March 8, 2009
1 – ملف المياه
2 – الملف النووي الإيراني
3 – الملف السلام
وبما ان هذا الملف ألخير سيتم التطرق اليه من قبل الكثيرين فإن التركيز هنا ينصب حول الملفين الأخرين .
1 ملف المياه :
مصادر المياه في الشرق الأوسط لا تنحصر داخل حدود وطنية واحدة. فتركيا، والعراق، وسوريا، يمر عبرها جميعها نهر الفرات في حين تعتمد كل من سوريا والأردن، والفلسطينيين وإسرائيل، على نهري الأردن واليرموك. أما النيل في مصر فيعبر عدة دول إفريقية قبل أن يصب في البحر الأبيض المتوسط. أن قضية ندرة المياه والاستفادة المشتركة منها سببت بعض التوترات في المنطقة. فتركيا كانت تستخدم نهرالفرات كسلاح لممارسة الضغوط على سوريا لوقف ما تسميه بمساعدتها للأكراد.
كما حدث بعض التوتر بسبب المياه بين كل من تركيا والعراق، وسوريا والعراق، وسوريا والأردن، ومصر والسودان، ولكن أكثر المناطق حساسية هي تلك التي تتداخل فيها المياه العربية مع الحدود الإسرائيلية.
ومن الملاحظ أنه سواء كان ذلك بتعمد أو بصورة مخططة سلفا فإن جميع الأراضي التي ضمتها إسرائيل منذ نشوء كيانها كانت توفر لإسرائيل الأمن والمياه.
فباحتلالها الضفة الغربية استطاعت اسرائيل التحكم في مصادر المياه التي كانت قبل حرب عام 1967 تحت تصرف الدول العربية. كما أن احتلالها للجولان منحها فرصة الهيمنة على نهر الأردن وروافده،
وعلى نفس المنوال فإن احتلال اسرائيل لما أسمته بالحزام الأمني في جنوب لبنان عام 1978 أمن لها المياه من جبال لبنان الممتدة إلى الشمال من اسرائيل، وبذلك فإن قضية المياه اصطبغت بصفة عسكرية في غزوها للبنان، وأن قضية المياه كانت أحد الأسباب الرئيسية وراء ذلك الغزو. نستعرض أربع نقاط هي:
أولا : نهري دجلة والفرات والصراع حولهما
تعتبر جبال شرق تركيا هي منبع نهري دجلة والفرات. ونهر الفرات يمر عبر الأراضي السورية ثم الأراضي العراقية حتى يصل مصبه عند الخليج العربي. بينما يتجه نهر دجلة إلى الأراضي العراقية ويمر على الحدود السورية التركية. تجدر الإشارة إلى ما أقيم من مشاريع على النهرين سواء في تركيا كمشروع الجاب العملاق، وغيره من السدود ومشاريع زراعية في كل من سوريا والعراق، وما وقع من بروتوكول بين سوريا وتركيا في سنة 1987.
وارتباط هذين النهرين بالمشاكل والحساسيات السياسية بين تركيا من جهة وسوريا والعراق من جهة أخرى. واستخدام تركيا مياه النهرين كعنصر قوة في سياستها تجاه سوريا وممارستها للضغوط عليها سواء بما تدعيه من مساندة سوريا للأكراد أو بما بين البلدين من مشاكل حدودية حول لواء الاسكندرونة، والتعاون العسكري بين تركيا واسرائيل وما يشكله ذلك من ضغوط تركية على سوريا.
ثانيا : نهري الأردن والليطاني والصراع حولهما
يعتبر نهر الأردن من الأنهار التي ترتبط به مشاكل عديدة. فعلى الرغم من أنه لا يتساوى مع نهر الفرات من حيث كمية المياه إل ا أنه يتمتع بحساسية سياسية أكثر عمقا من سابقه. فمنابع نهر الأردن هي المرتفعات السورية واللبنانية ، وتستفيد من مياهه كل من (سوريا والأردن واسرائيل والفلسطينيين). وجميع هذه الدول تواجه نقصا في المياه. فالنهر يوفر 75% من احتياجات الأردن، ونظرا للنمو السكاني في الأردن والذي يعادل 3.7% في السنة، وللتوسع في مشاريع الري، وتدفق اللاجئين الفلسطينيين من جميع أنحاء الدول العربية كتبعة من تبعات حرب الخليج الثانية، فإن الأردن سيواجه مأزقا عصبيا بالنسبة للمياه في نهاية القرن العشرين وبداية هذا القرن.
أما اسرائيل ووفقا لسياستها التعسفية من سحب مياه نهر الأردن، فبعد احتلالها للجولان قامت ببناء محطة كبيرة على بحيرة طبريا لضخ كميات ضخمة من المياه إلى أنظمة مشاريع الري الاسرائيلية، والتي تحتوي على شبكة من الأنابيب التي تحمل المياه من بحيرة طبريا إلى صحراء النقب، ونتيجة لذلك حرم الأردن من مصادر مياه طوال 30 عاما وقد سرقت اسرائيل معظم المياه المتدفقة من نهر الأردن سنويا (1).
أما فلسطين فمنذ أن احتلت اسرائيل الضفة الغربية وقطاع عزة في عام 1967، أخذت تمنع المزارعين الفلسطينيين من حفر الآبار في الضفة الغربية. أو حتى تحسين أو تطوير الآبار القديمة. فقد تم تحويل أكثر من 83% من مياه الضفة الغربية إلى اسرائيل، أو إلى المستوطنات اليهودية.
وهذا يمثل ثلث كمية المياه المستخدمة في اسرائيل داخل حدود ما يسمى بالخط الأخضر الذي يفصلها عن الأراضي المحتلة. إن سرقة المياه وأكثر من 80% من الأراضي في الضفة الغربية والقطاع أثر على كافة أوجه الحياة لدى الفلسطينيين ((2.
ينطبق الأمر ذاته على قطاع غزة فقد أصيبت الزراعة الفلسطينية بالجفاف، وبالتالي تلاشت حيث حولت المياه إلى المستوطنات اليهودية، ويتسبب المستوطنون الاسرائيليون في اختلاط ماء البحر بمياه الآبار الجوفية التي حفرها الفلسطينيون وذلك عن طريق حفر آبار جوفية أكثر عمقا ، حيث يصلون إلى الطبقات الغنية بالمياه وبالتالي تتسرب مياه البحر إلى الطبقات العليا، وللحظر الذي تفرضه اسرائيل على الفلسطينيين كي لا يحفروا آبارا عميقة أو حتى آبار جديدة في الأراضي التي يملكونها فقد أدى ذلك إلى أن تتسرب مياه البحر وتختلط بمياه آبارهم التي يستخدمونها للشرب والزراعة، وهذه المياه تحتوي على نسبة كبيرة من الملح تتخطى أعلى مستوى طبي يسمح به.
ومن الملاحظ أن معظم الصادرات الزراعية الاسرائيل ية إلى أوروبا تعتمد على هذه المياه المسروقة أو المصادرة من أصحابها العرب والفلسطينيين.
أما في لبنان فقد استغلت اسرائيل تحكمها في قطاع كبير من جنوب لبنان منذ عام 1982 في تحويل مجرى وروافد الأنهار التي تنبع من جبل الشيخ إلى الأراضي الخصبة في شمال اسرائيل، وقد قامت بتحويل مجرى نهر الليطاني الذي يمر بجنوب لبنان إلى نهر الحاصباني عن طريق نفق يوفر لها كمية إضافية تبلغ سعتها 500 مليون مŽ3 �في العام، وهي تمثل 55(3) من مياه نهر الليطاني، وهذا أدى إلى تخفيض كمية المياه المتاحة للمزارعين اللبنانيين.
ثالثا : نهر النيل والصراع حوله:
يعتبر نهر النيل أكبر نهر في العالم طولا بعد نهر الميسيسبي ويمر بتسع دول منها السودان ومصر، ويغطي حوض نهر لنيل قرابة عشر مساحة القارة الافريقية، حيث تبلغ قرابة 3.030.700كم2، ويمتد النهر لمسافة 6690كم من مصدره من بحيرة فيكتوريا، و 4500 كم من مصدره في بحيرة تانا في أثيوبيا، حتى وصوله إلى البحر الأبيض المتوسط، وتبلغ كمية المياه المتدفقة منه 84 بليون م3 سنويا عند اسوان (4).
يفقد منها في بحيرة ناصر حوالي عشرة بلايين م3 نتيجة للتبخر، وتحصل مصر على 55.5 بليون م3، ويحصل السودان على 18.5 بليون م3 من المياه.
لقد أثبت التاريخ عدم امكانية إقامة أي تعاون إداري وإنمائي بين الدول المطلة على حوض النيل، ومن الملاحظ أنه عندما فشلت اسرائيل في الحصول على موافقة المصريين لتحويل جزء من مياه النيل (ضمن اطار كامب ديفيد) حولت أنظارها إلى اثيوبيا. وقد بدأ المهندسون الاسرائيليون في بناء ثلاثة سدود على نهر أبا، وهو أحد روافد نهر النيل، ومن الواضح أن الهدف المعلن من هذه السدود هو تحسين الزراعة والري في اثيوبيا، ولكن عندما يكتمل البناء فإن هذه السدود ستمكن اثيوبيا من استقطاع كميات كبيرة من المياه المتجهة إلى مصر والسودان، كما أنه كان من أهداف اسرائيل منع الثوار الأرتريين في ذلك الوقت من الحصول على استقلالهم وعدم خضوع البحر الأحمر للهيمنة العربية.
ومن المعتقد أن قيام اثيوبيا بتنفيذ 33 مشروعا مائيا لتوليد الكهرباء وتحسين الري على النيل الأرزق والسوباط واجزاء من نهر عطبره، وقد تم التمويل من الولايات المتحدة الأمريكية وبتخطيط من ايطاليا وقيام اسرائيل بمساعدات التنفيذ بالإضافة إلى إمداد اثيوبيا بالسلاح.
كل هذا من أجل الضغط على الحكومة المصرية للموافقة على المطالب الاسرائيلية وأطماعها في مياه النيل. ويعتبر نهر النيل المحرك الديناميكي للسياسة الخارجية المصرية منذ أمد بعيد، حيث كان له دور كبير في صياغة دبلوماسية المياه في اتفاقيات تقسيم مياه النيل، وما تفرضه مثل هذه الاتفاقيات من ضرورة المرونة والمهادنة في القرارات المصرية وخاصة في تعاملها مع الصراعات الداخلية والاقليمية والدولية بمنطقة حوض النيل وما حولها. فيعتبر أي تحرك معاد في الدول الواقعة جنوب مصر قد يغير من طبيعة مجرى النيل أو حركة تدفق المياه فيه، وهذا مما لا شك فيه سيسبب الكثير من المشاكل والتوترات على الصعيد المصري لأنه يذكرها بنقطة الضعف في جغرافيتها السياسية، ويهددها بشكل ملموس في عمق أمنها وحياتها، نظرا لحاجة مشاريع التنمية الزراعية والصناعية فيها للمياه بمعدلات متزايدة لمواجهة ارتفاع معدلات النمو السكاني فيها، ومواجهة مشكلة استيراد 70% من حاجياتها الغذائية التي سوف تتأثر سلبا وإيجابا بانسياب مياه نهر النيل.
وقد عقدت العديد من الاتفاقيات بين دول حوض النيل، وقامت المشاريع الاثيوبية على نهر النيل مثل سد فينشا على أحد روافد النيل الأزرق، ومشروع الليبرد وسينت وخور الفاش، وكلها تؤثر على حصة مصر والسودان.
كما أن بذور الصراع بين دول حوض النيل سوف تظل كامنة ولن يدع أعداء المنطقة فرصة حتى يستغلوها ويؤججوا بها نيران الفتن بين هذه الدول، فلذلك لا بد من تدعيم التعاون بين هذه الدول ويكون هذا التعاون من خلال وجود كيان قوي لتنمية المشاريع المائية الجماعية لدول الحوض.
ومن جهة أخرى نجد أن عملية السلام التي تتبناها أمريكا والتكامل الاقليمي بين دول المنطقة في صيغ مشابهة للسوق الأوروبية المشتركة خاصة في مجال الزراعة وتصدير تكنولوجيا الري لمصر، واستخدام نظام فعال للمياه بهدف دعم التنمية الزراعية في مصر، فهذه ترتبط بالرؤية الاسرائيلية التي تربط بين ضرورة استغلال الثروات المائية في المنطقة وإعادة توزيعها مع عمليات التسوية السياسية في المنطقة، ومشاكل نقص المياه في الكيان الاسرائيلي. وبذلك تكون مشكلة الموارد المائية في المنطقة وأسس توزيعها عنصرا هاما في محادثات السلام في الشرق الأوسط وعند إعادة صياغة بناء الوحدات المكونة للنظام الاقليمي في المنطقة.
وفي إطار تطبيع العلاقات مع مصر عند توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر واسرائيل سبق أن اقترحت الصفوة الاسرائيلية (التكنوقراطيين) نموذجين للتكامل المائي وهما:
1 ـ نموذج شركة تاحال للمهندس اليسع كلي، الذي قدمه عام 1974 ويقوم على أساس استخدام 1%، أي ما يعادل 800 م3سنويا من مياه نهر النيل لحل مشاكل الكيان الاسرائيلي المائية، وأن هذا المشروع يمكن أن يؤدي إلى حل بعض مشاكل المياه المصرية والعربية بري شمال سيناء وامداد قطاع غزة والضفة الغربية والكيان الاسرائيلي بالمياه.
2 ـ نموذج بؤر أو (النيل الأزرق الأبيض) الذي يقوم على حفر ثلاثة أنفاق تحت قناة السويس لدفع مياه نهر النيل إلى سيناء ثم إلى صحراء النقب.
فالأطماع الاسرائيلية في مياه نهر النيل قديمة منذ انعقاد ندوة التعاون الاقتصادي لدول الشرق الأوسط في لوزان بسويسرا عام 1989 عندما تقدم البروفيسور حايين بن شاهار باقتراح حول مجالات التعاون بين الكيان الاسرائيلي والدول العربية بأن تقوم مصر بمنح الكيان الاسرائيلي حصة من مياه نهر النيل بمقدار 1% عبر أنابيب خاصة لاستخدامها في مشاريع التنمية الزراعية الاسرائيلية.
ونحن نرى أن مشروع نقل مياه نهر النيل إلى الكيان الاسرائيلي له عدة مخاطر اقتصادية واستراتيجية من أهمها (6):
1 ـ سوف يقوم هذا المشروع على حساب احتياجات الشعب المصري الحقيقية والتي سوف تؤثر سلبا على الأمن القومي المصري مائيا وغذائيا .
2 ـ سوف يدعم هذا المشروع القوة الاسرائيلية بشكل عام ومن ثم توجهاتها العدوانية والتوسعية بمساهمته في حل عدد من المشاكل الرئيسية التي يعاني منها الكيان الاسرائيلي كأزمة المياه، وعدم القدرة على التوسع الزراعي ومحدودية القدرة على استيعاب المهاجرين.
3 ـ سوف يؤدي نجاح هذا المشروع إلى إعطاء الكيان الاسرائيلي نوعا من المشروعية وبعدا قانونيا في ظل التسوية الاسرائيلية المصرية، وفرض سياسة الأمر الواقع والتي تعد نجاحا ومكسبا سياسيا للكيان الاسرائيلي.
ومما لا شك فيه أن هناك تعاونا وثيقا بين الكيان الاسرائيلي واثيوبيا في مجالات المياه والمجالات العسكرية والأمنية والفنية، مما يعد مصدر قلق لدول حوض النيل بأن يعمد الكيان الاسرائيلي إلى ممارسة ضغوط بشكل غير مباشر لتحقيق أهدافه، وذلك بالإسهام في مشاريع اثيوبية لإنشاء سدود على النيل الأزرق الذي سوف يؤدي حتما إلى توتر في المنطقة.
وكما أظهرت الزيارات المتبادلة بين عدد من كبار المسؤولين في الكيان الاسرائيلي واثيوبيا وجود إرادة ووعي سياسيين خاصة لدى الكيان الاسرائيلي لتطوير وبلورة تعاون مستمر ودائم بينهما، مما يشكل أساسا لقيام ارتباط استراتيج ي بين كل من الدولتين المحيطتين بالدول العربية، وإذا نظرنا إلى علاقة اثيوبيا بالكيان الاسرائيلي فنجد أنها آخر دولة افريقية قطعت علاقتها الدبلوماسية معها عام 1974 تنفيذا لقرارات منظمة الوحدة الافريقية. لكنها ظلت محتفظة معها بعلاقات في مختلف المجالات وعادت العلاقات بينهما في عام 1979 .
كما أن من أهم المؤشرات السلبية للتعاون الاسرائيلي الاثيوبي على الوطن العربي ما يلي:
1 ـ يشكل في تطوره تهديدا مباشرا للأمن القومي المصري عبر سيطرة اثيوبيا على 85% من مياه نهر النيل المتدفقة إلى مصر، إل ا أن هناك معوقات طبيعية تحول دون تحكم اثيوبيا في تدفق المياه لطبيعة الهضبة الاثيوبية التضاريسية. وبسبب نقص التمويل والخبرة الفنية، إلا أنها تظل مصدر تهديد رئيسي لحصة مصر من المياه إذا توفر طرف آخر له القدرة التمويلية والفنية ويرغب في مساعدة اثيوبيا كالكيان الاسرائيلي على القيام ببعض المشروعات التي تؤثر على هذه الحصة، مما يشكل تهديدا واضحا للأمن القومي المصري في المستقبل.
2 ـ إن التحالف الاسرائيلي الاثيوبي في مدخل البحر الأحمر ومنابع النيل يرتكز في الجانب الاسرائيلي على أهداف بعيدة المدى بمحاولة ابتزاز مصر والضغط عليها لإعاقة أي دور يمكن أن تؤديه في صالح القضية الفلسطينية وتطوراتها، وكذلك إعاقة أي دور مصري لحل قضية جنوب السودان والذي يعد من الأهداف الاثيوبية الاسرائيلية المشتركة.
أما في الجانب الاثيوبي فإن هذا التحالف يرتكز إلى عدة عوامل في مقدمتها الأوضاع الاقتصادية المنهارة منذ عهد الرئيس منغستو، والهزائم العسكرية المتلاحق ة التي مني بها الجيش الاثيوبي في اقليم التقراي، ورغبة اثيوبيا في السيطرة على أوضاعها الداخلية.
3 ـ إن العلاقات بين اسرائيل واثيوبيا كان الغرب ينظر إليها من منظور السلاح مقابل الهجرة، حيث يحصل الاثيوبيون على السلاح لمواجهة الأرتريين الانفصاليين (في ذلك الوقت) مقابل هجرة 15 ألف يهودي من الفلاشا إلى اسرائيل، ولكن السبب الحقيقي وراء تورط اسرائيل في اثيوبيا هو إيجاد موطأ قدم لها بعد عقود من الزمن من المحاولات للوصول إلى نهر النيل للضغط على مصر.
وفي ضوء التطورات الأخيرة التي استجدت على الساحة الاثيوبية وانهيار نظام منغستو وهروبه من البلاد، فمن المتوقع أن تعدل اثيوبيا من سياستها العدواني ة لدول الجوار.
ولعل ما لوحظ على سياسة حكومة أسياس افورقي من قبولها استقلال اقليم ارتريا بموجب الاستفتاء، خير دليل على توجهاتها الحسنة تجاه جيرانها، وعلى ضوء هذه المتغيرات على الساحة الاثيوبية نجد أن الكرة الآن في ملعب الدول العربية للاستفادة من هذه التطورات، واحتواء النظامين الجديدين في كل من اثيوبيا وأرتريا بدلا من تركهما يقعان في أحضان الكيان الاسرائيلي، على الرغم من وجود شواهد تدل على تغلغل اسرائيل في هاتين الدولتين وأبعاد الدول العربية عن لعب دور سياسي واقتصادي فيهما واحتواء فع ال لهاتين الدولتين.
رابعا : إبعاد الصراع على المياه في منطقة الشرق الأوسط:إن هناك ثلاثة أبعاد للصراع وهي:
أ ـ البعد السياسي:
إن من يستطيع السيطرة على منابع الأنهار يستطيع استخدامها كسلاح في وجه الدول التي تمر بها الأنهار، فتجد مثلا أن بعض الدول الواقعة على نهر النيل كأثيوبيا والسودان وغيرهما، حاولت استخدام المياه كسلاح في وجه مصر، وقد تهدد هذه الدول أحيانا حصة مصر من مياه النهر من وقت لآخر بسبب ما تقوم به من مشاريع وسدود عليه.
أو قد تتعاون مع جهات خارجية كإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية كما حدث ويحدث قي أثيوبيا، وذلك للضغط على مصر وتوجهاتها السياسية، أو ما تخطط له بعض القوى الخارجية من محاولة فصل جنوب السودان وذلك من أجل التأثير على حصة كل من السودان ومصر من المياه.
أما في منطقة نهر الفرات، فقد عمدت تركيا في بداية عام 1990 إلى تخفيض تدفق نهر الفرات إلى سوريا والعراق لملء سد أتاتورك، وتستخدمه تركيا بين الحين والآخر للضغط على سوريا لإيقاف ما تزعم به من الدعم لحزب العمال الكردستاني ومحاولاتها السابقة لتسليمها ( لعبد الله أوجلان).
كذلك أقامت تركيا مشاريع جنوب شرق الأناضول والمعروفة بمشروع الجاب الكبير. وما نتج عنه من سدود ومشاريع ري جبارة فهذا أث ر وسيؤثر سلبا على حصة سوريا من النهر وكذلك العراق، وقد ينتهي جافا عند مصبه في شط العرب. فمياه النهر استخدمت ولا تزال كأداة من أدوات القوة التركية تجاه كل من سوريا والعراق.
أما منطقة نهر الأردن فقد استطاعت اسرائيل بعد حرب عام 1967 من احتلال منابع نهر الأردن والسيطرة على الجولان السورية، وبعد عام 1978، و1982 استطاعت اسرائيل السيطرة على المياه اللبنانية والأنهار التي تشكل روافد لنهر الأردن، وقد استطاعت كذلك التحكم في مجرى النهر وكمية المياه المتدفقة منه، وبدأ هذا يؤثر سلبا على كل من سوريا والأردن بشكل كبير.
وأصبحت تتحكم بالمياه الأردنية بحكم سيطرتها على بحيرة طبريا وتحويلها مجرى نهر اليرموك أحد روافد نهر الأردن بعد بحيرة طبريا، إلى البحيرة، وذلك لتخزين المياه والتحكم بها. وما تقوم به من مشاريع لسحب مياه هذه البحيرة كمشروع الناقل القطري لري النقب في جنوب فلسطين وغيرها من المشاريع التي تستهدف تأمين حاجات اسرائيل المائية، والتحكم في تدفق المياه تجاه الأردن، واستخدامها كسلاح ضغط في وجه السياسة الأردنية.
ب: البعد الاقتصادي:
إذا استغلت الدول المسيطرة على منابع الأنهار بصورة صحيحة وأقامت عليها مشاريع اقتصادية مدروسة ستستطيع أن تحقق نوعا من الاستقرار الاقتصادي لها وتأمين الغذاء والكهرباء لشعوبها. ولكن يجب أن لا يؤثر ذلك على الدول الأخرى المشاطئة لها أو قد تعمد إلى تلويثه لتضر دولا غيرها.
إن تركيا بما أقامته من سدود ومشاريع جبارة من خلال مشروع الجاب، وما تخطط له من ري لآلاف الهكتارات، ومشاريع كهربائية ستحقق استقرارا اقتصاديا ووفرة في المحصولات الزراعية، وعائدات مالية من خلال ما يتم تصديره من منتوجات زراعية، وربطا كهربائيا مع الدول المجاورة.
أما اسرائيل فهي تسعى إلى تحقيق مجموعة من الأهداف في سيطرتها على منابع نهر الأردن والاستمرار في احتلال الجولان السورية، وأجزاء من جنوب لبنان وما تقوم به من مشاريع مائية لتحويل مياه نهر الليطاني وغيرها في جنوب لبنان، وما تقيمه من مشاريع مائية على نهر الأردن، وسحب أكبر كمية من مياه بحيرة طبريا، والتي تعتبر المخزن الرئيس لمياه نهر الأردن.
فهي تستخدم هذه المياه لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية في الأراضي المحتلة ولإمداد المستوطنات الاسرائيلية في الجولان والضفة والقطاع وغيرها.
ج: البعد الجغرافي والبيئي:
تمتلك دول المنبع بسبب وضعها الجغرافي المميز مبدأ القوة في التحكم في مياه النهر كما ونوعا . ولهذا فإن الدول التي يصب فيها النهر تكون تحت تأثير قوة دولة المنبع.
إن مصر تنتهج سياسة مرنة ومهادنة تجاه الكثير من الصراعات الداخلية والاقليمية في المنطقة، وكثيرا ما تلوح دول المنبع باستخدام مياه النيل كسلاح ضد مصر، وذلك عندما تحدث أزمات سياسية بين دول حوض النيل، ويكون لمصر دورا مباشرا أو غير مباشر في هذه الأزمة وهذا ما ترفضه مصر وبحق شكلا ومضمونا .
أما في دول حوض نهر الأردن فتؤثر فترات الجفاف وعدم سقوط الأمطار على بلاد الشام على كافة دول المنطقة، وبذلك يكون الماء متغيرا استراتيجيا يتحكم في القرارات السياسية والاقتصادية والعسكرية بين دول بلاد الشام (لبنان، وسوريا، والأردن، وفلسطين).
أما دول حوض نهر دجلة والفرات، فتركيا ترى أنها هي المنبع الأوحد لكلا النهرين ويعتبره الأتراك من المصادر الوطنية والطبيعية لبلادهم، وليس لسوريا والعراق حق في هذه الأنهار على الرغم من بعض الروافد التي ترفد نهر دجلة والفرات في العراق وسوريا.
وقد أوضح وكيل وزارة الخارجية التركي للعلاقات الاقتصادية السابق السيد كاتشوا بليدا(7)عام 1990 بأن نقطة الخلاف تتمثل في أن تركيا تعتبر نفسها هي المصدر الأوحد لمياه نهري دجلة والفرات وأن الحصص مرتبطة بهذه الرؤية في حين أن سوريا والعراق ترفضان ذلك .
وتنبغي الإشارة إلى الموارد المائية في بعض دول الشرق الأوسط وهي (لبنان وسوريا والأردن، والضفة الغربية وقطاع غزة والعراق وتركيا واسرائيل)، وكذلك لا بد من ذكر أثر أزمة المياه على الصراع في دول المنطقة واستخدامها كسلاح سياسي ومصدر قوة في سياسة بعض الدول المسيطرة على منابع الأنهار.
ومدى علاقة المياه في مفاوضات السلام الجارية الآن بين دول المنطقة، والتي تعتبر الأساس في أي حل ممكن أن ينتج عن هذه المفاوضات.
فبدون اتفاق مرض لكل الأطراف سيكون ذلك مدعاة للنزاعات بين الأجيال القادمة.
1 ـ الأزمة المائية في اسرائيل وسرقة المياه العربية:
ينبغي النظر إلى حالة اسرائيل المائية بدقة علمية إذ أنه رغم استيلاء اسرائيل على هضبة الجولان السورية والضفة الغربية الفلسطينية واحتكار مصادر المياه فيهما، وبالرغم من انسياب مياه نهر الأردن إلى السهل حوله عبر قناة على مجرى النهر العلوي عند جسر بنات يعقوب، وبرغم استخدام مياه المجاري لأغراض الصناعة والزراعة بعد معالجتها، ورغم ذلك كله تتفاقم أزمة المياه في اسرائيل باستمرار،
وتشير بعض الدراسات إلى أن اسرائيل استهلكت في بداية التسعينات حوالي 2460 مليون م3 سنويا منها 60 مليون م3 استهلاك المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة، و 1500 مليون م3 للصناعة.
وتحصل اسرائيل على 1500 مليون م3 من مياه نهر الأردن أما البقية فتحصل عليها من المياه الجوفية واحتجاز السيول في النقب وقرب تل أبيب. ولهذا فالخبراء يتوقعون أن ترتفع احتياجات اسرائيل من المياه في ما بعد عام 2000 إلى أكثر من 2500 مليون م3، وعليه سيبلغ العجز المائي أكثر من 800 مليون م3 سنويا زيادة على ما هو متوفر الآن(8).
ونظرا للاحتياجات المستمرة في اسرائيل للمياه على الرغم من أنها استطاعت أن تحصل على 44 مليون م3 من المياه المحلاة بالاعتماد على عشرين محطة تحلية تعمل على معالجة 120 ألف م3 في اليوم، ومع تطور تكنولوجي ا التحلية وإمكانية تضخيم حجم المحطات وزيادة انتاجيتها بكفاية أعلى، إلى أنها لن تتمكن من توفير الأموال والقدرات اللازمة لتحلية 800 مليون م3 من مياه البحرين (الأحمر والأبيض المتوسط)، وهذه الزيادة في الطلب ذات أهمية قصوى بالنسبة لإسرائيل لأنها تذهب إلى القطاع الزراعي ولا سيما في صحراء النقب.
كذلك هناك معلومات حول سرقة اسرائيل للمياه العربية في الأنهار اللبنانية كنهر الوزاني والليطاني والحاصباني وغيرها.
2 ـ أثر أزمة المياه على الاستقرار العربي:
إن أزمة المياه لها الأثر الفعال في معضلة الاستقرار المنشود في الدول العربية وزاد الاهتمام بهذا الموضوع من قبل المثقفين والمفكرين العرب في بداية الثمانينات وذلك لزيادة الأخطار التي بدأت تحدق بالعالم العربي.
إن الكيان الاسرائيلي أثار هاجس الأمن المائي العربي الذي هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي ككل، ولكنه لم يتبع أسلوب المواجهة المباشرة مع العرب. والعرب أنفسهم لم يتخذوا سياسة مائية واضحة المعالم لمواجهة التهديدات الاسرائيلية بسبب الخلافات العربية، ولذلك لا بد من إبراز مصطلح الأمن المائي العربي في الفكر السياسي الاستراتيجي القومي العربي والذي يمكن أن يتحول إلى مشكلة تبعية مائية. وبالتالي يعتبر الأمن المائي العربي أحد جوانب الأمن القومي العربي الذي يؤدي إلى استقراره.
فالحلول التي يجب وضعها لحماية الاستقرار تكمن في تضامن الدول العربية لرد أي تهديد يعترض أمنها القومي، وعدم تركيز كل دولة على أمنها الوطني كوحدة متميزة بين الدول.
3 ـ أثر أزمة المياه على الاستقرار الاسرائيلي:
إن قضية الاستقرار الاسرائيلي تدخل في نطاق الوجود الفعلي للدولة اليهودية ، ومن الصعب وصف التجمع الاسرائيلي بالقومية، وذلك لأن الاسرائيليين لا يشكلون قومية بالمعنى المفهوم في الفكر السياسي. فالقومية مصطلح يطلق على مجموعة من الشعوب اكتملت لديها عناصر الاندماج من وحدة وهوية ووضوح هدف فضلا عن الاستقرار مدة طويلة في إقليم يشعرون نحوه بالولاء والانتماء وهذه العناصر في جملتها تغيب عن المجتمع الاسرائيلي.
والاستراتيجية الإسرائيلية تقوم على عدد من العناصر ترتبط ببعضها ارتباطا عضويا لتشكل تحديا خطيرا على الأمن القومي العربي. ومن أهم هذه العناصر عنصر الأمن لأنه حسب المفهوم الاسرائيلي له ذو طبيعة استيطانية والقائم على عقيدة التوسع.
إن الفجوة المائية في الأمن المائي القومي للكيان الاسرائيلي فجوة مهمة لأنها تتعلق بالعمود الفقري لنظرية الأمن الاسرائيلي (الهجرة).
فالهجرة تحتاج إلى الأرض والأرض تحتاج إلى المياه، والمياه تحول رجال الأعمال إلى فلاحين مرتبطين بالأرض، وتعمق فيهم روح الانتماء(9) ، وبذلك فالأهداف الاسرائيلية الطموحة لزيادة الهجرة اليهودية إلى أرض فلسطين، والمخططة سلفا من الأخذ في الحسبان ضرورة توفير المصادر المائية اللازمة لتوفير الغذاء لهؤلاء المهاجرين، ولإكمال المشروع الصهيوني بالبقاء والسيطرة على فلسطين فمن الضرورة الحصول على مصادر مائية إضافية.
عندما يبحث الكيان الاسرائيلي عن حل مشاكله المائية فإن أنظاره سوف تتجه خارج حدوده، مما يجعل البحث عن المياه سببا لممارسات سياسية وعسكرية لهذا الكيان ربما تختلف من شكل لآخر، ولكنها تظل محكومة بذات الدوافع الأولية التي أدت إلى إقامته. فالأطماع الصهيونية ذات طابع اقتصادي فيما يتعلق بالحصول على ما تسميه حقوقها من مياه أنهار (الأردن، والليطاني، والنيل) ولا تستمد شرعيتها ومبرراتها لدى قادة الكيان الاسرائيلي من فائدتها الاقتصادية، وإنما من الأغراض الاستيطانية التي تتطلب إعمار صحراء النقب والمناطق الصحراوية في فلسطين المحتلة. فطبقا لمعدلات النمو الطبيعي للسكان داخل الكيان الاسرائيلي لا توجد مشكلة مياه ملحة.
إن لمشكلة المياه أبعادها الاستيطانية الاستعمارية أساسا ، والاقتصادية هامشيا ، وتصبح أكثر وضوحا وعلاقة بالأمن القومي الاسرائيلي، فالخط الأحمر الذي وضعه الكيان الاسرائيلي لمسألة المياه لا يقل خطورة عم ا يمكن أن يؤدي إلى تحريك قوات أو أسلحة إلى مناطق منزوعة السلاح حيث اعتبر هذا الكيان المياه موردا استراتيجيا من الدرجة الأولى، واعتبر أي تهديد لمصادر المياه مؤديا إلى استنفار الجيش(10).
وعليه فإن هناك علاقة طردية بين سيطرة الكيان الاسرائيلي وتحكمه في مصادر المياه في المنطقة من جهة، وبين تحقيق الأمن القومي له من جهة أخرى.
4 ـ تأثير الحل السياسي على القضية الفلسطينية ومشاريع المياه:
هناك بعض الحلول طرحت لحل القضية الفلسطينية من قبل أطراف النزاع ومن المجتمع الدولي والمنظمات والهيئات الدولية وجرى معالجة وضع المياه من جانبين (11) هما:
أ- الربط المباشر بين القضية الفلسطينية وأزمة المياه. حيث اقترح حوالي تسعة مشاريع.
ب- الربط غير المباشر بين تسوية القضية الفلسطينية وأزمة المياه حيث نصت بعض الحلول على عدم ربطها مباشرة بالتسوية بل عن طريق ربطها بالحدود أو الاستيطان أو إنشاء دولة فلسطينية، وقد وردت ثمانية مشاريع بهذا الصدد.
5 ـ قضية المياه ومحادثات السلام في الشرق الأوسط:
إن قضية موارد المياه هي مشكلة وثيقة الصلة بمحادثات السلام في الشرق الأوسط وأن ندرة المياه ومشكلة توزيع الكميات المتوفرة حاليا بين الدول في المنطقة هي القنبلة الزمنية التي يمكن أن تدق طبول الحرب في بداية القرن الواحد والعشرون ما لم تتفق الأطراف المعنية على اتفاق يرضي الجميع، ولهذا أصبح من الضروري إضافة هذا البند إلى قائمة بنود محادثات السلام.
لقد أدرك خبراء المياه في إسرائيل أن جميع مصادر المياه في أراضي اسرائيل قبل عام 1967 قد استغلت بحلول عام 1979 وبالتالي فقد بلغ العجز المائي في اسرائيل عام 1990 حوالي 350 مليون م3 ومن المتوقع أن يصل إلى البليون متر مكعب في بداية هذا القرن.
أما في مصر فإن الزيادة السكانية المطردة ومشاريع التنمية الاثيوبية على نهر النيل الأزرق بمشاركة اسرائيل هي مصدر الخطر الحقيقي لمصر،
ويرى الخبراء أن مصر ستدخل الحرب من أجل نصيبها من مياه النيل لو حدث نقص في كميات المياه المتدفقة إليها من اثيوبيا، وسبق للرئيس المصري الراحل أنور السادات أن أعلن عام 1979 بعد اتفاقية كامب ديفيد بأن القضية الوحيدة التي تجعل مصر تدخل الحرب مرة أخرى هي قضية المياه. ومياه النيل هي مصدر المياه الرئيسي لتسع دول منها دولتين عربيتين، وقد ازداد معدل استهلاك المياه في المنطقة بصورة كبيرة مما جعل الخبراء يتوقعون نقصا لا مناص منه في المياه بالنسبة لمصر في مطلع القرن الواحد والعشرين.
أما في منطقة نهر الفرات فهو محل اهتمام مزدوج سواء من ناحية التوتر السياسي أو التنمية بالنسبة لكل من تركيا وسوريا والعراق، هذا النهر الذي ينحدر 98% من مياهه من الأراضي التركية، قد ينتهي جافا عند مصبه في شط العرب بسبب مشاريع الري الهائلة في كل من تركيا ثم سوريا. وأن الحاجة تستدعي إيجاد اتفاقية بين الدول الثلاث للاتفاق على صورة معينة لحصة كل منهم من المياه، وهذا من الأهمية بمكان نظرا لأن كل دولة لها خطط طموحة قد تؤدي إلى استهلاك مياه نهر الفرات.
أما في منطقة نهر الأردن فإن الصراع العربي الاسرائيلي ونقص المياه يلقيان بظلالهما على طبيعة المشكلة. فكل من الأردن واسرائيل تستنزفان المياه الجوفية والتي لا يمكن تعويضها وبالتالي سرعان ما تنتهي، ويقول الدكتور الياس سلامة من جامعة الأردن بغض النظر عن الذي يمكن أن يحرزه الري الزراعي فإن مخزون المياه في الأردن سيستهلك بحلول عام 2010 ، وأضاف أن التعداد السكاني الحالي لا يتناسب مع كميات المياه المتوفرة، ولا يمكن للمشكلة أن تحل ما لم يتم التوصل لإتفاقية سلام معقولة،
وهو يرى أنه في حالة فشل محادثات السلام فمن المحتمل أن تشهد الفترة ما بين 1995 2005 زيادة في مشاكل نقص المياه في كل من الأردن واسرائيل والضفة الغربي وبالتالي سيؤدي ذلك إلى حدوث صراع.
والجدير بالذكر أن السياسات الاسرائيلية اللامنطقية حيال العرب واستنزافها للمياه بصورة غير سليمة كان السبب الأوحد وراء تعميق حدة الخلاف حيال مشكلة المياه في المنطقة، وأن انخفاض كمية الموارد المائية خاصة الجوفية كان بسبب استهلاك اسرائيل للموارد المائية بصورة غير متزنة. لقد دخلت اسرائيل حروبا كبدتها مبالغ طائلة حتى تمكنت من الاحتلال والتحكم في مصادر المياه ل 80% من مياه المنطقة خاصة في الأراضي المحتلة في فلسطين.
ويرى المحللون السياسيون بعد الأخذ بعين الاعتبار نوايا اسرائيل المائية، أن الحرب القادمة بين العرب واسرائيل ستكون بسبب نزاعهم على الموارد المائية. ولهذا فهم يرون أن الحروب السابقة في المنطقة كانت في الواقع بهدف احتلال الأرض والمياه الجوفية.
أما الآن فإن قضية المياه ليست مسألة هينة ولكنها معقدة لكون اسرائيل تحاول اغتصاب جميع الموارد المائية المتوفرة في الدول المحيطة بها، ولهذا لا يمكن التغاضي عن هذه القضية عند الحديث عن عملية السلام.
وفي تقرير للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن أشار إلى أن المفاوضات الخاصة بالمياه في محادثات السلام أصبحت مغمورة بسبب الأمور السياسية، وأن الشرق الأوسط أصبح ساحة لسوء الظن السياسي لأن التحكم في موارد المياه أصبح يعتبر غنيمة استراتيجية أداة مساومة أو سلاح سياسي ذو تأثير قوي على توازن القوى في المنطقة، وأن النقطة الرئيسية هي تعارض المطالب الاسرائيلية والأردنية حيال نهر الأردن (أي بين الخطط السورية والأردنية الهادفة إلى تطوير نهر اليرموك وسياسة اسرائيل المائية في الأراضي المحتلة وجنوب لبنان).
ويضيف التقرير في مقابل الاتهامات العربية بسرقة اسرائيل للمياه تقف اسرائيل متذرعة بأن مواردها المائية الرئيسية قد تقع في أيدي عديمي الخبرة أو في أسوأ الأحوال في أيدي أعدائها.
إن الدول العربية والفلسطينيين الذين شاركوا في محادثات السلام كان الأمل يراودهم في استعادة أراضيهم المغتصبة وبالتالي استعادة مواردهم المائية ولكن أقصى ما عرضته اسرائيل هو منح الفلسطينيين حكما ذاتيا محدودا في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهذا لا يشمل إدارة الموارد المائية.
كما عرضت اسرائيل انسحابا جزئيا من الجولان ولهذا تعتبر مسألة المياه من أشد نقاط الخلاف بين سوريا واسرائيل. فالجانب الاسرائيلي( (13يطالب بتعهد سوريا بعدم القيام بتحويل مياه الجولان إلى أراضيها في حين يرى المفاوض السوري أن من حقه المطالبة بالانسحاب حتى حدود الرابع من حزيران عام 1967 واسترداد مصادر المياه في مناطق بانياس والحمه واستخدام هذه المصادر كما تشاء بلده، وهنا تتعارض تصورات الجانبين (فحدود الرابع من حزيران عام 1967) يعني السيادة السورية الكاملة على الشاطئ الشرقي لبحيرة طبريا وعلى شريط من الأرض أضيف إلى فلسطين أثناء عهد الانتداب البريطاني وهي تشمل سهل عز الدين ومزارع الخوري ومنطقة الحمه وبرك التمساح والتوافيق والنقيب والبطيحة وراد الغنامة وكراد البقارة والسمر الخ...
فالمناقشات الأمنية تخفي وراءها شروطا سياسية تتعلق بطبيعة النظام ومعنى الحدود الآمنة وحل النزاع ومضاعفاته ضمن عملية شاملة تتعلق بمياه اليرموك ومنابع نهر الأردن وتدعي اسرائيل أنها تحتاج ما بين 25 40 مليون م3 من مياه اليرموك حسب مشروع جونسون، وأنه إذا لم تقبل سوريا والأردن بمطالبها فإنها تحتفظ لنفسها بحق اتخاذ إجراء يرغمهم بالقوة على التفاوض معها.
وفي تقرير أعده مركز الدراسات الاستراتيجية في جامعة تل أبيب (14) يرى أن انسحاب اسرائيل من الجولان يعني انتقال 40 مليون م3 من المياه من السيطرة الاسرائيلية إلى السيطرة السورية، وهذا الانسحاب سيحرم اسرائيل من بعض روافد نهر الأردن، ولهذا اقترحوا انسحابا جزئيا بأحد خطين:
1 ـ خط انسحاب يمر بالقرب من القنيطرة ويمتد حتى منطقة الحمه.
2 ـ أو خط انسحاب يضمن لاسرائيل سيطرة على جزء من الجولان.
وفي كلتا الحالتين فإن المناطق الغنية بالمصادر المائية ستبقى تحت إشراف اسرائيل لأن عودة الجولان إلى سوريا ستؤدي إلى تنمية منطقة حوران جنوب سوريا والتي تصبح منطقة زراعية تهدد الاقتصاد الاسرائيلي بمنتجاتها الرخيصة الثمن والعالية الجودة.
وعليه فإن إيجاد الحل المنطقي لمشكلة المياه بما في ذلك مسألة التوزيع العادل لحصص المياه بين دول المنطقة مرتبط بمحادثات السلام، ويؤكد الدبلوماسيون العرب بأن أي تقدم في إحراز اتفاقيات اقليمية لا يمكن أن تخرج إلى حيز الواقع ما لم تنسحب اسرائيل من الأراضي المحتلة.
ويتبين مما سبق أن هناك علاقة طردية بين سيطرة الكيان الاسرائيلي وتحكمه في مصادر المياه في المنطقة من جهة وبين تحقيق الأمن القومي له من جهة أخرى.
يعتبر الماء موردا باهظ الثمن في الأراضي الجافة في الشرق الأوسط وقد يتساوى ثمنه بثمن البترول، وعلى الرغم من كون الأرض هي محور الصراع بين اسرائيل والعرب، إل ا أن هناك تركيزا متزايدا من قبل الطرفين على قضية المياه لأن الخبراء يعتقدون بأن الصراع في المنطقة مستقبلا سيكون بسبب الموارد المائية.
ففرض السيطرة على موارد المياه العذبة سيكون هدفا حيويا ومؤثرا على التوازن الاستراتيجي للقوة في المنطقة، وبالتالي سيؤدي إلى استمرار الاحتلال الاسرائيلي للأراضي العربية والمياه الموجودة فيها، وكذلك الزيادة السريعة في التعداد السكاني لدول المنطقة سيؤدي إلى تفاقم الصراع في المنطقة، ولعل السبب الرئيسي وراء تباطؤ اسرائيل في الانسحاب من الأراضي التي احتلتها عام 1967 هو الماء.
كما أنه وراء إصرار اسرائيل على الاحتفاظ بمنطقة آمنة محاذية للأنهر اللبنانية، وعلى نفس المنوال، فقد استقطعت اسرائيل نصيب الأسد من موارد المياه في مرتفعات الجولان والضفة الغربية وقطاع غزة لكي تضر بالفلسطينيين والأردنيين والسوريين،
وفي الواقع فإن اسرائيل هي السبب وراء مشكلة توزيع الماء فهي تأخذ أكثر من حصتها في حين تحرم جاراتها من مواردهم المائية الطبيعية. فقد عارضت بناء (سد الوحدة) وهددت بضرب أي سد ينشأ على نهر اليرموك.
وهذا دليل واضح على مخططاتها. فلو افترضنا أن الأردنيين والفلسطينيين توصلوا إلى اتفاق مع سوريا والعراق وأن سوريا والعراق اتفقت مع تركيا حول تقسيم المياه فإن احتمالات التوصل إلى اتفاق مع اسرائيل غير واردة ما لم يتم التوصل إلى اتفاق شامل في الصراع العربي الاسرائيلي وفقا لشروط عربية، وأن الصراع كفيل بحل القضايا الاقليمية الأخرى.
لقد نوقشت مسألة المياه أكثر من خمس مرات في المحادثات المتعددة الأطراف منذ شهر كانون الثاني/ يناير عام 1992 ولكن دون نتائج ايجابية، ويمكن أن نلاحظ على سبيل المثال أن اسرائيل والأردن بعد مضي سنة على معاهدة السلام بينهما لا يبديان حماسا كبيرا للتعاون بينهما في المجال المائي في إطار مؤسسة مشتركة، وكان ولي العهد الأردني السابق الأمير الحسن بن طلال ورئيس الوزراء الاسرائيلي السابق شمعون بيريز عندما كان وزيرا للخارجية، قد طالبا إثر اجتماعهما في عمان في شهر نيسان/ابريل 1995، بإقامة هيئة مشابهة (لسلطة وادي تينسي الأمريكية) للإشراف على تنمية وادي الأردن. إلا أن المبادرة بقيت تنتظر التنفيذ وقد بدأت الأضواء تعود إلى هذه الفكرة بعدما أشار (رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق) شمعون بيريز في خطابه إلى الكونغرس الأمريكي مشيرا إلى الأمل بتحويل وادي الأردن إلى شيء يشابه وادي تينسي.
ومن الواضح أن اسرائيل كانت ترغب في المساومة حيال مرتفعات الجولان مع سوريا. بغض النظر عم ا يمكن أو لا يمكن تحقيقه مع الأردن ولبنان والفلسطينيين وذلك على نمط اتفاقية كامب ديفيد إل ا أن سوريا لم توافق وعوضا عن ذلك طالبت سوريا بانسحاب اسرائيل من جميع الأراضي العربية التي احتلتها اسرائيل عام 1967 قبل التوصل إلى أي اتفاق سلام مع اسرائيل.
إن استغلال مياه الأنهار في المنطقة يسير إلى استحالة الفصل بين السياسة والاقتصاد، ولهذا فمن واجب الدولالعربية إيجاد استراتيجية موحدة بمنأى عن الاتفاقيات المنفصلة، وإنهاء الصراع العربي العربي كما يجب على سوريا والعراق التغاضي عن مساوئ الماضي بينهما، والعمل على توحيد وترسيخ الجهود من أجل التوصل إلى اتفاق مع تركيا حيال مياه الفرات.
كما أن الحاجة الماسة الآن تستدعي أن تتبنى الدول العربية استراتيجية موحدة وشاملة للدفاع عن مواردهم المائية في أثناء مفاوضاتهم مع اسرائيل، ضمن إطار جامعة الدول العربية. بالإضافة إلى ذلك فإن مشكلة المياه جزء لا يتجزأ من الصراع العربي الاسرائيلي، ولا يمكن التوصل لحل لقضية المياه بشكل يرضي جميع الأطراف المعنية ما لم تحل المشكلة الرئيسية وهي احتلال اسرائيل للأراضي العربية عام 1967 بصورة مستديمة عن طريق مباحثات السلام الجارية حاليا .
الملف النووي الإيراني :
لا يمكن فصل الملف النووي الإيراني عن السياق العام للإستراتيجية التي تنتهجها ايران في المنطقة من خلال تركيزها على النقاط التالية :
1 – مواصلة جهودها لإمتلاك السلاح النووي الأمر الذي سيخق خللاً في التوازن في منطقة الخليج وسنتج عن ذلك المزيد من التوتر في العلاقات .
2 – مواصلة ايران احتلالها لجزر الخليج العربي ورفض الدخول في أي مباحثات جدية لإيجاد حل لهذه الأزمة التي تتفاقم يومياً
3 – دعم ايران لقوى اصولية ( حزب الله – حماس ) لتشكل جسراً لطهران لكي تكون اللاعب الأساسي في المنطقة .
4 – اصرار ايران على التدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار عبر دعم مجموعات شيعية الأمر الذي سيؤدي الى خلق المزيد من التوتر والبلبلة .
هذه المسائل مجتمعة تشكل تحديات جدية للأمن العربي .
الهوامش
1 ـ عبد الرحمن أبو عرفة: الاستيطان التطبيق العملي للصهيونية، الموسوعة العربية للدراسات والنشر، دار الجليل للنشر، عمان: 1981 .
2 ـ ابراهيم أحمد ابراهيم: الأطماع الاسرائيلية في مياه جنوب لبنان، السياسة الدولية، القاهرة: العدد 70 أكتوبر 1982 .
3 ـ محمد الصواف: مشكلة المياه في اسرائيل بين الادعاء والاعتداء، الملف العدد 72 مارس 1990 .
4 ـ د. منصور العادلي: موارد المياه في الشرق الأوسط (صراع أم تعاون)، دار النهضة العربية 1996 ص 378 .
5 ـ أحمد المصري: نقل مياه النيل إلى اسرائيل، دراسات عربية العدد (16) يوليو/1980م.
6 ـ حسام شحاتة: المياه العربية في دائرة الخطر، معهد الأرض للدراسات الفلسطينية، دمشق: العدد (8) أغسطس 1990م، ص 49 .
7 ـ جريدة القبس الكويتية 21/1/1990 .
8 ـ د. حمدي عبد الرحمن: امكانيات تدعيم الأمن المائي العربي، بحث مقدم إلى المؤتمر السنوي للبحوث السياسية، مركز البحوث والدراسات السياسية، كلية الاقتصاد، جامعة القاهرة: ديسمبر 1991، ص 5 .
9 ـ أمين هويدي: فجوات في الأمن القومي الاسرائيلي حتى عام 2000، الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، شؤون عربية العدد 55، تونس: سبتمبر 1988، ص 183 .
10 ـ محمد الصواف: مرجع سابق، ص 109 .
11 ـ تسوية النزاع في الشرق الأوسط، الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، تونس: 1988 و ص60 .
12 ـ طارق المجذوب: مرجع سابق، ص 55 .
13 ـ أحمد المصري: مرجع سابق، ص 97 .
14 ـ أحمد المصري: مرجع سابق، ص 99 100 .
تصفح إصدارات مركز الدراسات العربي-الأوروبي واستفد من مكتبتناالكبيرة
>>ادخل المكتبة <<
نسيت كلمة المرور؟
أرشيف (تحت المجهر)
* مصير المفاوضات غير المباشرة ومخطط تهويد القدس
* لماذا استعاد قراصنة الصومال انشطتهم ؟
* مستقبل العلاقات الإيرانية - السورية
* رد فعل العرب ضد جريمة الموساد في دبي
* اعلان ايران قدرتها على تخصيب اليورانيوم بنسبة 80%
* مدى نجاح القمة العربية في ليبيا
* مسعى فرنسي لعقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط
* هل زلزال هايتي نتيجة اختبار اجرته اميركا على جهاز صدمات
* مجلس تعاون استراتيجي يضم تركيا وإيران وسورية والعراق ولبنان
* مشروع أميركي لمعاقبة فضائيات عربية
أرشيف
بصفتك عضو في هذا المركز يمكنك الحصول على النشرة الدورية عند تحميلها
اضغط هنا لرؤية التقرير الدوري
ادخل البريد الالكتروني لصديقك
المصدر مركز الدراسات العربي الاوربي
http://www.ceea.com/new/publication-detail.php?fid=40
1 – ملف المياه
2 – الملف النووي الإيراني
3 – الملف السلام
وبما ان هذا الملف ألخير سيتم التطرق اليه من قبل الكثيرين فإن التركيز هنا ينصب حول الملفين الأخرين .
1 ملف المياه :
مصادر المياه في الشرق الأوسط لا تنحصر داخل حدود وطنية واحدة. فتركيا، والعراق، وسوريا، يمر عبرها جميعها نهر الفرات في حين تعتمد كل من سوريا والأردن، والفلسطينيين وإسرائيل، على نهري الأردن واليرموك. أما النيل في مصر فيعبر عدة دول إفريقية قبل أن يصب في البحر الأبيض المتوسط. أن قضية ندرة المياه والاستفادة المشتركة منها سببت بعض التوترات في المنطقة. فتركيا كانت تستخدم نهرالفرات كسلاح لممارسة الضغوط على سوريا لوقف ما تسميه بمساعدتها للأكراد.
كما حدث بعض التوتر بسبب المياه بين كل من تركيا والعراق، وسوريا والعراق، وسوريا والأردن، ومصر والسودان، ولكن أكثر المناطق حساسية هي تلك التي تتداخل فيها المياه العربية مع الحدود الإسرائيلية.
ومن الملاحظ أنه سواء كان ذلك بتعمد أو بصورة مخططة سلفا فإن جميع الأراضي التي ضمتها إسرائيل منذ نشوء كيانها كانت توفر لإسرائيل الأمن والمياه.
فباحتلالها الضفة الغربية استطاعت اسرائيل التحكم في مصادر المياه التي كانت قبل حرب عام 1967 تحت تصرف الدول العربية. كما أن احتلالها للجولان منحها فرصة الهيمنة على نهر الأردن وروافده،
وعلى نفس المنوال فإن احتلال اسرائيل لما أسمته بالحزام الأمني في جنوب لبنان عام 1978 أمن لها المياه من جبال لبنان الممتدة إلى الشمال من اسرائيل، وبذلك فإن قضية المياه اصطبغت بصفة عسكرية في غزوها للبنان، وأن قضية المياه كانت أحد الأسباب الرئيسية وراء ذلك الغزو. نستعرض أربع نقاط هي:
أولا : نهري دجلة والفرات والصراع حولهما
تعتبر جبال شرق تركيا هي منبع نهري دجلة والفرات. ونهر الفرات يمر عبر الأراضي السورية ثم الأراضي العراقية حتى يصل مصبه عند الخليج العربي. بينما يتجه نهر دجلة إلى الأراضي العراقية ويمر على الحدود السورية التركية. تجدر الإشارة إلى ما أقيم من مشاريع على النهرين سواء في تركيا كمشروع الجاب العملاق، وغيره من السدود ومشاريع زراعية في كل من سوريا والعراق، وما وقع من بروتوكول بين سوريا وتركيا في سنة 1987.
وارتباط هذين النهرين بالمشاكل والحساسيات السياسية بين تركيا من جهة وسوريا والعراق من جهة أخرى. واستخدام تركيا مياه النهرين كعنصر قوة في سياستها تجاه سوريا وممارستها للضغوط عليها سواء بما تدعيه من مساندة سوريا للأكراد أو بما بين البلدين من مشاكل حدودية حول لواء الاسكندرونة، والتعاون العسكري بين تركيا واسرائيل وما يشكله ذلك من ضغوط تركية على سوريا.
ثانيا : نهري الأردن والليطاني والصراع حولهما
يعتبر نهر الأردن من الأنهار التي ترتبط به مشاكل عديدة. فعلى الرغم من أنه لا يتساوى مع نهر الفرات من حيث كمية المياه إل ا أنه يتمتع بحساسية سياسية أكثر عمقا من سابقه. فمنابع نهر الأردن هي المرتفعات السورية واللبنانية ، وتستفيد من مياهه كل من (سوريا والأردن واسرائيل والفلسطينيين). وجميع هذه الدول تواجه نقصا في المياه. فالنهر يوفر 75% من احتياجات الأردن، ونظرا للنمو السكاني في الأردن والذي يعادل 3.7% في السنة، وللتوسع في مشاريع الري، وتدفق اللاجئين الفلسطينيين من جميع أنحاء الدول العربية كتبعة من تبعات حرب الخليج الثانية، فإن الأردن سيواجه مأزقا عصبيا بالنسبة للمياه في نهاية القرن العشرين وبداية هذا القرن.
أما اسرائيل ووفقا لسياستها التعسفية من سحب مياه نهر الأردن، فبعد احتلالها للجولان قامت ببناء محطة كبيرة على بحيرة طبريا لضخ كميات ضخمة من المياه إلى أنظمة مشاريع الري الاسرائيلية، والتي تحتوي على شبكة من الأنابيب التي تحمل المياه من بحيرة طبريا إلى صحراء النقب، ونتيجة لذلك حرم الأردن من مصادر مياه طوال 30 عاما وقد سرقت اسرائيل معظم المياه المتدفقة من نهر الأردن سنويا (1).
أما فلسطين فمنذ أن احتلت اسرائيل الضفة الغربية وقطاع عزة في عام 1967، أخذت تمنع المزارعين الفلسطينيين من حفر الآبار في الضفة الغربية. أو حتى تحسين أو تطوير الآبار القديمة. فقد تم تحويل أكثر من 83% من مياه الضفة الغربية إلى اسرائيل، أو إلى المستوطنات اليهودية.
وهذا يمثل ثلث كمية المياه المستخدمة في اسرائيل داخل حدود ما يسمى بالخط الأخضر الذي يفصلها عن الأراضي المحتلة. إن سرقة المياه وأكثر من 80% من الأراضي في الضفة الغربية والقطاع أثر على كافة أوجه الحياة لدى الفلسطينيين ((2.
ينطبق الأمر ذاته على قطاع غزة فقد أصيبت الزراعة الفلسطينية بالجفاف، وبالتالي تلاشت حيث حولت المياه إلى المستوطنات اليهودية، ويتسبب المستوطنون الاسرائيليون في اختلاط ماء البحر بمياه الآبار الجوفية التي حفرها الفلسطينيون وذلك عن طريق حفر آبار جوفية أكثر عمقا ، حيث يصلون إلى الطبقات الغنية بالمياه وبالتالي تتسرب مياه البحر إلى الطبقات العليا، وللحظر الذي تفرضه اسرائيل على الفلسطينيين كي لا يحفروا آبارا عميقة أو حتى آبار جديدة في الأراضي التي يملكونها فقد أدى ذلك إلى أن تتسرب مياه البحر وتختلط بمياه آبارهم التي يستخدمونها للشرب والزراعة، وهذه المياه تحتوي على نسبة كبيرة من الملح تتخطى أعلى مستوى طبي يسمح به.
ومن الملاحظ أن معظم الصادرات الزراعية الاسرائيل ية إلى أوروبا تعتمد على هذه المياه المسروقة أو المصادرة من أصحابها العرب والفلسطينيين.
أما في لبنان فقد استغلت اسرائيل تحكمها في قطاع كبير من جنوب لبنان منذ عام 1982 في تحويل مجرى وروافد الأنهار التي تنبع من جبل الشيخ إلى الأراضي الخصبة في شمال اسرائيل، وقد قامت بتحويل مجرى نهر الليطاني الذي يمر بجنوب لبنان إلى نهر الحاصباني عن طريق نفق يوفر لها كمية إضافية تبلغ سعتها 500 مليون مŽ3 �في العام، وهي تمثل 55(3) من مياه نهر الليطاني، وهذا أدى إلى تخفيض كمية المياه المتاحة للمزارعين اللبنانيين.
ثالثا : نهر النيل والصراع حوله:
يعتبر نهر النيل أكبر نهر في العالم طولا بعد نهر الميسيسبي ويمر بتسع دول منها السودان ومصر، ويغطي حوض نهر لنيل قرابة عشر مساحة القارة الافريقية، حيث تبلغ قرابة 3.030.700كم2، ويمتد النهر لمسافة 6690كم من مصدره من بحيرة فيكتوريا، و 4500 كم من مصدره في بحيرة تانا في أثيوبيا، حتى وصوله إلى البحر الأبيض المتوسط، وتبلغ كمية المياه المتدفقة منه 84 بليون م3 سنويا عند اسوان (4).
يفقد منها في بحيرة ناصر حوالي عشرة بلايين م3 نتيجة للتبخر، وتحصل مصر على 55.5 بليون م3، ويحصل السودان على 18.5 بليون م3 من المياه.
لقد أثبت التاريخ عدم امكانية إقامة أي تعاون إداري وإنمائي بين الدول المطلة على حوض النيل، ومن الملاحظ أنه عندما فشلت اسرائيل في الحصول على موافقة المصريين لتحويل جزء من مياه النيل (ضمن اطار كامب ديفيد) حولت أنظارها إلى اثيوبيا. وقد بدأ المهندسون الاسرائيليون في بناء ثلاثة سدود على نهر أبا، وهو أحد روافد نهر النيل، ومن الواضح أن الهدف المعلن من هذه السدود هو تحسين الزراعة والري في اثيوبيا، ولكن عندما يكتمل البناء فإن هذه السدود ستمكن اثيوبيا من استقطاع كميات كبيرة من المياه المتجهة إلى مصر والسودان، كما أنه كان من أهداف اسرائيل منع الثوار الأرتريين في ذلك الوقت من الحصول على استقلالهم وعدم خضوع البحر الأحمر للهيمنة العربية.
ومن المعتقد أن قيام اثيوبيا بتنفيذ 33 مشروعا مائيا لتوليد الكهرباء وتحسين الري على النيل الأرزق والسوباط واجزاء من نهر عطبره، وقد تم التمويل من الولايات المتحدة الأمريكية وبتخطيط من ايطاليا وقيام اسرائيل بمساعدات التنفيذ بالإضافة إلى إمداد اثيوبيا بالسلاح.
كل هذا من أجل الضغط على الحكومة المصرية للموافقة على المطالب الاسرائيلية وأطماعها في مياه النيل. ويعتبر نهر النيل المحرك الديناميكي للسياسة الخارجية المصرية منذ أمد بعيد، حيث كان له دور كبير في صياغة دبلوماسية المياه في اتفاقيات تقسيم مياه النيل، وما تفرضه مثل هذه الاتفاقيات من ضرورة المرونة والمهادنة في القرارات المصرية وخاصة في تعاملها مع الصراعات الداخلية والاقليمية والدولية بمنطقة حوض النيل وما حولها. فيعتبر أي تحرك معاد في الدول الواقعة جنوب مصر قد يغير من طبيعة مجرى النيل أو حركة تدفق المياه فيه، وهذا مما لا شك فيه سيسبب الكثير من المشاكل والتوترات على الصعيد المصري لأنه يذكرها بنقطة الضعف في جغرافيتها السياسية، ويهددها بشكل ملموس في عمق أمنها وحياتها، نظرا لحاجة مشاريع التنمية الزراعية والصناعية فيها للمياه بمعدلات متزايدة لمواجهة ارتفاع معدلات النمو السكاني فيها، ومواجهة مشكلة استيراد 70% من حاجياتها الغذائية التي سوف تتأثر سلبا وإيجابا بانسياب مياه نهر النيل.
وقد عقدت العديد من الاتفاقيات بين دول حوض النيل، وقامت المشاريع الاثيوبية على نهر النيل مثل سد فينشا على أحد روافد النيل الأزرق، ومشروع الليبرد وسينت وخور الفاش، وكلها تؤثر على حصة مصر والسودان.
كما أن بذور الصراع بين دول حوض النيل سوف تظل كامنة ولن يدع أعداء المنطقة فرصة حتى يستغلوها ويؤججوا بها نيران الفتن بين هذه الدول، فلذلك لا بد من تدعيم التعاون بين هذه الدول ويكون هذا التعاون من خلال وجود كيان قوي لتنمية المشاريع المائية الجماعية لدول الحوض.
ومن جهة أخرى نجد أن عملية السلام التي تتبناها أمريكا والتكامل الاقليمي بين دول المنطقة في صيغ مشابهة للسوق الأوروبية المشتركة خاصة في مجال الزراعة وتصدير تكنولوجيا الري لمصر، واستخدام نظام فعال للمياه بهدف دعم التنمية الزراعية في مصر، فهذه ترتبط بالرؤية الاسرائيلية التي تربط بين ضرورة استغلال الثروات المائية في المنطقة وإعادة توزيعها مع عمليات التسوية السياسية في المنطقة، ومشاكل نقص المياه في الكيان الاسرائيلي. وبذلك تكون مشكلة الموارد المائية في المنطقة وأسس توزيعها عنصرا هاما في محادثات السلام في الشرق الأوسط وعند إعادة صياغة بناء الوحدات المكونة للنظام الاقليمي في المنطقة.
وفي إطار تطبيع العلاقات مع مصر عند توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر واسرائيل سبق أن اقترحت الصفوة الاسرائيلية (التكنوقراطيين) نموذجين للتكامل المائي وهما:
1 ـ نموذج شركة تاحال للمهندس اليسع كلي، الذي قدمه عام 1974 ويقوم على أساس استخدام 1%، أي ما يعادل 800 م3سنويا من مياه نهر النيل لحل مشاكل الكيان الاسرائيلي المائية، وأن هذا المشروع يمكن أن يؤدي إلى حل بعض مشاكل المياه المصرية والعربية بري شمال سيناء وامداد قطاع غزة والضفة الغربية والكيان الاسرائيلي بالمياه.
2 ـ نموذج بؤر أو (النيل الأزرق الأبيض) الذي يقوم على حفر ثلاثة أنفاق تحت قناة السويس لدفع مياه نهر النيل إلى سيناء ثم إلى صحراء النقب.
فالأطماع الاسرائيلية في مياه نهر النيل قديمة منذ انعقاد ندوة التعاون الاقتصادي لدول الشرق الأوسط في لوزان بسويسرا عام 1989 عندما تقدم البروفيسور حايين بن شاهار باقتراح حول مجالات التعاون بين الكيان الاسرائيلي والدول العربية بأن تقوم مصر بمنح الكيان الاسرائيلي حصة من مياه نهر النيل بمقدار 1% عبر أنابيب خاصة لاستخدامها في مشاريع التنمية الزراعية الاسرائيلية.
ونحن نرى أن مشروع نقل مياه نهر النيل إلى الكيان الاسرائيلي له عدة مخاطر اقتصادية واستراتيجية من أهمها (6):
1 ـ سوف يقوم هذا المشروع على حساب احتياجات الشعب المصري الحقيقية والتي سوف تؤثر سلبا على الأمن القومي المصري مائيا وغذائيا .
2 ـ سوف يدعم هذا المشروع القوة الاسرائيلية بشكل عام ومن ثم توجهاتها العدوانية والتوسعية بمساهمته في حل عدد من المشاكل الرئيسية التي يعاني منها الكيان الاسرائيلي كأزمة المياه، وعدم القدرة على التوسع الزراعي ومحدودية القدرة على استيعاب المهاجرين.
3 ـ سوف يؤدي نجاح هذا المشروع إلى إعطاء الكيان الاسرائيلي نوعا من المشروعية وبعدا قانونيا في ظل التسوية الاسرائيلية المصرية، وفرض سياسة الأمر الواقع والتي تعد نجاحا ومكسبا سياسيا للكيان الاسرائيلي.
ومما لا شك فيه أن هناك تعاونا وثيقا بين الكيان الاسرائيلي واثيوبيا في مجالات المياه والمجالات العسكرية والأمنية والفنية، مما يعد مصدر قلق لدول حوض النيل بأن يعمد الكيان الاسرائيلي إلى ممارسة ضغوط بشكل غير مباشر لتحقيق أهدافه، وذلك بالإسهام في مشاريع اثيوبية لإنشاء سدود على النيل الأزرق الذي سوف يؤدي حتما إلى توتر في المنطقة.
وكما أظهرت الزيارات المتبادلة بين عدد من كبار المسؤولين في الكيان الاسرائيلي واثيوبيا وجود إرادة ووعي سياسيين خاصة لدى الكيان الاسرائيلي لتطوير وبلورة تعاون مستمر ودائم بينهما، مما يشكل أساسا لقيام ارتباط استراتيج ي بين كل من الدولتين المحيطتين بالدول العربية، وإذا نظرنا إلى علاقة اثيوبيا بالكيان الاسرائيلي فنجد أنها آخر دولة افريقية قطعت علاقتها الدبلوماسية معها عام 1974 تنفيذا لقرارات منظمة الوحدة الافريقية. لكنها ظلت محتفظة معها بعلاقات في مختلف المجالات وعادت العلاقات بينهما في عام 1979 .
كما أن من أهم المؤشرات السلبية للتعاون الاسرائيلي الاثيوبي على الوطن العربي ما يلي:
1 ـ يشكل في تطوره تهديدا مباشرا للأمن القومي المصري عبر سيطرة اثيوبيا على 85% من مياه نهر النيل المتدفقة إلى مصر، إل ا أن هناك معوقات طبيعية تحول دون تحكم اثيوبيا في تدفق المياه لطبيعة الهضبة الاثيوبية التضاريسية. وبسبب نقص التمويل والخبرة الفنية، إلا أنها تظل مصدر تهديد رئيسي لحصة مصر من المياه إذا توفر طرف آخر له القدرة التمويلية والفنية ويرغب في مساعدة اثيوبيا كالكيان الاسرائيلي على القيام ببعض المشروعات التي تؤثر على هذه الحصة، مما يشكل تهديدا واضحا للأمن القومي المصري في المستقبل.
2 ـ إن التحالف الاسرائيلي الاثيوبي في مدخل البحر الأحمر ومنابع النيل يرتكز في الجانب الاسرائيلي على أهداف بعيدة المدى بمحاولة ابتزاز مصر والضغط عليها لإعاقة أي دور يمكن أن تؤديه في صالح القضية الفلسطينية وتطوراتها، وكذلك إعاقة أي دور مصري لحل قضية جنوب السودان والذي يعد من الأهداف الاثيوبية الاسرائيلية المشتركة.
أما في الجانب الاثيوبي فإن هذا التحالف يرتكز إلى عدة عوامل في مقدمتها الأوضاع الاقتصادية المنهارة منذ عهد الرئيس منغستو، والهزائم العسكرية المتلاحق ة التي مني بها الجيش الاثيوبي في اقليم التقراي، ورغبة اثيوبيا في السيطرة على أوضاعها الداخلية.
3 ـ إن العلاقات بين اسرائيل واثيوبيا كان الغرب ينظر إليها من منظور السلاح مقابل الهجرة، حيث يحصل الاثيوبيون على السلاح لمواجهة الأرتريين الانفصاليين (في ذلك الوقت) مقابل هجرة 15 ألف يهودي من الفلاشا إلى اسرائيل، ولكن السبب الحقيقي وراء تورط اسرائيل في اثيوبيا هو إيجاد موطأ قدم لها بعد عقود من الزمن من المحاولات للوصول إلى نهر النيل للضغط على مصر.
وفي ضوء التطورات الأخيرة التي استجدت على الساحة الاثيوبية وانهيار نظام منغستو وهروبه من البلاد، فمن المتوقع أن تعدل اثيوبيا من سياستها العدواني ة لدول الجوار.
ولعل ما لوحظ على سياسة حكومة أسياس افورقي من قبولها استقلال اقليم ارتريا بموجب الاستفتاء، خير دليل على توجهاتها الحسنة تجاه جيرانها، وعلى ضوء هذه المتغيرات على الساحة الاثيوبية نجد أن الكرة الآن في ملعب الدول العربية للاستفادة من هذه التطورات، واحتواء النظامين الجديدين في كل من اثيوبيا وأرتريا بدلا من تركهما يقعان في أحضان الكيان الاسرائيلي، على الرغم من وجود شواهد تدل على تغلغل اسرائيل في هاتين الدولتين وأبعاد الدول العربية عن لعب دور سياسي واقتصادي فيهما واحتواء فع ال لهاتين الدولتين.
رابعا : إبعاد الصراع على المياه في منطقة الشرق الأوسط:إن هناك ثلاثة أبعاد للصراع وهي:
أ ـ البعد السياسي:
إن من يستطيع السيطرة على منابع الأنهار يستطيع استخدامها كسلاح في وجه الدول التي تمر بها الأنهار، فتجد مثلا أن بعض الدول الواقعة على نهر النيل كأثيوبيا والسودان وغيرهما، حاولت استخدام المياه كسلاح في وجه مصر، وقد تهدد هذه الدول أحيانا حصة مصر من مياه النهر من وقت لآخر بسبب ما تقوم به من مشاريع وسدود عليه.
أو قد تتعاون مع جهات خارجية كإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية كما حدث ويحدث قي أثيوبيا، وذلك للضغط على مصر وتوجهاتها السياسية، أو ما تخطط له بعض القوى الخارجية من محاولة فصل جنوب السودان وذلك من أجل التأثير على حصة كل من السودان ومصر من المياه.
أما في منطقة نهر الفرات، فقد عمدت تركيا في بداية عام 1990 إلى تخفيض تدفق نهر الفرات إلى سوريا والعراق لملء سد أتاتورك، وتستخدمه تركيا بين الحين والآخر للضغط على سوريا لإيقاف ما تزعم به من الدعم لحزب العمال الكردستاني ومحاولاتها السابقة لتسليمها ( لعبد الله أوجلان).
كذلك أقامت تركيا مشاريع جنوب شرق الأناضول والمعروفة بمشروع الجاب الكبير. وما نتج عنه من سدود ومشاريع ري جبارة فهذا أث ر وسيؤثر سلبا على حصة سوريا من النهر وكذلك العراق، وقد ينتهي جافا عند مصبه في شط العرب. فمياه النهر استخدمت ولا تزال كأداة من أدوات القوة التركية تجاه كل من سوريا والعراق.
أما منطقة نهر الأردن فقد استطاعت اسرائيل بعد حرب عام 1967 من احتلال منابع نهر الأردن والسيطرة على الجولان السورية، وبعد عام 1978، و1982 استطاعت اسرائيل السيطرة على المياه اللبنانية والأنهار التي تشكل روافد لنهر الأردن، وقد استطاعت كذلك التحكم في مجرى النهر وكمية المياه المتدفقة منه، وبدأ هذا يؤثر سلبا على كل من سوريا والأردن بشكل كبير.
وأصبحت تتحكم بالمياه الأردنية بحكم سيطرتها على بحيرة طبريا وتحويلها مجرى نهر اليرموك أحد روافد نهر الأردن بعد بحيرة طبريا، إلى البحيرة، وذلك لتخزين المياه والتحكم بها. وما تقوم به من مشاريع لسحب مياه هذه البحيرة كمشروع الناقل القطري لري النقب في جنوب فلسطين وغيرها من المشاريع التي تستهدف تأمين حاجات اسرائيل المائية، والتحكم في تدفق المياه تجاه الأردن، واستخدامها كسلاح ضغط في وجه السياسة الأردنية.
ب: البعد الاقتصادي:
إذا استغلت الدول المسيطرة على منابع الأنهار بصورة صحيحة وأقامت عليها مشاريع اقتصادية مدروسة ستستطيع أن تحقق نوعا من الاستقرار الاقتصادي لها وتأمين الغذاء والكهرباء لشعوبها. ولكن يجب أن لا يؤثر ذلك على الدول الأخرى المشاطئة لها أو قد تعمد إلى تلويثه لتضر دولا غيرها.
إن تركيا بما أقامته من سدود ومشاريع جبارة من خلال مشروع الجاب، وما تخطط له من ري لآلاف الهكتارات، ومشاريع كهربائية ستحقق استقرارا اقتصاديا ووفرة في المحصولات الزراعية، وعائدات مالية من خلال ما يتم تصديره من منتوجات زراعية، وربطا كهربائيا مع الدول المجاورة.
أما اسرائيل فهي تسعى إلى تحقيق مجموعة من الأهداف في سيطرتها على منابع نهر الأردن والاستمرار في احتلال الجولان السورية، وأجزاء من جنوب لبنان وما تقوم به من مشاريع مائية لتحويل مياه نهر الليطاني وغيرها في جنوب لبنان، وما تقيمه من مشاريع مائية على نهر الأردن، وسحب أكبر كمية من مياه بحيرة طبريا، والتي تعتبر المخزن الرئيس لمياه نهر الأردن.
فهي تستخدم هذه المياه لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية في الأراضي المحتلة ولإمداد المستوطنات الاسرائيلية في الجولان والضفة والقطاع وغيرها.
ج: البعد الجغرافي والبيئي:
تمتلك دول المنبع بسبب وضعها الجغرافي المميز مبدأ القوة في التحكم في مياه النهر كما ونوعا . ولهذا فإن الدول التي يصب فيها النهر تكون تحت تأثير قوة دولة المنبع.
إن مصر تنتهج سياسة مرنة ومهادنة تجاه الكثير من الصراعات الداخلية والاقليمية في المنطقة، وكثيرا ما تلوح دول المنبع باستخدام مياه النيل كسلاح ضد مصر، وذلك عندما تحدث أزمات سياسية بين دول حوض النيل، ويكون لمصر دورا مباشرا أو غير مباشر في هذه الأزمة وهذا ما ترفضه مصر وبحق شكلا ومضمونا .
أما في دول حوض نهر الأردن فتؤثر فترات الجفاف وعدم سقوط الأمطار على بلاد الشام على كافة دول المنطقة، وبذلك يكون الماء متغيرا استراتيجيا يتحكم في القرارات السياسية والاقتصادية والعسكرية بين دول بلاد الشام (لبنان، وسوريا، والأردن، وفلسطين).
أما دول حوض نهر دجلة والفرات، فتركيا ترى أنها هي المنبع الأوحد لكلا النهرين ويعتبره الأتراك من المصادر الوطنية والطبيعية لبلادهم، وليس لسوريا والعراق حق في هذه الأنهار على الرغم من بعض الروافد التي ترفد نهر دجلة والفرات في العراق وسوريا.
وقد أوضح وكيل وزارة الخارجية التركي للعلاقات الاقتصادية السابق السيد كاتشوا بليدا(7)عام 1990 بأن نقطة الخلاف تتمثل في أن تركيا تعتبر نفسها هي المصدر الأوحد لمياه نهري دجلة والفرات وأن الحصص مرتبطة بهذه الرؤية في حين أن سوريا والعراق ترفضان ذلك .
وتنبغي الإشارة إلى الموارد المائية في بعض دول الشرق الأوسط وهي (لبنان وسوريا والأردن، والضفة الغربية وقطاع غزة والعراق وتركيا واسرائيل)، وكذلك لا بد من ذكر أثر أزمة المياه على الصراع في دول المنطقة واستخدامها كسلاح سياسي ومصدر قوة في سياسة بعض الدول المسيطرة على منابع الأنهار.
ومدى علاقة المياه في مفاوضات السلام الجارية الآن بين دول المنطقة، والتي تعتبر الأساس في أي حل ممكن أن ينتج عن هذه المفاوضات.
فبدون اتفاق مرض لكل الأطراف سيكون ذلك مدعاة للنزاعات بين الأجيال القادمة.
1 ـ الأزمة المائية في اسرائيل وسرقة المياه العربية:
ينبغي النظر إلى حالة اسرائيل المائية بدقة علمية إذ أنه رغم استيلاء اسرائيل على هضبة الجولان السورية والضفة الغربية الفلسطينية واحتكار مصادر المياه فيهما، وبالرغم من انسياب مياه نهر الأردن إلى السهل حوله عبر قناة على مجرى النهر العلوي عند جسر بنات يعقوب، وبرغم استخدام مياه المجاري لأغراض الصناعة والزراعة بعد معالجتها، ورغم ذلك كله تتفاقم أزمة المياه في اسرائيل باستمرار،
وتشير بعض الدراسات إلى أن اسرائيل استهلكت في بداية التسعينات حوالي 2460 مليون م3 سنويا منها 60 مليون م3 استهلاك المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة، و 1500 مليون م3 للصناعة.
وتحصل اسرائيل على 1500 مليون م3 من مياه نهر الأردن أما البقية فتحصل عليها من المياه الجوفية واحتجاز السيول في النقب وقرب تل أبيب. ولهذا فالخبراء يتوقعون أن ترتفع احتياجات اسرائيل من المياه في ما بعد عام 2000 إلى أكثر من 2500 مليون م3، وعليه سيبلغ العجز المائي أكثر من 800 مليون م3 سنويا زيادة على ما هو متوفر الآن(8).
ونظرا للاحتياجات المستمرة في اسرائيل للمياه على الرغم من أنها استطاعت أن تحصل على 44 مليون م3 من المياه المحلاة بالاعتماد على عشرين محطة تحلية تعمل على معالجة 120 ألف م3 في اليوم، ومع تطور تكنولوجي ا التحلية وإمكانية تضخيم حجم المحطات وزيادة انتاجيتها بكفاية أعلى، إلى أنها لن تتمكن من توفير الأموال والقدرات اللازمة لتحلية 800 مليون م3 من مياه البحرين (الأحمر والأبيض المتوسط)، وهذه الزيادة في الطلب ذات أهمية قصوى بالنسبة لإسرائيل لأنها تذهب إلى القطاع الزراعي ولا سيما في صحراء النقب.
كذلك هناك معلومات حول سرقة اسرائيل للمياه العربية في الأنهار اللبنانية كنهر الوزاني والليطاني والحاصباني وغيرها.
2 ـ أثر أزمة المياه على الاستقرار العربي:
إن أزمة المياه لها الأثر الفعال في معضلة الاستقرار المنشود في الدول العربية وزاد الاهتمام بهذا الموضوع من قبل المثقفين والمفكرين العرب في بداية الثمانينات وذلك لزيادة الأخطار التي بدأت تحدق بالعالم العربي.
إن الكيان الاسرائيلي أثار هاجس الأمن المائي العربي الذي هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي ككل، ولكنه لم يتبع أسلوب المواجهة المباشرة مع العرب. والعرب أنفسهم لم يتخذوا سياسة مائية واضحة المعالم لمواجهة التهديدات الاسرائيلية بسبب الخلافات العربية، ولذلك لا بد من إبراز مصطلح الأمن المائي العربي في الفكر السياسي الاستراتيجي القومي العربي والذي يمكن أن يتحول إلى مشكلة تبعية مائية. وبالتالي يعتبر الأمن المائي العربي أحد جوانب الأمن القومي العربي الذي يؤدي إلى استقراره.
فالحلول التي يجب وضعها لحماية الاستقرار تكمن في تضامن الدول العربية لرد أي تهديد يعترض أمنها القومي، وعدم تركيز كل دولة على أمنها الوطني كوحدة متميزة بين الدول.
3 ـ أثر أزمة المياه على الاستقرار الاسرائيلي:
إن قضية الاستقرار الاسرائيلي تدخل في نطاق الوجود الفعلي للدولة اليهودية ، ومن الصعب وصف التجمع الاسرائيلي بالقومية، وذلك لأن الاسرائيليين لا يشكلون قومية بالمعنى المفهوم في الفكر السياسي. فالقومية مصطلح يطلق على مجموعة من الشعوب اكتملت لديها عناصر الاندماج من وحدة وهوية ووضوح هدف فضلا عن الاستقرار مدة طويلة في إقليم يشعرون نحوه بالولاء والانتماء وهذه العناصر في جملتها تغيب عن المجتمع الاسرائيلي.
والاستراتيجية الإسرائيلية تقوم على عدد من العناصر ترتبط ببعضها ارتباطا عضويا لتشكل تحديا خطيرا على الأمن القومي العربي. ومن أهم هذه العناصر عنصر الأمن لأنه حسب المفهوم الاسرائيلي له ذو طبيعة استيطانية والقائم على عقيدة التوسع.
إن الفجوة المائية في الأمن المائي القومي للكيان الاسرائيلي فجوة مهمة لأنها تتعلق بالعمود الفقري لنظرية الأمن الاسرائيلي (الهجرة).
فالهجرة تحتاج إلى الأرض والأرض تحتاج إلى المياه، والمياه تحول رجال الأعمال إلى فلاحين مرتبطين بالأرض، وتعمق فيهم روح الانتماء(9) ، وبذلك فالأهداف الاسرائيلية الطموحة لزيادة الهجرة اليهودية إلى أرض فلسطين، والمخططة سلفا من الأخذ في الحسبان ضرورة توفير المصادر المائية اللازمة لتوفير الغذاء لهؤلاء المهاجرين، ولإكمال المشروع الصهيوني بالبقاء والسيطرة على فلسطين فمن الضرورة الحصول على مصادر مائية إضافية.
عندما يبحث الكيان الاسرائيلي عن حل مشاكله المائية فإن أنظاره سوف تتجه خارج حدوده، مما يجعل البحث عن المياه سببا لممارسات سياسية وعسكرية لهذا الكيان ربما تختلف من شكل لآخر، ولكنها تظل محكومة بذات الدوافع الأولية التي أدت إلى إقامته. فالأطماع الصهيونية ذات طابع اقتصادي فيما يتعلق بالحصول على ما تسميه حقوقها من مياه أنهار (الأردن، والليطاني، والنيل) ولا تستمد شرعيتها ومبرراتها لدى قادة الكيان الاسرائيلي من فائدتها الاقتصادية، وإنما من الأغراض الاستيطانية التي تتطلب إعمار صحراء النقب والمناطق الصحراوية في فلسطين المحتلة. فطبقا لمعدلات النمو الطبيعي للسكان داخل الكيان الاسرائيلي لا توجد مشكلة مياه ملحة.
إن لمشكلة المياه أبعادها الاستيطانية الاستعمارية أساسا ، والاقتصادية هامشيا ، وتصبح أكثر وضوحا وعلاقة بالأمن القومي الاسرائيلي، فالخط الأحمر الذي وضعه الكيان الاسرائيلي لمسألة المياه لا يقل خطورة عم ا يمكن أن يؤدي إلى تحريك قوات أو أسلحة إلى مناطق منزوعة السلاح حيث اعتبر هذا الكيان المياه موردا استراتيجيا من الدرجة الأولى، واعتبر أي تهديد لمصادر المياه مؤديا إلى استنفار الجيش(10).
وعليه فإن هناك علاقة طردية بين سيطرة الكيان الاسرائيلي وتحكمه في مصادر المياه في المنطقة من جهة، وبين تحقيق الأمن القومي له من جهة أخرى.
4 ـ تأثير الحل السياسي على القضية الفلسطينية ومشاريع المياه:
هناك بعض الحلول طرحت لحل القضية الفلسطينية من قبل أطراف النزاع ومن المجتمع الدولي والمنظمات والهيئات الدولية وجرى معالجة وضع المياه من جانبين (11) هما:
أ- الربط المباشر بين القضية الفلسطينية وأزمة المياه. حيث اقترح حوالي تسعة مشاريع.
ب- الربط غير المباشر بين تسوية القضية الفلسطينية وأزمة المياه حيث نصت بعض الحلول على عدم ربطها مباشرة بالتسوية بل عن طريق ربطها بالحدود أو الاستيطان أو إنشاء دولة فلسطينية، وقد وردت ثمانية مشاريع بهذا الصدد.
5 ـ قضية المياه ومحادثات السلام في الشرق الأوسط:
إن قضية موارد المياه هي مشكلة وثيقة الصلة بمحادثات السلام في الشرق الأوسط وأن ندرة المياه ومشكلة توزيع الكميات المتوفرة حاليا بين الدول في المنطقة هي القنبلة الزمنية التي يمكن أن تدق طبول الحرب في بداية القرن الواحد والعشرون ما لم تتفق الأطراف المعنية على اتفاق يرضي الجميع، ولهذا أصبح من الضروري إضافة هذا البند إلى قائمة بنود محادثات السلام.
لقد أدرك خبراء المياه في إسرائيل أن جميع مصادر المياه في أراضي اسرائيل قبل عام 1967 قد استغلت بحلول عام 1979 وبالتالي فقد بلغ العجز المائي في اسرائيل عام 1990 حوالي 350 مليون م3 ومن المتوقع أن يصل إلى البليون متر مكعب في بداية هذا القرن.
أما في مصر فإن الزيادة السكانية المطردة ومشاريع التنمية الاثيوبية على نهر النيل الأزرق بمشاركة اسرائيل هي مصدر الخطر الحقيقي لمصر،
ويرى الخبراء أن مصر ستدخل الحرب من أجل نصيبها من مياه النيل لو حدث نقص في كميات المياه المتدفقة إليها من اثيوبيا، وسبق للرئيس المصري الراحل أنور السادات أن أعلن عام 1979 بعد اتفاقية كامب ديفيد بأن القضية الوحيدة التي تجعل مصر تدخل الحرب مرة أخرى هي قضية المياه. ومياه النيل هي مصدر المياه الرئيسي لتسع دول منها دولتين عربيتين، وقد ازداد معدل استهلاك المياه في المنطقة بصورة كبيرة مما جعل الخبراء يتوقعون نقصا لا مناص منه في المياه بالنسبة لمصر في مطلع القرن الواحد والعشرين.
أما في منطقة نهر الفرات فهو محل اهتمام مزدوج سواء من ناحية التوتر السياسي أو التنمية بالنسبة لكل من تركيا وسوريا والعراق، هذا النهر الذي ينحدر 98% من مياهه من الأراضي التركية، قد ينتهي جافا عند مصبه في شط العرب بسبب مشاريع الري الهائلة في كل من تركيا ثم سوريا. وأن الحاجة تستدعي إيجاد اتفاقية بين الدول الثلاث للاتفاق على صورة معينة لحصة كل منهم من المياه، وهذا من الأهمية بمكان نظرا لأن كل دولة لها خطط طموحة قد تؤدي إلى استهلاك مياه نهر الفرات.
أما في منطقة نهر الأردن فإن الصراع العربي الاسرائيلي ونقص المياه يلقيان بظلالهما على طبيعة المشكلة. فكل من الأردن واسرائيل تستنزفان المياه الجوفية والتي لا يمكن تعويضها وبالتالي سرعان ما تنتهي، ويقول الدكتور الياس سلامة من جامعة الأردن بغض النظر عن الذي يمكن أن يحرزه الري الزراعي فإن مخزون المياه في الأردن سيستهلك بحلول عام 2010 ، وأضاف أن التعداد السكاني الحالي لا يتناسب مع كميات المياه المتوفرة، ولا يمكن للمشكلة أن تحل ما لم يتم التوصل لإتفاقية سلام معقولة،
وهو يرى أنه في حالة فشل محادثات السلام فمن المحتمل أن تشهد الفترة ما بين 1995 2005 زيادة في مشاكل نقص المياه في كل من الأردن واسرائيل والضفة الغربي وبالتالي سيؤدي ذلك إلى حدوث صراع.
والجدير بالذكر أن السياسات الاسرائيلية اللامنطقية حيال العرب واستنزافها للمياه بصورة غير سليمة كان السبب الأوحد وراء تعميق حدة الخلاف حيال مشكلة المياه في المنطقة، وأن انخفاض كمية الموارد المائية خاصة الجوفية كان بسبب استهلاك اسرائيل للموارد المائية بصورة غير متزنة. لقد دخلت اسرائيل حروبا كبدتها مبالغ طائلة حتى تمكنت من الاحتلال والتحكم في مصادر المياه ل 80% من مياه المنطقة خاصة في الأراضي المحتلة في فلسطين.
ويرى المحللون السياسيون بعد الأخذ بعين الاعتبار نوايا اسرائيل المائية، أن الحرب القادمة بين العرب واسرائيل ستكون بسبب نزاعهم على الموارد المائية. ولهذا فهم يرون أن الحروب السابقة في المنطقة كانت في الواقع بهدف احتلال الأرض والمياه الجوفية.
أما الآن فإن قضية المياه ليست مسألة هينة ولكنها معقدة لكون اسرائيل تحاول اغتصاب جميع الموارد المائية المتوفرة في الدول المحيطة بها، ولهذا لا يمكن التغاضي عن هذه القضية عند الحديث عن عملية السلام.
وفي تقرير للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن أشار إلى أن المفاوضات الخاصة بالمياه في محادثات السلام أصبحت مغمورة بسبب الأمور السياسية، وأن الشرق الأوسط أصبح ساحة لسوء الظن السياسي لأن التحكم في موارد المياه أصبح يعتبر غنيمة استراتيجية أداة مساومة أو سلاح سياسي ذو تأثير قوي على توازن القوى في المنطقة، وأن النقطة الرئيسية هي تعارض المطالب الاسرائيلية والأردنية حيال نهر الأردن (أي بين الخطط السورية والأردنية الهادفة إلى تطوير نهر اليرموك وسياسة اسرائيل المائية في الأراضي المحتلة وجنوب لبنان).
ويضيف التقرير في مقابل الاتهامات العربية بسرقة اسرائيل للمياه تقف اسرائيل متذرعة بأن مواردها المائية الرئيسية قد تقع في أيدي عديمي الخبرة أو في أسوأ الأحوال في أيدي أعدائها.
إن الدول العربية والفلسطينيين الذين شاركوا في محادثات السلام كان الأمل يراودهم في استعادة أراضيهم المغتصبة وبالتالي استعادة مواردهم المائية ولكن أقصى ما عرضته اسرائيل هو منح الفلسطينيين حكما ذاتيا محدودا في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهذا لا يشمل إدارة الموارد المائية.
كما عرضت اسرائيل انسحابا جزئيا من الجولان ولهذا تعتبر مسألة المياه من أشد نقاط الخلاف بين سوريا واسرائيل. فالجانب الاسرائيلي( (13يطالب بتعهد سوريا بعدم القيام بتحويل مياه الجولان إلى أراضيها في حين يرى المفاوض السوري أن من حقه المطالبة بالانسحاب حتى حدود الرابع من حزيران عام 1967 واسترداد مصادر المياه في مناطق بانياس والحمه واستخدام هذه المصادر كما تشاء بلده، وهنا تتعارض تصورات الجانبين (فحدود الرابع من حزيران عام 1967) يعني السيادة السورية الكاملة على الشاطئ الشرقي لبحيرة طبريا وعلى شريط من الأرض أضيف إلى فلسطين أثناء عهد الانتداب البريطاني وهي تشمل سهل عز الدين ومزارع الخوري ومنطقة الحمه وبرك التمساح والتوافيق والنقيب والبطيحة وراد الغنامة وكراد البقارة والسمر الخ...
فالمناقشات الأمنية تخفي وراءها شروطا سياسية تتعلق بطبيعة النظام ومعنى الحدود الآمنة وحل النزاع ومضاعفاته ضمن عملية شاملة تتعلق بمياه اليرموك ومنابع نهر الأردن وتدعي اسرائيل أنها تحتاج ما بين 25 40 مليون م3 من مياه اليرموك حسب مشروع جونسون، وأنه إذا لم تقبل سوريا والأردن بمطالبها فإنها تحتفظ لنفسها بحق اتخاذ إجراء يرغمهم بالقوة على التفاوض معها.
وفي تقرير أعده مركز الدراسات الاستراتيجية في جامعة تل أبيب (14) يرى أن انسحاب اسرائيل من الجولان يعني انتقال 40 مليون م3 من المياه من السيطرة الاسرائيلية إلى السيطرة السورية، وهذا الانسحاب سيحرم اسرائيل من بعض روافد نهر الأردن، ولهذا اقترحوا انسحابا جزئيا بأحد خطين:
1 ـ خط انسحاب يمر بالقرب من القنيطرة ويمتد حتى منطقة الحمه.
2 ـ أو خط انسحاب يضمن لاسرائيل سيطرة على جزء من الجولان.
وفي كلتا الحالتين فإن المناطق الغنية بالمصادر المائية ستبقى تحت إشراف اسرائيل لأن عودة الجولان إلى سوريا ستؤدي إلى تنمية منطقة حوران جنوب سوريا والتي تصبح منطقة زراعية تهدد الاقتصاد الاسرائيلي بمنتجاتها الرخيصة الثمن والعالية الجودة.
وعليه فإن إيجاد الحل المنطقي لمشكلة المياه بما في ذلك مسألة التوزيع العادل لحصص المياه بين دول المنطقة مرتبط بمحادثات السلام، ويؤكد الدبلوماسيون العرب بأن أي تقدم في إحراز اتفاقيات اقليمية لا يمكن أن تخرج إلى حيز الواقع ما لم تنسحب اسرائيل من الأراضي المحتلة.
ويتبين مما سبق أن هناك علاقة طردية بين سيطرة الكيان الاسرائيلي وتحكمه في مصادر المياه في المنطقة من جهة وبين تحقيق الأمن القومي له من جهة أخرى.
يعتبر الماء موردا باهظ الثمن في الأراضي الجافة في الشرق الأوسط وقد يتساوى ثمنه بثمن البترول، وعلى الرغم من كون الأرض هي محور الصراع بين اسرائيل والعرب، إل ا أن هناك تركيزا متزايدا من قبل الطرفين على قضية المياه لأن الخبراء يعتقدون بأن الصراع في المنطقة مستقبلا سيكون بسبب الموارد المائية.
ففرض السيطرة على موارد المياه العذبة سيكون هدفا حيويا ومؤثرا على التوازن الاستراتيجي للقوة في المنطقة، وبالتالي سيؤدي إلى استمرار الاحتلال الاسرائيلي للأراضي العربية والمياه الموجودة فيها، وكذلك الزيادة السريعة في التعداد السكاني لدول المنطقة سيؤدي إلى تفاقم الصراع في المنطقة، ولعل السبب الرئيسي وراء تباطؤ اسرائيل في الانسحاب من الأراضي التي احتلتها عام 1967 هو الماء.
كما أنه وراء إصرار اسرائيل على الاحتفاظ بمنطقة آمنة محاذية للأنهر اللبنانية، وعلى نفس المنوال، فقد استقطعت اسرائيل نصيب الأسد من موارد المياه في مرتفعات الجولان والضفة الغربية وقطاع غزة لكي تضر بالفلسطينيين والأردنيين والسوريين،
وفي الواقع فإن اسرائيل هي السبب وراء مشكلة توزيع الماء فهي تأخذ أكثر من حصتها في حين تحرم جاراتها من مواردهم المائية الطبيعية. فقد عارضت بناء (سد الوحدة) وهددت بضرب أي سد ينشأ على نهر اليرموك.
وهذا دليل واضح على مخططاتها. فلو افترضنا أن الأردنيين والفلسطينيين توصلوا إلى اتفاق مع سوريا والعراق وأن سوريا والعراق اتفقت مع تركيا حول تقسيم المياه فإن احتمالات التوصل إلى اتفاق مع اسرائيل غير واردة ما لم يتم التوصل إلى اتفاق شامل في الصراع العربي الاسرائيلي وفقا لشروط عربية، وأن الصراع كفيل بحل القضايا الاقليمية الأخرى.
لقد نوقشت مسألة المياه أكثر من خمس مرات في المحادثات المتعددة الأطراف منذ شهر كانون الثاني/ يناير عام 1992 ولكن دون نتائج ايجابية، ويمكن أن نلاحظ على سبيل المثال أن اسرائيل والأردن بعد مضي سنة على معاهدة السلام بينهما لا يبديان حماسا كبيرا للتعاون بينهما في المجال المائي في إطار مؤسسة مشتركة، وكان ولي العهد الأردني السابق الأمير الحسن بن طلال ورئيس الوزراء الاسرائيلي السابق شمعون بيريز عندما كان وزيرا للخارجية، قد طالبا إثر اجتماعهما في عمان في شهر نيسان/ابريل 1995، بإقامة هيئة مشابهة (لسلطة وادي تينسي الأمريكية) للإشراف على تنمية وادي الأردن. إلا أن المبادرة بقيت تنتظر التنفيذ وقد بدأت الأضواء تعود إلى هذه الفكرة بعدما أشار (رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق) شمعون بيريز في خطابه إلى الكونغرس الأمريكي مشيرا إلى الأمل بتحويل وادي الأردن إلى شيء يشابه وادي تينسي.
ومن الواضح أن اسرائيل كانت ترغب في المساومة حيال مرتفعات الجولان مع سوريا. بغض النظر عم ا يمكن أو لا يمكن تحقيقه مع الأردن ولبنان والفلسطينيين وذلك على نمط اتفاقية كامب ديفيد إل ا أن سوريا لم توافق وعوضا عن ذلك طالبت سوريا بانسحاب اسرائيل من جميع الأراضي العربية التي احتلتها اسرائيل عام 1967 قبل التوصل إلى أي اتفاق سلام مع اسرائيل.
إن استغلال مياه الأنهار في المنطقة يسير إلى استحالة الفصل بين السياسة والاقتصاد، ولهذا فمن واجب الدولالعربية إيجاد استراتيجية موحدة بمنأى عن الاتفاقيات المنفصلة، وإنهاء الصراع العربي العربي كما يجب على سوريا والعراق التغاضي عن مساوئ الماضي بينهما، والعمل على توحيد وترسيخ الجهود من أجل التوصل إلى اتفاق مع تركيا حيال مياه الفرات.
كما أن الحاجة الماسة الآن تستدعي أن تتبنى الدول العربية استراتيجية موحدة وشاملة للدفاع عن مواردهم المائية في أثناء مفاوضاتهم مع اسرائيل، ضمن إطار جامعة الدول العربية. بالإضافة إلى ذلك فإن مشكلة المياه جزء لا يتجزأ من الصراع العربي الاسرائيلي، ولا يمكن التوصل لحل لقضية المياه بشكل يرضي جميع الأطراف المعنية ما لم تحل المشكلة الرئيسية وهي احتلال اسرائيل للأراضي العربية عام 1967 بصورة مستديمة عن طريق مباحثات السلام الجارية حاليا .
الملف النووي الإيراني :
لا يمكن فصل الملف النووي الإيراني عن السياق العام للإستراتيجية التي تنتهجها ايران في المنطقة من خلال تركيزها على النقاط التالية :
1 – مواصلة جهودها لإمتلاك السلاح النووي الأمر الذي سيخق خللاً في التوازن في منطقة الخليج وسنتج عن ذلك المزيد من التوتر في العلاقات .
2 – مواصلة ايران احتلالها لجزر الخليج العربي ورفض الدخول في أي مباحثات جدية لإيجاد حل لهذه الأزمة التي تتفاقم يومياً
3 – دعم ايران لقوى اصولية ( حزب الله – حماس ) لتشكل جسراً لطهران لكي تكون اللاعب الأساسي في المنطقة .
4 – اصرار ايران على التدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار عبر دعم مجموعات شيعية الأمر الذي سيؤدي الى خلق المزيد من التوتر والبلبلة .
هذه المسائل مجتمعة تشكل تحديات جدية للأمن العربي .
الهوامش
1 ـ عبد الرحمن أبو عرفة: الاستيطان التطبيق العملي للصهيونية، الموسوعة العربية للدراسات والنشر، دار الجليل للنشر، عمان: 1981 .
2 ـ ابراهيم أحمد ابراهيم: الأطماع الاسرائيلية في مياه جنوب لبنان، السياسة الدولية، القاهرة: العدد 70 أكتوبر 1982 .
3 ـ محمد الصواف: مشكلة المياه في اسرائيل بين الادعاء والاعتداء، الملف العدد 72 مارس 1990 .
4 ـ د. منصور العادلي: موارد المياه في الشرق الأوسط (صراع أم تعاون)، دار النهضة العربية 1996 ص 378 .
5 ـ أحمد المصري: نقل مياه النيل إلى اسرائيل، دراسات عربية العدد (16) يوليو/1980م.
6 ـ حسام شحاتة: المياه العربية في دائرة الخطر، معهد الأرض للدراسات الفلسطينية، دمشق: العدد (8) أغسطس 1990م، ص 49 .
7 ـ جريدة القبس الكويتية 21/1/1990 .
8 ـ د. حمدي عبد الرحمن: امكانيات تدعيم الأمن المائي العربي، بحث مقدم إلى المؤتمر السنوي للبحوث السياسية، مركز البحوث والدراسات السياسية، كلية الاقتصاد، جامعة القاهرة: ديسمبر 1991، ص 5 .
9 ـ أمين هويدي: فجوات في الأمن القومي الاسرائيلي حتى عام 2000، الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، شؤون عربية العدد 55، تونس: سبتمبر 1988، ص 183 .
10 ـ محمد الصواف: مرجع سابق، ص 109 .
11 ـ تسوية النزاع في الشرق الأوسط، الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، تونس: 1988 و ص60 .
12 ـ طارق المجذوب: مرجع سابق، ص 55 .
13 ـ أحمد المصري: مرجع سابق، ص 97 .
14 ـ أحمد المصري: مرجع سابق، ص 99 100 .
تصفح إصدارات مركز الدراسات العربي-الأوروبي واستفد من مكتبتناالكبيرة
>>ادخل المكتبة <<
نسيت كلمة المرور؟
أرشيف (تحت المجهر)
* مصير المفاوضات غير المباشرة ومخطط تهويد القدس
* لماذا استعاد قراصنة الصومال انشطتهم ؟
* مستقبل العلاقات الإيرانية - السورية
* رد فعل العرب ضد جريمة الموساد في دبي
* اعلان ايران قدرتها على تخصيب اليورانيوم بنسبة 80%
* مدى نجاح القمة العربية في ليبيا
* مسعى فرنسي لعقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط
* هل زلزال هايتي نتيجة اختبار اجرته اميركا على جهاز صدمات
* مجلس تعاون استراتيجي يضم تركيا وإيران وسورية والعراق ولبنان
* مشروع أميركي لمعاقبة فضائيات عربية
أرشيف
بصفتك عضو في هذا المركز يمكنك الحصول على النشرة الدورية عند تحميلها
اضغط هنا لرؤية التقرير الدوري
ادخل البريد الالكتروني لصديقك
المصدر مركز الدراسات العربي الاوربي
http://www.ceea.com/new/publication-detail.php?fid=40
تعليقات
إرسال تعليق