محمد السعيد إدريس
يعتبر الوطن العربي منطقة التقاء مصالح اقتصادية وإستراتيجية حيوية لكثير من القوى الدولية والإقليمية، فالوطن العربي يزخر بالموارد الطبيعية وخاصة الطاقة (النفط والغاز) كما أنه مركز مالي شديد الأهمية وسوق استهلاكية مغرية سواء للواردات المدنية أم العسكرية.
محمد السعيد إدريس
كما أن الوطن العربي يمثل واحدا من أهم المواقع الإستراتيجية في العالم، هو نقطة التقاء التجارة والمواصلات العالمية، من يسيطر عليه يستطيع أن يسيطر على قلب العالم، كما أنه مهد الديانات السماوية الثلاث (الإسلام والمسيحية واليهودية)، هو أرض الأنبياء والديانات ومن ثم فهو أرض حضارة وثقافة شهد لها العالم كله.
لهذه الأسباب مجتمعة كان تاريخ الوطن العربي مفعما بالغزوات والصراعات والتنافس الدولي من أجل السيطرة والاحتواء.
هذه الخصوصية يمكن أن تكون مصدرا للقوة إذا أحسن العرب إدارتها وتوظيفها، ويمكن أن تكون مصدرا للضعف إذا لم يحسن العرب توظيفها، وأحسب أننا الآن في إحدى مراحل الضعف والتفكك التي يمكن أن توصف بأنها "تاريخية" أو "كارثية"، لذلك فإن خصوصية الموقع والمكانة تحولت إلى مصادر للتهديد والخطر أكثر منها فرصا للتقدم والتطور والنهوض، كما أنها تفرض مواجهات مع قوى دولية وإقليمية طامعة أكثر مما تتيح من فرص التلاقي والتعاون.
هذه الحالة الراهنة للوطن العربي في تفاعلاته الإقليمية والدولية، حالة الصراع والمواجهة بدلا من التعاون والتنسيق تكاد تكون الغالبة باستثناءات محدودة، وهى حالة لا تعود فقط إلى خصوصية الموقع وإشكالياته، لكنها تعود أيضا إلى أن الوطن والنظام العربيين يعيشان هذه الأيام مجموعة من الأزمات المترابطة.
هذه الأزمات تساهم بتفاعلها مع خصوصية الموقع وإشكالياته في خلق هذه الحالة الصراعية وغير التعاونية مع أغلب القوى الإقليمية والدولية حول المصالح العربية العليا التي تبدو مهددة من جانب تلك القوى الإقليمية والدولية.
أزمات الوطن العربي
المصالح العربية وتحدياتها الدولية والإقليمية
أزمات الوطن العربي
يواجه الوطن العربي حاليا حلقات متداخلة من الأزمات تمثل عوائق أمام قدرته على تعظيم مصالحه من ناحية والتصدي لمحاولات قوى دولية وإقليمية النيل من هذه المصالح من ناحية أخرى. من أهم هذه الأزمات ما يلي:
1.
2. أزمة الخلل بين الدولة والمجتمع، حيث تعاني الدول العربية من اختلال كبير في التوازن بين الدولة ومؤسساتها الحاكمة من ناحية وبين المجتمع وتكويناته المختلفة من ناحية أخرى لصالح الدولة.
فبدلا من أن تكون الدولة في خدمة المجتمع أصبح المجتمع في خدمة الدولة والقوى المهيمنة على الثروة والسلطة، وبعد أن أصبحت الدولة استبدادية وسلطوية وأبوية في معظم الدول العربية، وبعد أن أخذت تشكل العلاقة مع المجتمع بما يخدم استبدادها وتسلطها، لم يعد المجتمع العربي قادرا على ضبط أداء الدولة، ولم يعد أداء الدولة يعمل في اتجاه خدمة المجتمع ومصالحه بقدر ما هو في خدمة القوى المحتكرة للسلطة وللثروة.
هذا الخلل في التوازن بين الدولة والمجتمع أدى إلى إحداث تشوهات هائلة في إدارة السياسة والحكم في كثير من الدول العربية في ظل عجز المجتمع عن مراقبة أداء مؤسسات الدولة في الداخل وعلاقاتها وأنماط تحالفاتها في الخارج.
3. أزمة الخلل بين تأثير القوى الداخلية وتأثير القوى الخارجية على القرار الوطني، فقد أدت أزمة الخلل في التوازن بين الدولة والمجتمع إلى نتيجتين خطيرتين: الأولى تهميش قدرة المجتمع على ضبط أداء الدولة ومؤسساتها وقواها الحاكمة، وما ترتب على ذلك من تعويم شرعية النظام الحاكم وتراكم عوامل عدم الاستقرار السياسي، والثانية حرص النظام الحاكم على تعميق علاقاته وارتباطاته الخارجية بحكم تزايد مصالح الدولة مع الخارج.
وهكذا أصبحنا أمام معادلة خطيرة للسياسة والحكم في كثير من الدول العربية مفادها أنه كلما اتسعت الفجوة بين النظام الحاكم ومجتمعه في الداخل كلما تعمقت ارتباطاته مع القوى الخارجية الدولية والإقليمية، وازدادت قدرة هذه القوى على التغلغل في الداخل والتأثير على توجهات القرار السياسي لدرجة أصبحت قدرة هذه القوى في التأثير على القرار العربي تفوق قدرة القوى الداخلية.
وأمامنا الآن ثلاثة أمثلة صارخة لهذه الحالة في ثلاث دول عربية تواجه اضطرابات وأزمات سياسية في الداخل هي على الترتيب: العراق ولبنان وفلسطين، فتطور الأوضاع السياسية داخل هذه الدول العربية الثلاث بات يتوقف بدرجة كبيرة على التقاء أو تباعد مصالح القوى الدولية والإقليمية، هناك دول عربية أخرى تعاني من هذه الأزمة وعلى الأخص بعد تطورات ما بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 في الولايات المتحدة.
فمنذ أن بدأت الولايات المتحدة حربها على ما تسميه "الإرهاب" اتجهت إلى ممارسة ضغوط سياسية قوية على بعض الدول التي سمتها بـ"الدول الفاشلة" التي تراها مسؤولة عن تفريخ المنظمات الإرهابية بسبب عجزها عن حل مشكلاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
هذه الضغوط أخذت في البداية شكل الدعوة للديمقراطية والإصلاح الديمقراطي ولكنها تحولت إلى "ابتزاز" وضغوط سياسية واقتصادية باتجاه أزمات سياسية عربية أخرى سواء في العراق أو فلسطين أو لبنان، من أجل تقديم تنازلات تخدم الحرب الأميركية على الإرهاب.
وقد اضطرت بعض الدول العربية إلى تقديم هذه التنازلات كي لا تقدم تنازلات في ملف الإصلاح السياسي والديمقراطي، ومن ثم أصبح القرار السياسي في هذه الدول موجها بفعل الضغوط الخارجية، وعلى الأخص الضغوط الأميركية، وبما لا يعكس اتجاهات وميول الرأي العام الداخلي ومواقف معظم القوى السياسية الداخلية.
4. أزمة الخلل في العجز عن مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية، فقد ترتب على الخلل في العلاقة بين الدولة والمجتمع والخلل في تأثير الداخل والخارج على القرار الوطني عجز مزمن في قدرة النظم الحاكمة على الأداء والإنجاز، الأمر الذي أدى إلى تراكم التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية.
فالدول العربية تواجه حاليا تحديات سياسية خارجية تتجسد في تراجع المكانة والقدرة على التأثير في الأحداث الإقليمية والدولية، كما تواجه تحديات سياسية داخلية تزيد من عوامل عدم الاستقرار السياسي بسبب غياب الحكم الديمقراطي وتراكم الضغوط الاقتصادية والاجتماعية على القطاعات الواسعة من الشعب.
كما تواجه الدول العربية تحديات اقتصادية كثيرة أهمها استشراء الفساد في الاقتصاديات العربية وضعف كفاءة الأداء الاقتصادي، وتحديات متعلقة بالثروة النفطية، وأخرى تتعلق بالتحدي المائي والتحدي العلمي والتقني، وهذه كلها أدت إلى ظهور تحدى أشد خطورة وهو المعروف بـ"تقزيم الاقتصادات العربية" وجعلها ميسرة للاختراق والهيمنة الخارجية. وذلك عبر فرض النموذج الاقتصادي الرأسمالي وشروط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمؤسسات المالية العالمية، وفي الوقت نفسه تواجه الدول العربية تحديات أمنية تهدد الأمن القومي العربي، أكثرها إقليمي وعالمي، وبعضها داخلي.
فالأمن القومي العربي يواجه ضغوطا أميركية وإسرائيلية وإيرانية كل منها له مطالبه وكل منها له دوافعه للسيطرة والهيمنة الإقليمية، سواء بالتهديد المباشر، أو بالاحتواء في أنظمة إقليمية بديلة شرق أوسطية كبيرة أو موسعة أو جديدة.
أما التهديدات الداخلية فهي أحد تداعيات الحرب الأميركية على الإرهاب، حيث بدأت تظهر خلايا إرهابية داخل بعض الدول العربية أخذت تتحدى السلطات الحاكمة سواء بسبب وجود تحفظات على أداء هذه السلطات أو بسبب ارتباطاتها الأمنية مع الولايات المتحدة الأميركية. فبعد الأفغان العرب ظهر العائدون من العراق، سواء أكانوا تحت تبعية تنظيم القاعدة أم كانوا يعملون وفق استقلالية تنظيمية.
المصالح العربية وتحدياتها الدولية والإقليمية
هذه الأزمات الكبرى الثلاث فاقمت من عجز الدول العربية عن الدفاع عن المصالح العربية العليا، فضلا عن ضعفها في تعظيم هذه المصالح.
والمصالح العربية العليا التي نعنيها هنا هي ما اتفق عليه في أوساط عربية علمية وأكاديمية بالمشروع النهضوي العربي.
لقد تحدث هذا المشروع عنها باعتبارها أهدافا، لكنها في الواقع مصالح عربية عليا تعظيمها هو الذي يؤدي إلى ظهور وبلورة هذا المشروع العربي للنهضة والتقدم.
وهي الإجابة على سؤال ماذا نريد كي نبني مشروعا عربيا نهضويا ومتقدما. وهي المصالح التي تؤدي تقويتها وتعظيمها والذود عنها إلى ظهور هذا المشروع النهضوي والعربي وهي:
• الاستقلال الوطني والقومي في مواجهة التبعية للخارج ومحاولات السيطرة والهيمنة وتوسيع مناطق النفوذ الإقليمية والدولية.
• وحدة الوطنية والقومية في مواجهة التقسيم والتشرذم والتجزئة من ناحية، وفي مواجهة الاستيعاب في نظم إقليمية أوسع تقضي على الهوية القومية، وتضع نهاية لظهور مشروع عربي للنهضة والتقدم من ناحية أخرى.
• الديمقراطية في مواجهة الاستبداد والتسلط.
• التنمية المستدامة والمستقلة في مواجهة التخلف والتبعية للخارج.
• العدل في مواجهة الظلم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.
• التجدد الحضاري في مواجهة الجمود والتحجر وتخلف الوعي وعدم التجديد.
هذه الأهداف –المصالح- تواجه الآن نوعين من التحديات، الأول هو عجز النظام العربي والدول العربية عن تعظيمها وتطويرها وإثرائها والدفاع عنها، والثاني تصادمها مع أطماع وطموحات قوى دولية وإقليمية تسعى إلى السيطرة والهيمنة ومد النفوذ، ومن ثم فإن أي تفكير لحماية هذه المصالح والدفاع عنها يستلزم العمل باتجاهين:
1. أولهما: تفعيل أداء النظام السياسي العربي في القيام بوظائفه الأساسية وزيادة كفاءته في العمل من أجل تعظيم هذه المصالح لمواجهة أزماته التي تحد من هذه الفعالية والكفاءة، وخاصة الأزمات الثلاث المشار إليها.
2. وثانيهما: الوعي بمواقف القوى الدولية والإقليمية من هذه المصالح، أي تصنيف مواقف هذه الدول من كل مصلحة من هذه المصالح لمعرفة ما يمكن أن يكون التقاء وما يمكن أن يكون تعارضا منها، وتطوير علاقة تعاون مع ما يمكن أن يكون تعاونا، واتباع سياسة مواجهة مع ما يمكن أن يكون صراعيا منها.
وإذا كنا قد أشرنا إلى أن الوطن العربي يعتبر من أهم مناطق الجذب للكثير من القوى الدولية والإقليمية، فإن معظم هذه القوى له اهتماماته وله مصالحه -إن جازت التسمية- في الوطن العربي، وسوف نركز هنا على القوى الدولية والإقليمية التي تفوق نوازعها الصراعية نوازعها التعاونية في تعاملها مع هذه المصالح العربية.
من بين القوى الدولية سوف نركز على الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، مع الوعي بأن قوى دولية أخرى تكاد تكون توجهاتها الآن تعاونية بنسبة عالية مع المصالح العربية، وهي قوى دولية فاعلة وطامحة للعب دور عالمي بارز على مستوى قيادة النظام العالمي وعلى الأخص روسيا والصين والهند واليابان، ومن ثم فإن الدول العربية مطالبة بتكثيف علاقاتها التعاونية مع هذه القوى الدولية، والوعي أيضا بضرورة الحد من العلاقة الأحادية مع الغرب (الأميركي–الأوروبي).
وهذه القوى الدولية يمكن أن تكون موازنا عالميا قويا في العلاقات العربية الدولية للحد من الاعتماد على الدول الغربية التي تفوق تفاعلاتها الصراعية تفاعلاتها التعاونية مع الوطن العربي خاصة الولايات المتحدة الأميركية.
ومن بين القوى الإقليمية سوف نركز على إسرائيل وإيران فهما القوتان الطامحتان للهيمنة الإقليمية، ومجال تنافسهما الأساسي هو الوطن العربي، في حين أن هناك قوى إقليمية أخرى في آسيا -خاصة تركيا) وفي أفريقيا -خاصة دول القرن الأفريقي وحوض النيل- يمكن للعرب تطوير علاقات تعاونية مميزة معها، بناء على ذلك يمكن تناول التفاعلات التالية:
في الاستقلال الوطني والقومي
هنالك مصلحة عربية في الاستقلال الوطني والقومي، وللولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تفاعلات سلبية مع هذه المصلحة العربية، لكن الموقف الأوروبي أكثر إيجابية، فهو وإن كان يسعى إلى نوع من علاقات التبعية على المستويين السياسي والاقتصادي مع الدول العربية، فإنه يمارس أنواعا أخرى من علاقات الاعتماد المتبادل، لقد مارست الدول الأوروبية في الماضي سياسات استعمارية مكشوفة لكنها الآن لم تعد تمارس هذه السياسة بشكل مباشر، وهي تفرض شروطا سياسية للتعاون الاقتصادي والحوار الثنائي واتفاقيات التجارة الحرة.
ومن بين هذه الشروط ما يتعلق بالإصلاح السياسي وهذا شرط إيجابي، لكن هناك شروطا سيئة مثل العلاقات مع إسرائيل، والتعاون الإقليمي (الأورومتوسطي) بمشاركة إسرائيلية.
أما الولايات المتحدة فتكاد تكون في مواجهة مباشرة مع هذه المصلحة العربية في الاستقلال الوطني والقومي، فهي بالإضافة السيطرة على القرار السياسي الداخلي تفرض تبعية أميركية متعددة الجوانب.
وهى ترفض تفعيل النظام العربي وحريصة على أن تتعامل بشكل ثنائي مع الدول العربية وتعارض التعامل مع تجمعات عربية، على غرار موقفها الرافض لتوقيع اتفاقية تجارة حرة مع مجلس التعاون الخليجي وإصرارها على توقيع اتفاقيات منفردة مع كل دولة على حدة، وعلى غرار توقيع اتفاقيات أمنية ثنائية مع كل دولة خليجية بدلا من اتفاقية دفاعية جماعية يمكن أن تساهم في بلورة مفهوم للأمن الجماعي الخليجي.
كما أنها تعادي جامعة الدول العربية وتسعى لاستيعاب النظام العربي في نظام إقليمي بديل تابع للإرادة الأميركية وغير مصنف إقليميا بما يهدد الهوية القومية العربية للنظام العربي، أما القوى الإقليمية فإن إيران لا تبدي نوازع لتهديد الاستقلال الوطني للدول العربية، لكنها متحفظة على التطلعات القومية العربية.
ويكشف موقفها التدخلي الراهن في كل من العراق ولبنان وفلسطين -بدرجات مختلفة بالطبع- عن هذا الحرص الإيراني على فرض نفوذ إيراني داخل دول عربية على حساب استقلالها الوطني، أما بالنسبة لإسرائيل فإن العداء يبدو سافرا للاستقلال الوطني والقومي العربي، فالاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ولأراض من دول عربية أخرى، والتهديد المستمر للأمن العربي، والتدخل السافر في العراق بمساعدة وتنسيق أميركي، والسعي لفرض النفوذ في لبنان، كلها سياسات عدائية إسرائيلية ضد مصلحة الاستقلال الوطني والقومي العربي.
القوى الدولية والإقليمية ومصلحة الوحدة العربية
لقد كان النهج الاستعماري القديم (الأوروبي) هو مبدأ "فرق تسد" والتجزئة العربية الراهنة هي نتاج مشروع تقسيمي بريطاني–فرنسي (سايكس بيكو)، والولايات المتحدة تسعى الآن إلى أكثر من سايكس بيكو جديد.
لقد شاركت بريطانيا في غزو العراق واحتلاله، لكن دولا أوروبية أخرى تدعم هذا الاحتلال، وتسعى الولايات المتحدة إلى فرض التقسيم تحت غطاء الفدرالية والطائفية السياسية في العراق وتوسيعها في دول عربية أخرى.
مشروع تقسيمي
نحن الآن أمام مشروع تقسيمي جديد لما سبق تقسيمه في سايكس بيكو، وهناك دعوات لإعادة ترسيم الخرائط السياسية في العالم العربي على أسس عرقية وطائفية والترويج لأكذوبة أن الصراعات العربية أغلبها داخلية ناتجة عن عدم التجانس الاجتماعي، أي عن تعددية البنية العرقية والطائفية، والزعم بأن الحل هو إعادة ترسيم جديد للخرائط يسمح بظهور دويلات عرقية وطائفية أكثر تجانسا.
هناك نماذج كثيرة من هذه الخرائط التي تقسم الدول العربية إلى دويلات كثيرة عرقية وطائفية. وما يحدث في العراق وما يحدث في لبنان هو تمهيد أو محاولة لفرض مثل هذه الخرائط السياسية الجديدة.
لكن هناك تقسيما آخر للعرب بين معسكر المعتدلين ومعسكر المتطرفين أو "محور الاعتدال" و"محور الشر" وهناك ترويج لمقولة "الهلال الشيعي" في محاولة لترويع الدول العربية السنية للانخراط في تحالف مع الغرب ضد إيران وسوريا ومنظمات المقاومة في فلسطين ولبنان، ودعوة وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس إلى "شرق أوسط جديد" يولد من رحم الحرب الإسرائيلية على لبنان هي تجسيد لهذه المساعي التي تدعمت باجتماعات رايس مع ما سمته دول "محور الاعتدال" أو مجموعة "6+2" أي دول مجلس التعاون الخليجي مع مصر والأردن.
وحرصها على فرض ثلاثة بنود على أجندة هذا المحور: أولها، أن يتوارى الصراع العربي–الإسرائيلي كمحدد للعلاقات والتفاعلات الإقليمية بما يسمح بتوسيع وتعميق علاقات التعاون والتطبيع العربي مع إسرائيل بغض النظر عن مستوى التقدم أو التعثر في عملية السلام، وثانيها أن يحل الصراع العربي–الإيراني بديلا للصراع العربي–الإسرائيلي ومحورا للتفاعلات الإقليمية، وثالثها تعميق الانقسامات المذهبية والطائفية وعلى الأخص بين السنة والشيعة، وأن يكون هدف "محور الاعتدال" هو احتواء الخطر الشيعي بدلا من الخطر الإسرائيلي.
إسرائيل طرف أصيل في هذه التفاعلات، وحربها على لبنان جاءت من هذا المنظور، بل إن احتلالها لفلسطين جاء من أجل الحيلولة دون تحقيق الوحدة العربية، وهى لذلك تعتبر الموجه الأساسي للسياسات التقسيمية الجديدة في الوطن العربي.
وإيران ليست متورطة في مثل هذه السياسات لكن مشروعها في العراق واستمرارها في احتلال الجزر العربية الثلاث التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة يحمل تشويها لما تريده إيران من علاقات إيجابية مع الدول العربية.
القوى الدولية والإقليمية والديمقراطية كمصلحة عربية
يمكن تلمس عنصر التقاء مهم هنا مع بعض القوى الدولية، إذ يمكن اعتبار الاتحاد الأوروبي قوة داعمة للتحولات الديمقراطية، لكن تبقى الجهود الأوروبية مشوهة بسبب الربط الأوروبي بين التحول الديمقراطي العربي وتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
أما الموقف الأميركي من الديمقراطية فهو في الواقع موقف مخادع مشكوك في نزاهته نظرا للسوابق التاريخية الأميركية المؤيدة والمتحالفة مع النظم السلطوية والاستبدادية العربية وغير العربية.
وتحرص الإدارة الأميركية على توظيف دعوة الديمقراطية كورقة ضغط على النظم العربية الحاكمة لإجبارها على تقديم تنازلات في ملفات أخرى داخلية وأخرى خارجية وخاصة ملفات الأمن القومي العربي وتفعيل النظام العربي والأحداث الراهنة في فلسطين والعراق ولبنان.
تذبذب الموقف الأميركي
لقد أثبتت الولايات المتحدة بمختلف إداراتها أنه في حالة وجود تعارض بين الدعوة للديمقراطية والمصالح الأميركية يكون الانحياز دون تردد للمصالح الأميركية والتضحية بالدعوة الديمقراطية.
وتذبذب الموقف الأمريكي وتردده في السنوات الأخيرة من دعوة التغيير الديمقراطي في الدول العربية يؤكد هذا الاستنتاج.
لقد تأكد ذلك على وجه الخصوص بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، بعد أن اكتشفت أكذوبة ما سمته بـ"السلام الديمقراطي" القائمة على فكرة أن النظم الديمقراطية لا تتحارب، وأن فرض التحول الديمقراطي على الدول العربية سوف يقود حتما إلى السلام مع إسرائيل.
تجربة فوز حركة حماس في الانتخابات قلبت هذه الفكرة رأسا على عقب، وبات من المؤكد أن الديمقراطية الحقيقية لن تأتي إلا بأعداء الولايات المتحدة وإسرائيل إلى السلطة سواء أكانوا إسلاميين أو قوميين أو يساريين أو تحالف بين هؤلاء جميعا.
ومواقف القوى الإقليمية من الديمقراطية كمصلحة عربية متمايزة، فإيران لم تعط اهتماما كبيرا لذلك ربما لأن ديمقراطيتها هي مشكوك فيها، ولكونها محكومة بنظام ثوري ديني، ولذلك فإنها بصفة عامة لا تتدخل في الشأن العربي الداخلي طالما أنه لا يتعلق بشأن إيراني أو مصلحة إيرانية.
أما إسرائيل فهي حليف للنظم الاستبدادية الحاكمة، وترى أن بقاء هذه النظم أحد أهم ضمانات الأمن الإسرائيلي، لذلك تعتبر إسرائيل أن اتفاقيات السلام والتطبيع والاتفاقيات الاقتصادية الإسرائيلية مع الدول العربية أحد أهم الأخطار التي تتهدد بعملية التحول الديمقراطي العربية.
التنمية المستدامة والمستقلة بوصفها مصلحة عربية
تظهر دول الاتحاد الأوروبي ميلا لإقامة علاقات اعتماد متبادل وتعاون مع الدول العربية، ولكنها كما أشرنا، علاقات مشروطة بالسلام العربي مع إسرائيل.
أما الولايات المتحدة فهي حريصة على فرض التبعية وممارسة أسوأ أشكال الهيمنة على الاقتصاديات العربية، من خلال دعم النظم الحاكمة المستبدة والفاشلة من ناحية، ومن خلال فرض علاقات اقتصادية تسمح باستمرار التشوه الهيكلي للاقتصاديات العربية، ودمج هذه الاقتصاديات في الاقتصاد العالمي وإخضاعها لهيمنة المؤسسات المالية الدولية.
لقد فرضت الولايات المتحدة سياسة الخصخصة وتصفية وبيع القطاع العام للحيلولة دون تمكين الدول العربية من امتلاك سياسة وطنية مستقلة قادرة على التحدي وقادرة على خوض حرب جديدة مع إسرائيل، ولتمكين الاقتصاد الأميركي ومؤسساته من السيطرة على الاقتصاديات الوطنية. وفرض ما يسمى بـ"مرتكزات التبعية" من خلال المساعدة على ظهور قوى اقتصادية اجتماعية جديدة من رجال الأعمال والقطاع الخاص تكون مشدودة بولائها نحو الخارج أكثر من ولائها للداخل الوطني، ودفع هذه القوى للسيطرة على المؤسسات الإعلامية والسياسية من أجل التحكم في القرار الوطني.
كما أن الولايات المتحدة توظف مساعداتها الاقتصادية لفرض مزيد من تطبيع العلاقات العربية–الإسرائيلية، وتمثل اتفاقيات "الكويز" مع مصر والأردن أحد النماذج المهمة جدا في هذا الإطار.
أما القوى الإقليمية فإن إيران تسعى إلى إقامة علاقات تعاون اقتصادي مع الدول العربية وتسعى لتشكيل جماعة اقتصادية إسلامية، لكنها مقيدة بالتطورات السلبية في علاقاتها السياسية مع كثير من الدول العربية.
بالنسبة لإسرائيل فإنها تأمل في إجهاض كل اندماج أو تكامل اقتصادي عربي، وتسعى إلى إفشال محاولات التنمية العربية كي تكون هي القوة الاقتصادية الحقيقية القائدة في الشرق الأوسط.
ويكشف نموذج شمعون بيريز للشرق الأوسط الجديد هذا الطموح الإسرائيلي لفرض التبعية على الاقتصادات العربية للاقتصاد الإسرائيلي، ومن ثم فإن إسرائيل تعادي أي فرص عربية لتنمية وطنية حقيقية ولأي اندماج اقتصادي عربي.
مصلحة العدل الاجتماعي والتجدد الحضاري
ربما يكون هناك قدر من الغموض إزاء مواقف القوى الدولية والإقليمية من هاتين المصلحتين، لكن بشكل عام يمكن القول إن مواقف هذه القوى تعتبر امتدادا أو محصلة لمواقفها من المصالح العربية الأخرى.
إهدار حقوق الملايين
والغرب الرأسمالي بسعيه إلى فرض اقتصاديات السوق المشوهة وسياسات الخصخصة ساهم في إهدار حقوق ملايين المواطنين العرب في الحياة الحرة الكريمة والحصول على حقوق التعليم والعلاج والعمل، كما أن العلاقات الاقتصادية المشوهة لهذه الدول مع الدول العربية ودعمها للفساد السياسي والاقتصادي جاء هو الآخر معاديا لطموحات الشعب العربي في العدالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
والسياسات الغربية الأميركية والأوروبية تسير في هذا الاتجاه، وتدعمها أيضا السياسة الإسرائيلية، وكلها في النهاية تضع العرب ضمن إطار صراع الحضارات بدلا من حوارها، وتسعى لفرض قيود هائلة على الإبداع الفكري والتعدد الثقافي من خلال فرض نماذج أحادية للعولمة الثقافية، ونموذج حضاري واحد على العالم هو النموذج الغربي.
وإسرائيل طرف أصيل في هذه المعادلة، أما إيران فهي تعتبر حليفا حقيقيا للعرب في معارك العدل والاستقلال والتجدد الحضاري، فهي التي تزعمت دعوة حوار الحضارات، وتسعى لإقامة نموذج إسلامي للديمقراطية والتقدم الاجتماعي والاقتصادي.
وتحرص على أن تتعاون سياسيا واقتصاديا وأمنيا مع الدول العربية، لكن بعض الأخطاء السياسية تعرقل هذه المساعي، بما يفرض ضرورة فتح مجالات جديدة للحوار العربي-الإيراني نأمل أن تساهم في تعميق إمكانات التعاون وتحد من مغريات الصراع بين العرب والإيرانيين.
_______________
كاتب وأكاديمي مصري
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/2A6FA92A-1FD9-4E78-ADAA-136832FF4977.htm
يعتبر الوطن العربي منطقة التقاء مصالح اقتصادية وإستراتيجية حيوية لكثير من القوى الدولية والإقليمية، فالوطن العربي يزخر بالموارد الطبيعية وخاصة الطاقة (النفط والغاز) كما أنه مركز مالي شديد الأهمية وسوق استهلاكية مغرية سواء للواردات المدنية أم العسكرية.
محمد السعيد إدريس
كما أن الوطن العربي يمثل واحدا من أهم المواقع الإستراتيجية في العالم، هو نقطة التقاء التجارة والمواصلات العالمية، من يسيطر عليه يستطيع أن يسيطر على قلب العالم، كما أنه مهد الديانات السماوية الثلاث (الإسلام والمسيحية واليهودية)، هو أرض الأنبياء والديانات ومن ثم فهو أرض حضارة وثقافة شهد لها العالم كله.
لهذه الأسباب مجتمعة كان تاريخ الوطن العربي مفعما بالغزوات والصراعات والتنافس الدولي من أجل السيطرة والاحتواء.
هذه الخصوصية يمكن أن تكون مصدرا للقوة إذا أحسن العرب إدارتها وتوظيفها، ويمكن أن تكون مصدرا للضعف إذا لم يحسن العرب توظيفها، وأحسب أننا الآن في إحدى مراحل الضعف والتفكك التي يمكن أن توصف بأنها "تاريخية" أو "كارثية"، لذلك فإن خصوصية الموقع والمكانة تحولت إلى مصادر للتهديد والخطر أكثر منها فرصا للتقدم والتطور والنهوض، كما أنها تفرض مواجهات مع قوى دولية وإقليمية طامعة أكثر مما تتيح من فرص التلاقي والتعاون.
هذه الحالة الراهنة للوطن العربي في تفاعلاته الإقليمية والدولية، حالة الصراع والمواجهة بدلا من التعاون والتنسيق تكاد تكون الغالبة باستثناءات محدودة، وهى حالة لا تعود فقط إلى خصوصية الموقع وإشكالياته، لكنها تعود أيضا إلى أن الوطن والنظام العربيين يعيشان هذه الأيام مجموعة من الأزمات المترابطة.
هذه الأزمات تساهم بتفاعلها مع خصوصية الموقع وإشكالياته في خلق هذه الحالة الصراعية وغير التعاونية مع أغلب القوى الإقليمية والدولية حول المصالح العربية العليا التي تبدو مهددة من جانب تلك القوى الإقليمية والدولية.
أزمات الوطن العربي
المصالح العربية وتحدياتها الدولية والإقليمية
أزمات الوطن العربي
يواجه الوطن العربي حاليا حلقات متداخلة من الأزمات تمثل عوائق أمام قدرته على تعظيم مصالحه من ناحية والتصدي لمحاولات قوى دولية وإقليمية النيل من هذه المصالح من ناحية أخرى. من أهم هذه الأزمات ما يلي:
1.
2. أزمة الخلل بين الدولة والمجتمع، حيث تعاني الدول العربية من اختلال كبير في التوازن بين الدولة ومؤسساتها الحاكمة من ناحية وبين المجتمع وتكويناته المختلفة من ناحية أخرى لصالح الدولة.
فبدلا من أن تكون الدولة في خدمة المجتمع أصبح المجتمع في خدمة الدولة والقوى المهيمنة على الثروة والسلطة، وبعد أن أصبحت الدولة استبدادية وسلطوية وأبوية في معظم الدول العربية، وبعد أن أخذت تشكل العلاقة مع المجتمع بما يخدم استبدادها وتسلطها، لم يعد المجتمع العربي قادرا على ضبط أداء الدولة، ولم يعد أداء الدولة يعمل في اتجاه خدمة المجتمع ومصالحه بقدر ما هو في خدمة القوى المحتكرة للسلطة وللثروة.
هذا الخلل في التوازن بين الدولة والمجتمع أدى إلى إحداث تشوهات هائلة في إدارة السياسة والحكم في كثير من الدول العربية في ظل عجز المجتمع عن مراقبة أداء مؤسسات الدولة في الداخل وعلاقاتها وأنماط تحالفاتها في الخارج.
3. أزمة الخلل بين تأثير القوى الداخلية وتأثير القوى الخارجية على القرار الوطني، فقد أدت أزمة الخلل في التوازن بين الدولة والمجتمع إلى نتيجتين خطيرتين: الأولى تهميش قدرة المجتمع على ضبط أداء الدولة ومؤسساتها وقواها الحاكمة، وما ترتب على ذلك من تعويم شرعية النظام الحاكم وتراكم عوامل عدم الاستقرار السياسي، والثانية حرص النظام الحاكم على تعميق علاقاته وارتباطاته الخارجية بحكم تزايد مصالح الدولة مع الخارج.
وهكذا أصبحنا أمام معادلة خطيرة للسياسة والحكم في كثير من الدول العربية مفادها أنه كلما اتسعت الفجوة بين النظام الحاكم ومجتمعه في الداخل كلما تعمقت ارتباطاته مع القوى الخارجية الدولية والإقليمية، وازدادت قدرة هذه القوى على التغلغل في الداخل والتأثير على توجهات القرار السياسي لدرجة أصبحت قدرة هذه القوى في التأثير على القرار العربي تفوق قدرة القوى الداخلية.
وأمامنا الآن ثلاثة أمثلة صارخة لهذه الحالة في ثلاث دول عربية تواجه اضطرابات وأزمات سياسية في الداخل هي على الترتيب: العراق ولبنان وفلسطين، فتطور الأوضاع السياسية داخل هذه الدول العربية الثلاث بات يتوقف بدرجة كبيرة على التقاء أو تباعد مصالح القوى الدولية والإقليمية، هناك دول عربية أخرى تعاني من هذه الأزمة وعلى الأخص بعد تطورات ما بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 في الولايات المتحدة.
فمنذ أن بدأت الولايات المتحدة حربها على ما تسميه "الإرهاب" اتجهت إلى ممارسة ضغوط سياسية قوية على بعض الدول التي سمتها بـ"الدول الفاشلة" التي تراها مسؤولة عن تفريخ المنظمات الإرهابية بسبب عجزها عن حل مشكلاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
هذه الضغوط أخذت في البداية شكل الدعوة للديمقراطية والإصلاح الديمقراطي ولكنها تحولت إلى "ابتزاز" وضغوط سياسية واقتصادية باتجاه أزمات سياسية عربية أخرى سواء في العراق أو فلسطين أو لبنان، من أجل تقديم تنازلات تخدم الحرب الأميركية على الإرهاب.
وقد اضطرت بعض الدول العربية إلى تقديم هذه التنازلات كي لا تقدم تنازلات في ملف الإصلاح السياسي والديمقراطي، ومن ثم أصبح القرار السياسي في هذه الدول موجها بفعل الضغوط الخارجية، وعلى الأخص الضغوط الأميركية، وبما لا يعكس اتجاهات وميول الرأي العام الداخلي ومواقف معظم القوى السياسية الداخلية.
4. أزمة الخلل في العجز عن مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية، فقد ترتب على الخلل في العلاقة بين الدولة والمجتمع والخلل في تأثير الداخل والخارج على القرار الوطني عجز مزمن في قدرة النظم الحاكمة على الأداء والإنجاز، الأمر الذي أدى إلى تراكم التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية.
فالدول العربية تواجه حاليا تحديات سياسية خارجية تتجسد في تراجع المكانة والقدرة على التأثير في الأحداث الإقليمية والدولية، كما تواجه تحديات سياسية داخلية تزيد من عوامل عدم الاستقرار السياسي بسبب غياب الحكم الديمقراطي وتراكم الضغوط الاقتصادية والاجتماعية على القطاعات الواسعة من الشعب.
كما تواجه الدول العربية تحديات اقتصادية كثيرة أهمها استشراء الفساد في الاقتصاديات العربية وضعف كفاءة الأداء الاقتصادي، وتحديات متعلقة بالثروة النفطية، وأخرى تتعلق بالتحدي المائي والتحدي العلمي والتقني، وهذه كلها أدت إلى ظهور تحدى أشد خطورة وهو المعروف بـ"تقزيم الاقتصادات العربية" وجعلها ميسرة للاختراق والهيمنة الخارجية. وذلك عبر فرض النموذج الاقتصادي الرأسمالي وشروط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمؤسسات المالية العالمية، وفي الوقت نفسه تواجه الدول العربية تحديات أمنية تهدد الأمن القومي العربي، أكثرها إقليمي وعالمي، وبعضها داخلي.
فالأمن القومي العربي يواجه ضغوطا أميركية وإسرائيلية وإيرانية كل منها له مطالبه وكل منها له دوافعه للسيطرة والهيمنة الإقليمية، سواء بالتهديد المباشر، أو بالاحتواء في أنظمة إقليمية بديلة شرق أوسطية كبيرة أو موسعة أو جديدة.
أما التهديدات الداخلية فهي أحد تداعيات الحرب الأميركية على الإرهاب، حيث بدأت تظهر خلايا إرهابية داخل بعض الدول العربية أخذت تتحدى السلطات الحاكمة سواء بسبب وجود تحفظات على أداء هذه السلطات أو بسبب ارتباطاتها الأمنية مع الولايات المتحدة الأميركية. فبعد الأفغان العرب ظهر العائدون من العراق، سواء أكانوا تحت تبعية تنظيم القاعدة أم كانوا يعملون وفق استقلالية تنظيمية.
المصالح العربية وتحدياتها الدولية والإقليمية
هذه الأزمات الكبرى الثلاث فاقمت من عجز الدول العربية عن الدفاع عن المصالح العربية العليا، فضلا عن ضعفها في تعظيم هذه المصالح.
والمصالح العربية العليا التي نعنيها هنا هي ما اتفق عليه في أوساط عربية علمية وأكاديمية بالمشروع النهضوي العربي.
لقد تحدث هذا المشروع عنها باعتبارها أهدافا، لكنها في الواقع مصالح عربية عليا تعظيمها هو الذي يؤدي إلى ظهور وبلورة هذا المشروع العربي للنهضة والتقدم.
وهي الإجابة على سؤال ماذا نريد كي نبني مشروعا عربيا نهضويا ومتقدما. وهي المصالح التي تؤدي تقويتها وتعظيمها والذود عنها إلى ظهور هذا المشروع النهضوي والعربي وهي:
• الاستقلال الوطني والقومي في مواجهة التبعية للخارج ومحاولات السيطرة والهيمنة وتوسيع مناطق النفوذ الإقليمية والدولية.
• وحدة الوطنية والقومية في مواجهة التقسيم والتشرذم والتجزئة من ناحية، وفي مواجهة الاستيعاب في نظم إقليمية أوسع تقضي على الهوية القومية، وتضع نهاية لظهور مشروع عربي للنهضة والتقدم من ناحية أخرى.
• الديمقراطية في مواجهة الاستبداد والتسلط.
• التنمية المستدامة والمستقلة في مواجهة التخلف والتبعية للخارج.
• العدل في مواجهة الظلم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.
• التجدد الحضاري في مواجهة الجمود والتحجر وتخلف الوعي وعدم التجديد.
هذه الأهداف –المصالح- تواجه الآن نوعين من التحديات، الأول هو عجز النظام العربي والدول العربية عن تعظيمها وتطويرها وإثرائها والدفاع عنها، والثاني تصادمها مع أطماع وطموحات قوى دولية وإقليمية تسعى إلى السيطرة والهيمنة ومد النفوذ، ومن ثم فإن أي تفكير لحماية هذه المصالح والدفاع عنها يستلزم العمل باتجاهين:
1. أولهما: تفعيل أداء النظام السياسي العربي في القيام بوظائفه الأساسية وزيادة كفاءته في العمل من أجل تعظيم هذه المصالح لمواجهة أزماته التي تحد من هذه الفعالية والكفاءة، وخاصة الأزمات الثلاث المشار إليها.
2. وثانيهما: الوعي بمواقف القوى الدولية والإقليمية من هذه المصالح، أي تصنيف مواقف هذه الدول من كل مصلحة من هذه المصالح لمعرفة ما يمكن أن يكون التقاء وما يمكن أن يكون تعارضا منها، وتطوير علاقة تعاون مع ما يمكن أن يكون تعاونا، واتباع سياسة مواجهة مع ما يمكن أن يكون صراعيا منها.
وإذا كنا قد أشرنا إلى أن الوطن العربي يعتبر من أهم مناطق الجذب للكثير من القوى الدولية والإقليمية، فإن معظم هذه القوى له اهتماماته وله مصالحه -إن جازت التسمية- في الوطن العربي، وسوف نركز هنا على القوى الدولية والإقليمية التي تفوق نوازعها الصراعية نوازعها التعاونية في تعاملها مع هذه المصالح العربية.
من بين القوى الدولية سوف نركز على الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، مع الوعي بأن قوى دولية أخرى تكاد تكون توجهاتها الآن تعاونية بنسبة عالية مع المصالح العربية، وهي قوى دولية فاعلة وطامحة للعب دور عالمي بارز على مستوى قيادة النظام العالمي وعلى الأخص روسيا والصين والهند واليابان، ومن ثم فإن الدول العربية مطالبة بتكثيف علاقاتها التعاونية مع هذه القوى الدولية، والوعي أيضا بضرورة الحد من العلاقة الأحادية مع الغرب (الأميركي–الأوروبي).
وهذه القوى الدولية يمكن أن تكون موازنا عالميا قويا في العلاقات العربية الدولية للحد من الاعتماد على الدول الغربية التي تفوق تفاعلاتها الصراعية تفاعلاتها التعاونية مع الوطن العربي خاصة الولايات المتحدة الأميركية.
ومن بين القوى الإقليمية سوف نركز على إسرائيل وإيران فهما القوتان الطامحتان للهيمنة الإقليمية، ومجال تنافسهما الأساسي هو الوطن العربي، في حين أن هناك قوى إقليمية أخرى في آسيا -خاصة تركيا) وفي أفريقيا -خاصة دول القرن الأفريقي وحوض النيل- يمكن للعرب تطوير علاقات تعاونية مميزة معها، بناء على ذلك يمكن تناول التفاعلات التالية:
في الاستقلال الوطني والقومي
هنالك مصلحة عربية في الاستقلال الوطني والقومي، وللولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تفاعلات سلبية مع هذه المصلحة العربية، لكن الموقف الأوروبي أكثر إيجابية، فهو وإن كان يسعى إلى نوع من علاقات التبعية على المستويين السياسي والاقتصادي مع الدول العربية، فإنه يمارس أنواعا أخرى من علاقات الاعتماد المتبادل، لقد مارست الدول الأوروبية في الماضي سياسات استعمارية مكشوفة لكنها الآن لم تعد تمارس هذه السياسة بشكل مباشر، وهي تفرض شروطا سياسية للتعاون الاقتصادي والحوار الثنائي واتفاقيات التجارة الحرة.
ومن بين هذه الشروط ما يتعلق بالإصلاح السياسي وهذا شرط إيجابي، لكن هناك شروطا سيئة مثل العلاقات مع إسرائيل، والتعاون الإقليمي (الأورومتوسطي) بمشاركة إسرائيلية.
أما الولايات المتحدة فتكاد تكون في مواجهة مباشرة مع هذه المصلحة العربية في الاستقلال الوطني والقومي، فهي بالإضافة السيطرة على القرار السياسي الداخلي تفرض تبعية أميركية متعددة الجوانب.
وهى ترفض تفعيل النظام العربي وحريصة على أن تتعامل بشكل ثنائي مع الدول العربية وتعارض التعامل مع تجمعات عربية، على غرار موقفها الرافض لتوقيع اتفاقية تجارة حرة مع مجلس التعاون الخليجي وإصرارها على توقيع اتفاقيات منفردة مع كل دولة على حدة، وعلى غرار توقيع اتفاقيات أمنية ثنائية مع كل دولة خليجية بدلا من اتفاقية دفاعية جماعية يمكن أن تساهم في بلورة مفهوم للأمن الجماعي الخليجي.
كما أنها تعادي جامعة الدول العربية وتسعى لاستيعاب النظام العربي في نظام إقليمي بديل تابع للإرادة الأميركية وغير مصنف إقليميا بما يهدد الهوية القومية العربية للنظام العربي، أما القوى الإقليمية فإن إيران لا تبدي نوازع لتهديد الاستقلال الوطني للدول العربية، لكنها متحفظة على التطلعات القومية العربية.
ويكشف موقفها التدخلي الراهن في كل من العراق ولبنان وفلسطين -بدرجات مختلفة بالطبع- عن هذا الحرص الإيراني على فرض نفوذ إيراني داخل دول عربية على حساب استقلالها الوطني، أما بالنسبة لإسرائيل فإن العداء يبدو سافرا للاستقلال الوطني والقومي العربي، فالاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ولأراض من دول عربية أخرى، والتهديد المستمر للأمن العربي، والتدخل السافر في العراق بمساعدة وتنسيق أميركي، والسعي لفرض النفوذ في لبنان، كلها سياسات عدائية إسرائيلية ضد مصلحة الاستقلال الوطني والقومي العربي.
القوى الدولية والإقليمية ومصلحة الوحدة العربية
لقد كان النهج الاستعماري القديم (الأوروبي) هو مبدأ "فرق تسد" والتجزئة العربية الراهنة هي نتاج مشروع تقسيمي بريطاني–فرنسي (سايكس بيكو)، والولايات المتحدة تسعى الآن إلى أكثر من سايكس بيكو جديد.
لقد شاركت بريطانيا في غزو العراق واحتلاله، لكن دولا أوروبية أخرى تدعم هذا الاحتلال، وتسعى الولايات المتحدة إلى فرض التقسيم تحت غطاء الفدرالية والطائفية السياسية في العراق وتوسيعها في دول عربية أخرى.
مشروع تقسيمي
نحن الآن أمام مشروع تقسيمي جديد لما سبق تقسيمه في سايكس بيكو، وهناك دعوات لإعادة ترسيم الخرائط السياسية في العالم العربي على أسس عرقية وطائفية والترويج لأكذوبة أن الصراعات العربية أغلبها داخلية ناتجة عن عدم التجانس الاجتماعي، أي عن تعددية البنية العرقية والطائفية، والزعم بأن الحل هو إعادة ترسيم جديد للخرائط يسمح بظهور دويلات عرقية وطائفية أكثر تجانسا.
هناك نماذج كثيرة من هذه الخرائط التي تقسم الدول العربية إلى دويلات كثيرة عرقية وطائفية. وما يحدث في العراق وما يحدث في لبنان هو تمهيد أو محاولة لفرض مثل هذه الخرائط السياسية الجديدة.
لكن هناك تقسيما آخر للعرب بين معسكر المعتدلين ومعسكر المتطرفين أو "محور الاعتدال" و"محور الشر" وهناك ترويج لمقولة "الهلال الشيعي" في محاولة لترويع الدول العربية السنية للانخراط في تحالف مع الغرب ضد إيران وسوريا ومنظمات المقاومة في فلسطين ولبنان، ودعوة وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس إلى "شرق أوسط جديد" يولد من رحم الحرب الإسرائيلية على لبنان هي تجسيد لهذه المساعي التي تدعمت باجتماعات رايس مع ما سمته دول "محور الاعتدال" أو مجموعة "6+2" أي دول مجلس التعاون الخليجي مع مصر والأردن.
وحرصها على فرض ثلاثة بنود على أجندة هذا المحور: أولها، أن يتوارى الصراع العربي–الإسرائيلي كمحدد للعلاقات والتفاعلات الإقليمية بما يسمح بتوسيع وتعميق علاقات التعاون والتطبيع العربي مع إسرائيل بغض النظر عن مستوى التقدم أو التعثر في عملية السلام، وثانيها أن يحل الصراع العربي–الإيراني بديلا للصراع العربي–الإسرائيلي ومحورا للتفاعلات الإقليمية، وثالثها تعميق الانقسامات المذهبية والطائفية وعلى الأخص بين السنة والشيعة، وأن يكون هدف "محور الاعتدال" هو احتواء الخطر الشيعي بدلا من الخطر الإسرائيلي.
إسرائيل طرف أصيل في هذه التفاعلات، وحربها على لبنان جاءت من هذا المنظور، بل إن احتلالها لفلسطين جاء من أجل الحيلولة دون تحقيق الوحدة العربية، وهى لذلك تعتبر الموجه الأساسي للسياسات التقسيمية الجديدة في الوطن العربي.
وإيران ليست متورطة في مثل هذه السياسات لكن مشروعها في العراق واستمرارها في احتلال الجزر العربية الثلاث التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة يحمل تشويها لما تريده إيران من علاقات إيجابية مع الدول العربية.
القوى الدولية والإقليمية والديمقراطية كمصلحة عربية
يمكن تلمس عنصر التقاء مهم هنا مع بعض القوى الدولية، إذ يمكن اعتبار الاتحاد الأوروبي قوة داعمة للتحولات الديمقراطية، لكن تبقى الجهود الأوروبية مشوهة بسبب الربط الأوروبي بين التحول الديمقراطي العربي وتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
أما الموقف الأميركي من الديمقراطية فهو في الواقع موقف مخادع مشكوك في نزاهته نظرا للسوابق التاريخية الأميركية المؤيدة والمتحالفة مع النظم السلطوية والاستبدادية العربية وغير العربية.
وتحرص الإدارة الأميركية على توظيف دعوة الديمقراطية كورقة ضغط على النظم العربية الحاكمة لإجبارها على تقديم تنازلات في ملفات أخرى داخلية وأخرى خارجية وخاصة ملفات الأمن القومي العربي وتفعيل النظام العربي والأحداث الراهنة في فلسطين والعراق ولبنان.
تذبذب الموقف الأميركي
لقد أثبتت الولايات المتحدة بمختلف إداراتها أنه في حالة وجود تعارض بين الدعوة للديمقراطية والمصالح الأميركية يكون الانحياز دون تردد للمصالح الأميركية والتضحية بالدعوة الديمقراطية.
وتذبذب الموقف الأمريكي وتردده في السنوات الأخيرة من دعوة التغيير الديمقراطي في الدول العربية يؤكد هذا الاستنتاج.
لقد تأكد ذلك على وجه الخصوص بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، بعد أن اكتشفت أكذوبة ما سمته بـ"السلام الديمقراطي" القائمة على فكرة أن النظم الديمقراطية لا تتحارب، وأن فرض التحول الديمقراطي على الدول العربية سوف يقود حتما إلى السلام مع إسرائيل.
تجربة فوز حركة حماس في الانتخابات قلبت هذه الفكرة رأسا على عقب، وبات من المؤكد أن الديمقراطية الحقيقية لن تأتي إلا بأعداء الولايات المتحدة وإسرائيل إلى السلطة سواء أكانوا إسلاميين أو قوميين أو يساريين أو تحالف بين هؤلاء جميعا.
ومواقف القوى الإقليمية من الديمقراطية كمصلحة عربية متمايزة، فإيران لم تعط اهتماما كبيرا لذلك ربما لأن ديمقراطيتها هي مشكوك فيها، ولكونها محكومة بنظام ثوري ديني، ولذلك فإنها بصفة عامة لا تتدخل في الشأن العربي الداخلي طالما أنه لا يتعلق بشأن إيراني أو مصلحة إيرانية.
أما إسرائيل فهي حليف للنظم الاستبدادية الحاكمة، وترى أن بقاء هذه النظم أحد أهم ضمانات الأمن الإسرائيلي، لذلك تعتبر إسرائيل أن اتفاقيات السلام والتطبيع والاتفاقيات الاقتصادية الإسرائيلية مع الدول العربية أحد أهم الأخطار التي تتهدد بعملية التحول الديمقراطي العربية.
التنمية المستدامة والمستقلة بوصفها مصلحة عربية
تظهر دول الاتحاد الأوروبي ميلا لإقامة علاقات اعتماد متبادل وتعاون مع الدول العربية، ولكنها كما أشرنا، علاقات مشروطة بالسلام العربي مع إسرائيل.
أما الولايات المتحدة فهي حريصة على فرض التبعية وممارسة أسوأ أشكال الهيمنة على الاقتصاديات العربية، من خلال دعم النظم الحاكمة المستبدة والفاشلة من ناحية، ومن خلال فرض علاقات اقتصادية تسمح باستمرار التشوه الهيكلي للاقتصاديات العربية، ودمج هذه الاقتصاديات في الاقتصاد العالمي وإخضاعها لهيمنة المؤسسات المالية الدولية.
لقد فرضت الولايات المتحدة سياسة الخصخصة وتصفية وبيع القطاع العام للحيلولة دون تمكين الدول العربية من امتلاك سياسة وطنية مستقلة قادرة على التحدي وقادرة على خوض حرب جديدة مع إسرائيل، ولتمكين الاقتصاد الأميركي ومؤسساته من السيطرة على الاقتصاديات الوطنية. وفرض ما يسمى بـ"مرتكزات التبعية" من خلال المساعدة على ظهور قوى اقتصادية اجتماعية جديدة من رجال الأعمال والقطاع الخاص تكون مشدودة بولائها نحو الخارج أكثر من ولائها للداخل الوطني، ودفع هذه القوى للسيطرة على المؤسسات الإعلامية والسياسية من أجل التحكم في القرار الوطني.
كما أن الولايات المتحدة توظف مساعداتها الاقتصادية لفرض مزيد من تطبيع العلاقات العربية–الإسرائيلية، وتمثل اتفاقيات "الكويز" مع مصر والأردن أحد النماذج المهمة جدا في هذا الإطار.
أما القوى الإقليمية فإن إيران تسعى إلى إقامة علاقات تعاون اقتصادي مع الدول العربية وتسعى لتشكيل جماعة اقتصادية إسلامية، لكنها مقيدة بالتطورات السلبية في علاقاتها السياسية مع كثير من الدول العربية.
بالنسبة لإسرائيل فإنها تأمل في إجهاض كل اندماج أو تكامل اقتصادي عربي، وتسعى إلى إفشال محاولات التنمية العربية كي تكون هي القوة الاقتصادية الحقيقية القائدة في الشرق الأوسط.
ويكشف نموذج شمعون بيريز للشرق الأوسط الجديد هذا الطموح الإسرائيلي لفرض التبعية على الاقتصادات العربية للاقتصاد الإسرائيلي، ومن ثم فإن إسرائيل تعادي أي فرص عربية لتنمية وطنية حقيقية ولأي اندماج اقتصادي عربي.
مصلحة العدل الاجتماعي والتجدد الحضاري
ربما يكون هناك قدر من الغموض إزاء مواقف القوى الدولية والإقليمية من هاتين المصلحتين، لكن بشكل عام يمكن القول إن مواقف هذه القوى تعتبر امتدادا أو محصلة لمواقفها من المصالح العربية الأخرى.
إهدار حقوق الملايين
والغرب الرأسمالي بسعيه إلى فرض اقتصاديات السوق المشوهة وسياسات الخصخصة ساهم في إهدار حقوق ملايين المواطنين العرب في الحياة الحرة الكريمة والحصول على حقوق التعليم والعلاج والعمل، كما أن العلاقات الاقتصادية المشوهة لهذه الدول مع الدول العربية ودعمها للفساد السياسي والاقتصادي جاء هو الآخر معاديا لطموحات الشعب العربي في العدالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
والسياسات الغربية الأميركية والأوروبية تسير في هذا الاتجاه، وتدعمها أيضا السياسة الإسرائيلية، وكلها في النهاية تضع العرب ضمن إطار صراع الحضارات بدلا من حوارها، وتسعى لفرض قيود هائلة على الإبداع الفكري والتعدد الثقافي من خلال فرض نماذج أحادية للعولمة الثقافية، ونموذج حضاري واحد على العالم هو النموذج الغربي.
وإسرائيل طرف أصيل في هذه المعادلة، أما إيران فهي تعتبر حليفا حقيقيا للعرب في معارك العدل والاستقلال والتجدد الحضاري، فهي التي تزعمت دعوة حوار الحضارات، وتسعى لإقامة نموذج إسلامي للديمقراطية والتقدم الاجتماعي والاقتصادي.
وتحرص على أن تتعاون سياسيا واقتصاديا وأمنيا مع الدول العربية، لكن بعض الأخطاء السياسية تعرقل هذه المساعي، بما يفرض ضرورة فتح مجالات جديدة للحوار العربي-الإيراني نأمل أن تساهم في تعميق إمكانات التعاون وتحد من مغريات الصراع بين العرب والإيرانيين.
_______________
كاتب وأكاديمي مصري
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/2A6FA92A-1FD9-4E78-ADAA-136832FF4977.htm
تعليقات
إرسال تعليق