقد أنجزت الاستقلال الوطني أو كادت وقادت البلاد الى التحرر من الاستعمار القديم ونفذت خطط تنمية (جزئية أحيانا وفاشلة أحياناً أخرى) وسعت الى تحقيق العدالة الاجتماعية وتقديم خدمات تعليمية وصحية واجتماعية لمواطنيها، إلا أنها في الوقت نفسه وقعت وأوقعت البلاد معها تحت وطأة أخطاء وأمراض عديدة وخطيرة ما لبثت أن أصبحت عائقاً أمام أي تقدم للبلاد والمجتمع. وعلى رأس هذه الأخطاء (وربما الخطايا) السيطرة القسرية على السلطة وإقصاء الناس جانباً وخنق حرية الرأي والتعبير والنكوص عن تكافؤ الفرص ومنح فرص العمل والمناصب والامتيازات للمحازبين وحجبها عن الآخرين. لقد صعّدت النخبة الحاكمة سلطاتها فأصبحت مستبدة وجر الاستبداد هذه الأنظمة إلى صنوف كثير من الفساد حتى أصبح الاستبداد والفساد أمران متلازمان. وأدى هذا الى إهمال الأحزاب الحاكمة للمهام والقضايا الداخلية والوطنية الكبرى التي جاءت لتحققها، وبالتالي الى ضعف النظام السياسي وترهل الدولة ومؤسساتها. أما المواطنين فقد تم تحييدهم قسرا عن المشاركة في تقرير مصيرهم، ما دفعهم الى الإنفضاض من حول نظامهم. وفي سياق تعاطي النظام مع هذه التحديات بتحالفات مغلقة داخليا وباتفاقات مع الخارج وذلك رغبة منه لتغطية الفشل في تحقيق شعاراته القومية والوطنية.
في هذا الإطار فقط يمكن فهم صنوف الفشل والمآزق والأزمات في البلدان التي يحكمها حزب واحد، ومحاولة الناس تأييد أحزاب المعارضة في هذه البلدان، سواء بالتعاطف معها أو بانتخابها أو بوضع الآمال فيها لتغيير الحال. وهكذا أصبح من الطبيعي أن تكون نتائج الانتخابات في بلدان كالجزائر ومصر وفلسطين كما كانت عليه، وان تواجه أنظمة السودان وليبيا وتونس وسوريا وغيرها الصعوبات والمآزق والأزمات التي تواجهها الآن، كما اصبح من البديهي انفضاض الناس عن الحزب الحاكم ونزوعهم إلى معاقبته والتعاون مع من يتصدون له ويناصبونه العداء في الداخل والخارج.
بالمحصلة، أسس قيادة الحزب الحاكم ومسؤولوه في البلدان العربية لفجوة ما زالت تتسع بين الأحزاب الأخرى وشعوبها من جهة، والأنظمة من جهة أخرى، ما اضعف هذه الأحزاب على الأرض أمام المنتسبين إليها، حتى غدت بحاجة الى إعادة صياغة وبناء جديدة ولإعادة هيكلة الدولة وتمكينها من القيام بدورها التاريخي والمتمثل بتصليب وتعزيز السيادة والإستقلال وإدارة التنمية وتحقيق الإزدهار. إن تغيير بنية النظام السياسي وتوجهاته وسياساته هو امر هام لكسب مصداقية الناس من جديد، لكن المأزق أمام ذلك يتمثل في عدم قدرة هذه الأحزاب على الإصلاح من ناحية، وعدم استطاعتها الاستمرار في الحال الذي أوصلت البلاد إليه من ناحية أخرى. فالحزب الحاكم يقف اليوم أمام هذه الإشكالية الحادّة والكبيرة لعل نتائج الانتخابات في فلسطين ومصر والجزائر تشكل رسالة واضحة وصريحة من الناس تذكرها بأن مرحلة التطور الحالية والظروف المحلية والإقليمية والدولية أصبحت تتطلب مشاركة الشعب كله بأحزابه ومنظماته في تقرير مصيره وإطلاق حرية التعبير وقبول التعددية والعمل على تكافؤ الفرص بين الجميع. ولأن الأحزاب الحاكمة تدرك أن نتائج الديمقراطية والانتخابات ليس في صالحها، نراها تصر على اختراع ديمقراطية ممسوخة تحفظ لها امتيازاتها واستمرارها في السلطة ولكن دون الإستجابة لتطلعات القطاعات الأوسع من المواطنين. وهذا ما يفسر انكبابها على ابتداع مبررات متنوعة لتسويغ سلطويتها المتجددة، وكأن الديمقراطية الحقة بمؤسساتها وآلياتها ومناهجها لا تصلح للبلدان العربية ولا يتقن التعاطي عها الاّ الآخرون. هذا الإدعاء القائم على مقولة "الخصوصية" هو ما نود فحصه في معالجتنا للحالة الفلسطينية بغرض الإستدلال على الحدود الفاصلة بين ما عو موضوعي وما هو ذاتي في تفسير ضعف الديمقراطية في الحالة الفلسطينية بشكل عام وفي حياة الحزب "الحاكم"، أي حركة فتح، بشكل خاص.
الحالة الفلسطينية:
تعود جذور الأحزاب والتنظيمات السياسية المختلفة ومن ضمنها حركة فتح إلى فترة النضال الوطني في خمسينيات وستينيات القرن المنصرم والتي كان همّها الأساسي تحرير فلسطين. وقد طورت هذه الأحزاب والحركات في هذه الأثناء سمات كثيرة حدّت من قدرتها على الانخراط في التقاليد الديمقراطية المعتادة كالإنتخابات وتأسيس قواعد ومؤسسات الحكم الديمقراطي . فقد أدت هيمنة حركة فتح وزعيمها التاريخي ياسر عرفات على منظمة التحرير منذ 969 ، وعلى السلطة التنفيذية في السلطة الفلسطينية منذ 1994 ، وعلى الهيئة التشريعية منذ 1996 ، الى تشويش العلاقة بين هذه الأجسام الأربعة ، ما أدى الى وجود نظام سياسي تسيطر عليه حركة سياسية واحدة هي حركة فتح . كما هيمن الأسلوب الشخصي للرئيس عرفات في الحكم على بنية وبرنامج كل من فتح والسلطة الفلسطينية ، حيث ظهرت مؤسسات وأجهزة مدنية وأمنية ذات ولاءات سياسية له أولا ولفتح ثانيا، ما أدى إلى تهميش دور المؤسسات التشريعية كالمجلس الوطني والمجلس التشريعي وفي داخل الحركات والأحزاب السياسية وهذا حال دون وجود بيئة "ديمقراطية" تقوم على أساس الرقابة المتبادلة بين السلطات وخاصة على السلطة التنفيذية ، وهذا ساهم بتمكين حركة حماس من الإنقضاض على النظام وتشظّيه.
ومع غياب اللوائح الداخلية الواضحة للحركة فإن ما ربطها داخليا هو العلاقات الشخصية وليس الفكر أو المباديء ، ما جعل القيادة تناط بالأفراد وليس بالمناصب التي يتبوءونها ، وهذا قاد الى ضعف الديمقراطية الداخلية لتَمركُز السلطة بيد مجموعة صغيرة متنفذة من الأفراد ذات قدرة على الوصول الى الموارد المادية والمعنوية الهامة . أما الفصائل الإسلامية (حماس والجهاد الإسلامي) بالمقابل فقد اختلقت في هذا الأمر إلى حد ما حيث طوّرت لوائح داخلية أكثر صلابة ووضوحا لنظم عملية اتخاذ القرار والقيادة. ولكن، وخاصة في حالة حماس، فإن عملية اتخاذ القرار اتسمت في كثير من الأحيان بالبطء الشديد بسبب السريّة في عملها بحكم تبعثر قياداتها وهيئاتها القيادية وتوزعها على دمشق وغزة والضفة والسجون .
افتقدت الفصائل السياسية الفلسطينية العلمانية بشكل عام، وذلك بحكم طبيعة عملها السرية وعدم مرونة بنيتها التنظيمية إلى الخبرات الحقيقية والمهارات الفنية العصرية في إدارة الشأن العام وخاصة في المجال التشريعي. أما حماس فيرى البعض أن عدم مشاركتها بمؤسسات السلطة في السنوات السابقة حال دون امتلاك وتراكم الخبرة لديها في موضوع الحكم وبخاصة على المستوى الوطني. وفي ظل غياب "المؤهلات" الداخلية لدى الفصائل السياسية ضعفت قدرتها على أن تكون معارضة قادرة على إحداث جدل حقيقي حول السياسات العامة. فمن الناحية العملية ، اتسم السجال السياسي لديها غالبا بالشخصنة والإغراق في الشعارات والكلاشيهات السياسية والأيديولوجية دون تطوير قدرة حقيقية على تصويب الأوضاع العامة كامتلاك برامج نضالية فعّالة ومحاربة الفساد وتحسين السياسة العامة ومستوى الخدمات المقدمة ، وخاصة في ظل امتلاك معظم هذه الفصائل لأذرع مسلحة واستعدادها للجوء للعنف لتسوية الخلافات فيما بينها، في كثير من الأحيان.
بغرض مناقشة أحوال الحزب أو الحركة السياسية المنتنفذة في فلسطين ونقصد هنا حركة فتح، وللإلمام بالظروف التي تؤثر سلبا على سلوكها الديمقراطي، لا بدّ من استعراض مجموعة من المعطيات السياقية الهامة التي يَسِم مجمل الحقل السياسي الفلسطيني ومن أهمها:
• سعة حدود الفضاء السياسي: والمقصود هنا بأن الحيز الذي يمكن تسميته بالسياسي هو حيز رحب وواسع تتنوع في إطاره العناصر والقوى الصانعة له وكذلك الديناميكيات المحددة لمفاعله المختلفة. فهو يشمل جميع السلطات وتكوينات النظام الرسمي وأجهزته الأمنية الإدارية والمدنية وعدد كبير من المؤسسات والهيئات شبه الحكومية، هذا إضافة الى الأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية والأطر والمنابر النقابية المختلفة والاتحادات واللجان والجمعيات. وإلى جانب هذه العناصر تتعايش مجموعة أخرى من التجليات المنبثقة والمعبرة عن السياسات الإسرائيلية في كل المجالات وخاصة ما يرتبط بالجدار وبالاستيطان وبسياسات الإغلاق والتجزئة والتفتيت والعزل والحصار، الأمر الذي يترتب علية تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية ورفع معدلات البطالة والفقر. أما منظمة التحرير الفلسطينية فهي حاضرة في ثنايا الحياة السياسية الفلسطينية، حيث نجدها حاضرة بشكل رسمي وغير رسمي بموروثها ومؤسساتها وأشخاصها وأهم من ذلك كله بالاتفاقيات التي قامت بتوقيعها ومنها اتفاقيات أوسلو مع إسرائيل والتي ترتب عليها إنشاء السلطة الفلسطينية ذاتها. ويضاف إلى كل ذلك بالطبع البيئة الدولية وانعكاساتها على الحالة الفلسطينية سياسياً وماليّاً واقتصادياً وخاصة في السنوات الستة المنصرمة والتي شهدت تطورات عميقة في تصورات وتوجهات الدول المانحة في التعامل مع الحالة الفلسطينية في ضوء اندلاع الانتفاضة الفلسطينية عام 2000 وفي ضوء فوز حركة حماي بالانتخابات التشريعية عام 2006.
• الحالة الفلسطينية كحالة انتقالية: وما نعنيه هنا هو أن الحالة السياسية الفلسطينية تتأثر بشكل كبير بالظروف والمعطيات الانتقالية التي تمر بها البلاد والتي تؤثر بدورها على بنية ومهام وسياسات المؤسسات والهياكل التي تصنع بمجملها النظام السياسي الفلسطيني فالحالة الانتقالية تعني غموض (وبالتالي قصور) النظم والقواعد والأحكام المعمول بها وذلك بسبب التداخل العميق بين تركة الماضي (وسياسات الاحتلال وموروث منظمة التحرير الفلسطينية) ومتطلبات الحاضر والمستقبل فيما يخص عملية الحكم والتنمية الاقتصادية، الأمر الذي يعني صعوبة الاحتكام إلى أي منهما لاستنباط القواعد والمبادئ والأساليب التي تقتضيها معطيات اللحظة وذلك لكون اللحظة ذاتها حيز تتصارع في إطاره نقائض العهدين ونقاط اللقاء بينهما في آن. فلزوجة المرحلة الانتقالية وعدم استقرارها يعني بالنسبة للقوى السياسية الاستمرار في تعريف وإعادة تعريف مصالحها وأنماط تحالفها ما يؤدي عادة إلى اضطراب وتشوش الحياة السياسية بما في ذلك النظام السياسي وقدرته على مزاولة وظائفه بفاعلية.
وانسجاماً مع الحالة الإنتقالية نشأت المؤسسات والهياكل واللجان والقرارات والمراسيم والتشريعات والقوانين والتي اشتركت جميعها بأنها مرحلية وأنها لن تكتسب كمالها إلاّ في ظل الدولة العتيدة والتي كان ينبغي أن تتحقق في أيار عام 1999 حسب الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل في عام 1994. أما الفترة التي تلت عام 2000 والتي شهدت إندلاع الانتفاضة فقد عمقت موضوعة المرحلية وجعلت الحالة الفلسطينية برمتها على درجة أعلى من التغيُّر واللاثبات، وخاصة في ظل المواجهة مع الإسرائيليين وفي ظل الإجراءات القمعية للاحتلال إلى جانب تبّدد فرص استمرار العملية السلمية وانسداد آفاق حل النزاع بين الطرفين، وفي ظل تراجع التأييد الدولي للحقوق الفلسطينية في الكثير من البلدان.
وقد تم في هذه الأثناء تأجيل أو إلغاء الكثير من الاستحقاقات الداخلية كالانتخابات التشريعية والرئاسية والبلدية، وكذلك المصادقة على القوانين بما في ذلك القانون الأساسي وقانون السلطة القضائية وقانون الخدمة المدنية والتي لم تتحقق إلاّ مؤخرً وفي إطار ضغوط خارجية كبيرة مارستها الأسرة الدولية وإسرائيل بغرض إجبار الفلسطينيين على التنازل عن العديد من الثوابت الوطنية وعن الحق في مقاومة الاحتلال.
• صعود حماس وفوزها بالإنتخابات: ويعتبر هذا التطور من بين الأحداث المفصلية ذات الأثر الكبير على الحالة الفلسطينية في مختلف جوانبها، بما في ذلك موضوع الأحزاب والديمقراطية. فصعود حماس كند لفلسفة وتوجهات الطبقة السياسية الفلسطينية المعبرَّ عنها بفصائل منظمة التحرير الفلسطينية، أحدث تحولاً عميقاً في بنية واتجاهات الحياة السياسية وأعاد الجدل من جديد حول الكثير من المسلمات بالسياسية الفلسطينية من بينها السلطة الفلسطينية وبنيتها ونوع البرنامج السياسي الذي ينبغي أن تتبناه والقواعد الناظمة لها داخلياً بما في ذلك العلاقة بين الرئاسة والحكومة والسلطة التشريعية والقضائية وقطاع الأمن والموقف من م ت ف ومسألة الاعتراف بإسرائيل ونوع العلاقات التي ينبغي إقامتها مع الأسرة الدولية وغير ذلك من القضايا الداخلية والخارجية. ومن أكثر المسائل أهمية وسخونة ما هو مرتبط بالسياسات الداخلية حيث تحولت هذه المجالات إلى ساحات للمواجهة بين حماس والآخرين وخاصة حركة فتح حول الوظائف والمناصب الإدارية والسلطة والامتيازات، إلى حد استخدام القوة والعنف وتوظيف القوى الأمنية في المجابهة بين الطرفين في بعض الأحيان، وانتهاءا بالإنفسام بين الضفة وغزة. إن صعود حماس إلى السلطة وضع جميع الأطراف الفاعلة في الساحتين المحلية والخارجية، بما في ذلك حماس ذاتها، أمام الكثير من التحديات وخاصة فيما تتعلق بآفاق العملية السلمية ومستقبلها والعلاقات الفلسطينية الداخلية وبعلاقة الشعب الفلسطيني بمجموعة مع العالم وقواه وأطرافه المختلفة، إضافة الى كيفية التعايش السياسي والأيديولوجي بين أطياف المجتمع الفلسطيني المختلفة.
وقد طرح صعود حركة حماس الكثير من الأسئلة حول حاضر ومستقبل الحالة الفلسطينية بما في ذلك بنية وسياسات الحكومة الجديدة وآفاق استمرارها والصيغ التي ستتعامل بها مع قضايا هامة كالإصلاحات الداخلية، والحالة الاقتصادية والأمنية المتردية، وممارسات الاحتلال التعسفية، والحصار الدولي المالي المفروض على السلطة الفلسطينية منذ اعتلاء حماس السلطة. وتركز الكثير من الأسئلة على نوعية البرامج والمبادرات الداخلية التي تتطلع حكومة حماس إلى تنفيذها في مختلف الجوانب كالتعليم والتشريعات والموازنة والإعلام والأمن والإدارة العامة والخدمة المدنية والحريات الشخصية وغير ذلك. ومن الأسئلة الهامة هنا ما يتعلق بتأثير الأجندة السياسية والعقيدية لحماس على آفاق التحول الديمقراطي وعلى فاعلية أداء المؤسسات الفلسطينية وعلى التكلفة الاجتماعية لذلك وعلى نوع التشريعات والقوانين التي تسن وأبعادها المجتمعية، وكذلك على طبيعة ونوع العلاقة/العلاقات المستقبلية بين فلسطين من جهة والعالمين العربي والإسلامي من جهة أخرى وفي هذا الفضاء يدور عدد آخر هام من الأسئلة حول مستقبل الفصائل العلمانية وخاصة حركة فتح وآفاق عودتها للحكم ديمقراطيا، وتأثير حدوث أو عدم حدوث ذلك على الطبيعة العلمانية للحياة السياسية الفلسطينية وعلى إمكانية ميلها نحو المحافظة والتشدد في ظل حكم حماس.
• التحولات في إسرائيل: وما يهمنا هنا هو الإشارة إلى التضاؤل المضطرد في درجة استعداد الجمهور الإسرائيلي للتعاطي الحقيقي والجاد مع ملف الصراع مع الفلسطينيين، الأمر الذي تجلى عبر انتخابه حكومات تواصل التنصل من عملية السلام واستحقاقاتها آخرها حكومة نتانياهو – ليبرمان المتطرفة ، وتستمر في تكريس المعطيات الميدانية (كالجدار والاستيطان وتقطيع أوصال المناطق الفلسطينية وشل جميع مرافق الحياة في مناطق السلطة) ضاربة عرض الحائط خطة خارطة الطريق، وذلك رغم إصرارها على رؤية " انسحابها " من داخل قطاع غزة عام 2005 – وإعادة تموضع الجيش الإسرائيلي على صيغة حصار خارجي للقطاع – وما أسمته بخطة الانطواء الأحادية الجانب على أنه في إطار استحقاقات تلك الخطة . وقد تمثلت انعكاسات هذه التحولات على الحالة السياسية الفلسطينية بتعزيز قوة القطاعات الرافضة للعملية السلمية وإضعاف الفئات البراغماتية وإحراجها أمام الجمهور الفلسطيني، الأمر الذي تجسّد بالتأييد الكبير لحركة حماس في الإنتخابات التشريعية في كانون ثاني عام 2006، والذي جاء بجزئه الأكبر كردة فعل على الموروث السيئ لحركة فتح في الحكم وكذلك على التعنت الإسرائيلي وغياب الإرادة السياسية الإسرائيلية للتعاطي الجوهري مع الصراع بين الطرفين.
• إشكالية من يمثل من؟ : ويبقى هذا الأمر على درجة من الغموض حيث يصعب الجزم بقوة ودرجة تمثيل الأحزاب والفصائل السياسية المختلفة للجمهور ومما يزيد الأمر تعقيداً عدم وضوح الحدود الفاصلة دائماً بين السلطة والمعارضة وبين الرئاسة والحكومة وبين الأحزاب السياسية وقوى المجتمع المدني وبين السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية. ومن أكثر التعابير حدة في هذا الأمر الصراع القائم اليوم بين حركتي حماس وفتح فيما يتعلق بتصوراتهما لحجم تأييدهما ومن ثم رقعة تمثيلهما للجمهور، الأمر الذي يأخذ صيغة التعارض والمناكفة السياسية وصولا الى الإقتتال والإنقسام الداخلي كما هو الحال اليوم. إن عدم النجاح في تحديد مَنْ يمثل مَنْ، قلّل من هيبة – وبالتالي من شرعية – القرارات المتخذة والسياسات المتبنّاة في مختلف المجالات. ومن الأمثلة ذات الدلالة على ذلك ما اتخذته الحكومة التي تقودها حماس من قرارات رسمية منذ اعتلائها السلطة والتي بلغ عددها210 قرار حتى منتصف آب 2006 وجاء غالبيتها في مجال التعيينات والترقيات (لمؤيدي حماس غالباً) وفي مجال إلغاء قرارات سابقه وتغيير في هيكليات بعض الوزارات وفي بنية بعض المؤسسات الحكومية إضافة إلى أن هناك عدداً كبيراً من القرارات تم صرفة على قضانا إدارية روتينية وبسيطة ليست ذات أهمية سياساتية أو برنامجية تذكر.
• السيادة المنقوصة: فقد عانت السلطة الوطنية منذ تأسيسها من نقص سيادتها وعدم سيطرتها على مجالات كثيرة كالأرض والموارد والأمن والحدود، وإضافة إلى محدودية تأثيرها على مجريات العملية السلمية وخاصة في موضوع التفاوض مع إسرائيل. هذا مضافاً إليه بالطبع غياب أي سيطرة فلسطينية على القدس الشرقية وعلى المناطق الفلسطينية خارج التجمعات السكانية (وحتى التجمعات السكانية في المدن الرئيسية لم تعد محصنة أمام الجيش الإسرائيلي منذ اجتياحات صيف 2002) وعدم التواصل الداخلي بين مناطق السلطة وخاصة بين الضفة الغربية وقطاع غزة وعدم السيطرة على الحدود والمعابر والميناء. كما تتجلى السيادة المجتزأة أيضاً في محدودية التأثير الفلسطيني في بنية وديناميكيات الإقتصاد الفلسطيني وفي العناصر اللازمة لتطويره والنهوض به، وكذلك بمحدودية القدرة الفلسطينية على تحقيق الأمن والطمأنينة وعلى حماية حقوق الأفراد والجماعات، إضافة إلى محدودية القدرة على الصمود في وجه الضغوطات الخارجية (في المجالين السياسي والمالي)، والتي بلغت اليوم درجة كبيرة من القوة والتأثير وذلك عبر النفوذ الكبير الذي تتمتع به كلا من الأسرة الدولية الغربية وخاصة الدول المانحة على مؤسسة الرئاسة، وقوى إقليمية (كإيران وسوريا وحزب الله) على حماس. ويترتب على هذا التأثير الكبير للقوى الخارجية أن الكثير من المواقف والقرارات السياسية التي يتخذها الفلسطينيون أصبح من السهل رؤيتها على أنها تأتي لإرضاء أطراف خارجية ولتبديد تخوفاتها أكثر من كونها استجابة وتجسيد لما يريده ويرغب به الجمهور. وكمثال دال على ذلك إصدار الرئيس محمود عباس بعد فوز حماس مباشرة عدداً من المراسيم الرئاسية التي بسط عبرها سلطته المباشرة على الأجهزة الأمنية والمعابر السفارات وعلى عدد آخر من المؤسسات والهيئات الهامة، وكذلك قيام المجلس التشريعي الجديد عام 2006، الذي تتمتع فيه حركة حماس بأغلبية واضحة بإلغاء عدداً من القرارات التي كان قد اتخذها المجلس التشريعي السابق واختص غالبيتها بتعيينات وترقيات في الفئة العليا والمتوسطة وفي تقوية مواقع مؤيدي حركة فتح في نظامي الإدارة العامة والخدمة المدنية قبيل مغادرة الحكومة.
• القيادة السياسية: فبحكم التداخل طول الفترة السابقة بين السلطة الوطنية ومنظمة التحرير وبين مهام التحرر والاستقلال من ناحية والبناء والإعمار من ناحية من ناحية أخرى، وبحكم التعارض وعدم الانسجام بين مؤسسة الرئاسة والتي هي بيد حركة فتح والحكومة التي قادتها حماس، وحكومة سلام فياض لاحقا، وكذلك بحكم تأَثُّر القيادة بموروث ما يسمى بالحرس القديم وبمبادرات ما يسمى بالجيل القيادي الصاعد (والذي يعتبر المعتقل مروان البرغوثي أحد أقطابه)، بحكم كل ذلك تتسم القيادة السياسية الفلسطينية بدرجة ملحوظة من التشويش وعدم الانسجام من حيث بنيتها ومدى شرعيتها وسياساتها وتوجهاتها إزاء القضايا والتحديات الداخلية والخارجية، لاسيما تلك المرتبطة بالتحرر والاستقلال.
فالقيادة الفلسطينية موزعة اليوم على مؤسسات ثلاثة هي : الرئاسة والحكومة والمجلس التشريعي والتي ينتمي كل منها الى تيارات سياسية مختلفة، وتوجد بينهما تباينات وتناقضات سياسية وأيديولوجية وشخصية، لم تستطيع بعد تطوير قواعد واضحة ومتفق عليها للتعامل فيما بينها، ما دفع وفي أكثر من مرة بتلك التناقضات أن شقت طريقها إلى الشارع وإلى الفئات المسلحة ومن ثم إلى تعميق حالة من الفوضى والفلتان الأمني واستباحة حقوق وحريات المواطنين ومثال على ذلك ما حدث في أوائل أكتوبر 2006 من اشتباكات مسلحة في غزة بين مسلحي فتح وحماس وأودى بحياة الكثيرين وانتهاءا بالسيطرة المسلحة لحركة حماس على القطاع في صيف 2007.
وعلى الرغم من أن القيادة منتخبة عبر الانتخابات الرئاسية والتشريعية، بمعنى أن الجمهور منحها ثقته للتعبير عن مصالحة وتطلعاته من خلال المؤسسات، إلا أنه يتم عادة تفريغها من جوهرها القيادي عبر تأسيس شبكة موازية من العلاقات والارتباطات القوية وغير الرسمية التي تقوم على منطق الزبائنية والامتيازات الخاصة والعلاقات العائلية والمناطقية والشخصية ما يجعل العلاقة بين القيادات ومؤيديهم علاقة يحكمها منطق التدرج والتراتبية في نطاق العلاقة الزبائنية. من الواضح ان هذه العلاقات غير الرسمية بين القيادات والمواطنين هي ذات أهمية اكبر من المؤسسات الرسمية بالنسبة للطرفين لأنها تتم بعيداً عن القواعد والإجراءات الرسمية الإدارية والقانونية وعن الصيغة الروتينية لاتخاذ القرارات، الأمر الذي من شانه ان يحول دون المساءلة والمحاسبة والرقابة وان يعزز قيم الواسطة والمحسوبية والفساد.
وفيما يتعلق بالإرادة السياسية نلاحظ ضعف أو غياب القدرة والاستعداد لاتخاذ القرارات (وخاصة الصعبة منها) ومعالجة ما يترتب على ذلك من نتائج وانعكاسات تحمل المسؤولية أمام الجميع وامتلاك مقومات الاستمرار للدفاع عن مواقف محددة من شانها أن تساهم في خلق الظروف والمناخات المساندة لقيم المهنية والكفاءة والجدارة والمحاسبة والمساءلة وغير ذلك من القيم التي تساهم بالنهوض بالأداء لخدمة الصالح العام بأفضل صورة ممكنة.
ولا ينبغي أن يفوتنا هنا التنوية إلى أن الإرادة السياسية ترتبط بشبكة المصالح للمجموعات والطبقات والفئات المختلفة وبنوع التحالفات او التعارضات فيما بينها وبالطريقة التي تؤثر بها هذه المصالح على الرغبة في التغيير الحديث عن الإدارة السياسية في أحداث التغيير هو حديث عن المصلحة في أحداث ذلك التغيير وفي مقاومة ما يعترضه من تحديات. وعلى ضوء هذا الربط بين الإرادة السياسية من ناحية، والتغيير من ناحية أخرى، يتضح لنا ان الإرادة السياسية هي أمر يكتنفه الغموض لكون العلاقة بين مختلف الفئات والشرائح والسلطة الفلسطينية هي علاقة مشوشة ومضطربة بسبب ضعف السلطة وصعوبة الرهان عليها كحاضنة او حامية للمصالح المختلفة، وذلك بحكم انكشافيتها الشديدة للداخل والخارج وفي كل المجالات. ومن المؤشرات ذات الدلالة على غموض الإرادة السياسية - وبالتالي المصلحة- لإحداث التغيير عدم وجود صيغ التوافق والتفاهم على عدد كبير من القضايا كمآل (مصير) السلطة الفلسطينية في ان تبقى او ان تحل نفسها، وموقف مختلف الأطراف (وخاصة حماس) من م ت ف وإسرائيل والمجموعة الدولية، وموقف فتح (الرئاسة) من حماس (الحكومة والسلطة التشريعية) وموقفي الكيانين الفلسطينيين الحاليين من بعضهما بعضا. ان هذه الشبكة المعقدة من القضايا والتحديات تحول دون وضوح الاعتبارات والحسابات والتي على ضوئها تتحدد المصالح وتُرسم الاستراتيجيات الأنسب لتحقيقها، الأمر الذي يعني ان المقومات اللازمة لوجود الإرادة السياسية لأحداث التغيير هي مقومات مبعثرة غير مكتملة وتتهددها المخاطر والتحديات في الداخل والخارج.
• سلطة تنفيذية قوية وسلطة تشريعية ضعيفة: رغم أن القانون الأساسي المعدل (2003) ينص على تقيدات محددة واضحة فيما يتعلق بسلطات وصلاحيات السلطة التنفيذية بمؤسستي الرئاسة ورئاسة الوزراء، إلا أن الأمر جاء مختلفات جداً من الناحية الفعلية وفي سياق التنفيذ. فالرئاسة بقيت قوية وتسيطر على جزء هام من الموارد ومن قوى الأمن وفرض القانون والنظام والمؤسسات والهيئات (وخاصة المرتبطة بصناديق الاستثمار) إلى جانب بهاتة الحدود الفاصلة بينها وبين م ت ف وخاصة أن الرئيس عباس، كسلفه عرفات، يجمع بين كونه رئيساً للسلطة الفلسطينية ورئيساً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وزعيم لحركة فتح. أما سلطة رئاسة الوزراء فرغم أن القانون الأساسي (المعدل) 2003 نص على سلطات محددة لها، إلا انه ومن الناحية العملية ولاعتبارات سياسية تم التضييق على حكومة حماس بأكثر من أسلوب بهدف حملِها على تغيير برنامجها وموقفها السياسي إزاء إسرائيل ومنظمة التحرير والاتفاقيات الموقعةما دفعها الى التمرد والسيطرة المسلحة على القطاع.
أما السلطة التشريعية، فرغم أن المجلس التشريعي اتخذ مواقف ايجابية في بعض الأحيان (كتصويته لحجب الثقة عن لائحة مجلس الوزراء التي اقترحها الرئيس عرفات في أيلول 2002. إلا أن دورة بقي محدود في الكثير من القضايا الهامة كالخلافات التي كانت مثار جدل بين كل من الرئيس ورئيس الوزراء ومجلس الوزراء ووزارة العدل ومجلس القضاء الأعلى، والمراقب العام ومجلس الوزراء والمجلس التشريعي، هذا إضافة إلى الكثير من الانتقادات التي يمكن توجيهها له في مجال سن القوانين والتشريعات. أما مرد معظم هذه الأسباب التي جعلت دور المجلس التشريعي في السابق دون المستوى المطلوب فهو عدم قدرة أكثريته في حينه (والتي هي لحركة فتح) على مواجهة السلطة التنفيذية. هذا مضافاً إليه بالطبع تلكؤ بل ومعارضة كل من إسرائيل والولايات المتحدة للقيادة الفلسطينية، الأمر الذي أَخَّرَ لثلاث سنوات عقد الانتخابات التشريعية والتي كانت مقره أصلا في كانون الثاني 2003. علاوة على كل ذلك كان لتهميش المجلس التشريعي الفلسطيني تأثيرات سلبية على المراجعة القضائية وخاصة على استمرار الضعف في أداء النائب العام والمراقب العام. هذا الحال ازداد تعقيدا بعد فوز حركة حماس بغالبية مقاعد المجلس التشريعي وبعد طغيان حالة التوتر الداخلي الذي ترتب عليه شل المجلس التشريعي في كل المجالات وانشطار النظام بأكمله إلى نصف في الضفة الغربية تسيطر عليه حركة فتح وحكومة سلام فياض وآخر في قطاع غزة تحت سيطرة حركة حماس.
إن مجموع هذه العوامل قد ألقت بظلالها على مجمل الحالة الفلسطينية في جميع جوانبها بما في ذلك الحالة الحزبية السياسية وتأثرها وتأثيرها بموضوعة الديمقراطية. وقد كان هذا التأثير بمجمله سلبي وأدى إلى تعزيز انكشافية وضعف السلطة الوطنية وعدم تمكنها من تحقيق الاستقلال الوطني أو الاستقرار المجتمعي الداخلي. ويصبح من الواضح هنا أن الإنجاز في هذين الأمرين هو شديد الإرتباط بقدرة الفلسطينيين على انتزاع حقوقهم الوطنية وإنهاء الإحتلال الإسرائيلي، والذي بدونه يتعذر الحديث عن الديمقراطية الفلسطينية وتأثرها وتأثيرها على الحالة الحزبية القائمة.
وبخصوص الحزب "الحاكم" في فلسطين (والمقصود هنا حركة فتح)، فقد عانى كغيره من الأحزاب من شدة تأثير العوامل الهدامة التي أشرنا إليها أعلاه، ولكنه عانى أيضاً من العديد من التغيرات والإشكاليات الداخلية، التي انعكست سلباً على الديمقراطية الفلسطينية. ومن أبرز هذه الإشكاليات: القيادة الشخصانية؛ ضعف البنية المؤسسية للحركة؛ الموروث السري؛ غياب الإنتخابات الداخلية؛ طغيان روح الهيمنة والإستئثار؛ ضعف تقاليد المساءلة ومهادنة الفساد؛ شيخوخة اعضاء هذه الهيئات؛ عدم اطلاع القاعدة على ما يجري داخل وخارج الحركة؛ التداخل بين الحركة من جهة والسلطة والمنظمة من جهة أخرى.
الخاتمة:
يتضح من هذا الإستعراض لموضوع الديمقراطية في الأحزاب العربية الحاكمة، إن الجانب الأبرز من الإشكالية يكمن في تشوه بنية الدولة في العالم العربي وإلى غياب الدولة في الحالة الفلسطينية. فتشوه الدولة العربية شق طريق إلى تشوه بنية الحزب الحاكم وبرنامجه للداخل والخارج، تماماً كما أدى غياب الدولة الفلسطينية المستقلة إلى ضعف بنية وبرنامج حركة فتح داخلياً وخاصة في مسألة الديمفراطية. وإضافة إلى هذا المشترك البنيوي، هناك مشترك آخر يتمثل بأن الأحزاب الحاكمة في البلدان العربية، ومن ضمنها فلسطين، تعاني من أزمة نقصان الشرعية المستمدة من عدم الإنجاز، الأمر الذي يدفعها لإدارة شؤون الحكم بالإرتكاز على التسلط والإقصاء من جهة، وعلى إيجاد تحالفات مصلحية ضيقة من جهة أخرى، ما زاد من الهوة بين نظام الحكم والجمهور والمعارضة.
ولكي يكون للديمقراطية حال أفضل يضحي من الضروري إحداث إصلاحيات عميقة في بنية وبرنامج الحزب الحاكم، الأمر الذي لا يمكنه أن يتم دون إنعاش الحياة الداخلية لبنى وتراكيب وهيئات الأحزاب، وهذا من شأنه أن يمنحها الشرعية الحقة التي لا يُستدل عليها إلاّ بالانتخابات الحرة. إن إنجاز هذا الأمر سيمكن الأحزاب الحاكمة من نيل المقبولية لدى الأحزاب المعارضة، الإسلامية منها (كحركة حماس) على وجه التحديد. أما أن تبقى حالة الإقصاء قائمة كما هي الآن فهذا ينذر بمزيد من التوتر والإنقسام والضعف، ومن شان ذلك أن يتطور وأن يحول الأوطان إلى قبليات متنافره يصبح الفيصل فيها هو السيف بدلاً من صندوق الإقتراع.
..............................................................................
المراجع
• الديمقراطية داخل الأحزاب في البلدان العربية، مركز دراسات الوحدة العربية، . 2004
• حسين العودات ا لأحزاب العربية الحاكمة وأخذ العبر، البيان الإماراتية: 11-02-2006.
• نعمان الخطيب، الأحزاب السياسية ودورها في أنظمة الحكم المعاصرة، القاهرة: دار الثقافة للنشر والتوزيع، 1983.
• عبد الرضا حسين الطعان، البعد الاجتماعي للأحزاب السياسية، دراسة في علم الاجتماع السياسي، بغداد: وزارة الثقافة والإعلام، 1990.
• عبد الكريم سعدواي، التعددية السياسية في العالم الثالث: الجزائر نموذجاً, السياسة الدولية، العدد 138، أكتوبر 999م.
• فــؤاد خوري في: ورشة عمل: الممارسة الديمقراطية في الأحزاب العربية، المستقبل العربي (بيروت)، العدد 161، تموز 1992.
• أحمد علي البشاري، الأحزاب والتنظيمات السياسية في الجمهورية اليمنية: دراسة تحليلية وثائقية لبرامج العمل السياسي، صنعاء، 2003.
• كرم الحلو، هل نمضي في إيصاد الباب أمام التحولات الديمقراطية في العالم، الحياة اللندنية، العدد 11118.
• يحيى أحمد عبد الرحمن النعماني، الديمقراطية الداخلية في الأحزاب اليمنية العاعلة دراسة مقارنة، الرابط:
http://www.yemen-nic.info/contents/studies/detail.php?ID=17582
• رغيد الصلح، الديمقراطية داخل الأحزاب اللبنانية والعربية / الخليج الاماراتية 19 حزيران 2009، الرابط:
http://www.elnashra.com/articles-1-12652.html
• سمير عبد الرحمن الشميري، الديمقراطية في الأحزاب العربية، الرابط:
http://tajammoa.jeeran.com/index26b.htm
• محمد ابو بكر، دور الأحزاب في الاصلاح السياسي الوطن العربي، الرابط:
http://www.dahsha.com/viewarticle.php?id=30977
• الملتقى الثاني للديمقراطية والإصلاح السياسي في الوطن العربي ، الدوحة، قطر، 2007، الرابط:
http://www.qatar-conferences.org/arabdemocracy2007/arabic/viewlastnews.php?id=77
• دراسة حول : دور الأحزاب السياسية العربية فى نشر ثقافة حقوق الإنسان/ الرابط:
http://www.fateh-voice.com/vb//showthread.php?t=32005
• مشروع دراسات الديمقراطية في البلدان العربية، الرابط:
http://www.assr.org/announcements/18/activities.pdf
• حامد الحمداني، حول الديمقراطية والحياة الحزبية في العالم العربي، الرابط:
http://www.nasiriyeh.net/Maqalat-1Aug08/hamidlahamdani-8aug08.htm
• كاظم عبد الحسين عباس، الأحزاب الطائفية ليست تعددية بل انتهاك للديمقراطية، الرابط:
http://www.watan.com/article/115
• يزيد صايغ وخليل الشقاقي، تقوية مؤسسات السلطة الفلسطينية، تقرير فريق العمل المستقل برعاية مجلس العلاقات الخارجية، الرابط:
http://www.pcpsr.org/arabic/cfr/full1.html#head3
• خالد الحروب أحزاب عربية... وديموقراطية بلا ديموقراطيين، الحياة اللندنية، الرابط:
http://www.balagh.com/islam/710x9xoq.htm
• صالح القاضي، الأحزاب العربية وأزمة الديمقراطية، الرابط:
http://www.elaph.com/ElaphWeb/AsdaElaph/2006/4/143440.htm
• برهان غليون، الديمقراطية العربية المنتظرة لم تولد بعد، الرابط:
http://ar.qantara.de/webcom/show_article.php/
• الضوي خوالدية، احزابنا العلمانية الحاكمة: نشأتها وسياستها، صحيفة الشعب على الرابط:
http://www.alarabnews.com/alshaab/21-06-2003.htm
• حول الديمقراطية والحياة الحزبية في العالم العربي، الرابط:
http://www.nasiriyeh.net/Maqalat-1Aug08/hamidlahamdani-8aug08.htm
• محمد ابو بكر، دور الأحزاب في الاصلاح السياسي الوطن العربي، الرابط:
http://www.dahsha.com/viewarticle.php?id=30977
• رائد فوزي احمود، الاحزاب السياسية في الوطن العربي واشكاليات العلاج، الرابط:
http://www.aljaredah.com/paper.php?source=akbar&mlf=interpage&sid=12621
مركز القدس للدراسات السياسية
الدكتور باسم الزبيدي
أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت
تستدعي مناقشة مأزق الديمقراطية في الاحزاب الحاكمة في العالم العربي تسليط الضوء على عدد من القضايا ذات العلاقة من أهمها الطبيعة المشوهة لنشأة وتكوين الدولة في العالم العربي وإشكالية ضعف شرعية الحكم وأزمة غياب الديمقراطية في الأحزاب العربية الحاكِمة والمعارِضة على حد سواء. ما تسعى الى ايضاحه هذه الورقة هو التعريف بأوجه الخلل في هذه المستويات وتقدير تأثيرها على ضعف الحالة الديمقراطية في الأحزاب السياسية الحاكمة آخذين الحالة الفلسطينية كمثال على ذلك.
أهمية الأحزاب السياسية
تعتير الأحزاب السياسية المحور الأساسي في العملية الديمقراطية، فبدونها يتعذر الحديث عن وجود ديمقراطية مهما كان نوعها. فالأحزاب السياسية مرتبطة بموضوع الإصلاح السياسي، والذي يصعب تصور حدوثه دونها ودون الدور المناط بها لتحقيقه، بشكل يقود إلى وضع الأسس الراسخة لقيام الحالة الديمقراطية المبنية على التعددية والتداول السلمي للسلطة بين الأحزاب والتيارات المختلفة. فالغوص في دور الأحزاب يستدعي تلقائيا الخوض في موضوع الديمقراطية حيث انه لا يمكن الحديث عن أي إصلاحات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أوثقافية دون الغوص في موضوع الديمقراطية وآفاق تطورها وإشكالياتها في منطقتنا العربية.
الحزبية في معظم البلدان العربية ما زالت ضعيفة، فهي تتعامل بخجل مع الحالة الديمقراطية، وإذا استثنينا الحزب الحاكم في بعض هذه البلدان فليس من السهل القول بأن هناك أحزابا فاعلة وذات تأثير ملموس على خريطة الفعل السياسي. ورغم ذلك فان الأحزاب السياسية في العديد من البلدان العربية قادرة على لعب دور فاعل وفرض نفسها واستغلال ما لديها من نفوذ في الشارع وفي الحكم للمشاركة الفاعلة في عملية الإصلاح والتي تعني اولاً إعادة ترميم وبناء الحالة المجتمعية برمتها على أسس جديدة. وهذا ما يعني أيضا أن على الأحزاب أن تلعب دورا نشطا وأن تمارس تأثيرها بكافة الوسائل لكون الإصلاح يبدأ أولاً بإقرار القوانين الناظمة للحريات وفي مقدمتها قانون الانتخاب وقانون الأحزاب السياسية والقوانين الخاصة بالصحافة والمطبوعات والاجتماعات العامة وغيرها من القوانين التي تحكم عمل النقابات على سبيل المثال والمؤسسات ذات التأثير المجتمعي الكبير. ولكون قانون الانتخابات هو الأهم في عملية الإصلاح السياسي في المنطقة العربية فإنه يصبح لزاما على الأحزاب أن تنشط لحمل السلطة التشريعية على صياغة قوانين عصرية تلبي طموحات المواطنين، وذلك عبر أن تركز هذه القوانين على القوائم النسبية لضمان وصول النواب الحزبيين المعبرين عن تطلعات أحزابهم وبالتالي المواطنين إلى البرلمان، حيث هي الساحة الحقيقية للصراع السياسي الديمقراطي الحقيقي بين الأغلبية والأقلية وبين الحزب الحاكم والمعارضة.
أزمة الأحزاب كجزء من أزمة الدولة العربية
تعاني الدولة في العالم العربي منذ تأسيسها من الكثير من الإشكاليات من بينها حالة الإنفصام لدى النخب الحاكمة من حيث أن ما تمتلكه من موارد للقوة والشرعية لم يعد كافيا لتمكينها من إتمام التحول الجذري والحقيقي للمجتمعات العربية ونقلها من حالة الضعف والتبعية إلى حالة الإزدهار والحرية. كما أن منسوب القوة والشرعية ذاته ليس على درجة كافية من الضعف ليسمح لنخب أخرى - أكثر قدرة – للصعود واستلام مهمة الحكم. هذا هو تماما ما حمل ميكافيللي على توجيه النقد اللاذع لسلطة البابا لأنها لم تكن قوية بالقدر الكافي لتوحيد ايطاليا كما انها لم تكن على درجة كافية من الضعف تسمح للآخرين بأن يقوموا بتحقيق ما فشلت هي به. ان عدم قدرة النخبة الحاكمة على انجاز التحول المطلوب أضعف شرعيتها أمام الجمهور، ولغرض التغلب على ذلك لجأت تلك النخبة الى توظيف الدولة ومواردها للتقليل من وطأة عدم شرعيتها، ما حوّل الدولة كلها إلى فضاء متماهٍ مع توجهاتها، وهذا جعلها جزء من الأزمة بدلا من أن تكون جزء من الحل. وفي مسعاها للتقليل من هول ضعفها وفشلها في تحقيق الإزدهار والتنمية وتحرير فلسطين لجأت إلى تبني خطاب محتال يظهر ضعفها على أنه من الصنف الحميد، والذي لا ينبغي أن يُستدل منه أنها ناقصة الشرعية. فضعف النخبة الحاكمة وعدم شرعيتها، هو من وجهة نظرها نابع ليس من قصورها التاريخي وإنما من عدم مواءمة، لا بل معاداة البيئتين الداخلية (المجتمعية) والخارجية لما تمثلة هذه النخب من قيم وتوجهات ومبادي ترى فيها الخير والنبل الإنساني. وحمل هذا الوضع النخبة الحاكمة على البحث ليس عن موارد لتعظيم قدرتها على تحقيق ما يريده الجمهور وإنما عن انجازات آنيّة ومبتورة وشكلية (كالإصلاحات السياسية والإقتصادية هنا وهناك) الهدف منها تخدير الجمهور ليفقد قدرته على الإحساس بضعفها كي لا يُسائلها. هذا الحال عزز عدم شرعية تلك النخب وأبقاها ضعيفة ما دفع بها الى تبني وسائل السيطرة القهرية على المجتمع ومواطنيه كخيار أوحد بعد أن أخفقت في اختبارات الديمقراطية والتنمية.
ورغم اختفاء حكومات الحزب الواحد في الكثير من بلدان العالم وتغير بنية الأنظمة السياسية فيها إلا أن هذه الظاهرة ما زالت قائمة في غالبية البلدان العربية حيث ترفض أنظمتها تغيير هيكليتها وأسلوبها وأدواتها وترفض استيعاب المستجدات ومواجهة مقتضيات التطور والتنمية ومقتضيات الحكم الرشيد، ونجدها في الوقت ذاته تصر على الإستمرار في السلطة في عالم تغيرت فيه الظروف والشروط والسياسات، حتى بدت هذه الأحزاب شديدة الإختلاف والتناقض مع محيطها وشديدة العجز عن حل الصعوبات التي تواجه مجتمعاتها وأنظمتها السياسية والاقتصادية عامة.
كان لحكومات الحزب الواحد إيجابيات هامة في البداية، فقد أنجزت الاستقلال الوطني أو كادت وقادت البلاد الى التحرر من الاستعمار القديم ونفذت خطط تنمية (جزئية أحيانا وفاشلة أحياناً أخرى) وسعت الى تحقيق العدالة الاجتماعية وتقديم خدمات تعليمية وصحية واجتماعية لمواطنيها، إلا أنها في الوقت نفسه وقعت وأوقعت البلاد معها تحت وطأة أخطاء وأمراض عديدة وخطيرة ما لبثت أن أصبحت عائقاً أمام أي تقدم للبلاد والمجتمع. وعلى رأس هذه الأخطاء (وربما الخطايا) السيطرة القسرية على السلطة وإقصاء الناس جانباً وخنق حرية الرأي والتعبير والنكوص عن تكافؤ الفرص ومنح فرص العمل والمناصب والامتيازات للمحازبين وحجبها عن الآخرين. لقد صعّدت النخبة الحاكمة سلطاتها فأصبحت مستبدة وجر الاستبداد هذه الأنظمة إلى صنوف كثير من الفساد حتى أصبح الاستبداد والفساد أمران متلازمان. وأدى هذا الى إهمال الأحزاب الحاكمة للمهام والقضايا الداخلية والوطنية الكبرى التي جاءت لتحققها، وبالتالي الى ضعف النظام السياسي وترهل الدولة ومؤسساتها. أما المواطنين فقد تم تحييدهم قسرا عن المشاركة في تقرير مصيرهم، ما دفعهم الى الإنفضاض من حول نظامهم. وفي سياق تعاطي النظام مع هذه التحديات بتحالفات مغلقة داخليا وباتفاقات مع الخارج وذلك رغبة منه لتغطية الفشل في تحقيق شعاراته القومية والوطنية.
في هذا الإطار فقط يمكن فهم صنوف الفشل والمآزق والأزمات في البلدان التي يحكمها حزب واحد، ومحاولة الناس تأييد أحزاب المعارضة في هذه البلدان، سواء بالتعاطف معها أو بانتخابها أو بوضع الآمال فيها لتغيير الحال. وهكذا أصبح من الطبيعي أن تكون نتائج الانتخابات في بلدان كالجزائر ومصر وفلسطين كما كانت عليه، وان تواجه أنظمة السودان وليبيا وتونس وسوريا وغيرها الصعوبات والمآزق والأزمات التي تواجهها الآن، كما اصبح من البديهي انفضاض الناس عن الحزب الحاكم ونزوعهم إلى معاقبته والتعاون مع من يتصدون له ويناصبونه العداء في الداخل والخارج.
بالمحصلة، أسس قيادة الحزب الحاكم ومسؤولوه في البلدان العربية لفجوة ما زالت تتسع بين الأحزاب الأخرى وشعوبها من جهة، والأنظمة من جهة أخرى، ما اضعف هذه الأحزاب على الأرض أمام المنتسبين إليها، حتى غدت بحاجة الى إعادة صياغة وبناء جديدة ولإعادة هيكلة الدولة وتمكينها من القيام بدورها التاريخي والمتمثل بتصليب وتعزيز السيادة والإستقلال وإدارة التنمية وتحقيق الإزدهار. إن تغيير بنية النظام السياسي وتوجهاته وسياساته هو امر هام لكسب مصداقية الناس من جديد، لكن المأزق أمام ذلك يتمثل في عدم قدرة هذه الأحزاب على الإصلاح من ناحية، وعدم استطاعتها الاستمرار في الحال الذي أوصلت البلاد إليه من ناحية أخرى. فالحزب الحاكم يقف اليوم أمام هذه الإشكالية الحادّة والكبيرة لعل نتائج الانتخابات في فلسطين ومصر والجزائر تشكل رسالة واضحة وصريحة من الناس تذكرها بأن مرحلة التطور الحالية والظروف المحلية والإقليمية والدولية أصبحت تتطلب مشاركة الشعب كله بأحزابه ومنظماته في تقرير مصيره وإطلاق حرية التعبير وقبول التعددية والعمل على تكافؤ الفرص بين الجميع. ولأن الأحزاب الحاكمة تدرك أن نتائج الديمقراطية والانتخابات ليس في صالحها، نراها تصر على اختراع ديمقراطية ممسوخة تحفظ لها امتيازاتها واستمرارها في السلطة ولكن دون الإستجابة لتطلعات القطاعات الأوسع من المواطنين. وهذا ما يفسر انكبابها على ابتداع مبررات متنوعة لتسويغ سلطويتها المتجددة، وكأن الديمقراطية الحقة بمؤسساتها وآلياتها ومناهجها لا تصلح للبلدان العربية ولا يتقن التعاطي عها الاّ الآخرون. هذا الإدعاء القائم على مقولة "الخصوصية" هو ما نود فحصه في معالجتنا للحالة الفلسطينية بغرض الإستدلال على الحدود الفاصلة بين ما عو موضوعي وما هو ذاتي في تفسير ضعف الديمقراطية في الحالة الفلسطينية بشكل عام وفي حياة الحزب "الحاكم"، أي حركة فتح، بشكل خاص.
الحالة الفلسطينية:
تعود جذور الأحزاب والتنظيمات السياسية المختلفة ومن ضمنها حركة فتح إلى فترة النضال الوطني في خمسينيات وستينيات القرن المنصرم والتي كان همّها الأساسي تحرير فلسطين. وقد طورت هذه الأحزاب والحركات في هذه الأثناء سمات كثيرة حدّت من قدرتها على الانخراط في التقاليد الديمقراطية المعتادة كالإنتخابات وتأسيس قواعد ومؤسسات الحكم الديمقراطي . فقد أدت هيمنة حركة فتح وزعيمها التاريخي ياسر عرفات على منظمة التحرير منذ 969 ، وعلى السلطة التنفيذية في السلطة الفلسطينية منذ 1994 ، وعلى الهيئة التشريعية منذ 1996 ، الى تشويش العلاقة بين هذه الأجسام الأربعة ، ما أدى الى وجود نظام سياسي تسيطر عليه حركة سياسية واحدة هي حركة فتح . كما هيمن الأسلوب الشخصي للرئيس عرفات في الحكم على بنية وبرنامج كل من فتح والسلطة الفلسطينية ، حيث ظهرت مؤسسات وأجهزة مدنية وأمنية ذات ولاءات سياسية له أولا ولفتح ثانيا، ما أدى إلى تهميش دور المؤسسات التشريعية كالمجلس الوطني والمجلس التشريعي وفي داخل الحركات والأحزاب السياسية وهذا حال دون وجود بيئة "ديمقراطية" تقوم على أساس الرقابة المتبادلة بين السلطات وخاصة على السلطة التنفيذية ، وهذا ساهم بتمكين حركة حماس من الإنقضاض على النظام وتشظّيه.
ومع غياب اللوائح الداخلية الواضحة للحركة فإن ما ربطها داخليا هو العلاقات الشخصية وليس الفكر أو المباديء ، ما جعل القيادة تناط بالأفراد وليس بالمناصب التي يتبوءونها ، وهذا قاد الى ضعف الديمقراطية الداخلية لتَمركُز السلطة بيد مجموعة صغيرة متنفذة من الأفراد ذات قدرة على الوصول الى الموارد المادية والمعنوية الهامة . أما الفصائل الإسلامية (حماس والجهاد الإسلامي) بالمقابل فقد اختلقت في هذا الأمر إلى حد ما حيث طوّرت لوائح داخلية أكثر صلابة ووضوحا لنظم عملية اتخاذ القرار والقيادة. ولكن، وخاصة في حالة حماس، فإن عملية اتخاذ القرار اتسمت في كثير من الأحيان بالبطء الشديد بسبب السريّة في عملها بحكم تبعثر قياداتها وهيئاتها القيادية وتوزعها على دمشق وغزة والضفة والسجون .
افتقدت الفصائل السياسية الفلسطينية العلمانية بشكل عام، وذلك بحكم طبيعة عملها السرية وعدم مرونة بنيتها التنظيمية إلى الخبرات الحقيقية والمهارات الفنية العصرية في إدارة الشأن العام وخاصة في المجال التشريعي. أما حماس فيرى البعض أن عدم مشاركتها بمؤسسات السلطة في السنوات السابقة حال دون امتلاك وتراكم الخبرة لديها في موضوع الحكم وبخاصة على المستوى الوطني. وفي ظل غياب "المؤهلات" الداخلية لدى الفصائل السياسية ضعفت قدرتها على أن تكون معارضة قادرة على إحداث جدل حقيقي حول السياسات العامة. فمن الناحية العملية ، اتسم السجال السياسي لديها غالبا بالشخصنة والإغراق في الشعارات والكلاشيهات السياسية والأيديولوجية دون تطوير قدرة حقيقية على تصويب الأوضاع العامة كامتلاك برامج نضالية فعّالة ومحاربة الفساد وتحسين السياسة العامة ومستوى الخدمات المقدمة ، وخاصة في ظل امتلاك معظم هذه الفصائل لأذرع مسلحة واستعدادها للجوء للعنف لتسوية الخلافات فيما بينها، في كثير من الأحيان.
بغرض مناقشة أحوال الحزب أو الحركة السياسية المنتنفذة في فلسطين ونقصد هنا حركة فتح، وللإلمام بالظروف التي تؤثر سلبا على سلوكها الديمقراطي، لا بدّ من استعراض مجموعة من المعطيات السياقية الهامة التي يَسِم مجمل الحقل السياسي الفلسطيني ومن أهمها:
• سعة حدود الفضاء السياسي: والمقصود هنا بأن الحيز الذي يمكن تسميته بالسياسي هو حيز رحب وواسع تتنوع في إطاره العناصر والقوى الصانعة له وكذلك الديناميكيات المحددة لمفاعله المختلفة. فهو يشمل جميع السلطات وتكوينات النظام الرسمي وأجهزته الأمنية الإدارية والمدنية وعدد كبير من المؤسسات والهيئات شبه الحكومية، هذا إضافة الى الأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية والأطر والمنابر النقابية المختلفة والاتحادات واللجان والجمعيات. وإلى جانب هذه العناصر تتعايش مجموعة أخرى من التجليات المنبثقة والمعبرة عن السياسات الإسرائيلية في كل المجالات وخاصة ما يرتبط بالجدار وبالاستيطان وبسياسات الإغلاق والتجزئة والتفتيت والعزل والحصار، الأمر الذي يترتب علية تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية ورفع معدلات البطالة والفقر. أما منظمة التحرير الفلسطينية فهي حاضرة في ثنايا الحياة السياسية الفلسطينية، حيث نجدها حاضرة بشكل رسمي وغير رسمي بموروثها ومؤسساتها وأشخاصها وأهم من ذلك كله بالاتفاقيات التي قامت بتوقيعها ومنها اتفاقيات أوسلو مع إسرائيل والتي ترتب عليها إنشاء السلطة الفلسطينية ذاتها. ويضاف إلى كل ذلك بالطبع البيئة الدولية وانعكاساتها على الحالة الفلسطينية سياسياً وماليّاً واقتصادياً وخاصة في السنوات الستة المنصرمة والتي شهدت تطورات عميقة في تصورات وتوجهات الدول المانحة في التعامل مع الحالة الفلسطينية في ضوء اندلاع الانتفاضة الفلسطينية عام 2000 وفي ضوء فوز حركة حماي بالانتخابات التشريعية عام 2006.
• الحالة الفلسطينية كحالة انتقالية: وما نعنيه هنا هو أن الحالة السياسية الفلسطينية تتأثر بشكل كبير بالظروف والمعطيات الانتقالية التي تمر بها البلاد والتي تؤثر بدورها على بنية ومهام وسياسات المؤسسات والهياكل التي تصنع بمجملها النظام السياسي الفلسطيني فالحالة الانتقالية تعني غموض (وبالتالي قصور) النظم والقواعد والأحكام المعمول بها وذلك بسبب التداخل العميق بين تركة الماضي (وسياسات الاحتلال وموروث منظمة التحرير الفلسطينية) ومتطلبات الحاضر والمستقبل فيما يخص عملية الحكم والتنمية الاقتصادية، الأمر الذي يعني صعوبة الاحتكام إلى أي منهما لاستنباط القواعد والمبادئ والأساليب التي تقتضيها معطيات اللحظة وذلك لكون اللحظة ذاتها حيز تتصارع في إطاره نقائض العهدين ونقاط اللقاء بينهما في آن. فلزوجة المرحلة الانتقالية وعدم استقرارها يعني بالنسبة للقوى السياسية الاستمرار في تعريف وإعادة تعريف مصالحها وأنماط تحالفها ما يؤدي عادة إلى اضطراب وتشوش الحياة السياسية بما في ذلك النظام السياسي وقدرته على مزاولة وظائفه بفاعلية.
وانسجاماً مع الحالة الإنتقالية نشأت المؤسسات والهياكل واللجان والقرارات والمراسيم والتشريعات والقوانين والتي اشتركت جميعها بأنها مرحلية وأنها لن تكتسب كمالها إلاّ في ظل الدولة العتيدة والتي كان ينبغي أن تتحقق في أيار عام 1999 حسب الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل في عام 1994. أما الفترة التي تلت عام 2000 والتي شهدت إندلاع الانتفاضة فقد عمقت موضوعة المرحلية وجعلت الحالة الفلسطينية برمتها على درجة أعلى من التغيُّر واللاثبات، وخاصة في ظل المواجهة مع الإسرائيليين وفي ظل الإجراءات القمعية للاحتلال إلى جانب تبّدد فرص استمرار العملية السلمية وانسداد آفاق حل النزاع بين الطرفين، وفي ظل تراجع التأييد الدولي للحقوق الفلسطينية في الكثير من البلدان.
وقد تم في هذه الأثناء تأجيل أو إلغاء الكثير من الاستحقاقات الداخلية كالانتخابات التشريعية والرئاسية والبلدية، وكذلك المصادقة على القوانين بما في ذلك القانون الأساسي وقانون السلطة القضائية وقانون الخدمة المدنية والتي لم تتحقق إلاّ مؤخرً وفي إطار ضغوط خارجية كبيرة مارستها الأسرة الدولية وإسرائيل بغرض إجبار الفلسطينيين على التنازل عن العديد من الثوابت الوطنية وعن الحق في مقاومة الاحتلال.
• صعود حماس وفوزها بالإنتخابات: ويعتبر هذا التطور من بين الأحداث المفصلية ذات الأثر الكبير على الحالة الفلسطينية في مختلف جوانبها، بما في ذلك موضوع الأحزاب والديمقراطية. فصعود حماس كند لفلسفة وتوجهات الطبقة السياسية الفلسطينية المعبرَّ عنها بفصائل منظمة التحرير الفلسطينية، أحدث تحولاً عميقاً في بنية واتجاهات الحياة السياسية وأعاد الجدل من جديد حول الكثير من المسلمات بالسياسية الفلسطينية من بينها السلطة الفلسطينية وبنيتها ونوع البرنامج السياسي الذي ينبغي أن تتبناه والقواعد الناظمة لها داخلياً بما في ذلك العلاقة بين الرئاسة والحكومة والسلطة التشريعية والقضائية وقطاع الأمن والموقف من م ت ف ومسألة الاعتراف بإسرائيل ونوع العلاقات التي ينبغي إقامتها مع الأسرة الدولية وغير ذلك من القضايا الداخلية والخارجية. ومن أكثر المسائل أهمية وسخونة ما هو مرتبط بالسياسات الداخلية حيث تحولت هذه المجالات إلى ساحات للمواجهة بين حماس والآخرين وخاصة حركة فتح حول الوظائف والمناصب الإدارية والسلطة والامتيازات، إلى حد استخدام القوة والعنف وتوظيف القوى الأمنية في المجابهة بين الطرفين في بعض الأحيان، وانتهاءا بالإنفسام بين الضفة وغزة. إن صعود حماس إلى السلطة وضع جميع الأطراف الفاعلة في الساحتين المحلية والخارجية، بما في ذلك حماس ذاتها، أمام الكثير من التحديات وخاصة فيما تتعلق بآفاق العملية السلمية ومستقبلها والعلاقات الفلسطينية الداخلية وبعلاقة الشعب الفلسطيني بمجموعة مع العالم وقواه وأطرافه المختلفة، إضافة الى كيفية التعايش السياسي والأيديولوجي بين أطياف المجتمع الفلسطيني المختلفة.
وقد طرح صعود حركة حماس الكثير من الأسئلة حول حاضر ومستقبل الحالة الفلسطينية بما في ذلك بنية وسياسات الحكومة الجديدة وآفاق استمرارها والصيغ التي ستتعامل بها مع قضايا هامة كالإصلاحات الداخلية، والحالة الاقتصادية والأمنية المتردية، وممارسات الاحتلال التعسفية، والحصار الدولي المالي المفروض على السلطة الفلسطينية منذ اعتلاء حماس السلطة. وتركز الكثير من الأسئلة على نوعية البرامج والمبادرات الداخلية التي تتطلع حكومة حماس إلى تنفيذها في مختلف الجوانب كالتعليم والتشريعات والموازنة والإعلام والأمن والإدارة العامة والخدمة المدنية والحريات الشخصية وغير ذلك. ومن الأسئلة الهامة هنا ما يتعلق بتأثير الأجندة السياسية والعقيدية لحماس على آفاق التحول الديمقراطي وعلى فاعلية أداء المؤسسات الفلسطينية وعلى التكلفة الاجتماعية لذلك وعلى نوع التشريعات والقوانين التي تسن وأبعادها المجتمعية، وكذلك على طبيعة ونوع العلاقة/العلاقات المستقبلية بين فلسطين من جهة والعالمين العربي والإسلامي من جهة أخرى وفي هذا الفضاء يدور عدد آخر هام من الأسئلة حول مستقبل الفصائل العلمانية وخاصة حركة فتح وآفاق عودتها للحكم ديمقراطيا، وتأثير حدوث أو عدم حدوث ذلك على الطبيعة العلمانية للحياة السياسية الفلسطينية وعلى إمكانية ميلها نحو المحافظة والتشدد في ظل حكم حماس.
• التحولات في إسرائيل: وما يهمنا هنا هو الإشارة إلى التضاؤل المضطرد في درجة استعداد الجمهور الإسرائيلي للتعاطي الحقيقي والجاد مع ملف الصراع مع الفلسطينيين، الأمر الذي تجلى عبر انتخابه حكومات تواصل التنصل من عملية السلام واستحقاقاتها آخرها حكومة نتانياهو – ليبرمان المتطرفة ، وتستمر في تكريس المعطيات الميدانية (كالجدار والاستيطان وتقطيع أوصال المناطق الفلسطينية وشل جميع مرافق الحياة في مناطق السلطة) ضاربة عرض الحائط خطة خارطة الطريق، وذلك رغم إصرارها على رؤية " انسحابها " من داخل قطاع غزة عام 2005 – وإعادة تموضع الجيش الإسرائيلي على صيغة حصار خارجي للقطاع – وما أسمته بخطة الانطواء الأحادية الجانب على أنه في إطار استحقاقات تلك الخطة . وقد تمثلت انعكاسات هذه التحولات على الحالة السياسية الفلسطينية بتعزيز قوة القطاعات الرافضة للعملية السلمية وإضعاف الفئات البراغماتية وإحراجها أمام الجمهور الفلسطيني، الأمر الذي تجسّد بالتأييد الكبير لحركة حماس في الإنتخابات التشريعية في كانون ثاني عام 2006، والذي جاء بجزئه الأكبر كردة فعل على الموروث السيئ لحركة فتح في الحكم وكذلك على التعنت الإسرائيلي وغياب الإرادة السياسية الإسرائيلية للتعاطي الجوهري مع الصراع بين الطرفين.
• إشكالية من يمثل من؟ : ويبقى هذا الأمر على درجة من الغموض حيث يصعب الجزم بقوة ودرجة تمثيل الأحزاب والفصائل السياسية المختلفة للجمهور ومما يزيد الأمر تعقيداً عدم وضوح الحدود الفاصلة دائماً بين السلطة والمعارضة وبين الرئاسة والحكومة وبين الأحزاب السياسية وقوى المجتمع المدني وبين السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية. ومن أكثر التعابير حدة في هذا الأمر الصراع القائم اليوم بين حركتي حماس وفتح فيما يتعلق بتصوراتهما لحجم تأييدهما ومن ثم رقعة تمثيلهما للجمهور، الأمر الذي يأخذ صيغة التعارض والمناكفة السياسية وصولا الى الإقتتال والإنقسام الداخلي كما هو الحال اليوم. إن عدم النجاح في تحديد مَنْ يمثل مَنْ، قلّل من هيبة – وبالتالي من شرعية – القرارات المتخذة والسياسات المتبنّاة في مختلف المجالات. ومن الأمثلة ذات الدلالة على ذلك ما اتخذته الحكومة التي تقودها حماس من قرارات رسمية منذ اعتلائها السلطة والتي بلغ عددها210 قرار حتى منتصف آب 2006 وجاء غالبيتها في مجال التعيينات والترقيات (لمؤيدي حماس غالباً) وفي مجال إلغاء قرارات سابقه وتغيير في هيكليات بعض الوزارات وفي بنية بعض المؤسسات الحكومية إضافة إلى أن هناك عدداً كبيراً من القرارات تم صرفة على قضانا إدارية روتينية وبسيطة ليست ذات أهمية سياساتية أو برنامجية تذكر.
• السيادة المنقوصة: فقد عانت السلطة الوطنية منذ تأسيسها من نقص سيادتها وعدم سيطرتها على مجالات كثيرة كالأرض والموارد والأمن والحدود، وإضافة إلى محدودية تأثيرها على مجريات العملية السلمية وخاصة في موضوع التفاوض مع إسرائيل. هذا مضافاً إليه بالطبع غياب أي سيطرة فلسطينية على القدس الشرقية وعلى المناطق الفلسطينية خارج التجمعات السكانية (وحتى التجمعات السكانية في المدن الرئيسية لم تعد محصنة أمام الجيش الإسرائيلي منذ اجتياحات صيف 2002) وعدم التواصل الداخلي بين مناطق السلطة وخاصة بين الضفة الغربية وقطاع غزة وعدم السيطرة على الحدود والمعابر والميناء. كما تتجلى السيادة المجتزأة أيضاً في محدودية التأثير الفلسطيني في بنية وديناميكيات الإقتصاد الفلسطيني وفي العناصر اللازمة لتطويره والنهوض به، وكذلك بمحدودية القدرة الفلسطينية على تحقيق الأمن والطمأنينة وعلى حماية حقوق الأفراد والجماعات، إضافة إلى محدودية القدرة على الصمود في وجه الضغوطات الخارجية (في المجالين السياسي والمالي)، والتي بلغت اليوم درجة كبيرة من القوة والتأثير وذلك عبر النفوذ الكبير الذي تتمتع به كلا من الأسرة الدولية الغربية وخاصة الدول المانحة على مؤسسة الرئاسة، وقوى إقليمية (كإيران وسوريا وحزب الله) على حماس. ويترتب على هذا التأثير الكبير للقوى الخارجية أن الكثير من المواقف والقرارات السياسية التي يتخذها الفلسطينيون أصبح من السهل رؤيتها على أنها تأتي لإرضاء أطراف خارجية ولتبديد تخوفاتها أكثر من كونها استجابة وتجسيد لما يريده ويرغب به الجمهور. وكمثال دال على ذلك إصدار الرئيس محمود عباس بعد فوز حماس مباشرة عدداً من المراسيم الرئاسية التي بسط عبرها سلطته المباشرة على الأجهزة الأمنية والمعابر السفارات وعلى عدد آخر من المؤسسات والهيئات الهامة، وكذلك قيام المجلس التشريعي الجديد عام 2006، الذي تتمتع فيه حركة حماس بأغلبية واضحة بإلغاء عدداً من القرارات التي كان قد اتخذها المجلس التشريعي السابق واختص غالبيتها بتعيينات وترقيات في الفئة العليا والمتوسطة وفي تقوية مواقع مؤيدي حركة فتح في نظامي الإدارة العامة والخدمة المدنية قبيل مغادرة الحكومة.
• القيادة السياسية: فبحكم التداخل طول الفترة السابقة بين السلطة الوطنية ومنظمة التحرير وبين مهام التحرر والاستقلال من ناحية والبناء والإعمار من ناحية من ناحية أخرى، وبحكم التعارض وعدم الانسجام بين مؤسسة الرئاسة والتي هي بيد حركة فتح والحكومة التي قادتها حماس، وحكومة سلام فياض لاحقا، وكذلك بحكم تأَثُّر القيادة بموروث ما يسمى بالحرس القديم وبمبادرات ما يسمى بالجيل القيادي الصاعد (والذي يعتبر المعتقل مروان البرغوثي أحد أقطابه)، بحكم كل ذلك تتسم القيادة السياسية الفلسطينية بدرجة ملحوظة من التشويش وعدم الانسجام من حيث بنيتها ومدى شرعيتها وسياساتها وتوجهاتها إزاء القضايا والتحديات الداخلية والخارجية، لاسيما تلك المرتبطة بالتحرر والاستقلال.
فالقيادة الفلسطينية موزعة اليوم على مؤسسات ثلاثة هي : الرئاسة والحكومة والمجلس التشريعي والتي ينتمي كل منها الى تيارات سياسية مختلفة، وتوجد بينهما تباينات وتناقضات سياسية وأيديولوجية وشخصية، لم تستطيع بعد تطوير قواعد واضحة ومتفق عليها للتعامل فيما بينها، ما دفع وفي أكثر من مرة بتلك التناقضات أن شقت طريقها إلى الشارع وإلى الفئات المسلحة ومن ثم إلى تعميق حالة من الفوضى والفلتان الأمني واستباحة حقوق وحريات المواطنين ومثال على ذلك ما حدث في أوائل أكتوبر 2006 من اشتباكات مسلحة في غزة بين مسلحي فتح وحماس وأودى بحياة الكثيرين وانتهاءا بالسيطرة المسلحة لحركة حماس على القطاع في صيف 2007.
وعلى الرغم من أن القيادة منتخبة عبر الانتخابات الرئاسية والتشريعية، بمعنى أن الجمهور منحها ثقته للتعبير عن مصالحة وتطلعاته من خلال المؤسسات، إلا أنه يتم عادة تفريغها من جوهرها القيادي عبر تأسيس شبكة موازية من العلاقات والارتباطات القوية وغير الرسمية التي تقوم على منطق الزبائنية والامتيازات الخاصة والعلاقات العائلية والمناطقية والشخصية ما يجعل العلاقة بين القيادات ومؤيديهم علاقة يحكمها منطق التدرج والتراتبية في نطاق العلاقة الزبائنية. من الواضح ان هذه العلاقات غير الرسمية بين القيادات والمواطنين هي ذات أهمية اكبر من المؤسسات الرسمية بالنسبة للطرفين لأنها تتم بعيداً عن القواعد والإجراءات الرسمية الإدارية والقانونية وعن الصيغة الروتينية لاتخاذ القرارات، الأمر الذي من شانه ان يحول دون المساءلة والمحاسبة والرقابة وان يعزز قيم الواسطة والمحسوبية والفساد.
وفيما يتعلق بالإرادة السياسية نلاحظ ضعف أو غياب القدرة والاستعداد لاتخاذ القرارات (وخاصة الصعبة منها) ومعالجة ما يترتب على ذلك من نتائج وانعكاسات تحمل المسؤولية أمام الجميع وامتلاك مقومات الاستمرار للدفاع عن مواقف محددة من شانها أن تساهم في خلق الظروف والمناخات المساندة لقيم المهنية والكفاءة والجدارة والمحاسبة والمساءلة وغير ذلك من القيم التي تساهم بالنهوض بالأداء لخدمة الصالح العام بأفضل صورة ممكنة.
ولا ينبغي أن يفوتنا هنا التنوية إلى أن الإرادة السياسية ترتبط بشبكة المصالح للمجموعات والطبقات والفئات المختلفة وبنوع التحالفات او التعارضات فيما بينها وبالطريقة التي تؤثر بها هذه المصالح على الرغبة في التغيير الحديث عن الإدارة السياسية في أحداث التغيير هو حديث عن المصلحة في أحداث ذلك التغيير وفي مقاومة ما يعترضه من تحديات. وعلى ضوء هذا الربط بين الإرادة السياسية من ناحية، والتغيير من ناحية أخرى، يتضح لنا ان الإرادة السياسية هي أمر يكتنفه الغموض لكون العلاقة بين مختلف الفئات والشرائح والسلطة الفلسطينية هي علاقة مشوشة ومضطربة بسبب ضعف السلطة وصعوبة الرهان عليها كحاضنة او حامية للمصالح المختلفة، وذلك بحكم انكشافيتها الشديدة للداخل والخارج وفي كل المجالات. ومن المؤشرات ذات الدلالة على غموض الإرادة السياسية - وبالتالي المصلحة- لإحداث التغيير عدم وجود صيغ التوافق والتفاهم على عدد كبير من القضايا كمآل (مصير) السلطة الفلسطينية في ان تبقى او ان تحل نفسها، وموقف مختلف الأطراف (وخاصة حماس) من م ت ف وإسرائيل والمجموعة الدولية، وموقف فتح (الرئاسة) من حماس (الحكومة والسلطة التشريعية) وموقفي الكيانين الفلسطينيين الحاليين من بعضهما بعضا. ان هذه الشبكة المعقدة من القضايا والتحديات تحول دون وضوح الاعتبارات والحسابات والتي على ضوئها تتحدد المصالح وتُرسم الاستراتيجيات الأنسب لتحقيقها، الأمر الذي يعني ان المقومات اللازمة لوجود الإرادة السياسية لأحداث التغيير هي مقومات مبعثرة غير مكتملة وتتهددها المخاطر والتحديات في الداخل والخارج.
• سلطة تنفيذية قوية وسلطة تشريعية ضعيفة: رغم أن القانون الأساسي المعدل (2003) ينص على تقيدات محددة واضحة فيما يتعلق بسلطات وصلاحيات السلطة التنفيذية بمؤسستي الرئاسة ورئاسة الوزراء، إلا أن الأمر جاء مختلفات جداً من الناحية الفعلية وفي سياق التنفيذ. فالرئاسة بقيت قوية وتسيطر على جزء هام من الموارد ومن قوى الأمن وفرض القانون والنظام والمؤسسات والهيئات (وخاصة المرتبطة بصناديق الاستثمار) إلى جانب بهاتة الحدود الفاصلة بينها وبين م ت ف وخاصة أن الرئيس عباس، كسلفه عرفات، يجمع بين كونه رئيساً للسلطة الفلسطينية ورئيساً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وزعيم لحركة فتح. أما سلطة رئاسة الوزراء فرغم أن القانون الأساسي (المعدل) 2003 نص على سلطات محددة لها، إلا انه ومن الناحية العملية ولاعتبارات سياسية تم التضييق على حكومة حماس بأكثر من أسلوب بهدف حملِها على تغيير برنامجها وموقفها السياسي إزاء إسرائيل ومنظمة التحرير والاتفاقيات الموقعةما دفعها الى التمرد والسيطرة المسلحة على القطاع.
أما السلطة التشريعية، فرغم أن المجلس التشريعي اتخذ مواقف ايجابية في بعض الأحيان (كتصويته لحجب الثقة عن لائحة مجلس الوزراء التي اقترحها الرئيس عرفات في أيلول 2002. إلا أن دورة بقي محدود في الكثير من القضايا الهامة كالخلافات التي كانت مثار جدل بين كل من الرئيس ورئيس الوزراء ومجلس الوزراء ووزارة العدل ومجلس القضاء الأعلى، والمراقب العام ومجلس الوزراء والمجلس التشريعي، هذا إضافة إلى الكثير من الانتقادات التي يمكن توجيهها له في مجال سن القوانين والتشريعات. أما مرد معظم هذه الأسباب التي جعلت دور المجلس التشريعي في السابق دون المستوى المطلوب فهو عدم قدرة أكثريته في حينه (والتي هي لحركة فتح) على مواجهة السلطة التنفيذية. هذا مضافاً إليه بالطبع تلكؤ بل ومعارضة كل من إسرائيل والولايات المتحدة للقيادة الفلسطينية، الأمر الذي أَخَّرَ لثلاث سنوات عقد الانتخابات التشريعية والتي كانت مقره أصلا في كانون الثاني 2003. علاوة على كل ذلك كان لتهميش المجلس التشريعي الفلسطيني تأثيرات سلبية على المراجعة القضائية وخاصة على استمرار الضعف في أداء النائب العام والمراقب العام. هذا الحال ازداد تعقيدا بعد فوز حركة حماس بغالبية مقاعد المجلس التشريعي وبعد طغيان حالة التوتر الداخلي الذي ترتب عليه شل المجلس التشريعي في كل المجالات وانشطار النظام بأكمله إلى نصف في الضفة الغربية تسيطر عليه حركة فتح وحكومة سلام فياض وآخر في قطاع غزة تحت سيطرة حركة حماس.
إن مجموع هذه العوامل قد ألقت بظلالها على مجمل الحالة الفلسطينية في جميع جوانبها بما في ذلك الحالة الحزبية السياسية وتأثرها وتأثيرها بموضوعة الديمقراطية. وقد كان هذا التأثير بمجمله سلبي وأدى إلى تعزيز انكشافية وضعف السلطة الوطنية وعدم تمكنها من تحقيق الاستقلال الوطني أو الاستقرار المجتمعي الداخلي. ويصبح من الواضح هنا أن الإنجاز في هذين الأمرين هو شديد الإرتباط بقدرة الفلسطينيين على انتزاع حقوقهم الوطنية وإنهاء الإحتلال الإسرائيلي، والذي بدونه يتعذر الحديث عن الديمقراطية الفلسطينية وتأثرها وتأثيرها على الحالة الحزبية القائمة.
وبخصوص الحزب "الحاكم" في فلسطين (والمقصود هنا حركة فتح)، فقد عانى كغيره من الأحزاب من شدة تأثير العوامل الهدامة التي أشرنا إليها أعلاه، ولكنه عانى أيضاً من العديد من التغيرات والإشكاليات الداخلية، التي انعكست سلباً على الديمقراطية الفلسطينية. ومن أبرز هذه الإشكاليات: القيادة الشخصانية؛ ضعف البنية المؤسسية للحركة؛ الموروث السري؛ غياب الإنتخابات الداخلية؛ طغيان روح الهيمنة والإستئثار؛ ضعف تقاليد المساءلة ومهادنة الفساد؛ شيخوخة اعضاء هذه الهيئات؛ عدم اطلاع القاعدة على ما يجري داخل وخارج الحركة؛ التداخل بين الحركة من جهة والسلطة والمنظمة من جهة أخرى.
الخاتمة:
يتضح من هذا الإستعراض لموضوع الديمقراطية في الأحزاب العربية الحاكمة، إن الجانب الأبرز من الإشكالية يكمن في تشوه بنية الدولة في العالم العربي وإلى غياب الدولة في الحالة الفلسطينية. فتشوه الدولة العربية شق طريق إلى تشوه بنية الحزب الحاكم وبرنامجه للداخل والخارج، تماماً كما أدى غياب الدولة الفلسطينية المستقلة إلى ضعف بنية وبرنامج حركة فتح داخلياً وخاصة في مسألة الديمفراطية. وإضافة إلى هذا المشترك البنيوي، هناك مشترك آخر يتمثل بأن الأحزاب الحاكمة في البلدان العربية، ومن ضمنها فلسطين، تعاني من أزمة نقصان الشرعية المستمدة من عدم الإنجاز، الأمر الذي يدفعها لإدارة شؤون الحكم بالإرتكاز على التسلط والإقصاء من جهة، وعلى إيجاد تحالفات مصلحية ضيقة من جهة أخرى، ما زاد من الهوة بين نظام الحكم والجمهور والمعارضة.
ولكي يكون للديمقراطية حال أفضل يضحي من الضروري إحداث إصلاحيات عميقة في بنية وبرنامج الحزب الحاكم، الأمر الذي لا يمكنه أن يتم دون إنعاش الحياة الداخلية لبنى وتراكيب وهيئات الأحزاب، وهذا من شأنه أن يمنحها الشرعية الحقة التي لا يُستدل عليها إلاّ بالانتخابات الحرة. إن إنجاز هذا الأمر سيمكن الأحزاب الحاكمة من نيل المقبولية لدى الأحزاب المعارضة، الإسلامية منها (كحركة حماس) على وجه التحديد. أما أن تبقى حالة الإقصاء قائمة كما هي الآن فهذا ينذر بمزيد من التوتر والإنقسام والضعف، ومن شان ذلك أن يتطور وأن يحول الأوطان إلى قبليات متنافره يصبح الفيصل فيها هو السيف بدلاً من صندوق الإقتراع.
..............................................................................
المراجع
• الديمقراطية داخل الأحزاب في البلدان العربية، مركز دراسات الوحدة العربية، . 2004
• حسين العودات ا لأحزاب العربية الحاكمة وأخذ العبر، البيان الإماراتية: 11-02-2006.
• نعمان الخطيب، الأحزاب السياسية ودورها في أنظمة الحكم المعاصرة، القاهرة: دار الثقافة للنشر والتوزيع، 1983.
• عبد الرضا حسين الطعان، البعد الاجتماعي للأحزاب السياسية، دراسة في علم الاجتماع السياسي، بغداد: وزارة الثقافة والإعلام، 1990.
• عبد الكريم سعدواي، التعددية السياسية في العالم الثالث: الجزائر نموذجاً, السياسة الدولية، العدد 138، أكتوبر 999م.
• فــؤاد خوري في: ورشة عمل: الممارسة الديمقراطية في الأحزاب العربية، المستقبل العربي (بيروت)، العدد 161، تموز 1992.
• أحمد علي البشاري، الأحزاب والتنظيمات السياسية في الجمهورية اليمنية: دراسة تحليلية وثائقية لبرامج العمل السياسي، صنعاء، 2003.
• كرم الحلو، هل نمضي في إيصاد الباب أمام التحولات الديمقراطية في العالم، الحياة اللندنية، العدد 11118.
• يحيى أحمد عبد الرحمن النعماني، الديمقراطية الداخلية في الأحزاب اليمنية العاعلة دراسة مقارنة، الرابط:
http://www.yemen-nic.info/contents/studies/detail.php?ID=17582
• رغيد الصلح، الديمقراطية داخل الأحزاب اللبنانية والعربية / الخليج الاماراتية 19 حزيران 2009، الرابط:
http://www.elnashra.com/articles-1-12652.html
• سمير عبد الرحمن الشميري، الديمقراطية في الأحزاب العربية، الرابط:
http://tajammoa.jeeran.com/index26b.htm
• محمد ابو بكر، دور الأحزاب في الاصلاح السياسي الوطن العربي، الرابط:
http://www.dahsha.com/viewarticle.php?id=30977
• الملتقى الثاني للديمقراطية والإصلاح السياسي في الوطن العربي ، الدوحة، قطر، 2007، الرابط:
http://www.qatar-conferences.org/arabdemocracy2007/arabic/viewlastnews.php?id=77
• دراسة حول : دور الأحزاب السياسية العربية فى نشر ثقافة حقوق الإنسان/ الرابط:
http://www.fateh-voice.com/vb//showthread.php?t=32005
• مشروع دراسات الديمقراطية في البلدان العربية، الرابط:
http://www.assr.org/announcements/18/activities.pdf
• حامد الحمداني، حول الديمقراطية والحياة الحزبية في العالم العربي، الرابط:
http://www.nasiriyeh.net/Maqalat-1Aug08/hamidlahamdani-8aug08.htm
• كاظم عبد الحسين عباس، الأحزاب الطائفية ليست تعددية بل انتهاك للديمقراطية، الرابط:
http://www.watan.com/article/115
• يزيد صايغ وخليل الشقاقي، تقوية مؤسسات السلطة الفلسطينية، تقرير فريق العمل المستقل برعاية مجلس العلاقات الخارجية، الرابط:
http://www.pcpsr.org/arabic/cfr/full1.html#head3
• خالد الحروب أحزاب عربية... وديموقراطية بلا ديموقراطيين، الحياة اللندنية، الرابط:
http://www.balagh.com/islam/710x9xoq.htm
• صالح القاضي، الأحزاب العربية وأزمة الديمقراطية، الرابط:
http://www.elaph.com/ElaphWeb/AsdaElaph/2006/4/143440.htm
• برهان غليون، الديمقراطية العربية المنتظرة لم تولد بعد، الرابط:
http://ar.qantara.de/webcom/show_article.php/
• الضوي خوالدية، احزابنا العلمانية الحاكمة: نشأتها وسياستها، صحيفة الشعب على الرابط:
http://www.alarabnews.com/alshaab/21-06-2003.htm
• حول الديمقراطية والحياة الحزبية في العالم العربي، الرابط:
http://www.nasiriyeh.net/Maqalat-1Aug08/hamidlahamdani-8aug08.htm
• محمد ابو بكر، دور الأحزاب في الاصلاح السياسي الوطن العربي، الرابط:
http://www.dahsha.com/viewarticle.php?id=30977
• رائد فوزي احمود، الاحزاب السياسية في الوطن العربي واشكاليات العلاج، الرابط:
http://www.aljaredah.com/paper.php?source=akbar&mlf=interpage&sid=12621
مركز القدس للدراسات السياسية
تعليقات
إرسال تعليق